WP: الحرب في غزة تمرّ بمرحلة قاتمة دامية بعد تجاوز الضحايا الـ 40.000
تاريخ النشر: 16th, August 2024 GMT
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، مقالا، للصحفي، إيشان ثارور، قال فيه إن الحرب التي اتّسمت بكارثة تلو الأخرى، وصلت إلى مرحلة قاتمة جديدة، حيث أعلنت وزارة الصحة في غزة، الخميس، أنّ حصيلة الشهداء في القطاع وسط الهجوم الإسرائيلي المستمر، تجاوزت 40 ألف شخص.
وقال إن هذه الإحصائية قاتمة في حد ذاتها، وإن كانت تتضمن أيضا في نطاقها المذهل للدمار في غزة، الأضرار القابلة للقياس التي أطلقها قصف الاحتلال الإسرائيلي المتواصل على القطاع، والحجم غير القابل للقياس من البؤس والمعاناة الذي يعيشه السكان الجائعون، ممّن يكافحون من أجل الأمان في غزة حيث لا تبدو أي منطقة آمنة.
وبحسب المقال نفسه، فإن شدّة الصّراع، أدّت منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، إلى استحالة التحقّق المستقل من البيانات. وتقول بعض جماعات حقوق الإنسان أن عدد وزارة الصحة أقل من العدد الحقيقي، في حين كثيرا ما تقلّل دولة الاحتلال الإسرائيلي ومناصروها من شأن الأرقام.
وقد أشارت تقارير الصحيفة إلى أن المسؤولين الإسرائيليين اتّهموا الفلسطينيين في بعض الأحيان بالمبالغة في تقدير عدد الشهداء المدنيين. ولكن في تموز/ يوليو، قالت قوات الاحتلال الإسرائيلية، عبر بيان، "إن نحو 14 ألف مسلح تم القضاء عليهم أو القبض عليهم، وهذا يعني أن المقاتلين ربما يشكّلون أقل من نصف القتلى". فيما لم يقدم جيش الاحتلال الإسرائيلي أدلة على ذلك.
وفي يوم الخميس الماضي، قام جيش الاحتلال الإسرائيلي بتحديث تقديراته إلى 17 ألف مسلح، رغم أنه لم يوضح كيف حسب الرقم الجديد.
وفي السياق نفسه، أوضحت تقارير الصحيفة، أن الصّراعات السابقة في غزة كشفت أن "إحصاءات وزارة الصحة المحلية عن الضحايا كانت موثوقة على نطاق واسع". ولم يجد الباحثون الذين نشروا في مجلة "لانسيت" الطبية البريطانية، أي دليل على أي سجلّ حافل بالأرقام المبالغ فيها من قبل السلطات الصحية في غزة.
وتابعت بأنه: "قبل أن ينهار النّظام الطبي في المنطقة فعليا، ووسط الحملة العسكرية الإسرائيلية، نشر المسؤولون المحلّيون قوائم متعددة بالقتلى وحالات تم فحصها لأشخاص أبلغ أفراد أسرهم عن وفاتهم".
قال مايكل سباجات، وهو أستاذ الاقتصاد في جامعة لندن والذي يدرس الخسائر في الصراعات المسلحة، للصحيفة: "إن المعلومات التي لدينا عن هذا الصراع أفضل كثيرا من كل الصراعات البارزة الأخيرة على الأرجح"، مشيرا إلى الأرقام المتداولة في الحروب الجارية في أوكرانيا وإثيوبيا وسوريا والسودان.
وقال مسؤولون من الأمم المتحدة ومسؤولون محلّيون أن الجزء الأكبر من الشهداء هم من النساء والأطفال. فيما قالت فكر شلتوت، وهي مديرة البرامج في غزة لمنظمة الإغاثة الطبية للفلسطينيين ومقرها بريطانيا: "هل تعلم ماذا يعني أن تفقد 40 ألفا من شعبك؟ هذا يعني أن 40 ألف امرأة وطفل وشاب وبالغ وشيخ لن يكونوا هناك بعد الآن. لن يكبر الأطفال أبدا. لن يذهبوا إلى المدرسة أو الجامعة أبدا. لن تلد النساء ولن يكنّ هناك لاحتضان أطفالهن".
وفي تصريحات أدلى بها، الخميس الماضي، أشار فولكر تورك، المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، إلى عدد لا يحصى من الانتهاكات للقانون الإنساني الدولي من جانب كلاّ الطرفين في الصراع، لكنه أشار إلى جيش الاحتلال الإسرائيلي باعتباره المحرك الرئيسي للمعاناة الفلسطينية.
