الجديد برس:

أشارت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، إلى أزمة تواجهها أوروبا اليوم في الخيار ما بين الحفاظ على مستويات الرفاهية داخل مجتمعاتها، وبين زيادة الإنفاق العسكري لبناء القوة في ظل التهديدات التي تواجهها.

الولايات المتحدة تدفع باتجاه “أن تتحمّل أوروبا المزيد من تكاليفها الأمنية”

وتقول الصحيفة الأمريكية إنه “عندما انتهت الحرب الباردة، خفضت الحكومات الأوروبية ميزانياتها العسكرية، وأنفقت عدة مليارات من الدولارات على البرامج الاجتماعية، الأمر الذي حظي بشعبية كبيرة لدى الناخبين، في زمن كانت أوروبا تواجه القليل من التهديدات الخارجية، وتتمتع بالحماية الأمنية للولايات المتحدة”.

أما الآن، فتجد الدول الأوروبية نفسها في مأزق، بسبب “صعوبة في التخلي عن مزايا السلم، رغم محاولات إحياء توترات الحرب الباردة، تزامناً مع الحرب على أوكرانيا، فمن السهل استبدال البنادق بالزبدة، ولكن العكس أصعب بكثير”.

وعلى الرغم من الوعود بزيادة الإنفاق العسكري، تضيف الصحيفة، “يكافح وزراء الدفاع من أجل الحصول على ما يحتاجون إليه”.

وفي هذا الإطار، صرح وزير الدفاع الألماني، بوريس بيستوريوس للصحافيين مؤخراً، قائلاً بعد أن حصل على أقل بكثير مما طلبه للإنفاق العسكري العام المقبل: “إن هذا يعني عدم القدرة على القيام بمهام معينة بالوتيرة التي يفرضها مستوى التهديد، وهذا محبط بالنسبة لي”.

كما ذكرت “وول ستريت جورنال” أنه من المرجح أيضاً أن “تزيد آمال الولايات المتحدة في التخفيف من العبء الأوروبي عن كاهلها، إحباط وزراء الدفاع في أوروبا”، إذ “قال المرشحان للرئاسة الأميركية، إنهما يريدان أن تتحمّل أوروبا المزيد من تكاليفها الأمنية”.

تفكيك دولة الرفاهية من أجل المزيد من المال للجيش

وتشير الصحيفة إلى أنه “خلال المفاوضات حول ميزانية ألمانيا لعام 2025، في وقت سابق من هذا العام، أراد وزير المالية كريستيان ليندنر، تحرير أموال إضافية مخصصة للدفاع، عن طريق تجميد الإنفاق الاجتماعي لمدة ثلاث سنوات، فقوبل الأمر بالرفض من قبل الأحزاب الأخرى في الائتلاف الحاكم”.

وعلق وزير الشؤون الاقتصادية الألماني، روبرت هابيك: “نحن نفكك دولة الرفاهية، لأننا بحاجة إلى المزيد من الأموال للجيش، وهذه فكرة قاتلة”، معتبراً أن ألمانيا “لا تواجه تهديداً خارجياً من روسيا فحسب، بل تهديداً داخلياً من الناس الذين خاب أملهم في الديمقراطية، والإنفاق الاجتماعي ضروري للحفاظ على تماسك البلاد”.

نقطة التحول

وتقول “وول ستريت جورنال” إن المستشار الألماني، أولاف شولز، وعد “بعد أيام من العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا بأن ترفع برلين الإنفاق العسكري إلى ما فوق 2% من الناتج المحلي الإجمالي، كاشفاً النقاب عن صندوق استثمار خاص بقيمة 100 مليار يورو من خارج الميزانية لإعادة التسلح. ولكن بعد عامين، تضيف الصحيفة، “لم يتجاوز الإنفاق العسكري الإجمالي عتبة 2%”.

وفي الوقت نفسه، “بلغ إجمالي شبكة الأمان الاجتماعي العامة في البلاد 1.25 مليار يورو، العام الماضي، بزيادة بلغت 27% من الناتج المحلي الإجمالي”.

