قال السفير السوداني لدى تركيا، نادر يوسف الطيب، إن "الدور الخارجي هو السبب الرئيس في إطالة أمد الحرب؛ لأن قدرات وإمكانيات مليشيا الدعم السريع معروفة، ولا يمكن أن تصمد طيلة هذه الفترة لولا الدعم الخارجي الكبير والمستمر حتى الآن".

وأضاف، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن الدعم الخارجي لقوات الدعم السريع "يتمثل في الأسلحة الحديثة التي لم تكن المليشيا تمتلكها مثل المسيرات، بالإضافة للآلاف من المرتزقة من الدول الأخرى من القناصة المحترفين وخلافه".



وأشار الطيب إلى أن "حكومة السودان، وتقارير الخبراء والمنظمات المختلقة، أثبتت تورط دولة الإمارات العربية المتحدة في دعم مليشيا الدعم السريع".

وأكد أن قوات الدعم السريع "لا تحظى بأي ولاء سياسي أو شعبية بين عموم السودانيين أو القبائل حتى في دارفور؛ فبعض زعماء القبائل في دارفور يعارضونهم، ويتبرأون من جرائمهم وممارستهم الفاشية والتي تمنع أي دعم شعبي لهم في السودان، وهم يتحملون المسؤولية الكاملة عن تفاقم وتردي الأوضاع الإنسانية، وتعطيل الموسم الزراعي في ولاية الجزيرة، وولاية النيل الأزرق".


وفي 24 حزيران/ يونيو الماضي، أعلنت الأمم المتحدة أن حوالي 143 ألف شخص نزحوا من مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور جراء الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

ومنذ 10 أيار/ مايو الماضي تشهد الفاشر اشتباكات بين الجيش و"الدعم السريع"، رغم تحذيرات دولية من المعارك في المدينة، التي تعد مركز العمليات الإنسانية لكل ولايات دارفور (غرب).

وتزايدت دعوات أممية ودولية لتجنيب السودان كارثة إنسانية قد تدفع الملايين إلى المجاعة والموت؛ جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 12 ولاية من أصل 18 في البلاد.

العلاقات التركية- السودانية

وأكد الطيب أن "تركيا دولة صديقة وحريصة على استقرار وتنمية ووحدة السودان، وهناك تواصل مستمر على مستوي القيادتين ولقاءات مباشرة بين الرئيسين أخرها في أيار/ مايو الماضي بالعاصمة التركية أنقرة، وظلت سفارتها تعمل بالسودان منذ بداية الحرب وانتقلت إلى بورتسودان بعد انتقال الحكومة السودانية لهناك، وهذا يعكس اهتمام تركيا باستقرار السودان وأمنه وحرصها على المتابعة المستمرة".


ولفت إلى أن "تركيا تقدم مساعدات إنسانية عبر منظماتها الطوعية، وتشمل تلك المساعدات الأدوية والأغذية والمعدات، وظل مستشفى نيالا يعمل بطاقم تركي منذ بداية الحرب، لكن أنقرة اُضطرت لسحبه بعد دخول المليشيا المتمردة لمدينة نيالا عاصمة إقليم دارفور جنوب السودان".

وتابع: "كذلك استمرت تركيا في تقديم المنح الدراسية للطلاب السودانيين في العام الماضي، وتدرس حاليا تقديم الدعم الفني واللوجستي للجامعات السودانية لإنقاذ العام الدراسي، كما حرصت على تنفيذ البروتوكول الطبي لهذا العام، والذي بموجبه يتم علاج عشرات الحالات المستعصية مجانا، كما أكملت وكالة التنمية التركية (تيكا) ترميم قصر السلطان علي دينار بالفاشر، وترميم جزيرة سواكن، وتجري حاليا المشاورات للاستثمار في مجالي الزراعة والتعدين بالسودان".

وكشف الدبلوماسي السوداني، أن "العلاقات الثنائية بين الخرطوم وأنقرة ستشهد المزيد من التعاون والتطور خلال المرحلة القادمة"، دون أن يفصح عن أبعاد تلك التطورات المرتقبة.

محاولة انقلاب فاشلة

وقال: "مليشيا الدعم السريع بدأت الحرب عندما هاجمت مطار مروي بتاريخ 13 نيسان/ أبريل 2023، ثم باغتت الجميع بمحاولة الانقلاب الفاشلة صباح يوم 15 نيسان/ أبريل 2023؛ حيث حاولت اغتيال رئيس مجلس السيادة، واحتلت مطار الخرطوم، وحاصرت القيادة العامة، واحتلت الإذاعة والقصر الجمهوري".

