من يراقب الحركة الأميركية الخارجية يلاحظ أن واشنطن تتحرّك على أكثر من خط ساخن، وتتعامل مع كل ملف على أنه منفصل عن الآخر، وإن تكن عيناها شاخصة نحو الحركة الإيرانية في المنطقة من خلال سعيها إلى ربط مصالحها في البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط عبر حلفائها سواء بالنسبة إلى حركة "حماس" في نضالها ضد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أو بالنسبة إلى "حزب الله"، الذي فتح الجبهة الجنوبية من لبنان بقرار انفرادي على رغم معارضة شريحة واسعة من اللبنانيين لتفرّده بقراري الحرب والسلم، مع ما قد يستجلبه هذا الأمر من توريط لبنان بكامله في حرب شاملة غير مهيأ لها ميدانيًا وبشريًا واقتصاديًا على المستوى الرسمي.

  فالموقف الأميركي من التوسع الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة التمدد نحو البحر الأبيض المتوسط عبر حلفائها، يُعدّ من المواضيع الحساسة والمعقّدة في السياسة الخارجية الأميركية، إذ أن الولايات المتحدة الأميركية كانت تسعى تاريخيًا إلى الحد من نفوذ إيران في المنطقة بسبب مخاوف تتعلق بأمن حلفائها الإقليميين، والاستقرار الإقليمي، ومنع انتشار التأثير الإيراني الذي تعتبره تهديدًا لمصالحها ولمصالح شركائها.   ليس سرًّا أن يقال مثلًا أن واشنطن تعتبر أمن إسرائيل واستقرارها، وكذلك الأمن والاستقرار الخاص بدول الخليج العربي، وبالأخص المملكة العربية السعودية، جزءًا لا يتجزأ من أولوياتها الاستراتيجية الخارجية، وإن كان الربط بين استقرار المنطقة وأمن دولة إسرائيل يتعارض مع الموقف العربي الموحد تجاه ما يتعرّض له الفلسطينيون من حرب إبادة وتهجير في قطاع غزة، وما يواجهه فلسطينيو الضفة الغربية من مضايقات واضطهادات واستفزازات، وكان آخرها اقتحام المسجد الأقصى من قبل المتطرفين اليهود.   فواشنطن تعتبر أن أي تمدّد إيراني نحو البحر الأبيض المتوسط عبر سوريا ولبنان يشكل تهديدًا مباشرًا لإسرائيل وحلفاء آخرين في المنطقة، وهذا ما لا تقبل به لا اليوم ولا غدًا ولا في أي وقت من الأوقات، على رغم معارضتها الظاهرية على الأقل لتمادي إسرائيل في حربها المدّمرة في غزة، مع سعيها المتواصل لمنعها من شنّ حرب واسعة على لبنان، لذي تريده آمنًا ومستقرًّا لألف سبب وسبب. وهذا لا يعني بالمفهوم الأميركي أن الوضع المتفجّر في الجنوب آيل إلى الانفراج طالما أن "حزب الله" يعلن بلسان أمينه العام وجميع مسؤوليه أن وقف العمليات التي تنطلق من الجنوب مرهون بوقف الحرب على غزة. وما دام الوضع متوترًا هناك فلا هدوء هنا. فهذه المعادلة يعرفها الأميركيون، الذين يعملون حاليًا على حصر مفاعيلها في المنطقتين الجنوبية من لبنان والشمالية من إسرائيل في انتظار ما يمكن أن تسفر عنه من نتائج مفاوضات الدوحة بعدما دخلت مصر طرفًا مساهمًا في التوصّل إلى تسوية يُعتقد أنها قطعت شوطًا متقدمًا.   وبالتوازي مع مساعيها الديبلوماسية والمفاوضات من تحت الطاولة لم توقف الولايات المتحدة الأميركية تهديداتها لإيران عبر ما تفرضه عليها من عقوبات اقتصادية شديدة الوقع على المجتمع الإيراني بهدف الضغط عليها لتقليص نفوذها الإقليمي ووقف دعمها لحلفائها مثل "حزب الله" في لبنان، والحوثيين في اليم، مع تفضيلها بالطبع استخدام الأدوات الاقتصادية والديبلوماسية، وأحياناً العسكرية، لاحتواء التمدد الإيران، ومنع طهران من فرض سيطرتها شبه الكاملة في المنطق، وذلك من خلال وجودها العسكري في عدة مواقع استراتيجية في الشرق الأوسط، بما في ذلك البحرين وقطر و العراق وسوريا. ومن بين أهداف هذا الوجود ردع أي تحركات قد تؤدي إلى تغيير موازين القوى لصالح إيران، مع تحريكها السريع لأسطولها البحري في كل مرّة تشعر فيها واشنطن أن مصالحها في المنطقة مهدّدة.   لا يخفى أن من بين أهداف المفاوضات الأميركية النووية مع طهران هدف رئيسي وهو محاولة أكبر لاحتواء النفوذ الإيراني عبر الديبلوماسية، على رغم أن إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب انسحبت من الاتفاق في 2018، وقد تعيد الكرّة في حال عودة ترامب إلى السلطة من جديد. وهذا يعني أن التحالفات الأميركية الإقليمية قد تتغير بناءً على التطورات الدولية، مثل العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا أو الصين، والتي قد تؤثر على كيفية التعاطي مع إيران حاضرًا ومستقبلًا، فضلًا عمّا تمتلكه من قوة مؤثرة على الأوضاع الداخلية في إيران، مثل الضغوط الاقتصادية والسياسية، التي قد تؤثر على قدرة النظام الإيراني على التوسع الإقليمي.   خلاصة القول أن الولايات المتحدة الأميركية لن تسمح بتمدد إيراني غير مقيد نحو البحر الأبيض المتوسط، وسوف تستمر في استخدام مجموعة من الأدوات الديبلوماسية والاقتصادية والعسكرية لمواجهة أي تحركات إيرانية تُعتبر تهديدًا لمصالحها ولمصالح حلفائها في المنطقة.
    المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: البحر الأبیض المتوسط الولایات المتحدة فی المنطقة

