توجه أوروبي نحو التطبيع مع نظام الأسد.. هل تتخلى أوروبا عن اللاءات الثلاث؟
تاريخ النشر: 30th, July 2024 GMT
يشهد الموقف الأوروبي من النظام السوري تغيرات جذرية بدأت تخرج إلى العلن في الآونة الأخيرة، على وقع إعلان إيطاليا استئناف عمل بعثاتها الدبلوماسية في دمشق وتعيين سفير لها، وهي الخطوة التي جاءت بالتزامن مع تحرك كتلة في الاتحاد الأوروبي للمطالبة بالتخلي عن "لاءات أوروبا الثلاث" التي تحدد موقع التكتل من بشار الأسد ونظامه.
وكان بشار الأسد كسر عزلته الدولية التي فرضت عليه بعد قمعه الوحشي للاحتجاجات الشعبية التي انطلقت عام 2011، بعدما بدأت دول عربية بتطبيع علاقاتها معه، الأمر الذي أدى إلى حضور رئيس النظام السوري إلى قمتين متتاليتين لرؤساء دول الجامعة العربية، كان أولهما في أيار /مايو عام 2023.
وبدعم من حليفته الرئيسية روسيا، بدأ النظام بالتفاعل بشكل إيجابي مع مبادرات تركيا الرامية لتطبيع العلاقات بعد قطيعة استمرت لأكثر من 12 عاما، حيث من المتوقع بحسب تقارير صحيفة أن يلتقي الأسد وأردوغان خلال شهر آب/ أغسطس القادم من أجل تدشين مرحلة جديدة من العلاقات بين الجانبين.
في غضون ذلك، تتجه العديد من الدول الأوروبية في ظل التجاهل الأمريكي والتوجه العربي والإقليمي نحو الأسد، إلى دفع الاتحاد الأوروبي إلى إجراء تغييرات جذرية في سياسته تجاه النظام السوري، بما في ذلك التخلي عن "اللاءات الثلاث" المتعلقة بالتطبيع وإعادة الإعمار ورفع العقوبات.
ومنذ قطع الدول الأوروبية والغربية علاقاتها مع نظام الأسد واستدعائها بعثاتها الدبلوماسية عام 2012 بسبب "العنف غير المقبول" الذي واجه فيه النظام الاحتجاجات الشعبية التي عمت البلاد عقب اندلاع الثورة السورية في آذار /مارس 2011، شكلت لاءات أوروبا الثلاث (لا لرفع العقوبات عن النظام، لا لتطبيع العلاقات ، لا لإعادة عمار ما لم يتم تحقيق تقدم ملموس في العملية السياسة حسب القرار الدولي 2254) المرجعية الرئيسية للموقف الأوروبي تجاه الحرب الدموية التي شهدتها سوريا، والتي لا تزال ترزح تحت وطأة تداعياتها إلى الآن.
دعوات للتخلي عن "اللاءات الثلاث"
والأسبوع الماضي، أعلنت إيطاليا استئناف علاقاتها الدبلوماسية مع النظام السوري، كما عينت المبعوث الخاص لوزارة الخارجية حاليا إلى سوريا ستيفانو رافانيان، سفيرا لها، لتصبح بذلك أول دولة من مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى، التي تستأنف عمل بعثتها الدبلوماسية في دمشق.
وجاءت الخطوة الإيطالية بعدما أرسل وزراء خارجية النمسا وقبرص وجمهورية التشيك وإيطاليا وكرواتيا وسلوفينيا واليونان وسلوفاكيا، رسالة مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد جوزيب بوريل، تدعوه فيها إلى التفاعل مع التقارب العربي مع النظام السوري، الذي أسفر عن إعادة دمشق إلى مقعدها الجامعة العربية.
وبحسب الرسالة التي نشرت مجلة "المجلة" نصها، فإن وزراء الدول الأوروبية المشار إليها، اقترحوا إعادة النظر في الاستراتيجية الأوروبية المعتمدة في عام 2017 والتي تقوم على "اللاءات الثلاث"، معتبرين أن "الوضع على الأرض في سوريا وما حولها بشكل كبير. حيث استعاد النظام السوري السيطرة على حوالي 70 بالمئة من الأراضي، بينما استقرت المناطق خارج سيطرته نسبيا".