وأضاف: "عندما أفشلت القوات المسلحة محاولة الانقلاب بصمودها التاريخي وصدها للهجوم المباغت لجأت المليشيا لنهب المدنيين ودخول بيوتهم عنوة واحتلالها ونهب السيارات والمقتنيات، والهجوم على المصارف والسفارات ومكاتب المنظمات الدولية وقتل المواطنين العزل، واغتصاب واختطاف الفتيات، الأمر الذي اضطر سكان العاصمة للهروب حفاظا على حياتهم".

وذكر أن "مليشيا الدعم السريع ظلت ترتكب الجرائم ضد المدنيين في كل المناطق التي تواجدت بها، وفي مدينة الجنينة (عاصمة ولاية غرب دارفور غربي السودان) مارست الإبادة الجماعية ضد قبيلة المساليت (من أشهر القبائل العريقة المستقرة بين غربي السودان وشرق تشاد)، وظلت تطاردهم وتقتلهم بلا رحمة وتدفنهم أحياء، وهذا موثق بواسطتهم".

وعبّر الطيب، في حديثه الخاص مع "عربي21"، عن استغرابه واستهجانه لمَن يصور ما يحدث بالسودان كصراع بين القوات المسلحة والدعم السريع، قائلا: "الواقع هو تمرد مليشيا الدعم السريع على السلطة، ومحاولة الاستيلاء على الحكم بالقوة، وعندما فشلوا لجأوا للتهجير القسري للمواطنين، وبالتالي كان من البديهي أن تتصدى القوات المسلحة لهذه الفوضى لحسمها، وتأمين سلامة وأمن المواطن".

لا مستقبل لـ "الدعم السريع"

وزاد: "يلاحظ الجميع حاليا أن المواطنين يفرون من المناطق التي تهاجمها المليشيا، ويحتمون بالمناطق التي تحميها القوات المسلحة، وهذا يؤكد رفض المواطن السوداني واستنكاره لتصرفات المليشيا وثقته في قواته المسلحة، وهذا يوضح للجميع مستقبل مليشيا الدعم السريع بالسودان"، متابعا: "في الواقع، هذه المليشيا لن يكون لها أي دور سياسي في مستقبل بلادنا".


وشدّد الطيب على أن "القوات المسلحة قادرة على حسم المعركة، ولديها تاريخ تليد، وسجل حافل بالإنجازات والانتصارات طيلة مائة عام، حيث حاربت خارج وداخل السودان، ويُشهد لها بالمهنية والاحترافية، وهي تلتزم بقواعد ومبادئ وقوانين الحرب، وهذا ما تتجاهله المليشيا تماما".

 وأوضح الدبلوماسي السوداني، أن "القوات المسلحة تحرص كثيرا على حماية المدنيين والمنشآت الحيوية، وهذا ما يعرقل أحيانا عملياتها العسكرية، ولكنها تتقدم من نصر إلى نصر، والمليشيا تتراجع على الأرض".

واستدرك الطيب قائلا إن "خسارة بعض المواقع لا يمكن أن تعني نهاية الحرب أو هزيمة القوات المسلحة بأي صورة من الصور؛ فالحرب سجال، وكر وفر، وكلنا على يقين تام بأن القوات المسلحة سيكون النصر حليفها في نهاية المطاف، خاصة إنها نُكبّد المليشيا خسائر فادحة بشكل يومي، وكما هو معروف العبرة بالخواتيم".

"هزيمة التمرد"

وبسؤاله عن مصير المفاوضات وجهود الوساطة التي سعت لإنهاء أزمة السودان، أجاب: "حرصت الحكومة السودانية على المشاركة في منبر جدة منذ الشهر الأول للحرب، ووقعت على عدد من الاتفاقيات لوقف إطلاق النار وإجلاء المليشيا من الأعيان المدنية ومنازل المواطنين، آخرها الاتفاقية الموقعة في 13 أيار/ مايو 2023، والتي وقّع عليها ممثلو المليشيا ولكنهم لم يلتزموا بوقف إطلاق النار أو إخلاء منازل المواطنين، وهذا يثبت عدم جدية المليشيا في التفاوض وتماديها في العدوان".

وأشار الطيب إلى أن "ميلشيا الدعم السريع ليست لديها أي رغبة حقيقية في التفاوض وإنهاء الحرب، وإذا التزمت بتنفيذ اتفاقية جدة فلا مانع من الجلوس واستئناف التفاوض".


