لجريدة عمان:
2025-05-20@15:53:54 GMT

بلال فضل: لكي تظل في حكاياتك اللذيذة

تاريخ النشر: 24th, July 2024 GMT

بلال فضل: لكي تظل في حكاياتك اللذيذة

لا نلمح كثيرًا تصنيف «حكايات» على أغلفة الكتب. لا يبدو تصنيفًا مشجّعًا، إذ يبدو وكأنه أدنى من التصنيفات المكرّسة في القصة أو الرواية أو المقالة. تصنيف ضبابي، مثله مثل تصنيف «نص». ولو تذكّر القرّاء ما ابتُلوا به من كوارث صُنّفت على أنها «نصوص»، لن نلومهم لو انفضّوا عن هذه التصنيفات العجائبية. ولكن لو صبرنا قليلًا لنميّز، لا بد من محاولة تعريف هذه التصنيفات.

ما «الحكاية» هنا؟ بتعريف بسيط، هي نص ليس قصة بالمطلق، وليس مقالة بالمطلق، بل هجين بين الاثنين. ليست الهُجنة هنا مرتبة أدنى، بل محاولة جريئة لتكريس نوع أدبي؛ إعادة تكريس لو شئنا الدقة، إذ أن له تاريخا مديدا في التراث العربي قديمه وجديده، ولو اكتفينا بما هو راهن سنتذكّر التصنيف ذاته على أغلفة كتب لعلاء الديب وياسر عبداللطيف. أحدث كتب بلال فضل «فندق الرجال المنسيّين» (نُشر إلكترونيًّا في تطبيق «أبجد»، ويصدر ورقيًّا عن دار المشرق في القاهرة) يتبنّى هذا التصنيف بقوة، بل ربما نقول إنه سيكون المُكرِّس لصنف الكتابة هذا في السنوات القادمة، من دون أن يتحمّل مسؤولية الكوارث التي ستُكتَب تيمّنًا به وبحكاياته. الأصناف الهجينة أصعب من المكرّسة، إذ تتطلّب خطوًا حذرًا بين حدود التصنيفات، وبين حدود الفصحى والمحكية، وبين حدود ما الجاد وما الهزلي، من دون أن يكون الهزل إسفافًا. تلك خلطة يبرع فيها بلال فضل كما لا يبرع أحد من بين من أعرفهم اليوم عربيًا؛ خلطة تبدو للمتابع العجول خلطة سهلة، إلا أنّ معرفة المقادير لا تعني طبخة متقنة ولذيذة في آن.

يستند فضل في حكايات كتابه الجديد (الذي سبقه كتاب في الجنس الأدبي ذاته: «ماذا صنع الله بعزيزة بركات؟») إلى تجربته الحياتية، وخبراته الصحفية، وحصيلة قراءات كبيرة وغنية، لينتج حكايات تنطلق من الصحافة من دون أن تكون قصصًا صحفية بالمعنى الضيق للمفردة، وتنهل من أساليب السرد التخييليّ في القصة لتقدّم خلطة فريدة لا مثيل لها عربيًّا. ثمة تجارب «مشابهة»، ولا بد من إدراج المزدوجين هنا، فالتشابه شكليّ، بيد أن المضمون والبراعة لا يقارنان أبدًا. ثمة من تنقصه الخبرة، وثمة من تنقصه الحنكة، وثمة -وهم الغالبية- من تنقصه خفة الظل التي يقدّمها فضل في جرعة لا تزيد ولا تنقص عما هو مطلوب لإنجاح هذه الطبخة الحكائية. نجد منغّصات قليلة في هذه الطبخة، حين يقدّم لنا فضل ما نعرفه أساسًا، لا بمعنى مضمون الحكاية، بل بمعنى حكاية تندرج ضمن تصنيف القصة الصحفية في الغالب. لا مشكلة في القصة الصحفية بطبيعة الحال، إلا أن هذا الكتاب يطرح نفسه بكونه مغايرًا لا بكونه محض تجميع لقصص صحفية لها جمهورها وسياقها، وكتبها. نجد الحكايات «التقليدية» (بمعنى التزامها القواعد المكرّسة في الكتابة الصحفية) في كتابه السابق أيضًا، ولكن بدرجة أقل.

