"هل تستطيع تونس تجنب الإفلاس؟".. طرح الخبير والباحث الاقتصادي وليد أبو هلال هذا التساؤل، في تقرير نشره موقع "ميدل إيست آي"، مستعرضا الوضع الاقتصادي المزري الحالي للبلد الذي أطلق شرارة الربيع العربي، لكنه انجرف، مثل بقية دول ذلك الربيع، إلى الاستبداد.

وواجهت تونس تباطؤًا اقتصاديًا وعجزًا تجاريًا وتزايدًا في الدين العام، وأفادت تقارير بأن 12 دولة تخاطر بالإفلاس أو التخلف عن سداد ديونها ، بما في ذلك مصر وتونس في الشرق الأوسط.

ملامح المشكلة

ووفقًا للبيانات الأخيرة ، يواجه الاقتصاد التونسي مشاكل مزمنة، بدءًا من الدين العام، الذي قفز إلى أكثر من 80% من الدخل القومي التونسي أو الناتج المحلي الإجمالي، حيث كان أقل من 40% في عام 2010 مباشرة قبل الربيع العربي.

بالإضافة إلى ذلك، ارتفع العجز في الحساب الجاري (الميزان التجاري) إلى 15% من الناتج المحلي الإجمالي مع ارتفاع أسعار السلع المستوردة مثل السلع الأساسية ومصادر الطاقة بشكل حاد خلال الأشهر الـ 18 الماضية بسبب التضخم العالمي وتأثيرات استمرار حرب روسيا وأوكرانيا.

اقرأ أيضاً

المفوضية الأوروبية تمنح تونس 307 ملايين يورو

السياسات الشعبوية والتعيينات غير الضرورية

ويلقي الباحث باللوم على إجراءين في تفاقم الأزمة الاقتصادية التونسية، وهو مضي الحكومات المتعاقبة في تنفيذ سياسات شعبوية مثل زيادة دعم الوقود والسلع الأساسية باستمرار، ما ضغط بعنف على الميزانية، وأيضا خلق فرص عمل غير منطقية في القطاع العام، تحت ضغوط اتحاد العمل التونسي، دون خطة حقيقية لإصلاح تشوهات الاقتصاد.

وأدت هذه التطورات مجتمعة إلى ارتفاع معدل التضخم في البلاد إلى رقم قياسي تجاوز 10% من يناير/كانون الثاني إلى أبريل/نيسان من هذا العام.

وبالنظر إلى الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد التونسي ، فإن الأمر يستحق دراسة ما إذا كانت هناك فرصة لتفادي التخلف عن السداد.

ويخلص الكاتب إلى أن هذه الطريقة قصيرة النظر في التعامل مع الاقتصاد، إلى جانب الصراعات السياسية التي تفاقمت منذ عام 2021 بعد أن منح الرئيس قيس سعيد لنفسه سلطات استثنائية، بدت وكأنها تعجل البلاد نحو الفشل الاقتصادي.

اقرأ أيضاً

بعد قيس سعيد.. لماذا تراجعت الاستثمارات والمساعدات الخليجية في تونس؟

رفض تمويل صندوق النقد

ويعتبر الكاتب أن رفض تونس حزمة صندوق النقد، بسبب شروط الصندوق حول ضرورة خفض دعم الوقود والسلع الأساسية، عطل حزمة تمويلات دولية وخليجية، بحكم أن الاتفاق مع الصندوق يمنح ضوءا أخضر للهيئات المانحة الأخرى لدعم البلد، وهو ما تشتد الحاجة إليه في 2023-2024 وفقًا لوكالة "فيتش"، وهي وكالة التصنيف التي خفضت تصنيف تونس إلى CCC ، وهي خطوة واحدة قبل التخلف عن السداد.

وبينما يؤكد المسؤولون في البلاد أن على التونسيين "الاعتماد على أنفسهم"، فإن هذا الهدف النبيل للأسف لا يمكن تحقيقه على المدى القصير.