وأردف: "المليشيا هاجمت قرية (ود النورة) في ولاية الجزيرة وقتلت 150 من مواطنيها في حمام دم ومذبحة بشعة، رغم أن القرية تخلو من أي تواجد للقوات المسلحة، وهذا يؤكد استهداف المليشيا للمواطنين وسعيها لتهجير الشعب السوداني وتغيير الهوية الديمغرافية، وبالطبع لن يسمح الشعب السوداني وقواته المسلحة بتنفيذ هذا المخطط والتآمر الدولي الذي تشارك فيه للأسف بعض الدول الصديقة والشقيقة".

وواصل الدبلوماسي السوداني، حديثه بالقول: "ستظل القوات المسلحة تدافع عن هوية وكرامة المواطن السوداني، وهي قادرة على هزيمة التمرد وإفشال المؤامرة بإذن الله تعالى، والفترة المقبلة حُبلى بالكثير من الأحداث".

ودعا القوى الإقليمية والدولية إلى "المساهمة في كشف جرائم الميلشيا المتمردة ومواجهتها وملاحقتها بالوسائل القانونية، ودعم القوات المسلحة السودانية في جهودها المشروعة لإجهاض هذا التمرد؛ والحفاظ على وحدة واستقرار السودان خاصة أن ما يحدث في السودان ينعكس سلبا على الأوضاع في المنطقة بأسرها".

ومنذ منتصف نيسان/ أبريل 2023 يخوض الجيش و"قوات الدعم السريع" حربا خلّفت نحو 15 ألف قتيل وحوالي 8.5 ملايين نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة، وقادت واشنطن والسعودية محاولات وساطة لإنهاء النزاع دون أن تثمر بعد عن استجابة لوقف إطلاق النار.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية مقابلات السوداني تركيا الإمارات قوات الدعم السريع الجيش السوداني تركيا السودان الإمارات الجيش السوداني قوات الدعم السريع المزيد في سياسة مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ملیشیا الدعم السریع القوات المسلحة

إقرأ أيضاً:

الأوضاع الإنسانية في السودان.. حقيقة أم مزايدات سياسية؟

غرد الدكتور عبد الله حمدوك، رئيس تحالف القوى المدنية، عبر حسابه الشخصي: "أجريت اتصالات بعدد من الجهات الإقليمية والدولية المعنية العاملة في المجال الصحي والإنساني وأطلعتهم على الأوضاع الصحية الكارثية في السودان وخاصة تفشي الكوليرا وأوبئة أخرى في العاصمة الخرطوم وبعض الولايات، حيث تحصد هذه الأوبئة مئات الأرواح يوميا في ظل نظام صحي منهار تماما، دعوت كافة الجهات والمنظمات الإنسانية إلى التدخل العاجل لإنقاذ السودانيين وبذل كل ما يمكن لاحتواء هذه الكارثة الصحية".

فلماذا أطلق حمدوك هذا النداء الإنساني في هذا التوقيت؟ وهل هنالك ثمة استجابة متوقعة من المنظمات الدولية والإقليمية لإنقاذ السودانيين؟ أم إن المقصود به تسليط الضوء على "النظام الصحي المنهار في السودان" على حد تعبير الدكتور حمدوك؟

الواقع أن هناك تحديات تواجه العودة الطوعية للمواطنين إلى ولاية الخرطوم، في مقدمتها تعثر خدمات المياه والكهرباء بسبب استهداف محطاتها المستمر من قبل قوات الدعم السريع، ولجوء المواطنين إلى استخدام مصادر غير آمنة للمياه مما أدى إلى انتشار مرض الكوليرا، في ظل تدمير ممنهج تعرض للقطاع الصحي أثناء انتشار قوات الدعم السريع في الخرطوم.

لماذا أطلق حمدوك هذا النداء الإنساني في هذا التوقيت؟ وهل هنالك ثمة استجابة متوقعة من المنظمات الدولية والإقليمية لإنقاذ السودانيين؟ أم إن المقصود به تسليط الضوء على "النظام الصحي المنهار في السودان"
وسارعت كيانات سياسية وإعلامية إلى تداول صور وأخبار لمرضى بمرض الكوليرا لم يتمكنوا من الحصول على الرعاية الصحية اللازمة، مما اعتبرته حكومة ولاية الخرطوم عملا ممنهجا لا يخلو من أغراض سياسية يهدف إلى القدح في قدرات الحكومة على مواجهة الأزمات الإنسانية، بعد سيطرة الحيش السوداني على كامل ولاية الخرطوم.

على الجانب المقابل، تقول حكومة ولاية الخرطوم في بيان توضيحي عن الأوضاع الصحية في الولاية إن هنالك 800 حالة فقط سجلتها مستشفيات الولاية في محلية كرري المكتظة بالسكان، وإن معظمها تماثل للشفاء، وطالبت وسائل الإعلام بتوخي الدقة في نشر المعلومات الصحية والرجوع إلى الجهات الحكومية المختصة في هذا الشأن.