لو أردنا اقتباس فضل نفسه، نتذكّر توصيفه الثاقب لمسلسلات الراحل أسامة أنور عكاشة الأحدث التي يرى فضل -محقًّا- أنها أقل مستوى من أعمال عكاشة الأقدم. تصلح المقارنة ذاتها هنا بين الحكايات التقليدية (القليلة بطبيعة الحال) وبين الحكايات البلالية التي تبدو أبهى وأفضل وأبرع بدرجات كبيرة. ولكن، مجددًا وباقتباس المقارنة نفسها، نحن نتحدث هنا عن مستوى بلال فضل الذي لا يشبهه أحد، كما هو عكاشة في سيناريوهاته (رواياته التلفزيونية) البديعة. في تلك الحكايات القليلة، تتعزّز قوة وأهمية وجمال الحكايات البلالية الأخرى، إذ يعجز فضل عن بلوغ مستوى فضل، ولكن -في نهاية المطاف- ليس في وسع الكاتب أن يكتب كل يوم حكايات من مستوى «السيدة ليف وما فعلته بالراهب المتعبد»، و«شيء عفن في الزبداني»، و«ملك الجبال وسيد التلال»، و«في كابوس واحد» (من هذا الكتاب)، أو «ماذا صنع الله بعزيزة بركات»، و«عن العم صلاح وتلفزيونه اللعين»، و«لكي تظل في ضلالاتك اللذيذة» (من كتاب «ماذا صنع الله بعزيزة بركات»).

ما تقدّمه هذه الحكايات البلالية لنا الإمتاع والمؤانسة كما يشير بلال فضل دومًا، وهي تقدّم لكلٍّ منا ما يكمّل نقصه، ويُعينه في لحظات الشدائد التي تتضاعف كل يوم. ثمة جرعات كآبة عالية في الحكايات لا نجدها في نصوص بلال القديمة حين كان ما يزال في مصر ولا يزال يضحك، بل يقهقه، ويضحكنا معه. كآبة لا تعني زيادة غمّ القارئ، بل تنجح الحكايات ببراعة غريبة آسرة في حفر مكان لهذه الكآبة الجديدة بعد أن تُزيح أختها القديمة، ولكن لا بد من ألم جديد يترافق مع الكآبة الجديدة. ألم جديد علينا حين نتلقّى الحكايات، وعلى بلال حين يدخل عالمًا لا يبتعد كثيرًا عن عالمه القديم في براعة الحكي، وينأى -في الوقت نفسه- كثيرًا عن العبث اللذيذ الذي كان يسم كتاباته القديمة. ولذا ربما تبدو الحكايات التقليدية القليلة ناتئة عما سواها، بخاصة حين يكتب بلال عمّا لا يعرف تمام المعرفة. لا نجد تقليدية أو تعثّرًا في الحكايات المصرية، بل في الحكايات «الأمريكية» على الأخص.. يكتب بلال هنا بعين السائح وإن كان مقيمًا، يكتب (من دون قصد على الأغلب) بعين العابر الذي يحاول تلخيص كل شيء في عجالة، على عكس الذكريات التي بدا واضحًا أنها مشغولة بإتقان أكبر، بل ومكتوبة على دفعات، بخاصة في الحكاية المرعبة من فرط جمالها: «على هامش المشمشية»؛ نص مكتوب بدفقات الحنين من دون أن تكون نوستالجيا مكرورة، مكتوب بدفقات تنقيح المشاعر التي يبدو فضل وكأنّه يقلّم ألمها وألمه وألمنا فيها، غير أنها تُفلت من قيوده وتوجع أكثر.

