هل تستطيع أوكرانيا حسم الحرب بالقوة الجوية؟
تاريخ النشر: 5th, September 2024 GMT
من الواضح أنَّ الحرب البرية في أوكرانيا قد وضعت أوزارها، وبطبيعة الحال هناك حركة مستمرة على المستوى التعبويّ، غير أنَّ المحصلة النهائية لا تلوح في الأفق. وقد جعل هذا الجمود الحرب أهم من أي وقتٍ مضى، حسب ما أفاد الكاتب والمحلل السياسي الأمريكي جورج فريدمان.
لا يمكن أن تكون القوة الجوية في أوكرانيا مفتاح النصر
وأوضح فريدمان في مقاله بموقع "جيوبولتيكال فيوتشرز" البحثي الأمريكي أن هذا تطور منطقيّ من بعض النواحي.
لم يكن هناك شك في أذهان كثيرين في أن روسيا كانت تملك القوة البشرية والقدرة على السيطرة على المدن الرئيسة، وأنها بمرور الوقت ستنتصر في الحرب طالت أم قصرت، غير أن الشك ولو كان ضئيلاً في الحرب أساس لا يعوَّل عليه.
President Zelensky has dismissed the head of Ukraine’s air force, Lieutenant General Mykola Oleshchuk, following the crash of a long-awaited F-16 fighter jet earlier this week ⬇️ https://t.co/Cg3wA3TC07
— The Times and The Sunday Times (@thetimes) August 31, 2024
على مدى أكثر من عامٍ كامل، قاومت القوات الأوكرانية التقدم الروسي. لكن، رغم كل هذه المقاومة – ناهيك عن الأزمة السياسية ومحاولة الانقلاب في موسكو والخسائر المتزايدة في الأرواح وانحسار الحماس في روسيا للحرب – كانت الفرضية الشائعة ما تزال تفيد بأن روسيا ستنتصر في نهاية المطاف في الصراع.
وتعثرت حروب كثيرة وتحولت إلى مستنقع دماء. وفي كثير من الأحيان، كانت الدولة التي تنتصر هي التي فقدت أرواحاً أكثر. في الحرب العالمية الثانية، كانت الحرب البرية دموية فعلاً، غير أنَّ المفهوم الجديد نسبيّاً للقوة الجوية الآلية ظهر وعادَلَ الكفة.
Russia has unleashed its largest air attack on Ukraine since the war's start, striking critical water and power plants, and killing at least seven people. The attack comes three weeks after Ukraine's surprise offensive inside Russia. Ian Pannell has more. https://t.co/ZzbWmO7A59 pic.twitter.com/WrSRhTn61V
— World News Tonight (@ABCWorldNews) August 27, 2024
وكانت للقوة الجوية ثلاثة أهداف استراتيجية، ألا وهي إضافة قوة النيران للعمليات الهجومية، والهجوم المباشر على المنشآت العسكرية الحيوية، دون قوات بريّة، وإضعاف الروح المعنوية للسكان المدنيين بتكبيدهم خسائر شملت غير المقاتلين والبنية التحتية. وعدا المرة الوحيدة التي كانت فيها حاسمة في هيروشيما وناغازاكي، لم تُحدِّد القوة الجوية، رغم الدمار الذي تُنزله، نتائح الحرب من قبل قط.
تصاعد الحرب الجوية الأوكرانية
ورغم ذلك، يضيف الكاتب، إننا نتوقع أن تتصاعد الحرب الجوية في أوكرانيا. لم تَعُد الأسلحة المفضلة هي القاذفات المأهولة بالجنود وإنما الطائرات المسيرة. لا يمكن للطائرات المُسيرة أن تصل إلى مدى بعيد مثل قاذفات B-52 أو تحمل القدر نفسه من القوة النارية، ومن الممكن إسقاطها بطريقة أسهل بكثير، غير أنها تتمتع بميزة واحدة حاسمة، ألا هي أنها إذا أُسقِطَت، فلن يلقى أحد من فريقها حتفه. ولا يتعين الأمر استبدال طيار مُدرب تدريباً عاليّاً. فالتكلفة البشرية لأي مهمة للطائرات المسيرة ميسورة أكثر بمراحل إذن.
