لا توحي الحركة السياسية اللافتة التي سُجّلت في اليومين الماضيين، بعد فترة طويلة من الجمود شبه الكامل، ربطًا بتطورات الحرب الإسرائيلية على غزة، والجبهة الموازية لها في جنوب لبنان، بأيّ "بركة" على خطّ الاستحقاقات التي يبدو أنها ستبقى مجمّدة حتى إشعار آخر، وفي مقدّمها الانتخابات الرئاسية، بعدما "خاب" ظنّ الكثيرين ممّن توقّعوا أن تولد "مبادرة" رئاسية جديدة، تكون قادرة على إحداث "خرق" عجزت عنه كلّ سابقاتها.


 
فقد حملت "روزنامة" نهاية الأسبوع كلمتين مهمّتين لكلّ من رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، إلا أنّهما لم تحملا أيّ جديد عمليًا، بل بدتا مكرّرتَيْن عن كلمتيهما في المناسبتين نفسيهما قبل عام، وهو ما تجلّى بوضوح في خطاب بري الذي قرّر فيه أن "ينعش" المبادرة التي أطلقها في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر العام الماضي، وقوامها دعوة مفتوحة للحوار أو التشاور لأيام معدودة، تليها دورات انتخابية متتالية.
 
لكنّ الردّ "السلبي" على مبادرة بري المتجدّدة جاء سريعًا أولاً من قبل قوى المعارضة التي قرّرت أن "تحيي" بدورها خارطة طريقها الخاصة للانتخابات الرئاسية، وثانيًا من قبل جعجع، الذي "صوّب" مجدّدًا على حوار بري، واصفًا إياه بـ"المفتعل"، ومعتبرًا أنّ الدخول إلى قصر بعبدا لا يكون "من بوابة عين التينة ووفق شروطها"، وأنّ الطريق إلى بعبدا "لا تمرّ في حارة حريك"، ليتبيّن مجدّدًا أنّ الرهان على عامل الوقت لتليين المواقف قد لا يكون واقعيًا...
 
لا حلّ إلا بالحوار
 
يؤكّد المؤيدون لرئيس مجلس النواب نبيه بري أنّ ما قاله الأخير في كلمته في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر لا يعبّر عن "تصلّب"، وإنما على العكس من ذلك، يمثّل "المرونة الحقيقية" في التعامل مع الاستحقاق، فقد ثبت بالأدلة والبراهين على أنّ لا إمكانية لإنجاز الاستحقاق الرئاسي سوى بالحوار والتفاهم من دون أيّ شروط مسبقة أو فيتوات لا قيمة لها، ولا سيما أنّ أيّ فريق لا يملك الأغلبية المطلوبة ليتمكن من "فرض" مرشحه على الآخرين.
 
من هذا المنطلق، يرفض المحسوبون على بري اعتبار الحوار الذي يدعو إليه رئيس المجلس "مفتعَلاً"، ويعتبرون أنّ الضجّة التي أثارها الفريق المعارض هي "المفتعلة" بهذا المعنى، فإذا كان صحيحًا أنّ الطريق إلى بعبدا لا تمرّ في حارة حريك، ولا في عين التينة، كما قال رئيس حزب "القوات"، من دون التقليل من شأن موقف أيّ طرف من الاستحقاق، فإنّ الثابت أنّها لا تمرّ سوى عبر الحوار والتفاهم، بمعزل عن أيّ رهاناتٍ من هنا أو هناك.
 
وحين يُسأَل المحسوبون على بري عن سبب تمسّكه بمبادرة كان قد أطلقها قبل 365 يومًا، وبالتالي استنفدت فرصها، بدل الذهاب إلى إطلاق مبادرة جديدة يمكن أن يكون لها فرص أكبر للنجاح، يقولون إنّ العناوين التي قامت عليها هذه المبادرة تبقى الأساس، بدليل أنّ كل المبادرات التي أطلقت في الأشهر الماضية استُنسِخت أو استُوحِيت منها، ما يعني أنّ لا بديل عنها، علمًا أنّ بري يرفض الذهاب إلى حوار بمن حضر، قد ينطوي على عزل البعض.
 
المعارضة "لن تستسلم"
 
في مقابل تمسّك رئيس المجلس بمبادرته الحواريّة، بدا واضحًا أنّ المعارضة متمسّكة أيضًا برفضها لها، وبخارطة الطريق التي أطلقتها قبل أسابيع، واعتبر كثيرون أنّها وُلِدت ميتة، وهو ما تجلّى بوضوح في البيان الذي صدر عن نواب المعارضة، فضلاً عن كلمة رئيس حزب "القوات اللبنانية"، وقد تقاطعا عند دعوة "مبطنة" إلى الذهاب إلى المجلس النيابي، وانتخاب رئيس للجمهورية، "بحكم المسؤولية التي حمّلها الدستور للنواب".
 
وفي حين يرى البعض في مثل هذه الدعوة مجرّد "بروباغندا" تتناغم مع الحملات الدعائية التي تطلقها المعارضة ضدّ المعسكر الداعم لرئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، وتحديدًا "حزب الله" و"حركة أمل"، تقول أوساط المعارضة إنّها في الحقيقة، التعبير الوحيد عن رفض شريحة واسعة من النواب لأداء رئيس المجلس، الذي يحوّل البرلمان إلى "رهينة" لحوار يريد فرضه على اللبنانيين، بدل القيام بواجباته بالدعوة إلى جلسة انتخابية.
 
