قراءة في عودة العمليات الاستشهادية.. هذا ما تعنيه عسكريا
تاريخ النشر: 22nd, August 2024 GMT
بعد إعلان حركتي حماس والجهاد الإسلامي عودة العمليات الاستشهادية أثيرت تساؤلات، حول لماذا توقفت أصلا؟ ولماذا تمت العودة لها مرة أخرى الان؟
واستخدمت الحركتان هذا النوع من العمل المقاوم سابقا مرات عديدة منذ منتصف تسعينات القرن الماضي، وكانت آخرها عام 2002 خلال انتفاضة الأقصى، والآن بعد 12 عاما عادت للواجهة مرة أخرى عبر عملية تل أبيب الأخيرة.
وتبنت الحركتان عملية تل أبيب والتي وقعت الأحد وأسفرت عن إصابة أحد المارة واستشهاد المُنفذ، قائلتين إن "العمليات الاستشهادية في الداخل المحتل ستعود إلى الواجهة طالما تواصلت مجازر الاحتلال وعمليات تهجير المدنيين واستمرار سياسة الاغتيالات".
منفذ عملية تل أبيـب تقبله الله.
كان يحمل قنـبلة قوية في حقيبة الظهر. pic.twitter.com/FphHZkO5xY — قـٰٓـا ســِم (@kassim7th) August 18, 2024
المقاومة حق مشروع دوليا
القيادي في حركة حماس باسم نعيم، قال إن "حركة المقاومة الإسلامية حماس حركة تحرر وطني فلسطيني، والعمود الفقري لعملها هو المقاومة، والهدف الأساس لهذا المشروع هو التحرير".
وأكد نعيم خلال حديثه لـ "عربي21"، أن "المقاومة بكل أشكالها السلمية وغير السلمية هي حق مشروع للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، وهذا ما كفلته القوانين الدولية بأن الشعوب تحت الاحتلال من حقها المقاومة بكل الأدوات المتاحة بما فيها المقاومة المسلحة".
وقال إن "المقاومة المسلحة أشكالها متعددة ومتنوعة، وتعتمد على الإمكانات والظروف والسياقات السياسية الجغرافية والأمنية وغيرها، وبالتالي هذه العمليات الاستشهادية هي أحد الأدوات المتاحة لكل قوى المقاومة، والتي اُستعملت أيضا من قبل شعوب مختلفة في مراحل متعددة من التاريخ الحديث، ومن حق شعبنا الفلسطيني أن يتداول هذه الأدوات المتاحة حسب الظروف وحسب الاحتياجات".
وأضاف، "اعتقد أنه بعد هذه المعركة الطويلة لشعبنا الفلسطيني في المقاومة والصمود والثبات في وجه هذه المجازر والإبادة الجماعية، من قبل العدو الصهيوني، وفشل المجتمع الدولي بكل مقدراته على كبح جماح العدو الفاشي من وقف هذه المجزرة، من حق شعبنا ومقاومته أن يختار الوسيلة التي تردع هذا العدو وتسبب له الألم بما يدفعه لوقف العدوان والاستجابة لتطلعات وطموحات شعبنا بالحرية والاستقلال".
وأوضح القيادي في حماس، أن "مقاومتنا بكل اشكالها هي دفاع عن النفس وتطلع نحو الحرية والاستقلال، وهذا الأمر أيضا تم نقاشه قبل سنوات عندما سُئل الشيخ أحمد ياسين رحمة الله عليه، وأكد أننا نتحرك في مشروعنا في اطار ما هو متاح من أدوات، ولكننا نحن جاهزون أيضا لتحديد هذه الأدوات، إذا قبل العدو بالتراجع أو التوقف عن استباحة الدماء وقتل الأطفال والنساء واستهداف المدنيين".
وحول سبب توقفها ومن ثم عودتها الآن قال نعيم، "أنا ليس لدي معلومات بأن هذه الأدوات أو الأداة تم وقفها في وقت معين أو أن هناك اتفاق على وقفها، انا اعتقد أن استخدامها أو وقفها هو مرهون بالظروف والسياسات والسياقات والتداعيات والاحتياجات".