قد يفكر المسؤولون في بعض الخيارات، مثل المساعدة من الجزائر أو "بنك التصدير والاستيراد الأفريقي Afreximbank"، لكن حتى هذا لن يحل مشكلة التمويل بأكملها في تونس.

باختصار، أدى ارتفاع فاتورة الأجور العامة في تونس والإعانات السخية، إلى جانب عوامل ثانوية، إلى عجز كبير في الميزانية العامة.

يضاف إلى ذلك عجز كبير في الميزان التجاري، حيث تفوق واردات البلاد على صادراتها.

بالإضافة إلى ذلك، يستمر نزيف الاحتياطيات الأجنبية من البنك المركزي التونسي، والتي قد تكفي لمدة 90 يومًا فقط، حيث انخفض المبلغ بشكل حاد إلى 7.8 مليار دولار.

وذكرت الحكومة التونسية، في خطتها التمويلية، أنها تحتاج إلى أكثر من 5 مليارات دولار من الأطراف الخارجية للفترة 2023-2024 لتقليص العجز في الميزان التجاري، ودعم احتياطي البنك المركزي، وتمويل استيراد المواد الغذائية والوقود.

من المفترض أيضًا أن تغطي الخطة أقساطًا يبلغ مجموعها 1.5 مليار دولار إلى الاتحاد الأوروبي على قرض يصل تاريخ استحقاقه في 2023-2024.

كما يدعو إلى زيادة التمويل المحلي بالدينار التونسي اللازم لتغطية العجز في الميزانية الحكومية.

اقرأ أيضاً

تونس بلا خبز والأفران تغلق أبوابها ... ما الجديد؟

اقتراحات للخروج من الأزمة

أولا: على المدى القصير

ويرى الكاتب أنه على المدى القريب، لا يوجد بديل سوى التوصل إلى تسوية مع صندوق النقد الدولي، حيث ستمهد هذه الصفقة الطريق لخطة إنقاذ دولية، من المتوقع أن تساهم فيها دول الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي.

ويضيف: في نهاية المطاف، يجب على الحكومة التونسية أن تدرك أن المقرضين بشكل عام يتبعون خطى صندوق النقد الدولي، ويوافقون على ما توافق عليه الوكالة، وهو نفس المعيار الذي طبقته دول مجلس التعاون الخليجي على مصر أيضًا.

ثانيا: على المدى الطويل

على المدى الطويل، يرى الكاتب أن هناك العديد من الخطوات اللازمة لإصلاح الاقتصاد، مثل محاربة الفساد واستعادة وتعزيز الديمقراطية والشفافية أمران حاسمان لتغيير الأمور.

ويمضي بالقول: يجب وضع حد للدولة الريعية في التعامل مع الاقتصاد لأنها لا تستطيع أن تنجح في حالة تونس بسبب ضعف مواردها.

اقرأ أيضاً

أزمة تونس الاقتصادية.. الأسباب والتداعيات (إطار)

ويشمل ذلك إصلاح الاختلالات في نظام الدعم الحكومي للسلع والوقود وخفض فاتورة الأجور العامة مع ضمان وصول الدعم إلى الفئات الضعيفة المستحقة.

ويرى التقرير أن إصلاح قوانين الاستثمار، والتخلص من البيروقراطية، وتحسين الأمن وإصلاح قطاع السياحة، الذي يشكل 7% من الاقتصاد، سيساعد على تقليص عجز ميزان المدفوعات.

كما يجب على الحكومة دعم دور القطاع الخاص في التنمية الزراعية والصناعية، حيث يمكن أن يكون بمثابة أحد الحلول الرئيسية لإصلاح عجز ميزان المدفوعات وبالتالي زيادة احتياطيات العملات الأجنبية في خزائن البنك المركزي.

المصدر | وليد أبو هلال / ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الاقتصاد التونسي تونس قيس سعيد صندوق النقد الدولي صندوق النقد اقرأ أیضا على المدى

إقرأ أيضاً:

وزير المالية: النمو الاقتصادي يتسارع بالربع الأول من العام ويتجاوز 5.3%

أكد أحمد كجوك وزير المالية، أن تحريك الاقتصاد ودفع النمو، يعد العنصر الأهم والأشد تأثيرًا واستدامة فى تحسين مؤشرات المديونية الحكومية، موضحًا أن السياسات المالية لابد أن تستهدف زيادة الإنتاجية والصادرات وتعزيز تنافسية الاقتصاد بجانب تحسين مؤشرات المديونية.

