التصعيد حتمي دون بلوغ الحرب الإقليمية المفتوحة
تاريخ النشر: 2nd, August 2024 GMT
لم يعد المشهد غامضاً بعد خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أمس حيث أوضح بصورة قاطعة أن "محور المقاومة" سيرد وأن هذا الرد سيكون رداً حقيقياً ومدروساً. ويفهم من عبارة حقيقي أنه سيكون رداً مؤلماً لإسرائيل وليس شكلياً ولا يهدف إلى إنقاذ ماء الوجه بقدر ما يهدف إلى التوازن مع الجريمة التي اقترفها العدو الاسرائيلي باغتياله للقيادي العسكري في حزب الله فؤاد شكر في لبنان ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية في طهران، بما يعيد إنتاج قواعد الردع مع إسرائيل.
1- مراعاة حسابات ومصالح محور المقاومة في إدارة المعركة على نحو الذي لا يؤدي إلى توسع مفتوح في الحرب الدائرة.
2- اختيار الهدف الملائم الذي يأخد بعين الاعتبار ما عدده السيد نصر الله مراراً من أن إسرائيل استهدفت ضاحية بيروت الجنوبية وأنها ضربت بناءً في منطقة مكتظة وأودت بحياة سبعة شهداء وأكثر من سبعين جريحاً وأنها استهدفت قائداً أساسياً في المقاومة.
كرر السيد نصر الله أن بين المقاومة وبين الإسرائيليين الأيام والليالي والميدان، ويفهم من كلمتي الليالي والأيام أن الضربة ليست وشيكة وأن المقاومة تتريث في الإقدام عليها لأسباب ميدانية وتقنية لكن التنفيذ من حيث المدى الزمني لن يأخد أسابيع أو أشهر وأن اختيار اللحظة المناسبة متروك للقادة الميدانيين بعد اكتمال التحضيرات التي تتصل باختيار الهدف وبفعالية الاستهداف.
أشار السيد نصر الله أيضاً إلى أن إسرائيل حائرة ما إذا كان الرد سيأتي من الشمال أو الجنوب أو ما إذا كان متفرقاً أو متزامناً ، ويبدو أن الأمين العام لحزب الله تقصد الغموض وعدم الوضوح لترك إسرائيل في حالة إرباك وقلق، كما بهدف مفاقمة الذرع والهلع الذين يسودان المجتمع الإسرائيلي، لكن إذا جرى الأخد بعين الاعتبار تصريح مرشد الثورة الإيرانية السيد علي الخامنئي الذي أوجب الرد على إسرائيل ومن ثم المواقف التي تتالت من الحرس الثوري الإيراني عبر بيانه الذي أشار إلى رد من قبل جبهة المقاومة وموقف زعيم أنصار الله عبد الملك الحوثي وخطاب السيد نصر الله أمس، فإن ذلك يغلب أرجحية أن يكون الرد متزامناً بما يتضمن الساحة العراقية أيضاً.
إن الرد المتزامن من جهات جغرافية مختلفة يعقد، بحسب مصدر سياسي مقرب من حزب الله، قدرات المنظومات الدفاعية الإسرائيلية ويعطي وزناً زائداً لأداء المحور بوصفه جبهة متراصة وتتحرك بتنسيق مشترك وهذا ما يفهم من التسريبات الإيرانية التي أشارت إلى اجتماعات تنسيقية عقدت في طهران وشارك فيها ممثلون لمختلف قوى المحور من لبنان والعراق واليمن وفلسطين إلى جانب ايران.
بالإضافة إلى كل ذلك، أشار السيد نصر الله في خطابه إلى أن المواجهات الدائرة بعد عمليتي الاغتيال تجاوزت وظيفة الإسناد لغزة وباتت جبهات كبرى مفتوحة وهذا ما عبر عنه بدخول المواجهة والمنطقة في مرحلة جديدة. ويبدو أن سمة المرحلة الجديدة هي التصعيد لكن دون بلوغ مستوى الحرب الإقليمية المفتوحة.