ولفتت الرسالة إلى التطبيع العربي مع نظام الأسد للاستدلال على وجود "ديناميكية إقليمية جديدة"، كما لفتت إلى تدهور الأوضاع الإنسانية في البلاد والتردي الاقتصادي الكبير، بالإضافة إلى استمرار هجرة السوريين نحو القارة الأوروبية "الأمر الذي شكل ضغطا إضافيا على دول الجوار، في فترة يزداد فيها التوتر في المنطقة".
ولطالما برز ملف اللاجئين السوريين الذي غادروا بلادهم هربا من قمع النظام والحرب الدموية التي عمت البلاد خلال العقد الأخير، كأحد أبرز المحركات التي تدفع الدول إلى العمل على تطبيع علاقاتها مع بشار الأسد، لاسيما في البلدان التي تشهد صعودا لليمين المتطرف المعادي للاجئين.
ويرى الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش، أنه "عند النظر إلى دور قضية اللاجئين في صعود اليمين المتطرف إلى السلطة، نستطيع أن نلاحظ تأثير هذا الصعود على تحول سياسات بعض الدول الأوروبية تجاه الصراع السوري".
ويضيف في حديثه لـ"عربي21"، أن "الخطوة الإيطالية هي بداية انهيار الإجماع الأوروبي في الموقف تجاه نظام الأسد وتفسح المجال أمام دول أوروبية أخرى لإعادة تطبيع علاقاتها بدمشق. كما تعكس الكيفية التي تعمل قضية اللجوء على إحداث انقسام في السياسة الأوروبية تجاه الصراع".
وكانت الأزمة السورية أجبرت ما يقرب من 12 مليون سوريا على مغادرة منازلهم بين نازح داخل البلاد ولاجئ في دول الجوار والدول الأوروبية، ورغم تراجع حدة المعارك بين النظام السوري والقوى المسيطرة على مناطق مختلفة من سوريا بما في ذلك قوى المعارضة في الشمال، إلا أن لا يزال كثيرون يحاولون الوصول إلى أوروبا إما عبر تركيا أو شمال أفريقيا بتسبب تدهور الأوضاع الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية وانعدام أي حل سياسي في الأفق.
وعلى الصعيد الأوروبي، تعد ألمانيا أكثر دول اتحاد الأوروبي استقبالا للاجئين السوريين حيث يزيد إجمالي عددهم على 780 آلف لاجئ، في حين تأتي السويد في المرتبة الثانية ومن بعدها هولندا. وعلى الرغم من توجه إيطاليا نحو التطبيع مع النظام وسط مخاوفها من ملف اللجوء، إلا أن روما تعد من أقل الدول الأوروبية استقبالا للاجئين السوريين بحصيلة لا تتعدى الآلاف.
مدير قسم التحليل السياسي في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، سمير العبد الله، يرى أن "إيطاليا كانت تميل لموقف النظام السوري طوال سنوات الحرب، حيث لم تنقطع الاتصالات الاستخباراتية بينهما، وزار علي مملوك ( أحد أشهر الشخصيات الأمنية والاستخبارية في نظام الأسد) إيطاليا عدة مرات رغم وجوده على قائمة العقوبات".
ويستدرك في حديثه لـ"عربي21"، "لكن يبدو أن إيطاليا بهذه الخطوة تريد تحقيق مكاسب اقتصادية في مرحلة إعادة الإعمار، خاصة مع كثرة الحديث عنها مؤخراً، لذلك جاءت هذه الخطوة لتعكس رغبة إيطاليا في اتخاذ موقف متقدم لتحسين علاقاتها مع النظام السوري ولعب دور في إعادة إعمار البلاد".
دور اليمين المتطرف
ويأتي تحرك دول أوروبية لصالح التقارب مع النظام السوري على وقع صعود اليمين المتطرف في العديد من الدول الأوروبي، الذي "تواصل أيديولوجياته في الانتشار واكتساب الزخم"، حسب تقرير سابق لـ"واشنطن بوست".
