أحمد المريخي: قلم الخطاط سلاحه وكلما كان السلاح قاطعًا كانت فاعليته أكثر
تاريخ النشر: 9th, August 2023 GMT
يعد الخط العربي أحد الفنون التي اكتسبت شهرة واسعة منذ القدم، حيث يحمل في طياته تاريخًا غنيًا من الجمال والثقافة، فقد كان الخط العربي -ولا يزال- يعبر عن حضارة وهوية الشعوب العربية، وتتمثل فيه الحروف والكلمات في أشكال تجمع بين التعبير الثقافي والجمال الفني.
ويعد أحمد المريخي أحد الخطاطين العُمانيين الذين برزوا في الخط العربي، حيث بدأ الاهتمام بعالم الخط العربي منذ الصغر، فالخط العربي هو أحد أركان اهتمام عائلته التي كان منها أكثر من خطاط عبر الأجيال.
وأفاد المريخي بأن لكل خطاط طابعا معينا خاصا به، حيث تتميز مخطوطات بعض الخطاطين بلمساتهم الخاصة، ولكنه يرى في مخطوطاته لمسة الدقة بتخطيط اللوحة وتنفيذها خاصة في لوحات الخط الكوفي الفاطمي، فهو يعطي اهتمامًا كبيرًا لنظافة اللوحة والإخراج العام، ثم إنه يميل إلى التنوع في الخطوط والألوان والأحجام.
ويقول المريخي حول أبرز الطرق التي ساعدته في تطوير مهارته في الخط العربي: «أعتمد كثيرًا على التعليم الذاتي وذلك بممارسة التمارين والمطالعة الكثيفة، في البدايات كانت الطرق المتاحة محدودة ولكن مع ظهور وسائل التعلم الحديثة مثل اليوتيوب ووسائل التواصل الاجتماعي الدائرة توسعت معارفي، أيضًا قمت بالسفر عدة مرات وجميعها على نفقتي الخاصة لألتقي بأحد الخطاطين وأتعلم منه، إضافةً إلى ذلك قمت بالسفر خصيصًا لمشاهدة بعض اللوحات عن قرب، كما اعتمدت على الإكثار من الجلوس مع أقراني الخطاطين لتبادل المعرفة والمهارة والتعرف على أكبر قدر ممكن من أسرار الخط العربي».
وأضاف أحمد: من أهم الصعوبات التي قد يعاني منها فنان الخط العربي الغزو التقني، حيث يستسهل العامة استخدام الحواسيب وبرامج التصميم الإلكترونية لإنجاز أعمالهم، كما يعد الاهتمام المحدود جدًا من المؤسسات الحكومية والخاصة بهذا الجانب أحد أبرز التحديات التي يواجهها الخطاط، فالخطاطون يرحبون بالرجوع إليهم لإضافة لمسة الخط العربي في المنشورات والإعلانات والتصاميم والعناوين وغيرها، وأكد على أهمية تشجيع الأجيال الناشئة للسير في الحفاظ على هذا الفن العربي العريق عن طريق المسابقات والمعارض والجوائز.
وحول أبرز أعماله يقول: قمت بعمل عشرات اللوحات بمختلف الخطوط، كما أسست معرض خط عربي خاص، وأسست مركز «يسطرون لخدمات الخط العربي» في ولايتي، صحم، كما شاركت بعدة معارض ومسابقات داخل سلطنة عمان وخارجها، وحصلت على الجائزة التقديرية الأولى للخط الكوفي الفاطمي في مسابقة السفير الدولية 2023 المقامة في جمهورية العراق.
وأفاد المريخي أن الخطاط يستطيع أن يترك بصمة من خلال الكتابات التي تحمل الأثر في نفوس الناس، قائلا: «قلم الخطاط هو سلاحه وكلما كان السلاح حادًا وقاطعًا كانت فاعليته أكثر، ثم إن بصمة الخطاط تكون أكثر فاعلية عندما تصل لأكبر شريحة من المجتمع سواءً في المباني أو حتى في الوسائل الأخرى مثل الكتب والمنشورات».
