فن الرُقد «الزفن» .. الأداء والممارسة
تاريخ النشر: 12th, August 2024 GMT
تُمثل الفنون الشعبية طقوسا اجتماعية وممارسات ثقافية في حياة الشعوب، تؤدي من خلالها وظائف عدة منها غرس القيم الاجتماعية، ومشاركة الفرد في طقس الجماعة، ونقل المعارف والخبرات، والتعبير عن الهواجس والرغبات الذاتية للفئات الاجتماعية المنتمية للفن ذاته. وقد احتفظت الشعوب بفنونها بعد أن أودعت فيها قيمها وخلاصة تجاربها ومعارفها وخبراتها على امتداد وجودها.
يُعد فن (الرُقد) أو الزفان أحد الفنون الحماسية الذي يؤديه الذكور في محافظة ظفار، ويرتبط هذا الفن بفن الهبوت سواء كانت زامل أو (دان أدون). ونظرا لوجود الهبوت في كافة البيئات الجغرافية في ظفار، فإن الفن ينتشر في كافة ولايات المحافظة. يتقدم مؤدي الفن ويسمى (إرِقْد) صفوف الرجال حاملا سيفه عند دخول الميدان، أو يدور في الحلقة المسماة (بالمدارأو آدوورت) التي تتشكل بعد دخول الجماعات الوافدة على الميدان، سواء كانت المناسبة وطنية أو اجتماعية. يخطو المؤدي خطوات عالية وأثناء ارتفاعه يهز السيف، يقاس احتراف المؤدي بقدرته على الارتفاع وعلى هز السيف دون إرجاعه للخلف أو إنزاله إلى الأرض، وذلك حفاظا على سلامة المؤدين والمشاركين في الهبوت.
يثب المؤدي، وأثناء الوثبة عليه ضرب السيف بالترس أو بالعصا أو جراب السيف وتسمى هذه الطريقة «ضرب الجوب» والجوب هو الترس، وكان في الماضي يُضرب الترس بحركة لولبية بحيث يلتف المؤدي مع الضربة، أما في العصر الراهن فإن المؤدي يضرب الترس أو العصا عاليا في الهواء، وعادة يُفضل أداء الضربة في مركز الدائرة التي يتحلق حولها المؤدون والجمهور، للإعلان عن دخول الزافن إلى المناسبة وتحية الجمهور، ثم يدور في الساحة ثلاث أو أربع مرات حسب لياقته البدنية. وإذا انتهى من الأداء في الساحة، يغادر الميدان ولن يعود إليه، وعليه أن يلف حلقة كاملة مشيا مع ضربات خفيفة على الترس وتسمى هذه الطريقة (تُدرُء)، ومن ثم يواصل الأداء المعتاد بالقفز وهز السيف لدورتين أو ثلاث، وهكذا يُنهي الزافن أداءه في الساحة. يمكن للأداء الجماعي أن يضيف جمالا على هذا الفن شريطة أن يتوافق المؤدون في القفزة وحركة هز السيف.
مبعث الكتابة عن هذا الفن هو أنني أحد المهتمين به، وقد ارتبط لدي بذكريات ومواقف عديدة، وقد مارست الرُّقد في التسعينيات عند حضوري للمناسبات الاجتماعية، وخاصة الأعراس أو الفعاليات الوطنية والثقافية مثل «عام التراث 1994»، الذي وُثِق تلفزيونيا في كافة ولايات سلطنة عمان، والآن يعد مادة وثائقية مهمة ومحتوى غنيا بالتنوع الثقافي، وأيضا في المهرجان الشعبي للعيد الوطني المقام في استاد الشرطة بالوطية في نوفمبر 1995، وأيضا في هبوت المدن في العيد الوطني الذي أقيم في مدينة صلالة في نوفمبر 1997، وخلال تلك التجارب كنت أتدرب على تقليد حركات المؤدين المشهورين في الأداء، التي تبرز حينما يقفزون على رؤوس أصابعهم مع إبقاء عقب القدم مرفوعا لا يطأ الأرض.