وتشهد إيطاليا حكومة هي "الأكثر يمينية منذ حكم الزعيم الفاشي بينيتو موسوليني"، حسب تقرير لشبكة "سي إن إن" الأمريكية، ذكر أن هناك عدة أسباب وراء "الطفرة الشعبوية"، ترجع بشكل عام إلى "معاناة عدة دول أوروبية من تباطؤ الاقتصاد وارتفاع معدلات الهجرة وزيادة أسعار الطاقة".
ويشير العبد الله، إلى أن "الموقف من قضايا اللاجئين هو المحرك الأساسي لأحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، فهذه الأحزاب تسعى لكسب الأصوات في الانتخابات من خلال الترويج بأن إعادة العلاقات مع النظام السوري قد تحل أزمة اللاجئين وتحد من المخاطر الأمنية".
و"غالبا ما تتبنى هذه الأحزاب مواقف متشددة تجاه اللاجئين ولا تجد مشكلة في التعامل مع نظام الأسد لتحقيق أهدافها الانتخابية والسياسية"، وفقا لمدير قسم التحليل السياسي في مركز حرمون.
وعلى الرغم من التصدعات في الموقف الأوروبي تجاه دمشق، إلا أن الدول التي تقود الموقف الغربي من النظام السوري مثل الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، لا تزال تظهر رفضا لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد.
وكانت واشنطن أعربت عن رفضها لمسار التقارب الذي تنتهجه أنقرة لتطبيع علاقاتها مع دمشق، في استبعدت ألمانيا تطبيع العلاقات مع النظام السوري الذي "يواصل ارتكاب جرائم".
والاثنين، الماضي، قالت وزارة الخارجية الألمانية، إنه "من الواضح أن النظام السوري يمنع حاليا أي تقدم في العملية السياسية وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، ويواصل ارتكاب أخطر جرائم حقوق الإنسان ضد شعبه بشكل يومي".
وأشارت إلى أنه "طالما أن الأمر كذلك، فلا يمكن أن تكون هناك رغبة حقيقية في تطبيع العلاقات مع النظام السوري".
علوش، يرجح أن "نشهد مزيدا من التحول الأوروبي تجاه الأسد، لكن مثل هذا التحول سيعمق الانقسام في سياسة الاتحاد الأوروبي وسيقوض قدرته على تقديم سياسة متماسكة".
"تراجع الدور الأمريكي"
وحول موقف الولايات المتحدة ودوره في تزايد أعداد الدول المتجهة إلى تعويم نظام الأسد، فإن علوش يلفت في حديثه لـ"عربي21"، أن "جانب رئيسي من دوافع التحولات الإقليمية والدولية في الصراع السوري مرتبط بتراجع الدور الأمريكي".
و"هذا التراجع يعمل كمحفز لبعض الدول لتغيير سياساتها في الصراع. نحن أمام سياسة أمريكية غير متماسكة في سوريا"، حسب الباحث.
ويوضح علوش، أن "الأمريكيين يعارضون الانفتاح على الأسد لكنهم لا يستخدمون نفوذهم لمنع حلفائهم في المنطقة من كسر عزلة الأسد. وفي حال عودة محتملة لترامب إلى البيت الأبيض، قد نشهد تحولا أمريكيا أكبر في سوريا".
وكانت الولايات المتحدة، على الرغم من معارضتها علنا للتطبيع مع نظام الأسد، إلا أنه لم تحول دون التقارب العربي مع النظام السوري. والآن تعمل تركيا على تطبيع علاقاتها مع دمشق في وقت يبدو فيه الملف السوري في أدنى قائمة أولويات واشنطن، التي تضع ثقلها في ملف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، في وقت تستعد فيه البلاد لانتخابات رئاسية قد تخرج الإدارة الديمقراطية من البيت الأبيض وتعيد الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب.
العبد الله، يعتبر أن "الصمت الأمريكي لا يمكن اعتباره بمثابة ضوء أخضر للمضي في التطبيع مع النظام السوري، والإدارة الأمريكية الحالية لم تؤيد هذه الخطوات بشكل صريح، لكنها لم تهدد الدول التي تقوم بالتطبيع مع النظام".
