لجريدة عمان:
2025-08-03@07:41:58 GMT

في سبيل تدبير «الحوار الاجتماعي»

تاريخ النشر: 11th, August 2024 GMT

تواجه المجتمعات العربية الكثير من أزمات العيش المشترك، وتتعاورها من حين لآخر مشكلات ينظر إليها كطارئ عابر، والحقيقة أن مجتمعاتنا العربية مرغمة على العيش تحت ظِلال لحظة عالمية وجدت نفسها مطالبة بالانخراط فيها حتى وإن لم تكن مستعدة بعد، مجتمعات مُهَيمن عليها من قِبل ليبرلة (=ليبرالية) عالمية تعاظم حضورها للدرجة التي استقرت فيها داخل نظرية المعرفة الراهنة، وهي نظرية غربية بامتياز، لكن يتم تسويقها كأفكار مجردة مما يعلن في أي خصوصية ثقافية عن وجود أزمة؛أزمة هوية.

. فهذه الليبرالية الجديدة تملك ترسانة من مفاهيم اجتماعية يراد لها الاختزال والقفز على الخصوصية، كونها نظرية تتقدمها الفردية المطلقة، مما يضغط بشكل متزايد على طبيعة العلاقات الاجتماعية والتي تقوم على شبكة من المصالح تربط بين أفراد المجتمع، وتعمل على تسييل الإرادات الذاتية لصالح حضور أشمل وأعم، فالمجتمعات في أصلها تتكون من حاصل «الصراع» بين البُنى الثقافية وإجراء عمليات التحييد للنزعات الفردية عملاً على بناء موازنة بين الأمن الفردي (بمعناه الكلي) والوئام المدني الشامل، وهنا فإن هذه الثنائية تتغذى على جملة مفاهيم تكون بمثابة المخزون المعرفي الذي تتقاسمه أشكال التعبير المختلفة عن وجود المجتمع. وهنا فدعوتنا إلى العمل على إنتاج أفكار جديدة بخصوص موضوع «الحوار» لكن قبل الشروع في عرض رؤيتنا نشير إلى أن الأفكار لكي تتكاثف وتنتج حضورها فهي بحاجة إلى آليات معرفية، وحول قضية «الحوار الاجتماعي» فإننا نرى بأنه لن يستقر في المجتمعات العربية دون وجود نظرية تكون بمثابة القاعدة، قاعدة المنهج الذي تقوم عليه عمليات المراقبة والمقاربة المستمرة لهذه المعادلة بين «الفردي والجماعي» وهذا ما يُعرف في سياق سيسيولوجيا الوعي بالاستجابة الموضوعية للرغبة والوظيفة.

والواقع أن المجتمعات تعتمد في وجودها على تقوية مظاهر العيش المشترك القائم على حالة من الحوار السعيد؛ الحوار المُلخِص لقيم الجماعة الإنسانية، والحائز على معاني الرضا والتواصل بين مختلف المكونات، ولكن ليس لقيم اجتماعية أن تظل فاعلة ومؤثرة في السياق الثقافي لأي مجتمع دون أن تستند على جملة معارف يتلقاها الفرد منذ عتبات تكوينه الأولى، ولعل من أكبر الأسباب المُعجِلة بفتور ظاهرة الحوار الاجتماعي في الثقافة العربية هي عدم إعداد الناطقين باسم الظاهرة، إعدادهم الفكري المؤمن بأن الاختلاف ليس سنة كونية فقط، بل هو حقيقة اجتماعية، ومن يجيل النظر في المجتمعات العربية ويطرح السؤال عن غياب «التسامح» كآلية للتعايش بين المكونات المتعددة، فعليه مباشرة أن يذهب إلى الكتلة الحرجة في الوعي، وهي أننا لم نول اهتماما جادا في مناهجنا التعليمية لما يسمى بالإنسانيات حتى الكلاسيكية منها ( الفلسفة – علم الاجتماع – الآداب...إلخ) فللأسف تفتقر مناهجنا وهي العتبة التي يصعد عليها الناطقون باسم المجتمع، تخلو من الدرس الفلسفي والذي هو أساس كل عملية حوار، وهنا تجدر الإشارة إلى أن غيبة المثقف عن تعزيز أطر الحوار الاجتماعي تعود في الأساس إلى تناقض معرفي تأسس عليه وعيه، فهو من ناحية يملك القدرة على تعيين المشكلات في إطارها النظري، لكنه مع ذلك يفتقر القدرة على تصعيد هذا التعيين بشكل مادي ملموس، فيتحول إلى عبء ثقافي يضاف إلى خرائب الوعي العربي الرافض للآخر؛ الآخر الداخلي والخارجي.