يمنّ الله على بعضنا بكمّ قراءات واسع، ويمنّ على آخرين بموهبة الحكي، ويُفرِد لقلة قليلة نعمة القراءة والحكي في آن. بلال أحد هؤلاء القلة الذي يبرعون في الحكي عمّا يحبّون فيحبّبون المستمع بما أحبّوه. حكاية مثل «السيدة ليف وما فعلته بالراهب المتعبد» مثال عن تلك الحكاية الكاملة التي لا سبيل إلى تغيير حرف فيها تعديلًا أو زيادةً أو حذفًا. تضم الحكاية جميع توابل بلال المتنوّعة التي تُنكّه سرده البارع، من دون أن ينسى فيها موهبته الأخرى في القراءة، وفي الحكي عن القراءة، وفي دفع القارئ إلى عالم لا يعرفه، أو إلى عالم يعرفه ولكن من زاوية مختلفة. حكاية كهذه تدفع المرء إلى التعرّف أكثر إلى ليف أولمن، وإلى إنغمار برغمان، وأنا أحد الذين لم يشاهدوا فيلمًا لبرغمان أو أولمن ولم أقرأ مذكراتها، ولكني سأفعل لأسباب غير تلك التي اعتدت القراءة من أجلها. سأقرأ من أجل قطرات الطحينة المندلقة على لحية بلال وثيابه وهو يلتقي أولمن للمرة الأولى، ثم يمهّد بافتتاحية عابثة قبل أن يدخلنا إلى عالم مذهل تتداخل فيه الذكريات بالكتب بالأفلام بصالات السينما بوجع تقدّم العُمر، إذ يتذكّر بلال ويذكّرنا أنّ العمر ينقضي. في هذه الحكاية تذكير آخر بمهارة بلال في العبث اللذيذ الذي بقي جوهره، وإن تغيّرت سماته، إذ يترك القارئ معلّقًا حين يريد القارئ المزيد، ولكن يدرك بلال -مرة أخرى- أن وصفة الحكاية البلالية ستنكسر لو قال أكثر وحكى أكثر، وأن المزيد الذي يريده القارئ طمعًا سيثقل السرد والخفّة والبهاء.

يظن المرء أحيانًا أنه وصل إلى مرحلة قناعة مغرورة، بخاصة حين يكون من أهل الكتابة والقراءة، تتمثّل في الجملة التي لا تُقال كثيرًا: «أتمنى لو كنتُ كاتب هذا العمل». لا نقولها إلا عن كتب مضت، إذ ندرك (بدافع من وهم أو يأس) أن ما فات فات، وأن ما هو آت لن يُبهرنا إلى درجة نطق تلك الجملة. ولكن بلال موجود وحاضر ونشيط ويحرّضنا في كلّ حكاية بلالية مكتوبة أو منطوقة على التلفظ بالجملة، وبشتائم بدافع المحبّة بطبيعة الحال. ثمة ما سيتلاشى مع مرور الأيام، بخاصة حين يكون الكاتب غزير الإنتاج، وهذا أمر طبيعي يدركه فضل قبل سواه، ولكن ثمة ما يبقى ليؤسِّس جنسًا أدبيًا مستعادًا. لا نصادف يوميًّا كتابة بارعة مُؤسِّسةً، ومن هنا ندرك جمال حضور بلال فضل في هذه الأيام الموجعة.

يزن الحاج كاتب ومترجم سوري

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من دون أن کثیر ا

إقرأ أيضاً:

سيراميكا: لم نمانع إلغاء الهبوط.. ولكن ماذا لو تعرض لنادي شركات لمثل هذا الموقف ؟

 

أكد معتز البطاوي المشرف العام على الكرة بنادي سيراميكا كليوباترا، أن نادي سيراميكا لم يكن لديه اي  مانع من الغاء الهبوط ونحترم جميع الأندية الجماهيرية، ولكن كنا نتحدث عن كيفية الخروج من الأزمة.

وقال البطاوي في تصريحات مع الإعلامي كريم رمزي عبر برنامج لعبة والتانية عبر راديو ميجا إف إم:  بلغنا الرابطة  خلال الاجتماع لو نادي من اندية الشركات تعرض لنفس الأزمة هل هيتم إلغاء الهبوط من قبل الرابطة ولكن هناك حماية للأندية الجماهيرية

وأضاف البطاوي: تحدثنا عن العديد من المشاكل التي نعاني منها في الكرة المصرية وبطولة الدوري  مثل مثلا ملاعب كرة القدم، فكام ملعب من الملاعب الموجودة تصلح للعب كرة القدم، وايضا التصوير والأخراج التلفزيونية، وصبية الملاعب الصغيرة، وجودة المنتج تحتاج إلى تغيير والحضور الجماهيري.