وتابع الكاتب: ليست الطائرات المسيرة سلاحاً حديثاً بطبيعة الحال. فقد استُخدمت على نطاقٍ واسع في النزاعات الجارية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وعلى الرغم أنها أقل قدرة من الطائرة B-52 على قلب مجريات المعركة وترجيح كفة فريق على كفة آخر، فقد أثبتت أنها لا تُقدَّر بثمن في الضربات الدقيقة، خاصةً في المناطق شديدة التركيز.
وزاد الكاتب: استُخدمت الطائرات المسيرة ضد المدنيين، وإن لم يكن بالمستوى نفسه الذي استُخدمت به قاذفات القنابل في الحرب العالمية الثانية. وإننا نتوقع أن يتكرر الموقف نفسه في أوكرانيا بالتزامن مع تراجع تكلفة الطائرات المسيرة وزيادة قوتها التفجيرية. هذا هو المنطق القاتل لحرب الطائرات المُسيرة، يقول فريدمان.
واختتم الكاتب مقاله بالقول: "لا يمكن أن تكون القوة الجوية في أوكرانيا، كما حدث بالضبط في الحرب العالمية الثانية، مفتاح النصر، ولن تكون كذلك أبداً. ولكن عندما يجري التخطيط للجيل القادم من الطائرات المسيرة، ستُناقَش فعالية الضربات الجوية، ولا بد من مناقشها حدودها أيضاً".
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: الهجوم الإيراني على إسرائيل رفح أحداث السودان غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية الحرب الأوكرانية الطائرات المسیرة القوة الجویة فی أوکرانیا فی الحرب غیر أن
إقرأ أيضاً:
السلام على أنقاض الحرب: أطروحة ترامب المقلوبة
أثار الرئيس الأمريكي ترامب في أعقاب الضربة الجنونية التي نفذتها طائرات بي ـ2 الشبحية على ثلاث منشآت نووية إيرانية في «نطنز» و«فوردو» و«أصفهان» مفارقة عجيبة لمصطلح «السلام» تتجاوز الحرب الحالية إلى مستوى من الفهم قد يسود العالم أجمع.. وتكشف الدلالة الترامبية للسلام عن ملامح حالة سياسية جديدة قد تتسيد العالم في المرحلة المقبلة.
كتب ترامب قبل أن تغادر طائراته الشبحية سماء الشرق الأوسط تدوينة على منصته يقول: «حان الآن وقت السلام»! وليس السلام هنا نهاية للحرب كما يوحي التعبير، بل هو إعلان عن بدئها، فترامب يدرك أن القصف هو الشرارة لا الخاتمة. والواضح أن مفهوم السلام الذي يعنيه ترامب في عبارته المكتوبة بوعي هو لحظة تتويج القوة، وهذه مفارقة لا يمكن تجاوزها في فهم المرحلة القادمة.. السلام الذي يعلن فوق رماد القصف لا على طاولة المفاوضات، والسلام الذي لا ترعاه الدبلوماسية ولكن تفرضه القنابل الخارقة للدروع.
كانت الولايات المتحدة تدير علاقتها مع إيران خلال العقود الثلاثة الماضية عبر الضغط الاقتصادي تارة وعبر أدوات التفاوض والحوار المتعدد الأطراف تارة أخرى. وحتى عندما بلغت حافة الصدام في أحيان كثيرة، ظل الرؤساء الأمريكيون يقدّرون تكلفة الحرب مع دولة ذات عمق حضاري وجغرافي وكتلة سكانية ضخمة مثل إيران.. لكن ترامب، الذي وصف العملية بـ«النجاح العسكري الباهر»، لم ينتظر حتى تصل نتائج الضربة إلى الميدان، فتحدّث كما لو أن الحرب قد انتهت، وأن «السلام» قد تحقق بمجرد الضغط على الزناد.
