غزة.. أسطورة الصمود
تاريخ النشر: 9th, September 2024 GMT
محمد بن رامس الرواس
لماذا اتخذت بلدية غزة طائر العنقاء الأسطوري شعاراً لها؟ هل كانت تعلم بما سيحدث لها الآن قبل أعوام؟
لقد سمت العرب طائر الفينيق بـ"العنقاء"؛ هو ذلك الطائر الذي جاء في الأساطير الإغريقية القديمة، أنه الطائر العجيب الذي تقول عنه الأسطورة إنه يُجدِّد نفسه بنفسه مرارًا وتكرارًا ويعود للحياة من تحت الرماد.
إن الصمود الأسطوري الذي يحدث اليوم في غزة يذكرنا بشعارها الذي اتخذته هذه المدينة الباسلة لنفسها وهو طائر العنقاء الأسطوري الذي تتحدث عنه الأساطير بأنه بعد أن أصبح رمادا خرجت من تحت الرماد بيضة صغيرة خرج منها جناحان وأعادت تواجد الفينيق حيًا مرة أخرى.
وإذا نظرنا إلى الماساة الغزاوية وما يحدث فيها فإننا بكل تأكيد وبكل أمل نعلم أن التجدد والتحدي والقوة هم المثلث الذي سيصنع بإذن الله تعالى الحياة الجديدة لفلسطين عامة ولغزة خاصة، إن أبناء فلسطين يصنعون الأساطير بما تحمله الكلمة من معنى في الصمود والثبات وينتفضون من تحت الركام ومن تحت الأنقاض فتتجدد بأنفسهم وأرواحهم محبتهم لوطنهم ولقدسهم المعظم، بينما قلوبهم مليئة بالآمال الكبيرة، وألسنتهم لا تكل ولا تمل من طلب النصر من الله عزَّ وجلَّ.
اليوم لا توجد بسالة ولا تضحية في العالم تُشبه تضحية أهل غزة؛ سواء من بسالة أو فداء أو شجاعة في الميدان تضحية أذهلت العالم وأذهلت كل من يتابع الأحداث سواء كانوا مع القضية الفلسطينية أو ضدها.
وإليكم قصه هذا الطفل الفلسطيني الذي يلهج لسانه وهو يقول دائما إن عشت فعش حراً أو مت كالأشجار مت واقفا، والشجرة هنا هي الشجرة الشامخة العالية التي كان يقف فوقها طائر العنقاء شاهقة العلو، لقد ذهبت الأسطورة وظل أهل غزة يجسدون ما حدث في الأسطورة من عودة الحياة برغم كل المصاعب الذي تواجههم لقد مات أهل غزة من أطفال كثر لكن أسطورة أهل غزة تقول إن مع كل طفل، هناك أم وأخت وعمة وخالة سيلدن أولادًا كُثر بإذن الله تعالى.
ثمّة تفاصيل كثيرة لم نشاهدها ولم نسمع عنها ولم يتم تسجيلها بعد لا بالتلفاز ولا بوسائل التواصل الاجتماعي ستحصل في الأيام في الأسابيع والأشهر والسنوات المقبلة؛ لأن الغزاويين يجابهون الموت بالحياة، فلا استسلام للموت.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
نوبار باشا.. رجل السياسة الذي صنع تاريخ مصر
نوبار باشا، ذلك الاسم الذي يلمع في تاريخ مصر الحديث، هو الرجل الذي ترك بصمة لا تمحى في الحياة السياسية والاقتصادية للبلاد، ولد في سميرنا عام 1825 في عائلة أرمنية غنية بالخبرة والعلاقات، ومنذ صغره كانت الطريق نحو السياسة والدبلوماسية مفتوحة أمامه.
فقد تعلم في جنيف السويسرية، حيث تتلمذ على العلوم واللغات، وأصبح يعرف الفرنسية والإنجليزية والتركية واليونانية، ما منحه قدرة استثنائية على التنقل بين ثقافات متعددة وعوالم سياسية مختلفة، رغم أنه لم يتقن العربية بشكل كامل.
هذه البداية المتفردة هي التي مهدت له أن يكون رجل دولة محنكا، قادرا على المفاوضات المعقدة، ومطلوبا من الجميع سواء في القاهرة أو في إسطنبول أو باريس.