ويوضح في ختام حديثه لـ"عربي21"، أن "هذا الموقف قد يستمر حتى الانتخابات الأمريكية القادمة، حيث يمكن أن تأتي إدارة جديدة بموقف مختلف، فالإدارة الحالية ترى في هذه الخطوات وسيلة لتعديل سلوك النظام السوري فقط، وخاصة أنه وقف موقف محايد من الحرب في غزة".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية إيطاليا أوروبا الأسد سوريا سوريا الأسد إيطاليا أوروبا المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تطبیع علاقاتها مع مع النظام السوری الدول الأوروبیة الدول الأوروبی الیمین المتطرف تطبیع العلاقات مع نظام الأسد العلاقات مع التطبیع مع حدیثه لـ إلا أن
إقرأ أيضاً:
الاستثناء السوري عربيا
منذ انطلاق الربيع العربي 2010 ـ 2011، شكلت الحالة السورية استثناء عربيا لجهة فشل الثورة في إسقاط رأس النظام بشار الأسد كما جرى في تونس ومصر وليبيا، في وقت شكلت استثناء أيضا لجهة العنف الذي استخدمه النظام تجاه الثورة، وهو عنف لم تعرفه بلدان الربيع العربي على الإطلاق.
فشل الثورة
ثمة أربعة أسباب رئيسية استثنائية انفردت فيها الحالة السورية مقارنة بنظيراتها العربية، تفسر فشل الثورة، أو تأخرها أربعة عشر عاما لتحقيق هدفها في إسقاط النظام:
1 ـ طبيعة نظام الأسد الذي نجح في إقامة تحالفات عابرة للطوائف، لأسباب يطول شرحها، ثم في إقامة منظومة عسكرية ـ أمنية بالغة التعقيد والقوة، وفي هذه المنظومة العابرة للطوائف، شكل العلويين عصبها الرئيس، الامر الذي حال دون تفكك المؤسستين أو وقوفهما على الحياد.
أدى التركيب العسكري ـ الأمني ـ الحزبي ـ الطائفي للنظام إلى اخترق البيروقراطية التي يهيمن عليها السُنة في المدن واختراق مماثل في القرى، الأمر الذي جعل السُنة غير متاحين للتعبئة ضد النظام إلى حد كبير.
بينت تجارب التاريخ أن الأقليات تقف في المفترقات التاريخية الخطيرة إلى جانب بعضها البعض ضد هيمنة الأكثرية، ذلك أن التفكير الأقلوي هو بطبيعة الحال تفكير غير وطني، يبح عن تعزيز الهوية الجماعية للطائفة وضمان استمرارها، بغض النظر.ولذلك فشلت الثورة في تحقيق اختراق هام في بنية النظام، العسكرية، والأمنية، والحزبية، والسياسية.
2 ـ التنوع الطائفي والإثني في سورية، وقد بينت تجارب التاريخ أن الأقليات تقف في المفترقات التاريخية الخطيرة إلى جانب بعضها البعض ضد هيمنة الأكثرية، ذلك أن التفكير الأقلوي هو بطبيعة الحال تفكير غير وطني، يبح عن تعزيز الهوية الجماعية للطائفة وضمان استمرارها، بغض النظر.
لهذا السبب، فضلت الأقليات في سوريا الوقوف إلى جانب النظام وخسارة إمكانية نجاح الثورة وتحقيق الانتقال إلى دولة ديمقراطية، خصوصا في تلك الفترة، أي بداية الثورة حين كان يطغى عليها الجانب العلماني ـ الليبرالي.
3 ـ كان للعامل الخارجي دورا رئيسا في إفشال الثورة، بحكم مجاورة سوريا لفلسطين المحتلة، حيث كانت إسرائيل والولايات المتحدية يخشيان من سيطرة الجماعات الإسلامية على الحكم.
وهي حالة غير موجودة في بلدان الربيع العربي، وإضافة إلى ذلك يمكن القول إن انفجار الوضع في سوريا سينعكس سلبا على دول الجوار، بخلاف الدول العربية الأخرى: تونس، ليبيا، مصر.
