بيت محمد بن خليفة.. قصة تاريخية تعكس أسلوب الحياة وفن العمارة
تاريخ النشر: 3rd, August 2024 GMT
هزاع أبوالريش (أبوظبي)
يعد بيت الشيخ محمد بن خليفة آل نهيان عنصراً أساسياً على خارطة مواقع العين الثقافية المدرجة في قائمة اليونسكو للتراث العالمي، وحسب الموقع الإلكتروني لدائرة الثقافة والسياحة- أبوظبي، فإن البيت «يعطي نظرة عن كثب للتحولات الاجتماعية والمعمارية والعمرانية التي طرأت على العين خلال تحولها إلى مرحلة الحداثة»، كذلك فإن البيت بقيمته التاريخية والمعمارية الاستثنائية «يمثل حلقة وصل بين تاريخ العين وتراثها في مرحلة ما قبل النفط مع العصر الحاضر»، وتضيء قصة ترميمه على مدى الاهتمام الكبير بالحفاظ على المباني التاريخية والتراثية.
يقول عقيل أحمد، مدير ترميم المباني التاريخية في دائرة الثقافة والسياحة- أبوظبي: جاءت فكرة ترميم بيت محمد بن خليفة، كونه يعد مرجعاً مهماً، ومثالاً رائعاً ونادراً لأسلوب الحياة والعمارة للفترة الانتقالية، وهي حقبة قصيرة لكنها محورية في تاريخ إمارة أبوظبي وتعكس تكيّف أسلوب الحياة التقليدي المحلي مع التغيرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية في الخمسينيات والستينيات التي دفعتها عمليات التنقيب عن النفط واكتشافه في أبوظبي آنذاك.
ويضيف: ما يميّز البيت أنه يتكون من كتلتين، وتضم الكتلة الأمامية المجلس العام المستخدم لاستقبال الضيوف «الذكور»، وهي عبارة عن هيكل من طابقين مبني من الخرسانة مع رواق على طول محيطه وأقواس دائرية على الواجهة الرئيسة، ويتكون الطابق الأرضي من «مجالس» مقسومة بممر مركزي، بينما كان الطابق الأول الذي تضرر بشكل كبير يستخدم كمجلس للضيوف المهمين.
أما الكتلة الخلفية «جناح العائلة» فهي خاصة، تُستخدم كمقر إقامة للعائلة وللنساء للتواصل الاجتماعي واستضافة ضيوفهن، وتم تشييدها على طابقين مع سطح يمكن الوصول إليه، وتحتوي على ثماني غرف تضم شرفات كاملة الطول وأقواس مثلثة الشكل وعناصر زخرفية وأعمدة خرسانية، ويشمل الجزء المركزي للبيت الفناء والمباني الملحقة والمطبخ مع الأشجار ومنصة مرتفعة للجلوس «المنامة».
وقد تم إدخال مواد هجينة للبناء تمزج بين المواد التقليدية والحديثة مثل: الحجر الجيري المحلي والجبس والطين والإسمنت والخرسانة المسلحة وعوارض النخيل وعوارض المربعة الخشبية الحديثة وباب من الخشب الصلب الرائع والزجاج الملون الفولاذي في النوافذ، وكذلك تم استحداث وسائل الراحة الحديثة مثل الكهرباء والسباكة، بالإضافة إلى التصميمات الداخلية والخارجية الملونة بناءً على التأثيرات الإقليمية ونمط العصر.
ويشير عقيل أحمد إلى أن البيت يعد أحد الأمثلة القليلة الباقية من الفترة الانتقالية، وله أهمية كبيرة من خلال ما يملكه من مستوى عال من الأصالة، حيث إننا قمنا بترميمه دون أن نغير من بنائه الأصلي، باستثناء إعادة بناء لبعض العناصر التي كانت إما متدهورة بشكل كبير أو كانت تحتاج لتدعيم إنشائي قوي من أجل إعادة استخدامه. موضحاً: بشكل عام وبسبب قيم وأهمية الموقع وكنموذج لمشروع ترميم وحفاظ ناجح فقد قامت الدائرة باتباع أفضل السبل الترميمية على المستوى الدولي، وشاركت في المشروع خبرات من كافة التخصصات وعلى الصعد كافة.
إعادة التأهيل
في عام 2022، أعلنت دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي عن تكريم بيت محمد بن خليفة في العين ضمن مهرجان جوائز المعماريين العرب، حيث فاز في فئة إعادة التأهيل.
وتم افتتاح بيت محمد بن خليفة بعد إتمام برنامج ترميم وتجديد مكثف للبيت التاريخي، وإعادة تأهيله ليكون مركزاً مجتمعياً ذات طابع وطني وهوية تاريخية تعكس تفاصيل المنطقة.