وقال تورك، في بيان: "هذا الوضع الذي لا يمكن تصوره يرجع بشكل كبير إلى الفشل المتكرر من جانب القوات الإسرائيلية في الامتثال لقواعد الحرب". مضيفا: "في المتوسط، قُتل حوالي 130 شخصا كل يوم في غزة على مدى الأشهر العشرة الماضية. إن حجم تدمير الجيش الإسرائيلي للمنازل والمستشفيات والمدارس وأماكن العبادة صادم للغاية".
وأشارت الأبحاث التي دقّقها النظراء في مجلة "لانسيت" في وقت سابق من هذا العام إلى أن الخسائر الحقيقية في غزة أعلى من ذلك بكثير. وفي تموز/ يوليو، أشاروا إلى أن استشهاد ما يصل إلى 186 ألف فلسطيني في غزة، وهو ما يقرب من عُشر السكان، يمكن أن يعزّى إلى الصراع الحالي، مشيرين إلى آلاف الجثث التي لا تزال عالقة تحت الأنقاض والوفيات الناجمة عن سوء التغذية والأمراض التي تضرب المنطقة.
كذلك، أطلَعت روزماري ديكارلو، وهي وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، مجلس الأمن، الثلاثاء الماضي، عقب حادث آخر أسفر عن سقوط أعداد كبيرة من الشهداء في غزة، عندما ضربت القنابل مدرسة تؤوي آلاف النازحين الفلسطينيين، ما أسفر عن استشهاد أكثر من 100 شخص، بما في ذلك العديد من الأطفال.
وقالت: "لا يوجد مكان آمن في غزة، ومع ذلك لا يزال المدنيون يتلقون الأوامر بالإخلاء إلى مناطق متقلصة باستمرار"، مؤكدة على "الحاجة الماسّة إلى التوصّل إلى وقف لإطلاق النار، وتحرير الأسرى، وزيادة المساعدات الإنسانية".
وتجري محادثات بشأن وقف إطلاق النار مرة أخرى في العاصمة القطرية الدوحة. حيث اجتمع كبار المسؤولين الإسرائيليين والأميركيين مع محاورين قطريين ومصريين على أمل تحقيق اختراق أفلت حتى الآن من دبلوماسيي المنطقة.
وكان يلوح في الخلفية التهديد بالعمل العسكري من جانب إيران ووكيلها اللبناني الرئيسي، حزب الله، ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي، في "انتقام" مفترض لاغتيال رئيس الوزراء الفلسطيني المنتخب، إسماعيل هنية، في طهران. وقد يتأخر هذا الهجوم حتى تستمر الدبلوماسية، أو ربما حتى تنقذ إيران، التي تخشى التصعيد الكامل مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، ماء وجهها.
قال أحد الأفراد المقربين من حزب الله، والذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته، لمراسلي الصحيفة: "يمكننا أن نقول إن حزب الله لن يشنّ عملية انتقامية خلال محادثات قطر، لأن الحزب لا يريد أن يتحمّل المسؤولية في عرقلة المحادثات أو الصفقة المحتملة، يمكن للانتقام أن ينتظر، فهو ليس عاجلا أو له حد زمني".
وفي الوقت نفسه، في الضفة الغربية، هاجم عدد من المستوطنين قرية فلسطينية، وأحرقوا المنازل وقتلوا شخصا واحدا على الأقل في غارة. لقد أدان رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الحادث، لكنّه يعكس تطرّف حركة المستوطنين التي شجعها نتنياهو وحلفائه من اليمين المتطرف.
ومع استشهاد عشرات الآلاف في غزة، صعدت دولة الاحتلال الإسرائيلي من استيلائها الفعلي على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية. فيما قال مراسلي الصحيفة، عبر تقييم مفصل لتعدّيات المستوطنين، الخميس: "وافقت الحكومة على الاستيلاء الاستراتيجي على الأراضي، ما يقرب من 6000 فدان هذا العام وحده، وبناء المستوطنات الكبرى، وتصعيد هدم الممتلكات الفلسطينية وزيادة دعم الدولة للبؤر الاستيطانية المبنية بشكل غير قانوني".