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: السید نصر الله
إقرأ أيضاً:
استراتيجية الأمن القومي الأمريكي للحلفاء: «تخبزوا بالافراح»
بعدما خاضت أمريكا في نهاية ولاية الرئيس جو بايدن وبداية ولاية الرئيس دونالد ترامب، أم الحروب الي تهرّبت منها طويلاً، وهي حرب تغيير الشرق الأوسط، فنقلت التهديد المزمن بالحرب على إيران إلى ساحات الحرب، واستجابت للفرضية التي وضعها أمامها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو وفق معادلة إذا هزمنا هزمتم وإذا انتصرنا انتصرتم، فخرجت أمريكا للحرب بكل ما لديها لمنع هزيمة “إسرائيل” التي بدأت تقترب مع الفشل الإسرائيلي في القضاء على المقاومة في غزة وتحرير الأسرى بالقوة، بينما جبهة إسناد لبنان تجعل مدن الشمال مدن أشباح وتضخ المزيد من النازحين إلى الوسط، واليمن يقفل ميناء إيلات ويسيطر على البحر الأحمر، الذي كان في حربي عام 1967 و1973 محور الخطط الحربية الإسرائيلية، وعبر ذلك كله تزداد الأزمة الوجودية في الكيان التي فجرها طوفان الأقصى عندما قال إن جيش الاحتلال لا يشكل ضمانة كافية لشعور المستوطنين بالأمن.
– خرحت أمريكا للحرب بكل ما لديها من تكنولوجيا وأسلحة وذخائر وخطط جاهزة ومخزون استخباري، وبدأ الهجوم المعاكس بعد اجتماعات تموز 2024 في واشنطن، خلال زيارة نتنياهو وقبيل وضع الحزمة الأمريكية القاتلة التي تم تجييرها لـ”إسرائيل”، بعمليات اغتيال بدأت برئيس حركة حماس إسماعيل هنية وبلغت سقفها مع اغتيال قائد ومؤسس مقاومة الأهم في لبنان السيد حسن نصرالله، وتضمّنت تفجير البايجر واللاسلكي، ورغم نسبتها لـ”إسرائيل” بقي السؤال لماذا لم تقم بـ”إسرائيل” بتفعيلها قبل ذلك وهي في ذروة أزمتها على كل الجبهات، ولم يفرج عنها إلا بعد زيارة نتنياهو لواشنطن في تموز 2024، لكن عندما جاء دور “إسرائيل” للقطاف بخوض حرب برية على جبهة لبنان كانت الحصيلة الفشل الذريع، وحاولت أمريكا بايدن قيادة مسار الخروج من الحرب وتحديد الخسائر، لكن “إسرائيل” نجحت بالمناورة حتى دخل الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض، وتبنى خيار الحرب على اليمن وغزة وإيران، وقيادة الحصار على المقاومة في لبنان بتسريع إسقاط النظام السابق في سورية، وإعادة إنتاج مؤسسات السلطة في لبنان بما يضمن خوض معركة إنهاء سلاح المقاومة.
– صمدت المقاومة في لبنان وأحسنت إدارة العلاقة بمؤسسات السلطة الجديدة في لبنان، ونجحت المقاومة في غزة بتحمل تبعات حرب الإبادة والتجويع بكل ما فيها من وحشية وأهوال، ووقف شعبها معها، وفشل الرهان على استسلام المقاومة أو استسلام شعبها، لكن اليمن ربح الحرب، وإيران أقامت توازن قوة انتهى بعجز أمريكا و”إسرائيل” عن مجاراتها بالاستعداد لمواصلة القتال، بعدما ظهر أن حرب الاستنزاف قاتلة لكل من واشنطن وتل أبيب، وبدأت مساعي وقف النار في غزة بعد وقف النار في اليمن بشروط يمينة، وفي إيران بشروط ايرانية، وبدأت بالتزامن معها مناقشات رسم استراتيجية الأمن القومي لإدارة الرئيس ترامب، بينما كانت حرب أوكرانيا ترسم معادلات فشل مشابه يصيب حلفاء واشنطن، والحل نفسه في محاولات ترويض الصين سواء بحرب جمركية أو محاولة الحد من مستوى النمو الصيني ورفع مستوى النمو الأمريكي، لأن الأسواق كانت تقول باستحالة استرداد زمام المبادرة في المنافسة الاقتصادية مع الصين.