"رد طبيعي على جرائم الاحتلال"
وجاءت هذه العملية بعد ما يقرب من 10 أشهر على الحرب الإسرائيلية المُدمرة على قطاع غزة، والتي خلفت إلى الان أكثر من 40 ألف شهيد تقريبا غير الآلاف من الجرحى والمفقودين.
وخلال هذه الحرب استخدمت المقاومة العديد من الأسلحة، منها الطائرات المسيرة ومضادات الدبابات والأفراد والعبوات الناسفة وغيرها من الأسلحة، وأما العمليات الاستشهادية فهذه أول مرة يتم استخدامها هذه الحرب.
وكان لهذه العمليات في السابق تأثير على الاحتلال، سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، حيث تؤدي لخسائر مادية كبيرة مع خسائر اجتماعية وسياسية، حيث يضطر الاحتلال للاستنفار الأمني وقد يحدث ركود في داخل المدن المحتلة خوفا من هذه العمليات.
الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء الركن محمد الصمادي، قال "قبل الحديث عن معنى هذه العمليات وتأثيرها عسكريا، لا بد من أن نبين دوافعها، وما الذي يُجبر الفلسطيني على أن يُقدم على القيام بهذا النوع من العمليات".
وتابع الصمادي خلال حديثه لـ"عربي21"، "سياسة حكومة اليمين المتطرف عبر ارتكاب الموبقات والجرائم في قطاع غزة وفي الضفة الغربية، ومنها الابادة العرقية والتهجير القسري وغيرها من الجرائم، تُحرك مشاعر أبناء الشعب الفلسطيني المتواجدين سواء كانوا في قطاع غزة أو في الضفة الغربية أو في العديد من المواقع، وتحرك مشاعرهم العقدية وتجعلهم يشعرون بالظلم، وأصبح المواطن الفلسطيني يشعر بأن الموت العزيز هو خير من الحياة الذليلة".
وأوضح أن "المواطن الفلسطيني بات يشعر بأن لا خيارات لديه، إما نصر وإما استشهاد، وإن تعذر النصر فنلاحظ الان بأن معظم مقاتلي القسام والفصائل المسلحة أصبحوا يقدمون الاستشهاد على النصر، أيضا من يُقدم على هذه العمليات الفدائية الاستشهادية هو يُقدم عليها من منطلق عقدي عميق بأنه يؤدي رسالة عقدية هو يقوم باستهداف القوات والمصالح الإسرائيلية".
زعزعة الأمن الإسرائيلي
وحول ما تعنيه هذه العمليات عسكريا وما تأثيرها، قال الصمادي، إن "هذه العمليات تُزعزع الأمن الجماعي والفردي في الداخل الإسرائيلي، وهي مؤلمة لإسرائيل بشكل عام وتجعل الوضع أكثر تحدي، والان المواطن والجندي ورجل الأمن الإسرائيلي هو خائف ومرعوب ويترقب".
وأضاف، "الآن تسود الأرض المحتلة حالة من المجهول، فالمواطن الإسرائيلي سواء كان في جيش الاحتلال أو في الأجهزة الأمنية أو الاستخبارية سيكون في حالة من الخوف والهلع والقلق يترقب في أي لحظة قد يتم استهدافه، لن يُنعم أبدا بحالة من الرخاء المجتمعي أو السلام أو الحياة الرغيدة داخل المجتمع الاسرائيلي".
ويعتقد الخبير العسكري أيضا، أن "المعسكرات والمراكز الأمنية والوحدات العسكرية ومحطات النقل التي يتواجد بها العسكريون الان كلها مستهدفة، لذلك هذه العمليات تخلق حالة من تدني المعنويات، وعندما نأخذ بعين الاعتبار بأن جيش الاحتلال يقاتل في غزة منذ مدة 318 يوم من العمليات، وهناك شعور عام بأن هذه العمليات العسكرية أصبحت تشكل حرب عبثية، أصبح هناك الان حالة من الانقسام بين المؤسسة العسكرية والمؤسسة السياسية في حكومة اليمين المتطرف".