ويسعى أحمد إلى زيادة مستوى جودة خطه بما يمكنه من خدمة دينه وكتابة المصحف الشريف، كما يأمل أن يُفتح المجال أمام الخطاطين بالمشاركة والإسهام في وضع لمساتهم الفنية للحضارة العربية الإسلامية.
وأشار المريخي أن تنمية الرغبة من أهم الأساسيات التي يجب أن يسير عليها المبتدئون في الخط العربي، كما يجب أن يتحلى ممارسو الخط العربي بالصبر وعدم الاستعجال وممارسة التمارين والمطالعة الكثيفة، فالأقلام هي ألسنة الأفهام، كلما قويت العلاقة بين القلم والخطاط أعطاه القلم أكثر وأكثر، فيجب الإكثار من الكتابة والتغذية البصرية والاستفادة من خبرة الخطاطين.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
«الخط الأصفر» .. كيف يعيد كيان الاحتلال رسم خريطة غزة بالقوة ؟
يمانيون | تقرير تحليلي
أفرزت جولات التصعيد الأخيرة لكيان الاحتلال في قطاع غزة واقعاً جغرافياً مستحدثاً بات يُعرف بـ«الخط الأصفر»، وهو ترسيم لم يعد يُنظر إليه كإجراء عسكري مؤقت أو خط تماس تكتيكي، بل كأداة استراتيجية مركزية يعتمدها كيان الاحتلال لإعادة هندسة القطاع على المدى البعيد.
هذا الخط جرى تصميمه ليؤدي وظيفة مزدوجة: أولاً كحزام أمني متقدم يتيح لجيش الاحتلال حرية الحركة والتموضع، وثانياً كأداة ضغط جغرافي وديموغرافي تُفضي إلى خلق بيئة طاردة للسكان الفلسطينيين.
التأصيل الجغرافي والسياسي لـ«الخط الأصفر»
وتكشف الوقائع الميدانية والتصريحات الصادرة عن قادة كيان الاحتلال بوضوح أن «الخط الأصفر» يمثل مشروع اقتطاع دائم يستهدف أكثر من نصف مساحة قطاع غزة، في انقلاب صريح على أي تفاهمات سابقة أو محتملة.
هذا التحول الجغرافي يفرض معادلات وجود جديدة شديدة الهشاشة، ويجعل من التدخل الدولي العاجل ضرورة لمنع تثبيت وقائع استعمارية جديدة على الأرض.
التلاعب الجغرافي: مصادرة الأرض وتقسيم القطاع
في جوهره، لا يمثل «الخط الأصفر» إجراءً دفاعياً، بل عملية هندسة عسكرية هجومية تهدف إلى توسيع عمق السيطرة وتفريغ الأرض من أهلها.
فقد أتاح هذا الخط لجيش الاحتلال العمل خلف شريط أمني واسع، جرى تحويله عملياً إلى «منطقة طرد دائم»، تُمنع فيها العودة المدنية وتُدمر البنية التحتية بشكل منهجي، بما في ذلك الأراضي الزراعية ومصادر الرزق.
الهدف الأعمق لهذا التموضع ليس أمنياً بحتاً، بل يتمثل في تعطيل مقومات الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وفرض إفقار قسري طويل الأمد، يضاعف الضغط الديموغرافي على المساحات المتبقية ويجعلها غير قابلة للحياة.
وتشير التحليلات الجغرافية إلى أن «الخط الأصفر» وضع نحو 57.8% من المساحة الإجمالية لقطاع غزة تحت السيطرة المباشرة لكيان الاحتلال، وهي نسبة غير مسبوقة في تاريخ التوغلات العسكرية السابقة.
هذا الاقتطاع لم يكن متساوياً، بل استهدف المحافظات التي تمثل العمق السكاني والاقتصادي للقطاع.