فأصبح في البيت مساحات متعددة في خدمة من يرغب في استئجارها لتنظيم الورش، وعروض الأداء، والاجتماعات، وغيرها من الفعاليات الاجتماعية.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: العين المواقع التاريخية الإمارات محمد بن خليفة بن زايد محمد بن خليفة اليونسكو التراث العالمي
إقرأ أيضاً:
محمد محيي الدين والوضاءة التي كانت عبر مناديله العديدة
محمد محيي الدين والوضاءة التي كانت عبر مناديله العديدة
محمد كبسور
محمد محيي الدين، مبدع سوداني متعدّد، ورائد من رواد التجديد في الشعر الحديث. قاص وروائي ومسرحي وصاحب ملكات أدبية رفيعة، له إسهامات مقدّرة في الشعر والمسرح والسيناريو والأفلام القصيرة. تميّزت كتابته بمخزون تاريخي وقراءة في الواقع السوداني المعاصر.
من أوائل الذين درسوا بالمعهد العالي للموسيقي والمسرح، وتخصص في الدراسات النقدية. عمل في مجال التعليم. غاب عن الوطن لفترة وعاد ليواصل اسهاماته الأدبية والفنية بمدينة ود مدني والتي استقر فيها حتي لحظة وفاته صباح الثلاثاء 26 مايو 2015م.
محمد محيي الدين من مؤسسي رابطة الجزيرة للآداب والفنون والتي عملت على اثراء الساحة الثقافية في الثمانينات والتسعينات بمعية رابطة سنار الأدبية ورابطة اولوس ورابطة أبناء دارفور ونهر عطبرة الأدبية.
كان مشاركاً في كثير من المنتديات والمهرجانات العربية والسودانية. وكانت آخر مشاركاته في لجنة تحكيم جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي في محور الشعر.
يعتبر محمد محيي الدين من الأدباء الذين برزوا في السبعينيات وحاولوا التمرد على قيود و بناء قصيدة الستينيات. وهو من أوائل الذين كتبوا قصيدة التدوير، و وسم ببصمته جيلاً كاملاً بمدرسته التجريبية الشعرية والمسرحية. التقط التيارات السابحة في الهواء عاملاً على تحريك الساكن الإبداعي، وبذل مجهوداً كبيراً في تبني المواهب الشابة وفي تقديم خبرته لها، وتحلّقت أجيال كثيرة حوله فرفدها بمعارفه المختلفة.
نادَى محمد محيي الدين بكتابة القصيدة المفتوحة التي تستفيد من تقنيات السينما والحوار والنثر، وشكّل بذلك تياراً شعرياً رائداً في الكتابة التجريبية. ويمتلك محمد محي الدين القدرة علي اختصار تجارب شعرية وسردية عديدة داخل النص الواحد.
ولعل أعماله التي اطلت علي الجمهور مثل ديوان “الرحيل على صوت فاطمة” ومجموعة “عشر لوحات للمدينة وهي تخرج من النهر” أو تلك التي كانت في انتظار النشر مثل مجموعة “اتكاءة على سحابة وردية” هي التي وضعت محمد محي الدين ضمن الشعراء المميزين بالسودان.
كما أن قصائده التي تناولها بعض من المغنين المجدّدين، قد سلطت الضوء علي تجربته خصوصاً وسط الأجيال الجديدة، مثل قصيدة “المناديل الوضيئة” التي لحنها وغنّاها الفنان الراحل مصطفي سيد أحمد، و”مطر الليل” التي صدرت من ضمن ألبوم غنائي للفنانة ياسمين ابراهيم.
تجربة محمد محيي الدين المسرحية تجربة ثرّة دعمها بالدراسة في المعهد العالي للموسيقى والمسرح. ويعد محي الدين من مؤسسي مسرح الشارع، حيث عرضت مسرحياته في الشوارع السودانية في كثير من المدن. ويتداخل الشعر والمسرح في عالم محمد محي الدين، فبقدر ما يكون هو شاعراً متفجراً في اللغة والصورة الشعرية والبناء المعماري للقصيدة، يكون أيضاً كاتباً مسرحياً يسعى إلى ذلك مستفيداً من شاعريته “وفق وصف الشاعر يحي فضل الله”.
ولمحمد محيي الدين العديد من الدراسات عن المسرح نُشرت بالملاحق الثقافية بالصحف ومجلة الثقافة السودانية. وعلي أيام وجوده بالمعهد كان عضواً فعالاً في جماعة السديم المسرحية.