وأوضح أن "هناك شعور بما يسمى -إعياء الحرب- حيث الجيش الإسرائيلي الان مُرهق ومُنهك ومُتعب من هذه الحرب ويتعرض لخسائر كبيرة جدا، وقالت وزارة الدفاع الإسرائيلية بأن أعداد القتلى والجرحى خلال العشرة شهور الماضية زاد عن عشرة آلاف وينضم تقريبا حوالي ألف كل شهر بمعدل 33 جندي وضابط يوميا".
وأردف، "والان عندما تكون العمليات الاستشهادية الفدائية ناجعة أحيانا وحسب الظروف، قد يكون هناك عدد بسيط من الجرحى وقد يكون هناك عدد كبير جدا من القتلى والجرحى، لذلك حصيلة العمليات الاستشهادية تعتمد على الظروف وعلى طبيعة الهدف الذي سيتم استهدافه، لكن نحن نتحدث عن السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة وهذه كلها تؤدي الى خسائر كبيرة جدا".
نجاح تكتيكي
وعن إمكانية اعتبار تنفيذ العملية الأخيرة في تل أبيب نجاح إستراتيجي، قال الصمادي، "الوصول لتل أبيب يُعتبر نجاح تكتيكي، لكن إن استطاعت المقاومة القيام بالعديد من هذه العمليات الاستشهادية، سيؤدي ذلك إلى نجاح وتأثير على المستوى الاستراتيجي سواء على أمن المؤسسات الأمنية الإسرائيلية أو على جيش الاحتلال، لكن كعملية منفردة لا نستطيع ان نصفها بأنها نجاح استراتيجي".
وتابع، "باعتقادي العمليات الاستشهادية في الفترة القادمة لن تكون محصورة على منطقة معينة، فقد يكون هناك عمليات استشهادية في الضفة الغربية أو أراضي 48 أو في قطاع غزة".
وأكد أن "الظروف الآن نعم صعبة جدا حيث هناك العديد الحواجز الأمنية في كافة المناطق وخاصة في الضفة الغربية، لكن ما نراه داخل المخيمات من نقلة نوعية من القدرة على تجهيز المفخخات والكمائن واستخدام العبوات البرميلية بإمكانات بدائية باستخدام مواد أولية وكذلك قدرات المقاومة على التفجير عن بعد، سيؤدي ذلك إلى إيقاع خسائر كبيرة ويُعتبر نجاح تكتيكي".
التأثير على مسار الحرب
كذلك تزامنت هذه العملية مع تعرقل مفاوضات وقف إطلاق النار ومباحثات صفقة تبادل الأسرى، بعد أن عطلها نتنياهو نتيجة وضعه أربعة شروط منها تفتيش العائدين لشمال غزة، وضمان سيطرة الاحتلال على محور فيلادلفيا ومحور نتساريم.
وعلى الرغم من موافقة حركة حماس على المقترح الأمريكي إلا أن نتنياهو يُصر على شروطه ويرفض التنازل عنها، ويسعى لتعطيل الصفقة، لمصالح سياسية شخصية وفقا لمعارضيه.
ويثير توقيت هذه العملية الاستشهادية تساؤلات حول مدى تأثيرها على مسار الحرب ككل، وهل ستدفع نتنياهو للتشدد أكثر أم لا؟
اللواء محمد الصمادي أوضح أنه قال في أكثر من لقاء إعلامي بأن، "نتنياهو لا يعرف ماذا يريد ولكنه يعرف تماما ما لا يريد، وبشكل عام هو سياسي مراوغ وبارع وقادر على تجيير أي فرصة من فرص النجاح لنفسه".