إن الكلفة العالية تدفعها المجتمعات التي يغيب فيها الحوار، وهي كلفة تمس الجوهري في طبيعة المجتمع (=التعايش)، والنداءات المكثفة والعبارات عالية التكوين البلاغي حول: «الحوار..السلام الاجتماعي..التعايش...إلخ» تعكس شيئا واحدًا وإن اختلفت، هي الرغبة الأصيلة في المجتمع لصناعة تعايش مثمر، تعايش يجد فيه الجميع أنفسهم مساهمين وقادرين على التعبير عن أنفسهم، وهذا أمر غريزي، فالجميع يريدون أن يعيشوا في سلام، وأن يكونوا قادرين على تحقيق طموحاتهم والتعبير عن رغباتهم، وأزمة الحوار ليست فقط في رغبتنا تعميمه دون أدوات للشغل تهيئ له المكانة والفاعلية المطلوبة، إنها تعود إلى فهمنا العاطل لماهية الحوار، فما زالت المجتمعات العربية تعتقد بأن للحوار وجودا مستقلا، كأنه مسألة نظرية محصنة بالبداهة، وأنه لا ينتمي إلى التفاعل الإنساني، يولد منه، ويتحرك فيه، والحقيقة أن الحوار عملية إبداعية CRÉATION - فالحوار يتشكل نتيجة عمليات التركيب والتأليف من عناصر موجودة في الظاهرة، ولذا فإن المجتمعات العربية مطالبة في المقام الأول أن تعرف الطريق الصحيح إلى صناعة الحوار قبل الحديث عن فاعليته وضروراته للتعايش والسلام المدني بين الأفراد، فالماهية الحقيقية للحوار تعود إلى التكوين والإحداث في الظاهرة الثقافية، تكوين يقوم على تغذية الفرد بثقافة التسامح والقبول الإيجابي للآخر القريب والبعيد، والإحداث، أن يفهم كيف يستمد الحوار قوته وجدارته من التركيب المستمر لعناصر ثقافية شاردة، وأنه دون هذه العملية المفاهيمية لن يكون هناك أي جدوى من الدعوة إلى الحوار الاجتماعي، كونه لن يتحقق من تلقاء نفسه، وأن تعاظمت الرغبات.

إن الطريق يبدأ من إعادة دمج مفهوم «الحوار» في كافة مظاهر النشاط الإنساني داخل المجتمع، والبداية من تعقيم المناهج بأساليب تنقلها من تعليم (بنكي) وظيفته استيداع المعرفة في ذهن المتلقي دون أن يكون مشاركا فيها، مشاركة بالوعي، وهنا فإنه لن يكون قادرا على القيام بدوره في الدفع بمعاني التعايش والانسجام بين البنى الاجتماعية المختلفة، وهنا فالحاجة إلى تعليم (حواري) يصنع وعي الناشئة على أن المجتمع سمي مجتمعا لأنه لا يتكون من عنصر واحد، وأن المجتمع هو جِماع الخصوصيات الثقافية القادرة على النزول إلى التشارك والإسهام مع غرائمها لصالح حضور كلي بيانه السلام الاجتماعي وبرهانه التعايش.

والحل لتدبير حوار اجتماعي فعّال أن ينظر إليه كمغزل ثقافي يُنتج من داخل حيز الفاعلية للمكونات الاجتماعية المختلفة، وهو ما سيجعل منه حقيقة اجتماعية قارّة، وليس رصيدا يسحب منه عند الأزمات.

غسان علي عثمان كاتب سوداني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المجتمعات العربیة الحوار الاجتماعی

إقرأ أيضاً:

الطاشناق يختار قيادة جديدة ويشدد على الحوار مع مختلف القوى اللبنانية

عقد حزب الطاشناق في لبنان مؤتمرا استمرت اعماله من 24 الى 30  تموز الحالي وأجرى خلاله تقييما لتطورات المرحلة السابقة على المستويين الاقليمي والمحلي، واتخذ بشأنها توصيات لتشكل اولويات العمل في المرحلة المقبلة.

وأعلن مكتب الإعلام في الطاشناق في بيان ان "المؤتمر شجب استمرار الانتهاكات الاسرائيلية للسيادة اللبنانية، والاعتداءات التي تطاول الى جانب لبنان مختلف دول المنطقة وشعوبها.  كما اعرب عن قلقه من التأخر في استقرار محيط لبنان، وخصوصاً التحديات التي تواجهها سوريا في الحفاظ على وحدتها ارضا وشعبا". 

