هشام عباس يداعب جمهور مهرجان القلعة: لما بشوفكم ببقى زي الفل
تاريخ النشر: 20th, August 2024 GMT
يتألق الفنان هشام عباس، على مسلح مهرجان القلعة للموسيقى والغناء، في دورته الـ32، وسط حضور جماهيري كبير.
وقال هشام عباس لجمهور القلعة: «قبل أي حفلة لمهرجان القلعة، يجيلي برد وصوتي يخشن كدا، وفي حاجة بتحصل، لازم كل مرة يحصلي حاجة، بس سبحان الله أول ما بطلع على المسرح وأشوفكم جمهوري الغالي كل حاجة بتبقي زي الفل».
وصعد هشام عباس على مسرح مهرجان القلعة، بأغنية «بالليل»، ثم استكمل بأغنية «وأنا أعمل ايه، وشوفي».
ومن المقرر أن يستكمل «عباس» فقرته الغنائية، بعدد كبير من أغانيه، الذي يتفاعل معاها الجمهور.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: هشام عباس المطرب هشام عباس هشام عباس
إقرأ أيضاً:
وهم النداء
لم تكن “مياس” سوى بلدة هادئة، حتى اجتاحها الجنون كريحٍ تنفث الهذيان. بدأ الأمر بهمسات عن قوى خفية وقدرات خارقة. رأى البعض وجوهاً في القمر، وسمع آخرون أصواتاً تُحدثهم عن نوايا الآخرين. وما لبث أن صار من يدّعي النبوّة، أو معرفة الغيب بالتنجيم، أو من يُقسم أنه يقطع الفراسخ بخطوة، أكثر عدداً ممن يُعمِلون عقولهم أو يستبصرون بحكمتهم.
تحوّل التعقّل إلى تهمة، والشك في قدراتهم إلى زندقة. فأصبحنا نحن “العقلاء” قلّةً تُطارَد وتُهجَّر وتُهان، حتى اضطررنا للهروب إلى القلعة الحمراء، ذلك الحصن القديم على قمة الجبل المطلّ على البلدة، والذي احتضن بقايا عقولنا.
كنتُ وزوجتي ضمن ثلاثين عائلة ممّن فرّوا. ولم تتوقّف محاولاتهم لاختراق القلعة؛ صرخات في الليل، حجارة تُقذَف، نداءات بأسمائنا -تارة بالترغيب، وأخرى بالترهيب- محاولات تسلُّل، ثم… السحر.
ذات ليلة، في هدأة الصمت، سمعنا همسات تعرفنا. أصوات آبائنا المتوفَّين، إخوتنا، زوجات راحلات عن أبنائهن، تأتي من خلف جدران القلعة بأدق تفاصيل الماضي، تنادي كلاً باسمه، وتطلب فقط تجاذب الذكريات.
وفي يومٍ ماطر، جاء طيف أخي “عبدالله”، المتوفَّى منذ خمسة أعوام، يناديني كعادته في النداء إبّان حياته؛ تردّد الصدى بصوته، حتى سمعته. اقتربتُ منه وأجبتُه، أسندتُ ظهري إلى جدار القلعة، ويبدو أنه فعل مثلي. وهناك، تجاذبنا ذكريات الطفولة، وضحكنا حتى بكينا. وفي لحظة صدق، همس: “إذا طلبتُ منك يوماً أن تفتح لي الباب لأراك… لا تفعل.»
لم أنبس ببنت شفة لهُنيهة، ثم قلت:»حتى لو كانت لحظات؟”
فرد بحزم: تذكّر: حتى وجهي قد لا يكون لي.”
في اليوم التالي، عاد، وأكملنا أحاديثنا. تنقّلت بنا الذكريات من سنة إلى أخرى، واستمر الحال كذلك أياماً، ثم غاب ولم يأتِ. تحركتُ بين جنبات القلعة، في كل زاوية، وكل برج، أنادي عليه ولا يجيب، حتى سمعتُ صوته بعدما يئستُ من عودته، يأتي من خلف الباب الكبير: «أخي، كم اشتقتُ إليك. افتح لي الباب قليلاً كي أراك، لبضع ثوانٍ، ثم أغلقه.»