ولفت إلى أن "نتنياهو في حال كان هناك أي تقصير فإنه يلوم الأخرين، وهو يحاول أن يطيل أمد الحرب وأن يُفشل أي فرصة للوصول إلى هدنة أو صفقة لتبادل الأسرى، ولولا الخشية من الداخل الإسرائيلي ومن أهالي الأسرى لأغلق هذا الملف، ولو كان يعلم أين يتواجد الأسرى يقينا لقام باستهدافهم وقتلهم ليتخلص من هذا التحدي".
ويرى الصمادي أن "نتنياهو يحاول الان أن يقوم بمسارعة العمليات، خاصة أن جيش الاحتلال وصل إلى حالة من الاستنزاف الكبير من الخسائر وتدني المعنويات ونقص في الآليات والذخائر وتردي الاقتصاد الإسرائيلي، لذلك هو يُراهن على عملية الاستمرار ليستنزف المقاومة".
وأضاف، "هو تعدى ما يُسمى بالعرف العسكري -نقاط التحول-، وهو الان أصبح في مرحلة ما يُسمى باللاعودة فهو إن توقف يُعتبر بأنه هُزم وإن استمر يُستنزف بمزيد من الخسائر، لكنه هو والعالم الغربي الذي يدعمه يراهنون على إضعاف قدرات المقاومة".
واستدرك، "لكن ما يجري من المقاومة وما تعكسه من واقع عملياتي في ميدان المعركة يُشير بأنها نعم تعرضت لخسائر كبيرة، لكنها ما زالت صامدة وقادرة، وهي تستهدف قوات جيش الاحتلال بالكمائن، وجيش الاحتلال غير قادر على الحسم العملياتي العسكري لغاية الان".
ويعتقد الصمادي بأن "نتنياهو يحاول أن يتحمل هذه الخسائر – كما يعتقد هو- في سبيل أن يستنزف المقاومة إلى درجة بأن تكون غير قادرة على أن تُشكل خطورة على قوات جيش الاحتلال".
تغطية صحفية: والدة منفذ عملية التفجير في "تل أبيب" جعفر منى تتحدث عن أيامه الأخيرة ولحظة معرفة العائلة أنه منفذ العملية. pic.twitter.com/032ovIGy3Q — شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) August 22, 2024
الجدير بالذكر أن أول عملية استشهادية تم تنفيذها خلال انتفاضة الأقصى، وقام بتنفيذها الشهيد ساهر تمام، وتم تنفيذها في 16 نيسان/ أبريل، 1993، ضد مطعم في غور الأردن بجانب قاعدة عسكرية، معروف بتجمع جنود الاحتلال فيه خلال تنقلاتهم.
ووفقا للإحصائيات، فقد بلغ مجموع العمليات الاستشهادية في السنوات الأربع الأولى من انتفاضة الأقصى، 219 عملية، قتل فيها 650 بين جنود ومستوطنين للاحتلال، وأصيب جراءها 3277 آخرون.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات سياسة دولية حماس العمليات الاستشهادية فلسطيني الإسرائيلية إسرائيل فلسطين حماس الجهاد العمليات الاستشهادية المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العملیات الاستشهادیة فی الضفة الغربیة جیش الاحتلال هذه العملیات قطاع غزة تل أبیب حالة من
إقرأ أيضاً:
قراءة إسرائيلية في اتفاق وقف إطلاق النار في غزة
القدس المحتلة- أثار إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) موجة من الارتباك في تل أبيب، إذ جاء من واشنطن قبل أن تعلن الحكومة الإسرائيلية موقفها الرسمي، ما كشف حجم الضغوط الأميركية على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة.
ورغم الترحيب الرسمي المتحفظ، ساد في الأوساط السياسية والعسكرية الإسرائيلية شعور بالخيبة باعتبار أن الاتفاق أنهى الحرب دون تحقيق أي من أهدافها المعلنة، واعتبرت القراءات أن النتيجة الحقيقية هي أن تل أبيب خاضت أطول وأعنف حرب في غزة، لكنها خرجت منها أضعف سياسيا وأكثر عزلة دوليا.