اضاف:"ابدى المؤتمر ارتياحه للعودة التدريجية لانتظام العمل في المؤسسات الدستورية، وانجاز الاستحقاقات الانتخابية، معربا عن قلقه من حالات الخروج عن المبادئ والاعراف التي تشكل دعائم الوحدة الوطنية، كما حصل في التعيينات التي أقرت مؤخراً". 

وتابع:"وأوصى باستمرار التواصل مع الاطراف كافة بهدف بلورة القواسم المشتركة التي تساعد على الوحدة في مواجهة التحديات المرتقبة، وذلك على كافة الصعد السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية. ومن هذه التحديات، خص المؤتمر بالذكر طروحات تعديل قانون الانتخاب، مشددا على وجوب تأمين مقومات التمثيل الحقيقي للمكونات اللبنانية، بما يحفظ العيش المشترك. كما أكد على وجوب إيلاء الشأن الاقتصادي والاجتماعي الأهمية اللازمة، بدءاً من دعم القطاع المنتج، إلى معالجة أزمات البطالة والتعليم والاستشفاء والسكن، وغيرها من هموم اللبنانيين اليومية". 

واشار البيان الى ان "المؤتمر اختتم أعماله بانتخاب لجنة مركزية جديدة لحزب الطاشناق في لبنان ضمت: البير بالابانيان، جورج كريكوريان، ريمون ايوازيان، أفيديس كيدانيان، كارو هاروتيونيان، آرام صومونجيان، أردزيف دير خجادوريان، أوهانس خوشيان ويغيا طاشجيان. وعقدت اللجنة المركزية أولى اجتماعاتها فانتخبت بالإجماع البير بالابانيان أمينا عاما لها".
  مواضيع ذات صلة ميقاتي: شددنا خلال اللقاء على اهمية تعزيز الوحدة والتعاون بين مختلف المكوّنات اللبنانية للحفاظ على رسالة هذا الوطن ودوره Lebanon 24 ميقاتي: شددنا خلال اللقاء على اهمية تعزيز الوحدة والتعاون بين مختلف المكوّنات اللبنانية للحفاظ على رسالة هذا الوطن ودوره 31/07/2025 17:56:41 31/07/2025 17:56:41 Lebanon 24 Lebanon 24 هيكل زار قيادة "اليونيفيل" وشدد على دورها الأساسي والضروري في الجنوب Lebanon 24 هيكل زار قيادة "اليونيفيل" وشدد على دورها الأساسي والضروري في الجنوب 31/07/2025 17:56:41 31/07/2025 17:56:41 Lebanon 24 Lebanon 24 الرئيس عون أمام وفد مجلس العلاقات العربية والدولية: نشدد على أهمية وحدة اللبنانيين وتعاون مختلف الأفرقاء مع الدولة من أجل حماية البلاد وتحصينها ومواجهة ما يمكن ان يُخطط لها من مؤامرات Lebanon 24 الرئيس عون أمام وفد مجلس العلاقات العربية والدولية: نشدد على أهمية وحدة اللبنانيين وتعاون مختلف الأفرقاء مع الدولة من أجل حماية البلاد وتحصينها ومواجهة ما يمكن ان يُخطط لها من مؤامرات 31/07/2025 17:56:41 31/07/2025 17:56:41 Lebanon 24 Lebanon 24 الرئيس عون : الحوار الداخلي هو المدخل لكل المسائل المختلف عليها وكذلك الحوار بين الدول بعيداً عن العنف Lebanon 24 الرئيس عون : الحوار الداخلي هو المدخل لكل المسائل المختلف عليها وكذلك الحوار بين الدول بعيداً عن العنف 31/07/2025 17:56:41 31/07/2025 17:56:41 Lebanon 24 Lebanon 24 قد يعجبك أيضاً اللواء شقير استقبل رئيس جامعة القديس يوسف Lebanon 24 اللواء شقير استقبل رئيس جامعة القديس يوسف 17:52 | 2025-07-31 31/07/2025 05:52:01 Lebanon 24 Lebanon 24 التباس.. وتوضيح من وزير المالية Lebanon 24 التباس.. وتوضيح من وزير المالية 17:47 | 2025-07-31 31/07/2025 05:47:59 Lebanon 24 Lebanon 24 في ذكرى انفجار المرفأ... الرابطة المارونية تدعو للإسراع بالقرار الاتهامي Lebanon 24 في ذكرى انفجار المرفأ... الرابطة المارونية تدعو للإسراع بالقرار الاتهامي 17:35 | 2025-07-31 31/07/2025 05:35:20 Lebanon 24 Lebanon 24 وفد من نقابة المصورين الصحافيين زار وزير الصحة Lebanon 24 وفد من نقابة المصورين الصحافيين زار وزير الصحة 