لكن نقابة أطباء السودان، وهي كيان ينشط ضمن القوى المدنية المناهضة للحكومة، أشارت في بيان صادر عنها إلى 346 حالة وفاة، مما يعني أن هناك إصابات بالآلاف تتكتم عليها الحكومة، وأن وباء الكوليرا انتشر في ست ولايات هي الخرطوم والجزيرة ونهر النيل والشمالية وسنار وشمال كردفان وهي وكلها تقع تحت سيطرة القوات المسلحة السودانية.

هذا التضارب في الأرقام يؤكد أن الأزمة الإنسانية والصحية أصبحت مدخلا للتكسب السياسي، لا سيما وأن قوات الدعم السريع أيضا أشارت إلى أزمة إنسانية نافية أن تكون المياه غير الصالحة للشرب هي سبب انتشار المرض، مرجحة أسبابا أخرى. ولم تخف احتفاءها بالعقوبات المعلنة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية على حكومة السودان، تحت مزاعم استخدام أسلحة ممنوعة منتصف العام الماضي.

إلا أن وزير الصحة السوداني الدكتور هيثم محمد إبراهيم وفور وصوله إلى الخرطوم بعد مشاركته في اجتماعات منظمة الصحة العالمية في جنيف، أجرى زيارات ميدانية للوقوف على الوضع الصحي، مؤكدا في تصريح صحفي لصحيفة "الكرامة" بلوغ الإصابات حدود الألف إصابة، فيما بلغت الوفيات 3 في المئة خلال الأسبوع الأخير الذي تزايدت فيه نسبة الإصابات. وأرجع الوزير هيثم تزايد نسبة الإصابات لانتقال العدوى من مناطق سيطر عليها الجيش السوداني مؤخرا في "صالحة" و"جبل أولياء"، وهي مناطق عاشت تدهورا صحيا تحت حصار قوات الدعم السريع خلال الشهور الماضية، فيما كشفت وزارة الصحة السودانية عن استجابة مقدرة من منظمات دولية على رأسها منظمة الصحة العالمية وأطباء بلا حدود وحماية الطفولة؛ للأوضاع الصحية بمحاليل وريدية وعقاقير صحية ساعدت في السيطرة على الوباء.

والشاهد أن استغلال الأوضاع الإنسانية سياسيا إرث قديم متجدد في تاريخ الصراعات السياسية السودانية، يحاول المعارضون استقلالها لإثبات عجز الأنظمة الحاكمة عن توفير الرعاية الصحية اللازمة للمواطنين.

وتعرض القطاع الصحي في السودان لدمار غير مسبوق، حيث تعرضت مخازن الأدوية التابعة لوزارة الصحة والمنظمات الدولية العاملة في السودان وشركات القطاع الخاص للنهب منذ الأسابيع الأولى للحرب، فيما قامت قوات الدعم السريع باعتداءاته متكررة على المستشفيات شملت اعتقال الأطباء وسرقة الأجهزة والمعدات الطبية، ولم يسلم منها حتى المتطوعون في علاج المرضى في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، مما أدى إلى خروج 80  في المئة من المؤسسات الطبية عن الخدمة.

تعرض القطاع الصحي في السودان لدمار غير مسبوق، حيث تعرضت مخازن الأدوية التابعة لوزارة الصحة والمنظمات الدولية العاملة في السودان وشركات القطاع الخاص للنهب منذ الأسابيع الأولى للحرب، فيما قامت قوات الدعم السريع باعتداءاته متكررة على المستشفيات
ومع دخول آخر مناطق كانت تنتشر فيها قوات الدعم السريع غربي العاصمة الوطنية، وهي أمدرمان، تحت سيطرة القوات المسلحة السودانية، يزداد اتساع الفجوة الصحية، حيث كان يعيش آلاف المواطنين في أوضاع إنسانية متدهورة بلا ماء ولا كهرباء، وتوقف المؤسسات الصحية، فضلا عن اكتشاف معتقلات تحوي مقابر جماعية لمواطنين ماتوا بسبب التعذيب ومنعهم من الكل والشرب والدواء طيلة فترة اعتقالهم، نقلت قوات الدعم السريع معظمهم من ولاية الجزيرة وبعض أحياء الخرطوم بعد خروجها منها مجبرة أمام هجمات الجيش في الأشهر الماضية.

