طهران- تقف كل من طهران وواشنطن أمام ترسيم ملامح 4 أعوام جديدة، ومن المعروف أن هناك قضايا كبيرة مشتركة بينهما، تحوّل المواجهة بين الخصمين إلى سير في طريق واحدة في برهة من الزمن، بينما تنتظر الحكومتين ملفات معقدة، مثل الحرب على غزة وامتدادها في المنطقة، والبرنامج النووي الإيراني، والعقوبات المفروضة على إيران، والملف الصاروخي الإيراني.

وفرض الموعد المبكر للانتخابات الإيرانية أن تسبق الأميركية بـ6 أشهر فقط، بمعنى أن الطرفين سيكونان أمام 4 سنوات واضحة من حيث السياسات، وهذا قد يسهل الطريق لحل بعض القضايا العالقة، لكنه يتعين على الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان أن ينتظر 6 أشهر حتى موعد انتخابات الولايات المتحدة لترسيم سياساته بشأن وعده الرئيسي المتمثل برفع العقوبات.

ويأمل الإيرانيون في ظل تراكم الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية أن يتمكن رئيسهم الجديد من التوصل إلى اتفاق مع واشنطن لرفع العقوبات، إذ يعتقد بعضهم أن كل الأزمات هي نتيجة لأزمة الاقتصاد الناتجة عن العقوبات.

رفع العقوبات

خلال فترة حكم الديمقراطيين في واشنطن، لم تتمكن حكومة الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي من التوصل إلى اتفاق مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن للعودة إلى الاتفاق النووي الذي انسحب منه المرشح الجمهوري والرئيس السابق دونالد ترامب، بعد أن أُبرم بين إيران ودول 5+1 في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما.

وأكدت مصادر للجزيرة نت أن المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي سحب ملف المفاوضات النووية في مارس/آذار الماضي من وزارة الخارجية في حكومة رئيسي، الذي كان يتولاها الوزير الراحل حسين أمير عبد اللهيان، وحوّله إلى مستشاره علي شمخاني الذي كان أمينا عاما لمجلس الأمن القومي في عهد الرئيس الأسبق حسن روحاني الذي أبرم الاتفاق النووي.

في هذا السياق، قال الباحث السياسي عرفان بجوهنده إن القضية الرئيسية بين طهران وواشنطن هي العقوبات الناتجة عن الملف النووي، والتي تعرقل الاقتصاد والسياسة الخارجية في إيران، معتبرا في حديثه للجزيرة نت أن هذا ما يحدد نظرة طهران تجاه من يجلس في البيت الأبيض.

ويعتقد بجوهنده أن الديمقراطيين في واشنطن يبقون هم الخيار الأفضل بالنسبة لطهران، ومن المتوقع أن يتمكن الرئيس الإيراني الجديد من التوصل إلى اتفاق مع المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس في حال توليها منصب الرئاسة في الولايات المتحدة، حيث إن بزشكيان إصلاحي ويتفق مع الديمقراطيين في واشنطن بتعددية الأطراف.

ويرى الباحث أن المفاوضات مع الديمقراطيين أسهل من التفاوض مع ترامب الذي يعتقد بتعيين الشروط من جانب واحد فقط، إضافة إلى أنه يعتقد بحل كل القضايا أو لا قضية، بينما طهران تريد حلحلة قضية العقوبات فقط، فضلا عن أن ترامب لم يعد "ورقة بيضاء"، بل جربته طهران خلال فترة رئاسته التي قُتل فيها قائد فيلق القدس قاسم سليماني الذي يعتبر رمزا وطنيا في إيران.

وأكد أن التحدي الفوري الذي سيواجه الحكومتين الجديدتين في طهران وواشنطن هو الحرب في المنطقة، بينما سيكون التحدي الأكبر والأبعد هو الاتفاق النووي، إذ من الممكن أن ترفع إيران نسبة تخصيب اليورانيوم لتضغط على الغرب.

إيران وإسرائيل

ويرى الخبير في الشؤون السياسية رحمن قهرمان بور أن التجربة التاريخية تُظهر أن حضور كامالا هاريس في البيت الأبيض بالنسبة لإيران أفضل من ترامب، حيث إنه يمتلك شخصية لا يمكن التنبؤ بها، ومن الصعب التوصل إلى اتفاق معه، وإن حصل فإن تنفيذه سيكون صعبا.

ويرى قهرمان بور في حديثه للجزيرة نت، أن رئاسة ترامب في السابق أظهرت أنه يبحث عن المزيد من الضغط على إيران من خلال سياسته في الشرق الأوسط كي يجبرها على الموافقة على شروطه، وهو ما يجعل الاتفاق مع ترامب صعبا، وإن حدث فإنه سيحمّل إيران تكلفة كبيرة.

