القراءة وجدلية المعرفة الرقمية
تاريخ النشر: 21st, August 2024 GMT
في حين يعتقد بعض اليافعين، الذين تفتحت أعينهم على الحياة في العصر الرقمي، وسيطرة الإنترنت على مناحيها، أنهم يقرؤون حين يمررون أعينهم على الشاشات التي بين أيديهم، فإن ما يفعلونه لا يعدو كونه قراءة سطحية.
هذه الجملة، هي جزء من عدة أفكار وردت في بيان أصدره عدد من العلماء والمكتبات وجمعيات النشر العالمية، الذين اجتمعوا في عاصمة سلوفينيا ليوبليانا (10 أكتوبر 2023)، وسُمّي “بيان ليوبليانا للقراءة”.
وقد حذّر البيان من تعرُّض “القراءة عالية المستوى”، للخطر على نحو متزايد، رغم الإغراءات التي يقدمها العالم الرقمي، وتعدُّد خيارات القراءة فيه. ويقصد البيان بالقراءة عالية المستوى، القراءة المعمَّقة، وقراءة الكتب ذات الصفحات الكثيفة، والأفكار العميقة.
وأشار إلى انخفاض القراءة الطويلة، والمتأنية، والنقدية، وتزايد ما يمكن تسميته بالنظرة الخاطفة على النصوص، وتمرير الصفحات بسرعة. وتحدث عن أن فقدان مهارة القراءة، يؤدي إلى فقدان مهارة التفكير، ويعيد القراءة في عالمنا، إلى قراءة نخبوية، كما كانت عندما اخترع البشر الكتابة.
ويعدّ هذا البيان مهمًّا للغاية؛ لأهمية الجهات المشاركة فيه، وهي: جمعية الناشرين الدوليين، والأكاديمية الألمانية للغة والأدب، واتحاد الناشرين الأوروبيين، وتحالف منظمات تحفيز القراءة الأوروبي (EU-READ)، والاتحاد الدولي لجمعيات المكتبات، ومؤسسة (PEN) الدولية، والمجلس الدولي لكتب الشباب (IBBY)، ووكالة الكتاب السلوفيني.
ومن النقاط المهمة التي أشار إليها البيان، إيجابيات القراءة عالية المستوى، ومن بينها أنها تدرِّب على ما يسمى الصبر الذهني، وتوسِّع القدرة على الفهم والإدراك، كما تنمِّي القدرة على التعاطف مع الآخرين، إضافة إلى أنها أداة مهمة للتفكير، والتحليل الاستراتيجي، ومن دونها، سوف يتعرَّض الناس لما يسمى التبّسيط الشعبوي، ونظريات المؤامرة، والمعلومات المضلِّلة، ويصبح الناس حينها عرضة للتلاعب. وأشار البيان إلى أن “القراءة عالية المستوى، كانت دائمًا ضرورية لنمو الحضارات، وساهمت إلى حد بعيد في التنوير، والديمقراطية عالميًّا”.
وقال أحد الأربعة الذين شاركوا في كتابة البيان، ميها كوفاك، إن الناس لا يستطيعون فهم تعقيدات مشكلات زمننا، إذا لم يستطيعوا أن يقرؤوا الكتب المعقّدة. وحذّرت آن بيرمان، رئيسة اتحاد الناشرين الأوروبيين، من أن ربع الأوروبيين لا يستطيعون قراءة النصوص الطويلة.
وختاماً، فخلاصة الكلام: إذا كان هذا هو حال الأوروبيين، الذي يحتلون مكانة متقدمة بين أمم العالم في القراءة، فكيف بشعوب العالم الثالث؟ وهو ما يجب أن يدفعنا لإعادة النظر في بعض جوانب المناهج الدراسية، ومستويات القراءة الحرة في المجتمعات العربية، وانعكاس ذلك كله على ترتيبها في سلم الأمم المعاصرة.
* لا تكن قارئا متعاليا على ما تقرأ، ولا حتى قارئا مثاليا يعيش طوباويَّة الفكرة.. كن فقط قارئًا طفلًا يتجول في شوارع المعرفة ويدخل في حوانيت الدهشة ويقتني ما شاء من تُحف الأفكار والمعاني.