عندما وصل نوبار مصر، أصبح قريبا من الدوائر السياسية العليا، وصاهر عائلات لها صلة وثيقة بالباب العالي، مما منحه ثقة وامتيازات غير عادية.
عمل في البداية مترجما ومساعدا لعدد من الوزراء والخديويين، وكان له دور بارز في المفاوضات المالية والسياسية، بداية من تسوية حقوق ورثة العرش في إنجلترا، مرورا بتنظيم المرور بين القاهرة والسويس، ووصولا إلى إدارة السكك الحديدية ومشروعات الأشغال العامة.
كانت هذه التجارب المتنوعة بمثابة مدرسة عملية أعدته لتولي أكبر المناصب في الدولة المصرية، وجعلته الشخص المناسب لتشكيل أول حكومة مسؤولة في مصر.
تولى نوبار باشا رئاسة وزراء مصر ثلاث مرات، وكانت كل واحدة من وزاراته انعكاسا لفترة من التحولات الكبيرة، فوزارته الأولى عام 1878 جاءت بعد فترة من الأزمات الداخلية والخارجية، واعتبرت نموذجا للنظارة الأوروبية حيث شغل بعض الوزراء من أجانب، في خطوة أثارت جدلا واسعا.
أما وزارته الثانية، بعد الاحتلال البريطاني، فكانت مرحلة صعبة إذ شهدت إخلاء السودان وضياع أجزاء من الإمبراطورية، ولكنه ظل يمارس عمله بدقة ومهنية، رغم الانتقادات اللاذعة التي وجهت له من المصريين الذين رأوا في تعيين الأجانب وفرض المحاكم المختلطة نوعا من التعدي على الحقوق الوطنية.
وفي وزارته الثالثة، بدا واضحا استسلامه للنفوذ البريطاني، ولكن حتى في تلك المرحلة ظل شخصا لا يمكن تجاهل خبرته وقدرته على إدارة الدولة تحت ضغوط غير مسبوقة.
من أهم إنجازاته الاقتصادية والبنية التحتية، المفاوضات التي أدت إلى إنشاء خط السكة الحديدية بين الإسكندرية والسويس، والعقود التي عززت قدرة الدولة على تنظيم الشؤون المالية والمشاريع الكبرى مثل قناة السويس.
كما ساهم في وضع الأسس القانونية للمحاكم المختلطة، رغم أن تطبيقها أثار جدلا بسبب سلب بعض حقوق الفلاحين والمواطنين، وكان لها أثر كبير على استقلال القضاء والحق في المحاكم الوطنية.
لكن، رغم كل إنجازاته، لم يكن نوبار باشا محبوبا شعبيا، فقد اتهمه المصريون بتفضيل الأجانب، وفرض قيود على الصحافة الوطنية، وهو ما جعل بعض الصحف تغلق في عهده.
حصل أيضا على بعض الامتيازات والعمولات خلال العقود والقروض، مما ألقى بظلال على سمعته، ولكنه يظل شخصا استثنائيا لم يظهر في التاريخ المصري من قبل بمثل هذا التعدد من المناصب والخبرة الدبلوماسية، وهو الرجل الذي عاش بين ثقافات ودول، وحاول دائما أن يجد التوازن بين مصالح مصر ومطالب القوى الكبرى.
توفي نوبار باشا عام 1899 في باريس، ولكن أثره ظل حيا في شوارع مصر وأسماء المدن، فهو الذي أعطى لمصر تجربة أول حكومة مسؤولة، ووضع اللبنات الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة، وتجربة السكك الحديدية والمفاوضات المالية والقانونية.
حتى اليوم، حين نذكر اسمه، نستحضر صورة رجل دولة فريد، عاش بين التحديات والفرص، وسعى دائما لتحقيق ما يراه صالحا لمصر، برغم كل العقبات والانتقادات.
نوبار باشا ليس مجرد شخصية تاريخية، بل هو درس في القدرة على الصبر والعمل في زمن كان فيه التوازن بين الداخل والخارج أصعب ما يكون، ومهما اختلفت آراء الناس عنه، سيظل جزءا من تاريخ مصر الذي لا يمكن تجاوزه أو نسيانه.