وبالتالي لم تنجح محاولة شولز في جعل العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا “نقطة تحول” في الإنفاق العسكري في ألمانيا، وإعادة بناء القدرات العسكرية.

الناخبون يريدون دولة الرفاه لا العسكرة

كما تراهن الأحزاب السياسية الناشئة، “مثل حزب البديل من أجل ألمانيا، على أن شهية الجمهور تجاه زيادة الإنفاق العسكري، ضعيفة جداً”، ويؤكد الرهان فوز “الحزب بولاية تورينغن شرقي ألمانيا، وملامسته للفوز في ولاية ساكسونيا، من خلال التعهد بمزايا جديدة مثل الوجبات المدرسية المجانية ، والوعد بالسعي إلى تخفيضات في الإنفاق العسكري”.

كما “حقق حزب BSW، في أقصى اليسار، نتائج جيدة في الانتخابات من خلال الوعد بالزبدة على الأسلحة”.

وفي الوقت نفسه، “واجهت المشاريع العسكرية، في الصيف الماضي، احتجاجات لمئات المتظاهرين والسياسيين المحليين من أقصى اليمين وأقصى اليسار بالقرب من قاعدة جوية مهجورة، لمنع شركة Rheinmetall الرائدة في تصنيع الأسلحة في البلاد من بناء مصنع ذخيرة جديد في الموقع، بهدف تزويد أوكرانيا بالعتاد”.

المصدر: الجديد برس

كلمات دلالية: وول ستریت جورنال الإنفاق العسکری المزید من

إقرأ أيضاً:

حرب “أم ضبيبينة”، ولكن

الحروب، كما هو معروف ومتعارف عليه، تنتهي إما بالتفاوض أو بانتصار طرف على آخر.
الحركة الإسلاموية، بجيشها الرسمي والشعبي، التقليدي والمُصنَّع، وفي لحظة نشوة بـ"الفكرة الآثمة"، فكرة العودة بالقوة الى الحكم المباشر، قررت شنّ الحرب، وقدّرت أن القضاء على قوات الدعم السريع لا يستغرق أكثر من أسبوع واحد فقط.

لكن الحرب تدخل الآن عامها الثالث، بل وتنذر بالاستمرار بشكل مفتوح ومتوالد في أشكاله وسردياته. وهي حرب بات يجوز وصفها بـ"حرب أم ضبيبينة".
لقد اصبحت أقرب إلى "حجوة دخلت نملة وخرجت أخرى"، حيث يصعب على المحلل أو المتأمل أن يقرأ نهاية ممكنة لها في ظل تعقيداتها الراهنة وما يُتوقَّع أن يأتي.

فقد لدغت الحرب المهارب، وأثقلت كاهل النازحين واللاجئين بأُسَرهم – كبارًا وصغارًا، أصحاء ومرضى. ظنت الغالبية المتأثرة أن استعادة الجيش وميليشياته للخرطوم قد تكون بدايةً للأمن والأمان، وعودةً للحياة الطبيعية في المحور الحيوي لأعمالهم ومصالحهم، رغم مشاهد الدمار التي بثتها كاميرات الهواتف المحمولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

نشطت الفيديوهات الداعية للعودة من جغرافيات النزوح المتعددة، وكأنها تقول للناس إن الإقامة خارج الديار عبث وهدر للوقت. لكننا شاهدنا وسمعنا تسجيلات مرئية ومسموعة لأشخاص عادوا بتأثير تلك الدعوات، فوجدوا أنفسهم في مواجهة الندم بشراسة منقطعة النظير، على قرارهم المتسرّع الذي اتُّخذ دون دراسة جدوى أو تمحيص.

اكتشف الناس أن الحرب خلّفت حياة موازية، وعرة، خالية من الخدمات الأساسية: مياه، كهرباء، رعاية صحية، وأمنية. وبعض التسجيلات حذّرت بأصوات خشنة من العودة، خاصة بعدما عرضت تفاصيل تجارب العائدين، بما فيها احتلال بيوتهم من قِبل غرباء، منهم من ينتمي للأجهزة العسكرية، بحجج لا تخلو من الغش والاستهانة بعقول المواطنين.