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
هند الخالدي.. حكاياتها ملهمة للأجيال
خولة علي (أبوظبي)
بين صفحات ملونة وأصوات تسرد الحكاية، ينهض جيل جديد يتعلم كيف يرى العالم بعين الخيال، ويكتشف ذاته عبر الكلمة. فالقصة ليست تسليةً عابرة، بل نبض يرافق الطفولة، يرسم في داخلها ملامح الغد، ويعلمها أن للحروف قلباً، وللأحلام جناحين.
من هنا كرّست الكاتبة والناشرة الإماراتية هند الخالدي قلمها لتغرس في الأطفال حب القراءة، وتعيد للحكاية مكانتها الأولى في تشكيل الوعي وتنمية الخيال. آمنت بأن الكلمة قادرة على فتح نوافذ صغيرة في قلوب الصغار، يطلون منها على عالم من الدهشة والمعرفة، وأن كل قصة يمكن أن تكون بذرة لحلم يكبر معهم. بهذا الإيمان، صنعت هند الخالدي مشروعها الأدبي والتربوي، لتقدم عبر دار هند للنشر قصصاً تنبض بالحياة، وتحمل بين سطورها دفء الأمومة وعمق الرسالة الثقافية التي تجعل من الطفل قارئاً فاعلاً لا متلقياً فقط.
نقطة التحول
تعود بدايات هند الخالدي إلى تجربة شخصية مؤثرة مع ابنتها سارة، التي كانت في طفولتها تمتلك صديقة غير مرئية، ما ألهم والدتها لكتابة أولى قصصها بعنوان «صديقة غير مرئية». وتوضح الخالدي أن تلك اللحظة كانت نقطة التحول في مسيرتها، إذ اكتشفت كم هو عمق خيال الطفل، وكم يحتاج إلى من يشاركه عالمه الجميل. وتضيف: بدأت رحلتي لأمنح الأطفال مساحة آمنة للتعبير عن خيالهم، ليجدوا في القراءة مرآة لأحلامهم الصغيرة.
واجهت الخالدي في بداياتها تحديات في تحقيق التوازن بين الخيال والرسالة التربوية داخل القصة، إضافة إلى صعوبة إيجاد رسامين يفهمون روح النص ويجسدون الشخصيات بما يعكس البيئة الخليجية. وتقول: تعلمت أن نجاح القصة يكمُن في الفكرة البسيطة والعميقة، واللغة القريبة من الطفل، والشخصيات التي تشبهه وتشجعه على التفكير الإيجابي. وتؤكد أن الرسوم ليست مجرد مكمل للنص، بل شريك أساسي في تحفيز الخيال وإيصال الفكرة.
ورش تفاعلية
لم تقتصر تجربة الخالدي على الكتابة، بل امتدّت إلى تقديم ورش قرائية للأطفال تعتمد على التفاعل والمرح. ومن أبرزها ورشة «كلمني بالعربي» التي تهدف إلى تشجيع الأطفال على التحدث بالعربية الفصحى بأسلوب ممتع. تقول: أردت أن أظهر جمال لغتنا العربية وهويتها الثقافية بعيداً عن الجمود والتلقين، فحولت القراءة إلى تجربة مليئة بالضحك والاكتشاف.
وتؤكد الكاتبة أن القراءة قادرة على إحداث تحوّل حقيقي في شخصية الطفل، إذ لاحظت بعد ورشها تغير تفاعل الصغار مع الكتب، وزيادة جرأتهم في التعبير عن أفكارهم. وتضيف: الطفل الذي كان خجولاً في البداية يصبح أكثر ثقة حين يشارك القصة أو يستخدم الدمى في التمثيل، لأن القراءة تمنحه صوتاً وفضاءً للخيال، مشيدة بدور الأسرة والمدرسة في ترسيخ عادة القراءة اليومية وجعلها جزءاً من الروتين العائلي.
قدمت الخالدي حتى اليوم 11 إصداراً تنوعت بين القصص التربوية والخيالية والإنسانية، منها «عالمي في كتاب»، والتي نالت عنها جائزة منحة المكتبات في الشارقة. وتطمح في المرحلة المقبلة إلى توسيع نطاق دار هند للنشر لتصل إصداراتها إلى الأطفال في مختلف الدول العربية، مع الحفاظ على الهوية الإماراتية في المضمون.