قال كجوك، فى ورشة العمل الإقليمية للمجموعة العربية لإدارة الديون، التى تقام تحت رعايته، إننا نعمل على خلق حيز مالى، يجعلنا قادرين على تلبية الاحتياجات الأساسية والتنموية لشعوبنا مما يتطلب خفض فاتورة خدمة الدين.

أضاف أن تمكين القطاع الخاص وزيادة مساهماته فى النشاط الاقتصادي، يضمن استدامة الاستقرار والنمو وخفض الاقتراض الحكومى، وأن الأدوات التمويلية المبتكرة ضرورية لخدمة أهداف التنمية الشاملة والمستدامة وتحسين مستوى المعيشة، لافتًا إلى أهمية استخدام الذكاء الاصطناعي فى تحسين قدراتنا وتمكيننا من التحليل السليم واتخاذ القرارات المناسبة.

أضاف أن مصر شهدت تحركًا إيجابيًا فى إدارة الديون، باستراتيجية متكاملة مدعومة من القيادة السياسية وكل جهات الدولة، موضحًا أننا مستمرون فى توجيه أى إيرادات استثنائية مباشرة لخفض حجم ونسبة المديونية الحكومية للناتج المحلى.  

إنشاء مجمع صناعي جديد للسيارات في مصر | تفاصيل مهمةأسهم أوروبا تغلق على تراجع وسط حالة من الحذر قبيل قرار الفائدة الأمريكية

أكد أننا نستهدف التوسع فى التمويل المبتكر مثل مبادلة الديون بالاستثمارات أو مقايضة الديون لزيادة الإنفاق على التنمية البشرية والحماية الاجتماعية، لافتًا إلى أن معدل دين أجهزة الموازنة للناتج المحلى انخفض بأكثر من ١١٪ خلال عامين، ونستهدف النزول لأقل من ٨٠٪ فى يونيو ٢٠٢٦.

قال كجوك، إن النمو الاقتصادي يتسارع خلال الربع الأول من العام المالي الحالى ويتجاوز ٥,٣٪، وقد حققنا فائضًا أوليًا بمعدل ٣,٦٪ من الناتج المحلى فى العام الماضي ونستهدف ٤٪ هذا العام، وبالتوازي ارتفعت معدلات النمو، كما سجل القطاع الخاص نموًا قويًا بنسبة ٧٣٪ وفى نفس الوقت تحسن الأداء المالى والاقتصادي والضريبي.

طباعة شارك تحريك الاقتصاد المديونية الحكومية السياسات المالية وزير المالية الاحتياجات الأساسية

مقالات مشابهة

  • تراث الجمال العربي يتوج عالميًا… الكحل التونسي على لائحة اليونسكو
  • النقل بالسكك الحديدية محور لقاء سعيود مع وزير النقل التونسي
  • تونس: افتتاح أشغال المنتدى الاقتصادي الجزائري-التونسي
  • قيادي بمستقبل وطن: فائض الـ179 مليار جنيه يعكس صلابة الاقتصاد المصري
  • باول: الاقتصاد الأمريكي ينمو بمعدلات معتدلة بينما يظل التضخم مرتفعا
  • المحروق .. خفض الفائدة يزيد الطلب على التمويل ويحرك الاقتصاد
  • بنك التنمية الآسيوي يرفع توقعاته لنمو اقتصاد الصين
  • اتفاقية الشراكة الاقتصادية العُمانية - الهندية تعيد رسم ملامح الاقتصاد العماني
  • وزير المالية: النمو الاقتصادي يتسارع بالربع الأول من العام ويتجاوز 5.3%
  • رقابة الإنترنت تشتد.. حجب الأطفال دون سن 16 عامًا من وسائل التواصل.. فهل تستطيع منع طفلك؟