ولولا تسجيل مؤلم لصديق أعرفه، لما صدّقت ما يُروى عن "احتلال ذوي القربى"، وهو شكل جديد من الاحتلال والقهر.

تتوالى الآن الأخبار والمعلومات المقلقة عن حلقات جديدة في هذه الحرب المستعرة، المتزايدة خرائبها، والمنبثقة من الفتن والخيانة.
ففي الأيام الأخيرة، استهدفت المسيرات مراكز الكهرباء، ومطاري دنقلا وعطبرة، وضُربت المنطقة الحيوية لوادي سيدنا والكلية الحربية، بما تحتويه من أسلحة وطائرات، فضلًا عن اشتعال مصفاة الجيلي مرة أخرى. كما شاهدنا مشهد إعدام عدد من الشباب في منطقة الصالحة. وليس بعيد من حصار الفاشر تم بالامس القريب إجتياح مدينة النهود وارتكاب افظع المجازر والمذابح بأهلها.
كل ذلك يجري بينما تواصل الدعاية الإعلامية تغطية الواقع بغبار التضليل والتلاعب بالعقول، وان ما يحدث ليس أكثر من انسحابات تاكتيكية ستقود الى استرجاع "حتمي" لما تم فقدانه.

ان الدعوات للعودة، واستثارة وجدان النازحين المنهكين عبر وسائل التواصل، تشي بان هناك خطة خبيثة تُنسَج بإحكام، لدفع الناس إلى عودة مجهولة العواقب، عودة لا نعلم منها، سوى أنهم يسعون إلى شرعية "بمقاس حاجتهم" للبقاء في السلطة، وشرعنة حكمهم عبر أمر واقع يُفرض بالقوة ويجيز سحق البشر وتحويلهم رغم انفهم الى دافعي ضرائب غدت المدخل الاساسي المتبقي لوزارة كالمالية في ظل التجفيف المالي الذي كشف عن وجههه بعد الحرب ونزوح اعداد ضخمة من المواطنين الى الخارج .

الحكومة الحالية- حكومة استدامة الحرب تبدو في طريق نضب الموارد، وان القوات المسلحة السودانية المحكومة من تحت ستار سياسي "اخواني، محلي، واقليمي، ودولي، بحسب الواقع الحربي والوقائع، صارت الحلقة الأضعف، سواء كمؤسسة محاربة أو كجسم غير محترف.
إن تعدد تشكيلاتها من الميليشيات يُقوّض ادعاء نظاميتها ووطنيتها، عكس ما يُصرّح به قادتها، وما تبثه الآلة الإعلامية المتحيزة والناطقة باسمها ليل نهار.

تقدير دخول الحرب، والاستمرار فيها، وتحديد جداول زمنية لنهايتها، ورغم فكرته الشريرة، كان وفي "حكم العقل" أن يكون مستندًا إلى أبحاث ودراسات استخباراتية نزيهة وعميقة. غياب هذا الأساس المعياري يُحمَّل على عاتق الحركة الإسلاموية، التي أفسدت تقاليد احترافية تاريخية متوارثة داخل المؤسسة العسكرية منذ وصولها إلى سدة الحكم في الثلاثين من يونيو من عام ١٩٨٩.

لقد رجّحت سياسة التمكين كفّة الولاء الأمني على حساب التدريب، ورفع الكفاءة، والتأهيل الأخلاقي المبني على الوطنية. وغابت المشاعر الوطنية وسط رسائل مسمومة تُبث من قيادات متشددة، تتكسب من الحرب وتُطيل أمدها.