إقرأ أيضاً:

هل تقود الولايات المتحدة إلى صفقة شاملة في غزة؟

#سواليف

بعد ساعات قليلة من دخول #وقف_إطلاق_النار مع #إيران حيز التنفيذ، طُرحت في اجتماع #الكابنيت الإسرائيلي إمكانية أن تقود الولايات المتحدة #صفقة_شاملة تُنهي #الحرب في #غزة، أو وقف إطلاق نار طويل الأمد وفقًا لخطة ويتكوف.

هذا ما كشفته صحيفة يديعوت احرنوت ، واضافت يبدو أن مجلس الوزراء أمس قد توصل إلى إجماع بشأن الحملة العسكرية ضد إيران، لكن الخلاف كان ولا يزال يدور حول غزة.

ووفقا للتقرير فقد جادل بعض المسؤولين العسكريين خلال النقاش بأنه من غير المستحسن ربط الساحات، وأنه من الأفضل إنهاء الحملة الإيرانية بشكل منفصل عن أي اتفاق شامل.

مقالات ذات صلة وفاة دكتورة جامعية إثر حادث سير في وادي الريّان 2025/06/24

وأكد أعضاء الكابنيت هذا الصباح أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يميل إلى قبول مخطط ويتكوف لصفقة الرهائن إذا وافقت حماس.

بالإضافة إلى موقف المسؤولين الأمنيين، عارضت بعض الأحزاب الإسرائيلية أيضًا مثل هذه الخطوة ضد حماس، حتى أن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش عبّر عن معارضته العلنية، مؤكدًا أن الحرب في غزة لا يجب أن تنتهي الآن في ظل الشروط المقترحة.

وحسب قوله، لا ينبغي إنهاء الحملة في غزة إلا باستغلال التفوق العسكري واستعادة قوة الردع الإسرائيلية.

وبحسب التقرير فقد كان هناك إجماع شبه كامل في الكابنيت بشأن وقف إطلاق النار مع إيران، وإلى جانب تفصيل الإنجازات الكبيرة التي حققتها إسرائيل في الحملة، قيل إن الولايات المتحدة ستكون ضامنة لعدم عودة الإيرانيين إلى محاولات تطوير سلاح نووي.

مقالات مشابهة

  • عاجل | الملك يغادر أرض الوطن في زيارة خاصة إلى الولايات المتحدة
  • واشنطن تراقب تهديدات إيرانية.. ماذا يجري داخل الولايات المتحدة؟
  • المخابرات الأميركية: البرنامج النووي الإيراني تضرر بشدة
  • خالد عكاشة : الولايات المتحدة لا ترغب في تقديم تنازلات جوهرية في ملفات التخصيب النووي
  • رعد من أمام السفارة الايرانية: طهران قوة ردع إقليمية في المنطقة
  • عبد المنعم سعيد: الولايات المتحدة في عهد ترامب تسعى لرسم ملامح نظام دولي جديد
  • مأزق دبلوماسي أمام الفيفا قبل كأس العالم.. هل تلعب إيران على الأراضي الأميركية؟
  • الاستخبارات الأميركية: الضربات لم تدمر البرنامج النووي الإيراني
  • وزير الخارجية الإيراني: لا مفاوضات مع الولايات المتحدة ما دامت الاعتداءات مستمرة
  • هل تقود الولايات المتحدة إلى صفقة شاملة في غزة؟