– جاءت استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الصادرة قبل يومين تقول إن روسيا ليست تهديداً بل تحدٍّ لكيفية صناعة التسويات، والصين ليست عدواً بل منافس يمكن التوصل معه إلى قواعد اشتباك، والشرق الأوسط لا يجوز أن يكون ساحة حروب مفتوحة، وإن الأمريكيتين الشمالية والجنوبية هما المدى الحيوي للأمن القومي الأمريكي، وإن إعادة صياغة الداخل الأمريكي أولوية الأمن القومي، وإن أوروبا وسائر الحلفاء يجب أن يتعلموا الاعتماد على أنفسهم، وليس من شك في أن هذه الاستراتيجية هي أهم ثمرات الحرب التي دارت بلحمنا ودمنا، وأن هذه الاستراتيجية بعد التغييرات التي لحقت بالرأي العام العالمي لصالح فلسطين هي أهم ثمرات التضحيات الجسام التي قدّمتها شعوب المنطقة وفي طليعتها الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني.
– وفقاً لهذه الاستراتيجية معطوفة على ما شهده الرأي العام الغربي والأمريكي خصوصاً من تحوّلات، تخسر “إسرائيل” أهم ركنين لصناعة السياسة والحرب، رغم كل الضعف العربي والإسلامي الذي يُغري قادة “إسرائيل” بمواصلة لحروب أملاً بالنصر المطلق الذي تحدّث عنه نتنياهو، لكن دون هذا النصر شروط وأثمان لا تستطيع “إسرائيل” توفيرها دون استعادة أمريكا إلى ميادين الحروب ودون استرداد الرأي العام العالمي إلى ضفة التأييد، وبغياب فرص واقعية لتحقيق أي من هذين الشرطين، على “إسرائيل” التواضع والتخلّي عن الحلم بنزع سلاح المقاومة، والتوسّع وفقاً لخرائط المياه والنفط بتغيير الحدود، والبحث عن مخارج من نوع اعتبار النصر محققاً بأبعاد التهديد الراهن وليس التهديد الاستراتيجي المتمثل ببقاء المقاومة ومحور المقاومة وإيران بقدرات متزايدة، والقبول بإغماض العين عن تهديد استراتيجي يتمثل ببقاء المقاومة ومحور المقاومة وإيران على عقيدة قتال “إسرائيل” وبقوة قابلة للنمو تحضيراً لجولة جديدة لا تكون أمريكا طرفاً فيها.
– كلام توماس برّاك المكثف خلال يومين بعدة إطلالات مبرمجة، يقول لا فرصة للرهان على قيام الجيش اللبناني بالدخول في مواجهة عسكرية مع المقاومة، ولا قدرة لـ”إسرائيل” على سحق المقاومة ونزع سلاحها، وكأنه مكلف بمهمة تسويقية للاستراتيجية الجديدة، فيقول لقد حاولنا مرتين إسقاط النظام في إيران وكانت محاولات فاشلة، وجرّبنا دفع الجيش اللبناني لقتال شريحة لبنانية عامي 82 و83 وفشلنا، وكما تحتمي أمريكا خلف الأطلسي، على “إسرائيل” أن تختبئ خلف الجدران.
* رئيس تحرير صحيفة البناء اللبنانية