إنه مصداق قول جورج واشنطن:
"الجيش الذي لا يحترم شعبه، يصبح جيشًا فاسدًا يسرق أرضه وموارده بدلًا من الدفاع عنها." وهذا ينسجم مع وصف نابليون بونابرت:
"الفساد في الجيوش كالسوس في الخشب، يتغذى عليه دون أن يراه أحد حتى يدمر الهيكل بأسره.". الآن تخرج الحرب من لغتها التقليدية، من بعد الكثافة القتالية البشرية إلى بعد الكثافة القتالية التكنولوجية ذات الاعتماد على وسائل أشد وحشية وقدرة على اصابة الاهداف وتدمير البشر والاشياء مما يوسع نطاق تجارها ورجال اعمالها المختبئين، وكذلك الدول المتكسبة من إستمرارها وتزايد كوارثها بنحو غير مسبوق في مقابل صمت دولي، وتجاهل لافت يكاد يثبت ان إيقافها ليس أولوية ضمن اجنداته. وبجانب كل ما سبق تفشل قوى الخيار المدني الديمقراطي في توحيد كلمتها واجراء التحالف التاريخي "الذكي" لدحر الخطر المشترك على الجميع.
إنّ هذه الحرب، وفي أبعادها الدراماتيكية، تكشف أن لا أحد قد استفاد من الدرس المرّ، المرير، وأن "الوحدة الوطنية المهجورة" منذ بدايات الحركة السياسية لا تزال هي الخيار "الافضل" للقوى السياسية السودانية المدنية والحزبية في ظل تسيد وتمكن عقلية الإقصاء والغطرسة غير المبررة في كل الأوقات التي مضت، ناهيك عن هذه الأوقات الصعبة التي تكتوي بنارها الأغلبية من السودانيين المدنيين الأبرياء، العُزَّل إلا من سلاح الصبر على الكوارث.

لقد قال أبراهام لنكولن: " الأمة المنقسمة على نفسها لا يمكن أن تصمد"،وهي حقيقة تؤكدها وقائعنا اليوم، فكلما تشرذمت الصفوف، زادت قابلية الدولة للانهيار. كما نبّه المفكر مالك بن نبي إلى أن: "كل مجتمع لا يملك وعيًا بوحدته، يسهل اختراقه من أعدائه"، ما يبيّن أن الوحدة ليست ترفًا سياسيًا، بل ضرورة وجودية.
لذا فإن تجاوز هذه المرحلة المأزومة لا يتحقق إلا باستعادة الوعي بأهمية الوحدة الوطنية، لا بوصفها خيارًا تكتيكيًا عابرًا، بل باعتبارها الضامن الوحيد لبقاء الوطن ومصدر قوته في مواجهة التحديات. ذلك وللأسف لن يحدث الا بالتعلم من الاخطاء بدلا عن تكرارها، والا سيكون التكرار عقابا من التاريخ عليهم بمحكومية مستمرة ، وربما دائمة .
فيا قوى المدنية وأنصار الحكم الديمقراطي، توحدوا قبل أن يضيع الوطن، فالوقت لم يعد يحتمل التردد والانقسام!
ويا قوى المدنية والحكم الديمقراطي، اتحدوا الآن، وانتجوا اخلاقا جديدة تسهم في بناء افكار ملهمة للحلول، فالفرصة تضيق، ومصير السودان على المحك!.

wagdik@yahoo.com  

مقالات مشابهة

  • وول ستريت جورنال: من الصعب فهم حقيقة اقتصاد الصين
  • نقاط القوة والضعف لدى برشلونة وإنتر قبل مواجهة نصف نهائي دوري الأبطال
  • وول ستريت جورنال: هيغسيث استخدم تطبيق سيغنال على نطاق واسع بأعمال البنتاغون
  • لنقي: التوافق بين النواب والدولة بات استحقاقًا و”الحكومة التنسيقية” خيار قابل للنقاش
  • وول ستريت جورنال: الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في مأزق
  • تشكيل إنتر ميلان المتوقع أمام برشلونة في موقعة الإياب بدوري أبطال أوروبا
  • “المالية” معلنة نتائج الميزانية للربع الأول: 263.6 مليار ريال إيرادات و322 ملياراً مصروفات
  • التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب يطلق برنامجه التدريبي “بناء قدرات الأئمة والدعاة” بالمالديف
  • الدبيبة يهاجم عقيلة: مسار الترشح “وهمي”، وماذا عن (الإنفاق الموازي، والنواب المغيبين؟)
  • حرب “أم ضبيبينة”، ولكن