ففي خان يونس تجاوزت نسبة السيطرة 68%، وفي رفح قاربت 63%، بينما وصلت في مدينة غزة إلى أكثر من 64%.
وحتى في شمال القطاع ودير البلح، لم تكن النسب هامشية، ما يؤكد أن المشروع لا يستهدف نقاطاً أمنية محددة، بل إعادة تقسيم شاملة للقطاع ومصادرة ممنهجة لأراضيه الحيوية.
ولا يقتصر الخطر على الترسيم الأولي، إذ يواصل جيش الاحتلال تغيير مواقع «الخط الأصفر» بشكل شبه يومي، عبر نقل العلامات الأرضية باتجاه الغرب، في خرق واضح للخرائط المتفق عليها ضمن ترتيبات وقف إطلاق النار.
هذا السلوك لا يمثل انتهاكاً تقنياً فحسب، بل يفرغ دور الوسطاء من مضمونه، ويحوّل الاتفاقات إلى غطاء لعملية اقتطاع متواصلة.
وقد أكدت جهات فلسطينية رسمية أن هذا التلاعب أدى إلى فقدان مناطق كاملة، مثل قرية عبسان الجديدة شرق خان يونس، التي باتت خارج الجغرافيا الفلسطينية الفعلية، ما تسبب في موجات نزوح قسري جديدة ورسخ واقعاً ميدانياً يصعب التراجع عنه.
وتكشف التصريحات العلنية الصادرة عن قادة جيش الاحتلال النوايا النهائية للمشروع، حيث جرى توصيف «الخط الأصفر» باعتباره «حدود غزة الجديدة».
هذا الإعلان يمثل انتقالاً من السيطرة المؤقتة إلى محاولة الضم الفعلي، وفرض حدود قسرية تتجاهل كلياً الحقوق الفلسطينية والقانون الدولي.
إن هذا المسار يعكس محاولة متعمدة لتحويل الواقع العسكري إلى حقيقة سياسية دائمة، بما يحرم الفلسطينيين من أكثر من نصف أرضهم، ويؤسس لتقسيم طويل الأمد للقطاع.
الانهيار الكارثي – الكثافة السكانية كسلاح ديموغرافي
أدى اقتطاع ما يقارب 58% من مساحة القطاع إلى تهجير نحو مليون فلسطيني، حُرموا من العودة إلى منازلهم وأراضيهم الواقعة خلف «الخط الأصفر».
هذه الخسارة الجغرافية تحولت إلى واقع إنساني دائم، حيث باتت مناطق كاملة خارج متناول سكانها الأصليين، في نموذج واضح للتطهير الجغرافي.
تبلغ مساحة قطاع غزة نحو 365 كيلومتراً مربعاً، لكن بعد احتساب المناطق الخاضعة لسيطرة الاحتلال وحجم الدمار الذي طال ما يقارب ثلاثة أرباع البنية العمرانية، لم تعد المساحة الصالحة للحياة تتجاوز 33 كيلومتراً مربعاً، أي نحو 9% فقط من المساحة الكلية.
ضمن هذه الرقعة الضيقة، يعيش أكثر من مليوني إنسان بكثافة تقترب من 62 ألف نسمة في الكيلومتر المربع الواحد، وهو رقم يتجاوز بعشرة أضعاف المعايير الحضرية المقبولة عالمياً.
هذه الكثافة ليست نتيجة عرضية للحرب، بل نتيجة مباشرة لسياسة «التجويع الجغرافي»، التي تهدف إلى تحويل السكان إلى كتل بشرية محاصرة، تتنافس على الحد الأدنى من مقومات البقاء.
هذا الواقع يحوّل القطاع إلى ما يشبه معسكر احتجاز مفتوح، تتفكك فيه البنى الصحية والاجتماعية، وتتزايد مخاطر الأوبئة والوفيات غير المباشرة، بما يعزز الضغط نحو القبول بالتهجير كخيار قسري.
