من المسؤول عن العمالة السائبة؟
تاريخ النشر: 31st, August 2024 GMT
سالم بن نجيم البادي
قُدِّرَ لي أن أكون حاضرًا لجلسات مُحاكمة عمال وافدين في إحدى المحاكم، وكانت كل الجلسات في ذلك اليوم مُخصصة للعمال الوافدين فيما يبدو، وكانت التهم الموجهة لهم تغيير محل إقامتهم من مُحافظة لأخرى، والعمل في مهن غير مُصرّح لهم بالعمل فيها.
شاهدت هؤلاء العمال وهُم في قفص الاتهام وأمام هيبة القاضي والمكان والحضور، وعلى وجوههم سيماء الذل والمسكنة والخجل والخوف والقلق، وقد نكّسوا رؤوسهم، وكانت الكلمات تخرج من أفواههم بصعوبة بالغة، وهم ينظرون إلى المترجم تارة وإلى القاضي تارة أخرى بعيون بائسة.
وهذا يقودنا إلى السؤال عن سبب هروب العامل الوافد من كفيله المواطن، وعن أسباب تنقُّله من مكان لآخر، والعمل في مهن مختلفة، مع معرفته أنَّ ذلك مخالف للقانون، وقد يُعرِّضه للسجن أو الإبعاد من البلد، وهو يعيش في خوف دائم وترقب، يخاف من الشرطة ومن فرق التفتيش ومن الكفيل ومن الوشاة! ومعروف عن الإنسان حاجته إلى الأمن والأمان والميل إلى الاستقرار، ومع ذلك يُجازف هؤلاء بالعمل بعيدًا عن الكفيل صاحب العمل.
هنا لا أحاول تبرير هروب هذا العامل ولا أرحب بوجود العمالة الوافدة السائبة، لكنني أطرح القضية من ناحية إنسانية بحتة للبحث عن الأسباب وإيجاد الحلول المناسبة لحلها. لقد كانت أعدادهم كبيرة والتهمة واحدة: تغيير مكان الإقامة والعمل في مهن غير مصرح لهم العمل بها، وهذا يدل على أن هناك مشكلة ما!
هل نلوم المواطن الذي جلب هذا العامل وهو لا ينوي تشغيله في المهنة التي أحضره لشغلها وكان هدفه فقط الحصول على مبلغ زهيد من المال مُقابِل الكفالة وعادة ما يكون 20 ريالًا في نهاية كل شهر، بعد أن يتركه سائبًا يبحث عن عمل.
ومع افتراض أن المواطن الكفيل أحضر هذا العامل ليشغل مهنة مُعينة، فهل هيّأ له الظروف المناسبة وبيئة العمل التي تليق بإنسانيته؟ وهل أعطاه الراتب المعقول؟ وهل حظي هذا العامل بمعاملة إنسانية لائقة؟ وهل حصل على سكن مناسب؟
علينا الاعتراف بأنَّ بعضنا ينظر إلى العامل الوافد نظرة دونية، وفيها تعالٍ وقلة احترام، لا نُريد دائمًا أن نُزكّي أنفسنا، ونضع كل اللوم على العامل الوافد، ولا أن نُزكّي كل العمال الذين يهربون من الكفيل، فمنهم من يتمرد ويتطلع إلى الكسب السريع والكثير، حتى وإن كان بطرق مُخالفة للقانون، ولو كان حاصلًا على حقوقه كاملة ويجد المعاملة الكريمة من صاحب العمل.
إننا نحتاج إلى وقفات صادقة وصريحة وشفافة وبعيدًا عن المثالية وتزكية النفس، حتى نعرف الأسباب الحقيقية التي تجعل العامل الوافد يسلك طريق الشتات الشائك، وهو يبحث عن لقمة العيش لتلك الأفواه الجائعة ربما والتي تركها في بلده.
إن أولئك العمال والذين رأيتهم في قفص الاتهام في تلك المحكمة وأمثالهم يستحقون مَنَّا البحث عن الأسباب العميقة التي أوصلتهم إلى ذلك الموقف الصعب.
هنا أتحدث عن الإنسان والإنسانية، ولا أتحدث عن القانون ولا أتدخل في أحكام القضاء، لقد ظلت تلك الوجوه البائسة التي رأيتها في المحكمة، تَظهر لي كُلما شاهدت عاملًا وافدًا، وكأنَّ كل الوجوه تُخفي الكثير من الحكايات والأمنيات وعذابات الغربة والأشواق والخوف من المجهول والتفكير في احتمالية العودة إلى بلدانهم صفر اليدين، بعدما كانت لديهم آمال عريضة ووعود مشرقة قطعهوها على أنفسهم لأفراد أسرهم.. إنها مشاعر الإنسان تجاه أخيه الإنسان، هي التي تجعلنا نتضامن مع الإنسان لأنه إنسان.. وكفى!
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
قانون العمل الجديد يحظر تشغيل الموظف أكثر من 8 ساعات يوميا
يعتبر قانون العمل الجديد رقم 14 لسنة 2025، من القوانين المهمة التي أصدرها مجلس النواب الحالي واعتمدها الرئيس عبد الفتاح السيسي بالتصديق عليه.
أهمية القانون تكمن في دوره بشأن تعزيز العدالة وتحقيق الاستقرار في بيئة العمل المصرية.
وجاء القانون الجديد بمميزات عديدة وضمانات للعامل وصاحب العمل أيضا.
وحدد القانون عدد الساعات التي لا يجوز للعامل أن يتم تشغيله أزيد منها خلال اليوم.
جاء ذلك وفقا للمادة 117 منه، والتي نصت على أنه مع عدم الإخلال بأحكام القانون رقم 133 لسنة 1961 فى شأن تنظيم تشغيل العمال فى المنشآت الصناعية، لا يجوز تشغيل العامل تشغيلا فعليا أكثر من ثمانى ساعات فى اليوم، أو ثمان وأربعين ساعة فى الأسبوع، ولا تدخل فيها الفترات المخصصة لتناول الطعام والراحة.
تخفيض الحد الأقصى لساعات العملويجوز بقرار من الوزير المختص تخفيض الحد الأقصى لساعات العمل لبعض فئات العمال، أو فى بعض الصناعات أو الأعمال التى يحددها.
وتنص المادة 118 على أنه يجب أن تتخلل ساعات العمل فترة أو أكثر لتناول الطعام والراحة ولا تقل فى مجموعها عن ساعة ويراعى فى تحديد هذه الفترة ألا يعمل العامل أكثر من خمس ساعات متصلة.
وللوزير المختص أن يحدد بقرار منه الحالات أو الأعمال التى يتحتم لأسباب فنية أو لظروف التشغيل استمرار العمل فيها دون فترة راحة، والأعمال المرهقة التى يمنح العامل فيها فترات راحة، وتحسب من ساعات العمل الفعلية.
كما نصت المادة 119 على أنه يجب تنظيم ساعات العمل وفترات الراحة بحيث لا تجاوز الفترة من بداية ساعات العمل ونهايتها أكثر من عشر ساعات فى اليوم الواحد، وتحسب فترة الراحة من ساعات التواجد إذا كان العامل أثناءها فى مكان العمل.
ويستثنى من هذا الحكم العمال المشتغلون فى أعمال متقطعة بطبيعتها، والأعمال ذات الطبيعة الخاصة، والتى يحددها الوزير المختص بقرار منه بحيث لا تزيد مدة تواجدهم فى المنشأة على اثنتى عشرة ساعة فى اليوم الواحد.