وأضافوا: "بينما تصر إدارة بايدن على أن أي حل دبلوماسي للحرب في غزة يتضمّن مسارا إلى دولة فلسطينية مستقلّة، فإن المستوطنين اليهود المتطرفين وداعميهم السياسيين من اليمين المتطرف، الذين صعدوا إلى أعلى مستويات الحكومة الإسرائيلية، يعيدون رسم الخريطة في الوقت الفعلي، مما يجعل حل الدولتين المنصوص عليه في اتفاقيات السلام السابقة مستحيلا فعليا".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية غزة سوريا السودان غزة قطاع غزة صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة دولة الاحتلال الإسرائیلی فی غزة
إقرأ أيضاً:
غزة.. أسطورة الصمود التي كسرت هيبة الاحتلال وأعادت للحق صوته
عامان من النار والحصار والدمار.. عامان لم تشهد لهما البشرية مثيلا في القسوة، ولا في الصبر. في تلك الرقعة الصغيرة المحاصَرة بين البحر والحدود، وقف أهل غزة عُزّل إلا من إيمانهم، فحملوا على أكتافهم ملحمة أعادت تعريف معنى الكرامة، وأثبتت أن الشعوب الحرة قادرة على قلب الموازين، ولو كانت وحدها في مواجهة آلة القتل.
عامان من الصمود الأسطوري
منذ اللحظة الأولى للعدوان، ظنّ قادة الاحتلال أن غزة ستنحني سريعا، وأن القصف العنيف سيكسر إرادة المقاومة، لكنّ ما حدث كان عكس كل حساباتهم. فكلما اشتد القصف، اشتعلت روح التحدي أكثر، وكلما سقط بيت، وُلدت في الأنقاض ألف إرادة جديدة.
لم يكن في غزة جيوش نظامية أو أسلحة متطورة، بل كان فيها رجال يعرفون أن الأرض لا تُسترد إلا حين يُقدَّم من أجلها الدم والعرق والعمر.
عامان من المواجهة المتواصلة أثبتا أن إرادة الشعوب، مهما حوصرت، قادرة على فرض واقع جديد، وأن الاحتلال مهما امتلك من قوة، لا يمكنه أن يهزم فكرة الحرية.
المقاومة.. من ردّ الفعل إلى فرض المعادلة
عامان من المواجهة المتواصلة أثبتا أن إرادة الشعوب، مهما حوصرت، قادرة على فرض واقع جديد، وأن الاحتلال مهما امتلك من قوة، لا يمكنه أن يهزم فكرة الحرية
لم تعد المقاومة الفلسطينية ذلك الطرف الذي يردّ بعد الضربات؛ بل أصبحت اللاعب الأساسي الذي يرسم ملامح المعركة ويحدد إيقاعها.
أجبرت فصائل المقاومة الاحتلال على الجلوس إلى طاولة المفاوضات بعد عامين من العدوان المتواصل، بعدما أدركت القيادة العسكرية والسياسية للاحتلال أن خيار "الحسم العسكري" مجرد وهم، وكل محاولة للتوغّل بَرّا تحولت إلى فخٍّ قاتل، وكل اجتياحٍ بري انتهى بانسحابٍ مذلّ.
المقاومة لم تدافع فقط عن غزة، بل أعادت تعريف مفهوم الردع. وبدل أن تكون غزة "نقطة ضعف"، أصبحت "نقطة ارتكاز" لمعادلة جديدة في المنطقة: أن أمن المحتل لن يكون ممكنا ما دام أمن الفلسطينيين منتهكا.
هزيمة السمعة وسقوط صورة "الجيش الذي لا يُقهر"
ربما لم يخسر الاحتلال في تاريخه الحديث خسارة أخلاقية وسياسية كتلك التي خسرها خلال حرب غزة الأخيرة، وجيشه الذي كان يتفاخر بـ"الدقة التكنولوجية" ظهر كآلة قتلٍ عشوائية تستهدف الأطفال والمستشفيات والمدارس ومراكز الإغاثة.
انهارت صورة "الجيش الأخلاقي" أمام عدسات العالم، وتحوّل قادته إلى متهمين بجرائم حرب في المحاكم الدولية. وما لم تستطع المقاومة فعله بالصواريخ، فعله الوعي العالمي بالصور والفيديوهات التي نقلت بشاعة العدوان إلى كل بيت على وجه الأرض.
سقطت هيبة الاحتلال، لا فقط في الميدان، بل في الرأي العام الدولي، حتى صار قادة الغرب يجدون حرجا في تبرير دعمه أمام شعوبهم.