الإفقار القسري وتدمير مقومات البقاء
ويمثل الشريط الشرقي لقطاع غزة العمود الفقري للأمن الغذائي، إلا أن وقوعه خلف «الخط الأصفر» أدى إلى تدمير أو تعطيل نحو 87% من الأراضي الزراعية.
هذا الاستهداف المنهجي يقضي على أي إمكانية للاكتفاء الذاتي، ويحوّل الزراعة من مورد حياة إلى أداة ضغط.
النتيجة المباشرة هي ربط مستقبل القطاع بالإغاثة الخارجية، وتجريده من القدرة على النهوض الاقتصادي حتى في مرحلة ما بعد الحرب.
ولم تقتصر السيطرة على الأراضي، بل امتدت إلى الطرق والمعابر والمنشآت الحيوية، بما فيها المستشفيات والمراكز الاقتصادية.
كما أن هذه السيطرة تمنح كيان الاحتلال القدرة على تسييس الإغاثة، وربطها بشروط أمنية تعيق وصول المساعدات وتؤخر إعادة الإعمار، في استكمال واضح لمشروع التهجير غير المباشر.
الانتهاكات القانونية وتحدي المجتمع الدولي
ورغم سريان اتفاق وقف إطلاق النار، يواصل جيش الاحتلال عملياته العسكرية خلف «الخط الأصفر»، من قصف وتفجير وتدمير ممنهج، ما يؤكد أن هذا الخط ليس مدخلاً للتهدئة، بل خطاً أمامياً لحرب مستمرة.
كما يمثل اعتقال مئات من الكوادر الطبية وحرمانهم من أداء واجبهم جريمة حرب مكتملة الأركان، تهدف إلى شل النظام الصحي وتعميق الكارثة الإنسانية، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني.
ويشكل تحويل «الخط الأصفر» إلى حدود دائمة خرقاً فاضحاً لمبادئ القانون الدولي، التي تحظر على القوة المحتلة إحداث تغييرات جغرافية دائمة.
ويأتي هذا السلوك في سياق أوسع من الإبادة الممنهجة، التي تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير، متجاهلاً قرارات محكمة العدل الدولية.
ختاماً ..
وعلى ضوء المعطيات في الميدان فإن «الخط الأصفر» ليس إجراءً أمنياً، بل مشروع اقتطاع استعماري يهدف إلى مصادرة أكثر من نصف قطاع غزة، وتصميم كارثة إنسانية وديموغرافية طويلة الأمد.
ومن خلال حصر السكان في 9% فقط من الأرض، وتدمير الموارد الزراعية، يمارس جيش الاحتلال شكلاً متقدماً من الإبادة غير المباشرة.
إن وقف هذا المسار يتطلب تحركاً دولياً عاجلاً لوقف التلاعب الجغرافي، ومنع تثبيت الأمر الواقع، وضمان رفع السيطرة عن شرايين الحياة، والإفراج عن المعتقلين، باعتبار ذلك الحد الأدنى من المسؤولية القانونية والأخلاقية تجاه ما يجري في غزة.
كما يجب فك سيطرة كيان الاحتلال على المنشآت الحيوية والطرق المؤدية إلى المعابر، ووقف تسييس ملف الإغاثة وإخضاعه لشروط أمنية تعرقل عودة الحياة الطبيعية وإعادة إعمار المناطق المدمرة.
وإنشاء آلية دولية مستقلة لرصد التغييرات الجغرافية اليومية في غزة، وتوثيق أي عمليات اقتطاع للأرض أو بناء منشآت عسكرية خلف الخط الأصفر، لضمان عدم ترسيخ وقائع جديدة.
ويجب على المجتمع الدولي والوسطاء الضغط الفوري على كيان الاحتلال لوقف إزاحة الخط الأصفر نحو الغرب والالتزام الكامل بالخرائط المتفق عليها، وإلغاء أي نية لتحويل هذا الخط إلى حدود دولية دائمة.