كما اتفقت التحليلات على أن حكومة نتنياهو فشلت في تحقيق الغاية الإستراتيجية المتمثلة في القضاء على حماس أو تفكيك قدرتها العسكرية والسياسية، وأن جيش الاحتلال حقق إنجازات تكتيكية محدودة مثل تدمير أنفاق ومخازن سلاح، لكنه لم ينجح في كسر البنية التنظيمية أو الشعبية للحركة.
خسارة إسرائيلووفق توصيف مراقبين، فقد خرجت حماس من الحرب أقوى سياسيا، بعدما نجحت في الصمود رغم الحصار والتدمير، ورسخت نفسها كقوة تمثل الشعب الفلسطيني والمقاومة.
كما أجمعوا على أن تل أبيب خسرت المعركة الدولية، إذ واجهت تحولا في الرأي العام العالمي، مع تصاعد الانتقادات الأوروبية وتنامي التعاطف الشعبي مع الفلسطينيين لمستويات غير مسبوقة منذ حرب النكبة عام 1948.
وكتب الباحث في تاريخ الشرق الأوسط من جامعة تل أبيب إيال زيسر أن "ما لم تستطع السلطة الفلسطينية تحقيقه في 20 عاما، نجحت فيه حماس خلال عامين من الحرب"، وأن الحديث عن حل الدولتين عاد بقوة إلى الأجندة الأميركية والدولية.
ويرى زيسر في مقال بصحيفة "يسرائيل هيوم" أن هذه التطورات تحد من قدرة إسرائيل على فرض تسوية أحادية الجانب أو استئناف الحرب، لأن أي تصعيد جديد سينظر إليه على أنه نسف لمسار سياسي محتمل نحو إقامة دولة فلسطينية. وأوضح أن خطة ترامب تمثل خارطة طريق جديدة نحو هدف لم يُعلن صراحة، لكنه حاضر بين سطورها، وهو إقامة دولة فلسطينية.
إعلانوباعتقاده، تتميز الخطة عن اتفاقية أوسلو ليس بمضمونها السياسي فحسب، بل بأسلوب صياغتها، إذ جاءت كإملاء أميركي إسرائيلي يفرض واقعا جديدا تحت شعار "السلام الاقتصادي" و"التطبيع الإقليمي"، مقابل الاتفاقية التي قامت على تفاوض مباشر وثقة متبادلة بين الطرفين.
وحذر زيسر من أن الموافقة الإسرائيلية على الخطة تحمل مخاطر إستراتيجية بعيدة المدى، لأنها تُخرج المبادرة السياسية من يد تل أبيب نفسها، وتجعل مصير التسوية مرتبطا بإرادة الأطراف الدولية والعربية.
مرحلة معقدة
من جانبه، يرى المحلل العسكري في موقع "زمان يسرائيل" أمير بار شالوم أن تل أبيب تقترب من مرحلة جديدة ومعقدة في إدارتها لقطاع غزة، عنوانها "الضبط الإقليمي" لا "الهيمنة العسكرية".
ويوضح أنه بينما يفتح الاتفاق الباب أمام عودة المحتجزين الإسرائيليين، فإنه في المقابل يقيد حرية إسرائيل العسكرية والسياسية، ويفرض عليها معادلة إقليمية جديدة تعيد رسم موازين القوى بعد عامين من الحرب.
ويعتقد أن أميركا لن تمنح غطاء سياسيا جديدا لحكومة نتنياهو، وسيطالب المجتمع الدولي بخطوات سياسية ملموسة نحو حل الدولتين، في حين الداخل الإسرائيلي يعاني من انقسام حاد وأزمة ثقة بالحكومة، وحذر من أن أي عودة إلى العمليات العسكرية قد تفجر مواجهة مع واشنطن وتعمق عزلة تل أبيب الدولية.
وحسب بار شالوم، تتجه غزة نحو هيكل جديد من إدارة التهدئة الإقليمية، حيث تسعى الدول العربية، وفي مقدمتها مصر، إلى تقييد يد إسرائيل ومنعها من استئناف العمليات العسكرية. ويرى أن ما يسميه "الخط الأصفر" الذي رسمه ترامب في خريطته السياسية لغزة، يمثل الحدود الجديدة لقدرة تل أبيب على المناورة.