تدرك أوساط المعارضة أنّها قد لا تكون قادرة على "فرض" جلسة الانتخاب بهذه الطريقة، طالما أنّ الأغلبية النيابية لن تتداعى إلى جلسة لا يدعو إليها رئيس المجلس بصورة رسمية، لكنها تشدّد على أنّها ترفض "الاستسلام" لمنطق الفريق الآخر، وستواصل استخدام كلّ السبُل المُتاحة من أجل دفع الأخير إلى "تطبيق الدستور"، وفق توصيفها، بعيدًا عن الرهان الدائم على أنّ المعارضة "ستخضع" في نهاية المطاف، من أجل إنجاز الاستحقاق.
 
عام كاملٌ مرّ على مبادرة رئيس مجلس النواب القائمة على "تشاور محدود" يسبق دورات متتالية لانتخاب الرئيس، والمُستنسَخة من مبادرته التي أطلقها قبيل الفراغ الرئاسي، بالذهاب إلى حوار بعنوان وحيد هو انتخاب الرئيس. لكنّ الثابت أنّ كلّ الفترة الماضية، مع كلّ ما انطوت عليه من أزمات أقرب إلى "الكوارث"، لم تغيّر شيئًا في المواقف، وكأنّ كلّ الأطراف "متقاطعة ضمنًا" على عدم "الاستعجال" بانتظار "فرج" لا يُعرَف إن كان سيأتي!
  المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: رئیس المجلس

إقرأ أيضاً:

العفو الدولية تنتقد قانون حرية التعبير العراقي: صياغات فضفاضة وتكريس للقمع

2 أغسطس، 2025

بغداد/المسلة: في الوقت الذي تتسابق فيه القوى السياسية العراقية لتشريع قوانين مؤجلة منذ دورات نيابية سابقة، تتجه الأنظار نحو مشروع قانون «حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي»، المثير للجدل، والذي عاد إلى طاولة التصويت وسط تحذيرات محلية ودولية من خطورته على الحريات العامة، وانقسام واضح بين من يراه وسيلة لتنظيم الفضاء المدني، ومن يعتبره محاولة مقنّعة لتضييق الخناق على حرية التعبير تحت غطاء قانوني.

وتأتي تحذيرات منظمة العفو الدولية كجرس إنذار مبكر لما قد يحمله القانون من قيود مقلقة على حرية التعبير والتجمع، محذرة من أن تمريره بصيغته الحالية سيكرّس الطابع القمعي المتصاعد في المشهد السياسي العراقي، ويمثل انتكاسة قانونية تتنافى مع التزامات العراق الدستورية والدولية.

ورغم إعلان لجنة حقوق الإنسان النيابية عن تعديلات شملت حذف فقرات جزائية وتسهيل إجراءات التظاهر، إلا أن روح القانون ما تزال محل تشكيك واسع، لاسيما ما يتصل بسلطة منح الإذن المسبق، وحظر ارتداء الأقنعة، وتقييد أوقات التظاهر.

وتنطوي المفردات القانونية المقترحة على ازدواجية في التفسير، حيث تُستخدم تعبيرات مطاطية مثل “النظام العام” و”الآداب العامة” كأدوات جاهزة للتقييد، في بيئة سياسية مشحونة بالتخندقات الطائفية والحزبية، ومشبعة بتركة من انتهاكات حرية الصحافة والنشر. ويتخوف ناشطون من أن تتحول هذه العبارات إلى مفاتيح لقمع الأصوات المعارضة، خاصة في ظل غياب قضاء مستقل قادر على ضبط الاستخدام التعسفي للقانون.

ويتّسق الجدل الراهن حول مشروع القانون مع تاريخ طويل من المناكفات التشريعية التي غالباً ما تتقاطع فيها الرؤى الحقوقية مع مقاربات أمنية تتبناها أطراف متنفذة تخشى من اتساع رقعة الاحتجاج الشعبي، لاسيما مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المرتقبة في نوفمبر المقبل، التي قد تشهد عودة زخم الشارع بعد سنوات من الاحتجاجات التي هزت السلطة في 2019 و2020.

وتعكس محاولات تمرير القانون ما يمكن وصفه بـ”التكتيك التشريعي المحسوب”، حيث يُطرح القانون ضمن حزمة مشاريع في جلسات مكتظة، لإضعاف زخم المعارضة وتحويله إلى ملف قانوني تقني. غير أن الحراك المدني لم يستسلم بعد، إذ واصلت منظمات محلية، بينها «برج بابل»، الضغط بتواقيع ومذكرات احتجاج لتعديل المسوّدة وتحصين النصوص من التأويل السلطوي.

 

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author Admin

See author's posts

مقالات مشابهة

  • أكسيوس : ترامب يريد اتفاقًا كاملاً بشأن غزة
  • العفو الدولية تنتقد قانون حرية التعبير العراقي: صياغات فضفاضة وتكريس للقمع
  • طارق الزمر لـعربي21: التغيير في مصر بات قريبا.. وسقوط السيسي بدأ من داخل النظام
  • استطلاع يكشف عن تغيير كبير في خارطة الأحزاب الإسرائيلية
  • رئيس قوى عاملة النواب: قانون الخدمة المنزلية ضمن أولويات البرلمان المقبل
  • السوداني يعلن تمويلا كاملا لتحسين إنتاج الكهرباء في عموم العراق
  • هل تفتقد الخشوع في الصلاة؟.. 5 عوامل تساعدك لتنال الأجر كاملا
  • الوزير التوفيق يعفي رئيس المجلس العلمي لفجيج والأخير يكشف أن السبب هو عدم حضوره بانتظام إلى المجلس
  • ​سليمان وهدان يعترف: انسحابي من جلسة الإيجار القديم كان كبوة بسبب الارتباك
  • جنوب السودان يتهم كينيا