إن الاهتمام بهذا الفن وإدراجه في القائمة الوطنية للفنون العمانية يُعد مطلبا ملحا في العصر الراهن، إذ طغت التكنولوجيا على الثقافة الشعبية وعناصرها الرئيسة المتبلورة عن تراكمات ثقافية وخبرات إنسانية شكلها الإنسان بحسه وذائقته، وعبّر من خلالها عن وجودها ووجوده. صحيح أن فن الرُقد سُلِّط عليه الأضواء في أحد مواسم مهرجان ظفار تحت مسمى مسابقة فن (الرقيد)، ولا أدري كيف تمت إمالة الاسم مع أن حركة الفن لا تحتمل الإمالة ولا الانحناء، لكن من يتعمق في بعض المسميات في ظفار لا يستغرب من تحريف الأسماء والمعاني فمثلا اسم (المغسيل) لا يدل دلالة واضحة على المكان، بينما التسمية الصحيحة للمكان (آغسيء) وتعني مجرى الماء الصغير.
لم تستمر مسابقة فن الرقد مع أنها شهدت اهتماما اجتماعيا بالفن الذي يجذب اهتمام الشباب لممارسته والتعبير عن قدراتهم الشبابية في الأداء والحصول على اعتراف من قبل الجماهير، لذا نأمل إعادة إحياء الفنون الشعبية ومنحها مساحة من الاهتمام والرعاية وتطويرها لتواكب العصر، وتنتقل إلى الأجيال كمفردة ثقافية مهمة.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
انطلاقة مبهرة لسيرك 1903 في أولى لياليه ضمن موسم جدة
شهد مسرح عبادي الجوهر أرينا مساء أمس انطلاق عروض السيرك العالمي “سيرك 1903”، بتنظيم من شركة بنش مارك، ضمن فعاليات موسم جدة 2025. وقدم العرض تجربة استثنائية، تمزج بين سحر السيرك الكلاسيكي وابتكارات الأداء المعاصر، في أمسية شهدت حضورًا جماهيريًا كثيفًا وتفاعلًا لافتًا مع فقراته المتنوعة.
ومنذ اللحظات الأولى تفاعل الحضور مع العروض بحماس، حيث علت الهتافات والتصفيق بعد كل فقرة بهلوانية أو استعراضية. وبرز تفاعل مؤدي السيرك مع الجمهور، خصوصًا الأطفال، الذين حظوا بتجربة تفاعلية مباشرة عبر دعوات للمشاركة، والتقاط الصور التذكارية، وتوزيع الابتسامات في أجواء أسرية دافئة.
وكانت عروض الفيلة العملاقة من أبرز المشاهد التي أدهشت الحضور وأسعدت الصغار، وسط إشادات من الكبار بجمال الأداء ودقة التنفيذ، لتضيف بعدًا بصريًا مميزًا، يعكس روح السيرك التقليدي بلمسة فنية معاصرة.
اقرأ أيضاًالمنوعاتارتفاع حصيلة ضحايا السيول والانهيارات الأرضية شمال شرق الهند إلى 44 شخصًا
ويواصل “سيرك 1903” عروضه في جدة حتى يوم الثلاثاء 11 يونيو 2025، بمعدل خمسة عروض يوميًا، تتضمن مشيًا على الحبال، بهلوانيات، ألعابًا هوائية، وأكثر من 15 فقرة متنوعة يقدمها سبعة فنانين دوليين، في عرض يثري تجربة الزوار، ويمنحهم لحظات من الدهشة والمرح.
الجدير بالذكر أن هذا الحدث يعد محطة نوعية في مشهد الترفيه بجدة، ويجسد توجهات رؤية السعودية 2030 نحو تنويع الخيارات الثقافية، واستقطاب الفعاليات العالمية التي تمنح الجمهور تجارب استثنائية، تجمع بين الأصالة والتجديد، في أجواء ترفيهية نابضة بالحياة.