17:30 | 2025-07-31 31/07/2025 05:30:40 Lebanon 24 Lebanon 24 قائد الجيش استقبل فضل الله ودبور Lebanon 24 قائد الجيش استقبل فضل الله ودبور 17:28 | 2025-07-31 31/07/2025 05:28:32 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة بعد انتهاء تقبل التعازي بوفاة زياد الرحباني.. موقف لافت من ريما الرحباني: "خلصِت التمثيلية" Lebanon 24 بعد انتهاء تقبل التعازي بوفاة زياد الرحباني.. موقف لافت من ريما الرحباني: "خلصِت التمثيلية" 08:29 | 2025-07-31 31/07/2025 08:29:18 Lebanon 24 Lebanon 24 بالصور.. هذا ما حصل داخل الضاحية Lebanon 24 بالصور.. هذا ما حصل داخل الضاحية 18:23 | 2025-07-30 30/07/2025 06:23:58 Lebanon 24 Lebanon 24 معلومات.. "سوق سوداء" جديدة في لبنان! Lebanon 24 معلومات.. "سوق سوداء" جديدة في لبنان! 21:39 | 2025-07-30 30/07/2025 09:39:29 Lebanon 24 Lebanon 24 عن القيادي في "الحزب" فؤاد شكر.. ماذا قال أدرعي؟ Lebanon 24 عن القيادي في "الحزب" فؤاد شكر.. ماذا قال أدرعي؟ 22:54 | 2025-07-30 30/07/2025 10:54:31 Lebanon 24 Lebanon 24 ماذا قرّر "حزب الله" مالياً؟ مركز إسرائيلي يكشف Lebanon 24 ماذا قرّر "حزب الله" مالياً؟ مركز إسرائيلي يكشف 23:44 | 2025-07-30 30/07/2025 11:44:31 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك أيضاً في لبنان 17:52 | 2025-07-31 اللواء شقير استقبل رئيس جامعة القديس يوسف 17:47 | 2025-07-31 التباس.. وتوضيح من وزير المالية 17:35 | 2025-07-31 في ذكرى انفجار المرفأ... الرابطة المارونية تدعو للإسراع بالقرار الاتهامي 17:30 | 2025-07-31 وفد من نقابة المصورين الصحافيين زار وزير الصحة 17:28 | 2025-07-31 قائد الجيش استقبل فضل الله ودبور 17:26 | 2025-07-31 بهاء الحريري من مقر السفير التركي: تعاون مشترك من أجل لبنان فيديو انحنى ليواسيها.. هذا ما قالته السيدة فيروز للسفير المصري (فيديو) Lebanon 24 انحنى ليواسيها.. هذا ما قالته السيدة فيروز للسفير المصري (فيديو) 09:31 | 2025-07-30 31/07/2025 17:56:41 Lebanon 24 Lebanon 24 ستنافس سامسونغ وآبل.. هذه مواصفات ساعة غوغل المنتظرة (فيديو) Lebanon 24 ستنافس سامسونغ وآبل.. هذه مواصفات ساعة غوغل المنتظرة (فيديو) 08:32 | 2025-07-30 31/07/2025 17:56:41 Lebanon 24 Lebanon 24 لبنانيون يشربون البلاستيك.. هذا ما تحتويه مياهنا! Lebanon 24 لبنانيون يشربون البلاستيك.. هذا ما تحتويه مياهنا! 19:35 | 2025-07-29 31/07/2025 17:56:41 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان فيديو خاص إقتصاد عربي-دولي متفرقات أخبار عاجلة Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24

مقالات مشابهة

  • حركة تكليفات وتنقلات بهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة وأجهزة عدة مدن
  • تكليفات وتنقلات بهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة وأجهزة عدة مدن .. تفاصيل
  • بالأسماء.. حركة تكليفات وتنقلات بهيئة المجتمعات العمرانية وأجهزة المدن
  • الحكومة الإيرانية: هناك تعقيدات في الحوار النووي مع الدول الأوروبية
  • انطلاق قمة «ستارت» لختام أنشطة وحدات التضامن الاجتماعي بالجامعات المصرية
  • الأعلى للشئون الإسلامية يواجه الشائعات بتوعية الأطفال في بنها
  • خبير : حروب الجيل الرابع تستهدف عقول الشعوب لتفكيك المجتمعات
  • كيف تصنع الشاشات اكتئابا جماعيا؟
  • رئيسة المكسيك تدلي بتصريح بشأن اتفاق تجاري مع أميركا
  • الطاشناق يختار قيادة جديدة ويشدد على الحوار مع مختلف القوى اللبنانية