4 ـ فشل الثورة السورية في تشكيل هيكل سياسي ـ عسكري موحد من شأنه أن يشكل كتلة تاريخية قادرة على إحداث الفرق، وقد انعكس هذا التشرذم في الخطاب السياسي الذي كان ذا طابع إسلامي راديكالي على مستوى الثوار المسلحين، وذا طابع سياسي راديكالي على مستوى الائتلاف الوطني.
نجاح الثورة
تتطلب الأمر أربعة عشر عاما حتى يسقط النظام السوري، وفي هذا استثناء سوري على مستويين: الأول المدة الزمنية الطويلة جدا، والثاني، وهو الأهم، أي الذي يشكل استثناء سورياً، هو سقوط النظام بالكامل، وليس رأسه فقط، ثم سيطرة الثوار على مقاليد الحكم وهو استثناء عربي.
بخلاف ليبيا واليمن اللتان سقط فيهما النظام بالكامل، إلا أن الثورة فيهما لم تنجح في السيطرة على الدولة، أما تونس ومصر، فقد سقط فيهما رأس النظام، فيما بقي الأخير قائما إلى حد ما في تونس، وإلى حد كبير جدا في مصر.
في مصر، ظلت النخبة الحاكمة ونخبة رجال الأعمال على حالها دون تغيير، كما ظلت أوضاع الطبقتين الوسطى والدنيا مثل ما كانت عليه قبل الثورة، وبقي الجهاز القضائي سليما، يضاف إلى ذلك أن كثيرا من الوزراء الذين عملوا في ظل المجلس الأعلى للقوات المسلحة خلال الثمانية عشر شهرا في الفترة الممتدة بين الإطاحة بـمبارك وانتخاب محمد مرسي كانوا قد شغلوا هذا المنصب.
بخلاف ليبيا واليمن اللتان سقط فيهما النظام بالكامل، إلا أن الثورة فيهما لم تنجح في السيطرة على الدولة، أما تونس ومصر، فقد سقط فيهما رأس النظام، فيما بقي الأخير قائما إلى حد ما في تونس، وإلى حد كبير جدا في مصر.ومع وصول عبد الفتاح السيسي إلى الحكم، تم تثبيت النظام المصري واستمراريته، خصوصا سيطرة الجيش على مقاليد الأمور.
وفي تونس، لم يتغير النظام الاجتماعي بالفعل، فالطبقة التي كانت لها السيطرة أيام بن علي احتفظت بنفوذها القوي، بل يمكن القول أكثر من ذلك، حيث شكل وصول قيس سعيد إلى السلطة تأكيدا قويا على إعادة إحياء منظومة الحكم القديمة وإن بشخوص مختلفة.
سورية الجديدة
يكمن الاستثناء السوري الحالي في أن الثوار سيطروا على مقاليد الدولة السورية في ظل غياب تام لمنظومة الحكم القديمة، الأمر الذي يسمح للحكم الجديد البدء من الصفر.
إن سورية اليوم عبارة عن صفحة بيضاء، لا توجد فيها قوى مضادة ذات تنظيم عسكري وسياسي من شأنها أن تشكل تهديدا للحكام الجدد.
وفي ظل بيئة إقليمية ودولية داعمة للحكم الجديد، ستجد الأقليات نفسها مضطرة إلى الانصياع لدمشق: بدأ هذا أولا مع "قوات سورية الديمقراطية" التي وافقت على الانخراط في الدولة الجديدة، أما الدروز، فإن سلوك بعضهم إنما يعبر عن حالة ضياع سياسي وهوياتي، لكن الوقت كفيل بخضوعهم نهاية المطاف، وأما العلويين، فهم اليوم أقرب من أي وقت مضى في تاريخهم من الانخراط في مشروع وطني سوري جامع، بسبب اكتشافهم ـ ولو متأخرا ـ حقيقة الأسد ونظامه، وبسبب خطاب الشرع المتصالح والمنفتح على جميع مكونات الشعب السوري، بمن فيهم العلويين ذاتهم.
لقد كان الاستثناء السوري في بقاء نظام الأسد مدة طويلة بعد الثورة أثرا مدمرا على البلاد، ونأمل في الاستثناء العربي المتمثل بسقوط النظام السوري بالكامل أن يكون عاملا إيجابيا في إعادة بناء الدولة والمجتمع من جديد وعلى أسس جديدة.