ويقابل هذا الخط ما يسميه جيش الاحتلال "المناطق الرمادية"، وهي مجالات نفوذ استخباري وأمني محدود تسعى إسرائيل للاحتفاظ بها داخل القطاع دون العودة إلى الاحتلال أو الإدارة المباشرة. لكن هذه المعادلة -وفق بار شالوم- هشة ومعرضة للاهتزاز، إذ تعتمد على استمرار التنسيق الأميركي المصري، وعلى قبول حماس والدول العربية بمعادلة الردع الجديدة.
ويخلص إلى أن إسرائيل -رغم عودة المحتجزين- لم تحقق نصرا حاسما، بل دخلت مرحلة تقييد إستراتيجي ترسم فيها حدود حركتها من الخارج أكثر مما تُرسم من داخل مؤسساتها الأمنية. ويرى أن المؤسسة العسكرية تسعى للحفاظ على هامش ردع يتيح لها التحرك ضد أي خرق، مع الحرص على عدم تجاوز "الخطوط الصفراء" التي حددها ترامب.
وبشأن اليوم التالي للحرب، يعتقد بار شالوم أنه ليس نهاية الحرب بل بداية نظام إقليمي جديد تشارك في صياغته واشنطن والقاهرة، في حين تواجه إسرائيل اختبار الحفاظ على أمنها وردعها في معادلة لم تعد تملك السيطرة الكاملة عليها.
مكاسب حماسأما المحلل السياسي في القناة 12 الإسرائيلية يارون أفراهام فيرى أن الاتفاق يمثل تحققا لهدف إعادة جميع المحتجزين الـ48 دفعة واحدة، وهو إنجاز يقدم من قبل نتنياهو على أنه "نصر إنساني وأمني" يعيد بعض الثقة المفقودة لدى الجمهور الإسرائيلي بعد عامين من الحرب.
إعلانويقول إن الحكومة نجحت في تحقيق توازن بين استعادة الأسرى والحفاظ على الردع، مع استمرار السيطرة الأمنية على الحدود والمعابر من دون تراجع ميداني. كما عزز الاتفاق التحالف مع إدارة ترامب، وأعاد لإسرائيل جزءا من مكانتها الدولية بعد الحرب، في ظل استعادة واشنطن لدورها القيادي في المنطقة.
في المقابل، لا يخفي أفراهام أن حماس خرجت بمكاسب ملموسة، إذ نجحت في فرض إطلاق سراح جماعي للأسرى الفلسطينيين، والحصول على مساعدات إنسانية واسعة النطاق إلى قطاع غزة، إلى جانب ضمانات دولية واضحة لوقف الحرب.
ولفت إلى أن الاتفاق لم يتضمن نزع سلاحها أو تحديد جدول زمني لذلك، ما يعني أن الحركة احتفظت بمكانتها السياسية والعسكرية في القطاع، ونجحت في تأجيل أي استحقاق إستراتيجي قد يضعف بنيتها.
ويخلص إلى أن الاتفاق جاء نتيجة معادلة معقدة من التنازلات المتبادلة، وبالنسبة لإسرائيل، فهو إنجاز إنساني ودبلوماسي يعيد جميع المحتجزين ويمنح الحكومة متنفسا سياسيا. أما بالنسبة لحماس، فهو انتصار سياسي ومعنوي يعزز حضورها الشعبي في الشارع الفلسطيني، ويكرسها لاعبا لا يمكن تجاوزه في أي تسوية مستقبلية.
وبين "نصر إنساني" في تل أبيب و"نصر رمزي" في غزة، يرى أفراهام أن النتيجة النهائية للاتفاق تكرس واقعا جديدا في المنطقة، فإسرائيل استعادت محتجزيها، لكنها لم تستعد كامل ردعها، في حين نجحت حماس في ترسيخ بقائها السياسي والعسكري وسط اعتراف دولي ضمني بدورها في المرحلة المقبلة.