ما يثير القلق العالمي الآن ليس تجاوز ترامب لحوار السلام الذي كانت ترعاه سلطنة عُمان وكانت نتائجه مبشرة بدلالة تصريحات ترامب نفسه، ولكن إعادته لتعريف السلام، ليصبح نتيجة للقصف والتدمير لا نتيجة للاتفاقيات المنبثقة عن الحوارات والتوافقات الدبلوماسية.
لا ينطلق السلام وفق مفهوم ترامب من المنطق العماني الذي يراهن على أهمية الحوار في بناء التفاهمات الدولية وحل الخلافات السياسية، ولا حتى من منطق المفكر الغربي كانط الذي يدعو لسلام دائم عبر القانون، ولا حتى ضمن مفهوم «الآباء المؤسسين» لأمريكا الذي يبدو السلام في فكرهم نقيضا للقوة العسكرية وهو ليس، بالتأكيد، مشروعا للهيمنة. والواضح أن مفهوم السلام الذي تحدّث عنه ترامب أقرب ما يكون إلى أطروحة صامويل هنتنغتون حول «صدام الحضارات»، حيث لا يُبنى السلام على تفاهم حضاري، بل على هيمنة طرف على آخر، وعلى إقرار بحدود القوة بدل تفاهم العدالة. ودعا هنتنغتون في أطروحته تلك إلى إدارة التوتر بين الحضارات، لا لتجاوزه، وهكذا يبدو ترامب حين يعلن السلام في لحظة تفوق عسكري، لا في لحظة نهاية صراع.
وما يزيد من خطورة هذا الانحراف أن ترامب لم يكتفِ بإعادة تعريف السلام، بل تجاوز بذلك أيضا التقاليد الدستورية الأمريكية التي تمنح الكونجرس صلاحية إعلان الحرب، لا الرئيس وحده. لقد تصرف كقائد أعلى يستخدم القوة بلا تفويض تشريعي، ما يعيد إلى الأذهان تحذيرات «الآباء المؤسسين» من عسكرة القرار السياسي وانزلاق الجمهورية إلى حكم الفرد المتفرد بالقرار.
والمفارقة التي يدركها ترامب تماما أن ما قصفه ليس المنشآت النووية، ولكن أحد آخر خطوط الدفاع المعنوي لإيران؛ فالقيادة الإيرانية كانت تربط هذا المشروع بفكرة السيادة والكرامة.. وإذا كان ترامب يدرك تماما أن الرد الإيراني قادم لا محالة فإن طريق السلام بات أكثر تعقيدا، فيما كان قاب قوسين أو أدنى من التحقق في مسقط.
إن إعادة تعريف مفهوم «السلام» وفق أطروحة ترامب من شأنها أن تقلب معايير الشرعية الدولية، وتنذر بتكرار نموذج القوة بديلا للقانون في أماكن كثيرة في العالم.
وقال الرئيس الأمريكي الأسبق دوايت أيزنهاور، محذرًا: إن قرار الحرب أخطر من أن يُترك للعسكريين وحدهم؛ لكن ترامب يثبت أن السياسيين أيضا -حين يجنحون للقوة- لا ينبغي أن تُترك لهم الحرب دون رادع دستوري أو وازع أخلاقي.
إن الأخطر في ما حدث، ليس الضربة ذاتها، رغم خروجها على كل القوانين، بل إعادة تشكيل وعي عالمي جديد يُسوِّق الحرب بوصفها مدخلا للسلام، ويقلب المفاهيم لتغدو القنابل وسيلة تفاهم. وفي اللحظة التي تغيب فيها طاولات التفاوض، وتحضر الطائرات الشبحية، يصبح السلام أكثر المفردات هشاشة في زمن القوة. وما لم يُستدرك هذا الانزلاق المفاهيمي، فإن «السلام» ذاته قد يتحول إلى كلمة حرب.