رسميا.. الزمالك يُنهي أزمة مستحقات باتشيكو لرفع إيقاف القيد بعد أرنولد.. ريال مدريد يتحرك لحسم صفقة جديدة قبل كأس العالم للأندية

وتابع: فكرنا في موضوع الحضور الجماهيري عند الصعود إلى الدوري الممتاز في اللعب على ستاد السويس بسبب التواجد الجماهيري هناك، ولما أتكلمنا أمبارح في موضوع الغاء الهبوط اتكلمنا من نقاط كبيرة عشان يكون الكل عارف يستفيد ليس فقط الأندية الجماهيرية، إنما أندية الشركات أيضا، ومثلا تحدثنا إزاي النادي الناس تحب كرة النادي دا، جمهور الكرة يحب كرة سيراميكا كليوباترا فهدفنا أن الجميع يحب كرة جميع الفرق

وواصل:،جودة المنتج الكروي المصري تحتاج إلى كثير من الجهود، ونادي سيراميكا كليوباترا كان من المؤيدين لزيادة عدد الأجانب ولم يكن لدينا مانع في زيادة عدد الأجانب مع النادي الأهلي، ويشارك فقط خمس أجانب في المباراة واستبعاد أجنبي وحيد ولكن للاسف تم رفض المقترح وبعض الأندية رفضت لزيادة عدد الأجانب بسبب الأعباء المالية، وهذه ليس أزمة فاللاعب المصري أصبح أغلى من الأجنبي، شراء لاعب أجنبي في الوقت الحالي أصبح أقل تكلفة من اللاعب الأجنبي.

وأكلم: نسير بخط ثابتة وفي سيراميكا كليوباترا ونمتلك جهاز فني قوي بقيادة علي ماهر ولم يصادفنا الحظ في عديد من المباريات ولكن كنا نحتاج إلى التوفيق ونعمل ونحن في طور البناء كل موسم نقدم الأفضل من المواسم السابق ونطمح في الوصول إلى نهائي كأس عاصمة مصر والحفاظ على اللقب للموسم الثالث على التوالي مع ما تبقى من المباريات المتبقية في الدوري

وأختتم البطاوي: تم طرح موضوع تأجيل مباراة بيراميدز وسيراميكا كليوباترا من قبل رابطة الأندية واقترحنا أن نقف مع بيراميدز في نهائي إفريقيا ولم يكن أي أزمة من تأجيل مباراة بيراميدز ولكن الظروف والتشابك أدت إلى رفض القرار من قبل الرابطة، لا حديث يعلو عن الهبوط ولا يوجد أي أحاديث حول زلاكا أو قندوسي، وهدفنا إنهاء مسابقة الدوري والتتويج بكأس عاصمة مصر وبعدها نرى ما سيحدث

مقالات مشابهة

  • 5 نجوم كرة ينضمون لشبكة تليفزيون النهار
  • 2026 قد تحمل الفرج.. ولكن 2025 اقتصاد تركيا في وضع حرج
  • سيراميكا: لم نمانع إلغاء الهبوط.. ولكن ماذا لو تعرض لنادي شركات لمثل هذا الموقف ؟
  • حزب الإصلاح والنهضة يطلق هيكلًا جديدًا لأمانة الثقافة والفنون
  • حنان ترك تتصدر التريند بسبب أبنائها.. إيه الحكاية؟
  • صيام الماء .. تجربة مذهلة ولكن ليست للجميع
  • أمين دار الإفتاء: يجوز للمرأة الحج بدون محرم ولكن بشرط
  • دزيري: “بولبينة لم ينل ما يستحقه محليا”
  • انتهاء الموجة الحارة ولكن.. الأرصاد توضح التفاصيل
  • قمة الورق والحبر… وباقي الحكاية في غزة