في المقابل فإن الديمقراطيين يتعاملون مع دولتهم كمؤسسات، ولا يتخذون قراراتهم بشكل فردي، وهذا يسهل الأمر على إيران للتوصل إلى اتفاق وتنفيذه، وفق رأي الخبير الذي رأى أن التحدي المشترك بين طهران وواشنطن هي قضية حرب غزة، حيث إن طهران تريد إنهاء الحرب لوقف القتل، وواشنطن تريد ذلك خشية على مكانتها واعتبارها.

وختم قهرمان بور بالقول إن قضية المواجهة بين إيران والاحتلال الإسرائيلي في المنطقة تشكل تحديا كبيرا بين طهران وواشنطن، حيث إن كليهما لا يريدان تخطي الخطوط الحمر في هذه المواجهة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات التوصل إلى اتفاق مع طهران وواشنطن حیث إن

إقرأ أيضاً:

انعكاسات صفر تخصيب على المفاوضات النووية بين طهران وواشنطن

طهران- على خلاف إشارات طرفي المفاوضات عن التقدم فيها، يعود الجدل بشأن البرنامج النووي الإيراني إلى الواجهة مع إصرار واشنطن على مطلب "صفر تخصيب على الأراضي الإيرانية" مقابل رفض طهران، مما يطرح تساؤلا عن الصناعات الإيرانية التي قد تشملها سياسة "التصفير" الأميركية؟

وفي ظل التصعيد المتبادل بين إيران والولايات المتحدة منذ عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، يتمسك الجانبان بخطوطهما الحمراء وذلك ما يهدد بانهيار المحادثات، لأن "التصفير" يكاد يتحول إلى ظاهرة في سياسة واشنطن حيال طهران بعد ممارستها ضغوطا لتصفير صادرات الخام الإيراني.

وبينما يزداد المشهد تعقيدا مع انتهاء مهلة الشهرين التي حددها ترامب للتوصل إلى اتفاق وتهديده باللجوء إلى الخيار العسكري في حال فشل المسار الدبلوماسي، ترفض إيران ما وصفته "بالضغوط غير القانونية والتناقض في المواقف الأميركية"، مؤكدة أنها لن تفرط بحقها في تخصيب اليورانيوم كما أنها لن تقبل بتفكيك منشآتها النووية.

الموقف الإيراني

ويعتبر رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني إبراهيم عزيزي أن المطالب الأميركية "مفرطة ومتشددة وتُعدّ خروجا عن إطار المفاوضات البناءة"، متسائلا أنه إذا لم تحقق المباحثات منفعة للشعب الإيراني، فما الفائدة من استمرارها؟".

إعلان

وفي حديثه للجزيرة نت، يقول عزيزي إنه إذا كان مسار الحوار يقوم على إنكار حقوق الشعب الإيراني فإن مواصلته تعتبر إضاعة للوقت، مؤكدا أن البرلمان يراقب بدقة مسار المفاوضات، ويطالب وزارة الخارجية بالوقوف أمام هذا النهج الذي يمثل "تجاوزا للخطوط الحمر الإيرانية".

وتابع أن قانون "العمل الإستراتيجي لإلغاء العقوبات وحماية حقوق الشعب الإيراني"، الذي أقره البرلمان في ديسمبر/كانون الأول 2020، يُلزم الحكومة بضمان هذه الحقوق ومنها "تخصيب اليورانيوم"، مؤكدا أن الإصرار على تصفير التخصيب في طهران يدل على عدم وجود إرادة حقيقية لدى الجانب الأميركي بشأن الملف النووي الإيراني.

وبرأيه، فإن بلاده لن تقبل المساومة على خطوطها الحمراء وإن الدولة لن تسمح لأي جهة بالتفاوض على حساب الحقوق المشروعة للشعب الإيراني، ذلك لأن معاهدة حظر الأسلحة النووية "إن بي تي" تضمن لجميع الأعضاء تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية بما يتناسب وحاجة البلاد.

وختم عزيزي بالقول إن المواقف والمطالب الأميركية في وسائل الإعلام تختلف عما تطرحه على طاولة المفاوضات، و"نرى أن هذا التناقض ناتج عن نفوذ أطراف أخرى على الوفد الأميركي المفاوض أو أنه لا يمتلك الاختيار اللازم لاتخاذ قرار نهائي في غرف التفاوض".

سياسة ضغط

وبينما اعتاد الإيرانيون، منذ انخراط بلادهم في مفاوضات نووية مع الولايات المتحدة، على قراءة أخبار العقوبات التي تفرضها واشنطن على طهران بين الفينة والأخرى، يحذر مراقبون من تحوّل "التصفير" إلى مبدأ ثابت في العلاقات المتوترة بين البلدين.

ويذهب طيف من المراقبين في إيران إلی أن العقوبات الرامية إلى تصفير صادراتها من النفط "أداة لإرغامها على الرضوخ أمام السياسات الأميركية"، في حين تعتقد شريحة أخرى أن تصفير التخصيب "غاية تسعى واشنطن لتحقيقها من أجل تحييد مرتكزات الردع الإيراني".