التعاطف العالمي.. النصر غير العسكري
لم يكن الانتصار في غزة بالسلاح وحده، فخلال عامين من المجازر، تحوّلت فلسطين إلى قضية إنسانية عالمية. شهد العالم مظاهرات غير مسبوقة في العواصم الغربية، من لندن إلى نيويورك، ومن باريس إلى مدريد. الملايين خرجوا يحملون علم فلسطين، يهتفون باسم غزة، ويدينون الاحتلال بصوتٍ واحد. الجامعات، والنقابات، والمؤسسات الأكاديمية، والمبدعون، وحتى الرياضيون؛ كلهم قالوا كلمتهم: كفى قتلا في غزة.
لقد أعادت المقاومة تعريف الصراع أمام الضمير الإنساني: فالقضية لم تعد "نزاعا سياسيا"، بل معركة بين الحرية والاحتلال، بين العدالة والإبادة. وهذا الوعي العالمي المتزايد ربما يكون أعظم مكاسب غزة، لأنه نصر طويل المدى، يغيّر الرأي العام الغربي الذي لطالما كان منحازا للاحتلال.
غزة تُسقط الصمت العربي
وحدها غزة قاتلت، ووحدها دفعت الثمن، بينما كانت أنظمة عربية كثيرة تكتفي بالصمت أو البيانات الباردة. لكن هذا الصمت لم يمنع الرسالة من الوصول: أن المقاومة، رغم كل الحصار والخذلان، فعلت ما عجزت عنه جيوشٌ نظامية تمتلك أحدث الأسلحة والعتاد.
لقد سقطت أوهام القوة الزائفة، وكُشف حجم جيش الاحتلال الحقيقي أمام العالم. فذلك الجيش الذي قيل عنه إنه "لا يُقهر" عجز عن إخضاع مدينة محاصرة لا تتجاوز مساحتها 365 كيلومترا مربعا. إنها الحقيقة التي على كل عاصمة عربية أن تتأملها: القوة ليست في السلاح، بل في الإيمان بعدالة القضية.
اتفاق وقف النار.. إعلان نصر لا هدنة
الاحتلال مهما امتلك من سلاح، يظل هشّا أمام إرادة من يقاتل من أجل حقه.. أن الكرامة لا تُشترى، وأن الحرية لا تُمنح، وأن من يقف بثبات على أرضه يُرغم المحتل في النهاية على التراجع
حين يُوقَّع اتفاق وقف إطلاق النار، فذلك ليس مجرد نهايةٍ مؤقتةٍ للقتال، بل اعترافٌ بانتصار غزة. فالاحتلال لم يجلس إلى طاولة التفاوض إلا بعدما استنفد كل وسائله، ولم يرضَ بالتفاوض إلا بعدما أدرك أن الحرب أصبحت عبئا لا مكسبا.
وقفُ إطلاق النار، بالنسبة للمقاومة، ليس تنازلا، بل تتويجا لمسيرة صمودٍ دامت عامين، دفعت فيها غزة ثمن الحرية دما، لكنها انتزعت اعترافا سياسيا ومعنويا بأنها الطرف الذي لا يمكن تجاوزه في أي معادلة قادمة.
غزة.. مدرسة الأحرار
لقد قدّمت غزة للعالم درسا خالدا: أن الاحتلال مهما امتلك من سلاح، يظل هشّا أمام إرادة من يقاتل من أجل حقه.. أن الكرامة لا تُشترى، وأن الحرية لا تُمنح، وأن من يقف بثبات على أرضه يُرغم المحتل في النهاية على التراجع. هي مدرسة للأحرار، ومصدر إلهام لكل شعبٍ يسعى للخلاص من القهر.
وغزة اليوم لا تنتظر التصفيق، بل تطلب أن يُكتب تاريخها كما يليق بها: كأعظم قصة صمود في وجه أعتى آلة بطش عرفها العصر الحديث.
غزة انتصرت.. لأن الحق لا يُهزم
في زمنٍ يُباع فيه المبدأ وتُشترى المواقف، ظلّت غزة وفية لقضيتها، وحين ظنّ العالم أن صوتها سيخفت تحت الركام، خرجت لتقول: "ما زلنا هنا، وما زال لنا وطن".
لقد انتصرت غزة، لا فقط في الميدان، بل في الوعي والكرامة والتاريخ. وانتصارها هو انتصارٌ لكل من يؤمن بأن الحرية تستحق النضال، وأن الحق لا يضيع ما دام وراءه شعبٌ يقاتل من أجله حتى الرمق الأخير.