وفي بحثه عن التجريب، قدم محمد محيي الدين مسرحية “ضو البيت” اقتباساً عن رواية الكاتب الراحل الطيب صالح. وعرضت المسرحية عام 1985 بمسرح قاعة الصداقة وقدمتها جماعة السديم المسرحية والتي عرضت له أيضاً مسرحية “مطر الليل” ومسرحية “الرجل الذي صمت” ومسرحية “القطر صفر” ومسرحية “من كي لي كي” ومسرحية “القنبلة والعصفور” كما له مسرحية عن الشيخ فرح ودتكتوك. ومارس محمد محي الدين تجربة الإخراج المسرحي داخل جماعة السديم عبر إخراجه لمسرحيته “هبوط الجراد”.
وفي الكتابة للمسرح مارس محمد محيي الدين أيضاً التأليف المستند على نصوص كتاب آخرين، وأعد كثيرا من المسرحيات العربية مثل مسرحية “أنت قتلت الوحش” للكاتب المصري الشهير علي سالم، ومسرحية “اللغز” وهي إعادة كتابة للمسرحية المعروفة (أوديب ملكاً) لنفس الكاتب، وقام محمد محي الدين بسودنتها (العيش). كما قدّم مسرحية “الرحلة، موت بالجملة”، وهذا النص سودنة لمسرحية الكاتب العبثي الفرنسي (يوجين يونسكو) (ليلة القتلة).
يقول محمد محيي الدين عن علاقة الشعر بالمسرح، “يمكن الإستفادة من الشعر في تطوُّر شكل الكتابة المسرحية ولكن يجب أن يتم ذلك بدون تعمُّد، أي لايمكن لمجرد أنك شاعر أن تكتب مسرحية. فالعملية الفنية هنا تخضع في المقام الأول لمعرفتك بفن المسرح معرفةً توازي معرفة أن تكتب قصيدة، كما أني أرى أنه يمكن أن يتطوّر شكل القصيدة بالإستفادة من المسرح، بل من الموروث من الأشكال الفنية الأخرى من (كولاج، فلاش باك، طرق ووسائل المونتاج الزماني والمكاني)”.
ويقول محمد محيي الدين “تجدني أمزج بين المسرح والشعر وأحيانا القصة، ولي مجموعة قصصية بعنوان «الرجوع إلى ضاحية المطر» فقدتها ، على كل ، إنها وسائلي وأدواتي في تعرية القبح وجعل هذا العالم أجمل ما أمكن ذلك”.
انحاز محمد محيي الدين للقصة بشكل كبير، وكان يري أن تجارب كتابة القصة في السودان في تطوّر أكيد برغم حالة الإنكار التي صاحبته.
وفي كتاباته القصصية استخدم الأسطورة والفنتازيا ممزوجة بالثقافة الشعبية السودانية في إطار حداثي لامس القصة العربية في تطور بنائها من حيث استخدام اللغة الموحية بدلالاتها وحوارها.
وعرف عن محمد محيي الدين الصراحة خصوصاً في ابداء الرأي حول كل ما يخص التجارب الأدبية والفنية.
وكثيراً ما كان ينتقد صمت وغياب الكُتاب الذين لديهم عطاء عميق وينتقد عزوفهم عن النشر، وينتقد الأثر السالب لذاك الغياب علي تواصل الأجيال. وكان يري أن انقطاع التواصل بين المبدعين الشباب والأجيال التي سبقتهم، أدى إلى انغلاق منتجات الشباب على التجارب الذاتية، فتمحورت حول الانفتاح على الثقافة العربية والافريقية والعالمية دون أن تلتقي كل الحلقات ما بين الثقافة المحلية والعالمية والعربية والافريقية. وكان يري ان التجربة الابداعية هى اتصال وليس انقطاع، وأن التجديد ليس في هدم التراث وليس في انقطاع تواصل التجارب الابداعية، التجديد في كشف عناصر الجِدّة في الواقع.
ولد الشاعر والكاتب والمخرج المسرحي محمد محيي الدين في مدينة ود مدني في العام 1952م.
و رحل في 26 مايو 2015 إثر نوبة قلبية عن عمر ناهز 63 عاما. وشيع الشاعر الراحل في موكب مهيب إلى مقابر ود مدني.
له الرحمة و المغفرة.
الوسومالتعليم السودان الشاعر محمد محيي الدين المعهد العالي للموسيقي والمسرح رابطة أبناء دارفور رابطة الجزيرة للآداب والفنون رابطة اولوس رابطة سنار الأدبية محمد كبسور نهر عطبرة الأدبية