إعلان

من جانبه، يقرأ الأكاديمي الباحث في العلاقات الدولية ياسر شاماني المطلب الأميركي في سياق المساعي الرامية إلى نزع قدرات إيران الردعية وصولا إلى نقطة "صفر ردع"، مؤكدا أن السلطات الإيرانية قد اتخذت قرارا بإفشال هذه السياسة سواء كانت تستهدف بيع النفط أو تخصيب اليورانيوم، ولا يستبعد أن تشمل صناعات إستراتيجية أخرى.

ويصف شاماني المطلب الأميركي القاضي بوقف التخصيب في إيران، مقابل رفع جزء من العقوبات عنها، بأنه "معادلة مستحيلة" قد تنسف المسار الدبلوماسي بالكامل، لكنه سرعان ما يستدرك أن طرفي المفاوضات بحاجة إلى اتفاق نووي يضع حدا للأزمة الراهنة وأنهما سيحافظان على "شعرة معاوية" في المحادثات الجارية.

وفي حديثه للجزيرة نت، يضيف أن الجانب الأميركي يريد حلا لملفاته الشائكة مع إيران يضمن تحييد الهواجس التي قد تعترض سياساته في الشرق الأوسط من ناحية طهران أو حلفائها الإقليميين، لأن البديل للاتفاق سيكون مكلفا جدا لواشنطن وحلفائها.

خط أحمر

وتوقع الباحث شاماني أن تستمر المفاوضات عبر طرح أحد طرفيها مبادرات ملموسة أو وهمية كلما بلغت طريقا مسدودا، بأمل التوصل إلى حل دبلوماسي يبعد الخيار العسكري عن طهران ويجنب واشنطن المقامرة باستثماراتها في الشرق الأوسط.

ويرى أنه خلافا للجانب الإيراني الذي يعتبر تخصيب اليورانيوم خطا أحمر، فإنه لا يستبعد تراجع الجانب الأميركي عن مطلبه شريطة تحقيقه هدفا لافتا يعد إنجازا لإدارة ترامب في عامها الأول مثل تطبيع العلاقات السياسية وإعادة فتح السفارات لدى الجانبين.

ووفقا له، فإن التخوفات من شن إسرائيل هجمات خاطفة على المنشآت النووية الإيرانية ستبقى واردة لاستدراج واشنطن إلى أي صراع محتمل بين طهران وتل أبيب، وذلك ما يبرر لإيران الإصرار على مواصلة التخصيب والمحافظة على مخزونها من اليورانيوم العالي التخصيب كورقة ردعية أمام المخططات الإسرائيلية.

إعلان

وانطلاقا من رهان طهران على حاجة ترامب لإنجاز سريع يعزز حظوظه في الرئاسيات المقبلة، تعوّل واشنطن على نجاعة سياسة الضغوط القصوى في تضييق الخناق على اقتصاد إيران لحثها على القبول بمطالبها، بما یشير إلی استمرار معركة عضّ الأصابع عبر المسار الدبلوماسي الناعم ومسارات القوة الخشنة الموازية حتى إشعار آخر.

وفي ظل التصعيد الذي يخترق -بين الفينة والأخرى- التصريحات الرسمية الدالة علی إيجابية المباحثات النووية، تتساءل الأوساط السياسية في إيران عما إذا كانت واشنطن ستتراجع عن مطلب "صفر تخصيب" للقبول بحلول وسطية لا تشكل مساسا بقدرات طهران الردعية؟ أم إن تصادم الخطوط الحمر سيدفع أحد الطرفين إلى اتخاذ قرارات لا تحمد عقباها؟ الإجابة ستحسمها نتيجة الجولات المقبلة من المفاوضات النووية.

مقالات مشابهة

  • واشنطن: ترامب ونتنياهو بحثا اتفاقا محتملا مع إيران
  • إيران: لسنا في عجلة لاستئناف العلاقات مع الحكومة السورية الجديدة
  • برعاية عمانية.. جولة خامسة من المحادثات بين طهران وواشنطن في روما
  • إسرائيل تستعد لهجوم نووي محتمل على إيران وواشنطن تحاول إطفاء نيران التوتر
  • انهيار محتمل للاتفاق النووي.. طهران وواشنطن يتمسكان بشروط متضادة
  • رويترز: إيران تفتقر لخطة بديلة واضحة وستتجنب تصعيد التوتر
  • الخطوط الحمراء تتعارض.. إيران تناور أميركا بخطة بديلة "هشة"
  • انعكاسات صفر تخصيب على المفاوضات النووية بين طهران وواشنطن
  • الهاوية النووية.. طهران ترفع نبرتها وواشنطن تحفر الخطوط الحمر
  • إيران تتلقى مقترحا لجولة خامسة من المحادثات النووية