وتقابَل انتهاكات الدعم السريع الإنسانية بصمت وتجاهل تام من قبل المجتمع الدولي والإقليمي والقوى السياسية المتحالفة معه، وبلا شك أن قوات الدعم السريع هي المتسبب في انهيار النظام الصحي في السودان، فأول ما كانت تفعله عند دخولها لأي منطقة الاعتداء على المستشفيات والعاملين فيها وتحويلها إلى ثكنات عسكرية وتخصيص البعض منها لعلاج منسوبيها فقط، ومنع المواطنين من الاستفادة منها.

وحذرت منظمة الصحة العالمية من انهيار الوضع الصحي في السودان، حيث قال تقرير صادر حديثا عن المنظمة إنه وبعد دخول الحرب عامها الثالث غادر حوالي 14.5 مليون منازلهم، منهم أربعة ملايين فروا إلى دول الجوار في مصر وإثيوبيا وإرتريا وتشاد وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى، وعدد أقل في دول الخليج وأوروبا، نزح معظمهم بسبب الهجمات على المرافق الصحية، ونقص الكوادر الطبية وشح الأدوية المنفذة للحياة، حيث أثبتت تقارير أممية تزايد هجمات الدعم السريع على القوافل الإنسانية رغم توقيعها على اتفاق جنيف القاضي بفتح ممرات إنسانية برعاية الأمم المتحدة ومبعوثها إلى السودان رمطان العمامرة.

ويثار في السودان ما بين الحين والآخر تدهور الأوضاع الإنسانية لأسباب تتعلق بتنوع وسائل النزاع والضغط لتحقيق مكاسب سياسية، غالبا يكون وراءها الخاسر ميدانيا، فكلما تراجعت قوات الدعم السريع ميدانيا ذهبت هي وحلفاؤها السياسيون إلى وسائل سياسية ودبلوماسية لتخفيف الضغوط على قواتها المتراجعة، وربما وجدت ضالتها في الأوضاع الصحية المتدهَورة بسبب استمرار الحرب، مقرونة بإعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن عقوبات اقتصادية ستفرض على السودان مطلع حزيران/ يونيو المقبل، بسبب مزاعم باستخدام أسلحة محرمة مهدت لها وسائل إعلام أمريكية قبل أشهر دون تقديم أدلة موضوعية في هذا الشأن، في الوقت الذي رحبت فيه قوات الدعم السريع واعتبرته يعزز موقفها الداعي للتدخل الدولي في السودان لحماية المدنيين؛ الذين وللمفارقة يفرون من مناطق نفوذها إلى مواقع سيطرة الجيش والحكومة السودانية.

وللسودان تجارب طويلة في مواجهة العقوبات الأمريكية منذ عهد الرئيس كلينتون، تستخدمها الإدارة الأمريكية كأداة ضغط على الأنظمة السياسية، وأثبتت التجارب العملية ضعف أثرها المباشر على حياة السودانيين لأنها لا تتجاوز في الغالب الحظر المصرفي وتحذير الشركات والبنوك العالمية من التعامل مع المصارف السودانية، وغالبا ما تتوافر البدائل لتجاوز تلك العقوبات.

وتسود حالة من عدم التفاؤل في أوساط السودانيين بأن الإدارة الأمريكية الجديدة لن تولي حرب السودان الاهتمام اللازم، حيث تجاوزتها أجندة زيارة الرئيس ترامب إلى الخليج، ولم تذكر إلا عبر كلمات خجولة خلال خطاب الأمير محمد بن سلمان أمام القمة الخليجية الأمريكية؛ عن حرص الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية على إحياء منبر جدة الذي تجاوزه الزمن.

مقالات مشابهة

  • الجيش السوداني يتصدى لهجوم بطائرات مسيرة في أجواء بورت سودان
  • الأوضاع الإنسانية في السودان.. حقيقة أم مزايدات سياسية؟
  • تحرير الخرطوم.. هل اقتربت نهاية الميليشيات؟.. باحث يوضح
  • ستة قتلى بقصف مسيّرة تابعة لقوات الدعم السريع على مستشفى في السودان
  • الجيش السوداني يُنقذ 71 طفلاً من قبضة الدعم السريع
  • الجيش السوداني يحرر 71 طفلا من “الدعم السريع”
  • الجيش السوداني يحرر 71 طفلًا زجّت بهم قوات الدعم السريع في القتال
  • السودان .. ميليشيا الدعم السريع تقصف مستشفيين في ولاية شمال كردفان
  • قوات الدعم السريع تقصف مستشفيين في شمال كردفان
  • السودان.. ميليشيا الدعم السريع تقصف أحياء سكنية في مدينة الأبيض