وقفتُ خلف الباب، يدي على القفل، وروحي تنتفض. الصوت صوته، حتى الانكسار في نبرته… هو ذاته. لكن شيئًا بداخلي تذكّر: “حتى وجهي قد لا يكون لي.”
فهمستُ من خلف الباب: «قل لي شيئاً لا يعرفه غيرنا.»
صمت الصوت لوهلة، ثم قال: «كنا نرسم الشمس على الجدران، ونضع نقطة تحتها، ويقول كلٌّ منّا للآخر، بالتعاقب: إنها أنت.»
لحظتها، اقشعرّ بدني… فقط أنا وهو نعرف هذه الذكرى. مددتُ يدي ببطء نحو القفل… ثم تذكّرتُ قوله لي، فقلت له: «لا يمكنني ذلك».
رد علي: «إذن اثقِب لي الجدار بمقدارٍ يمرّر يدك كي ألامسها. أريد لمسك، أرجوك.»
أجبت: لا بأس.
وبمجرد أن أوجدتُ تلك الفتحة وأوشكتُ أن أُدخل يدي، أدخل هو يده. وقبل أن ألامسها… إذ بزوجتي تسحبني بقوة. تراجعتُ إلى الخلف، فاستشاط غضباً، وامتدّت يدُ مسخٍ عبر الفتحة، فاستللتُ سيفاً وقطعتُها.
أغلقتُ الفتحة بصخرة. ارتجفت جدران القلعة بضربةٍ عاتية. شعر بها الجميع. وفي قلب هذا الارتجاج، خرج صوتٌ آخر من أعماق البرج. هذه المرة، كان صوت عبدالله وهو يصرخ:
“أغلق الفتحة بإحكام، ولا تعاودها!”
عدتُ إلى نفسي، أغلقتها، وسقطتُ على الأرض أبكي.
نجونا في تلك الليلة، لكن منذ ذلك اليوم، لم أعد أبحث عن “عبدالله”. لأنه رحل حقاً… وما صار، كان وهماً يستدرجني بصوته.
وهكذا، استمر الحصار والخوف ينهشانا، حتى بدأت الأيام تمضي ببطء. مرّت السنوات، واحدةً تلو الأخرى، خفتت معها أصوات الطرق، وتلاشت النداءات، ومضى وقت طويل، حتى ساد الصمت في الجبل، بل في البلدة بأسرها. لم يكن ذلك عجباً، بل فناءً بطيئاً للجنون، فالمجانين لا يعرفون كيف يتكاثرون؛ ارتيابهم ينهشهم من الداخل. كانوا يختبئون في جحورهم، يشك أحدهم في ظل الآخر، ويخافون من بعضهم أكثر مما يخافون منا. انطوائيون، حذرون، ينهارون فرادى بصمت… حتى فَنَوا، بينما كنا نزداد عدداً في سلامٍ ينتظر الحرية.
وفي إحدى الليالي، كنتُ جالساً أنظر إلى السماء وحيداً، متربّعاً فوق عتبة المنزل، مستغرقاً قرابة ساعة في الصمت، فسمعتُ صوت عبدالله:
«خالد، خالد… أخرج الآن. أخرج، لا تخف يا أخي، لقد انتهى كل شيء.”
كان صوته، وكان هدوء البلدة، هما ما دفعاني للخروج من القلعة للمرة الأولى منذ عقود. كانت البلدة ساكنة، متربة، مهدّمة، بلا أثرٍ للجنون. كأن الأرض نفسها ابتلعته. فالجنون لا يُنتج إلا العدم، يستهلك أصحابه حتى آخر خفقة وهم.
عدتُ إلى القلعة، وأغلقتُ الباب، لنبقى في حصننا، بعيدين عن لوثة الجنون. أنختُ هناك، وللمرة الأولى، وأنا أتمتم: «ربما لم ننجُ لأننا كنا العقلاء… بل لأننا كنا الأبطأ في الجنون».