بوابة الوفد:
2025-12-15@02:46:35 GMT

سينما المؤلف التى غابت

تاريخ النشر: 15th, September 2024 GMT

يبدو كتاب أمير العمرى « عالم سينما المؤلف» كتابًا مؤسسًا فى سد خانات فارغة فى الكُتب المعنية بصناعة السينما فى بلادنا. والكتاب صدر عن دار «بتانة» للنشر بغلاف ساحر، ومؤلفه ناقد فنى مخضرم يستحق الالتفات والانتباه.

وما أحوجنا لمثل هذه الكتابات فى وقت تشهد فيه السينما المصرية تراجعا لافتا، غابت فيه ألوان وصنوف كُنا نفتخر بالتميز فيها.

ويبدو الكاتب متأثرا بدراسته المبكرة للطب، إذ تستهويه الكتابة التشريحية فنجده يشمل بتحليلاته ونقده كافة أعمال المخرجين الذين يكتب عنهم، وكأنه يفتح بمشرط دقيق، جسد وعقل كل منهم متغلغلا إلى ذاته، مستقرءا مشاعره.

وهو عندما يفعل ذلك يفعله بلغة آسرة وعرض جذاب وسلس، وعندما يطلق حكما أو يرى رأيا فإنه يتكئ على تحليل منطقى مقنع، حتى لأولئك الذين لم يدرسوا السينما ولم يعملوا فيها.

يؤرخ الكتاب لسينما المؤلف بمقال المخرج ألكسندر أستروك فى مجلة «الشاشة الفرنسية» مارس 1948 الذى حمل عنوان «مولد سينما طليعية جديدةـ الكاميرا قلم»، ليطرح فكرة تحول السينما إلى لغة، وتحول الكاميرا إلى قلم، وهو ما يجعل المخرج هو الفنان الأول للعمل السينمائى، وليس مجرد منفذا لأفكار وهواجس الكاتب. وهذا ما التقطه الناقد أندريه بازان بعد ذلك وعبر عنه قائلا « إن الفيلم يجب أن ينسب إلى مخرجه مادام المخرج يتحكم فى مكونات الصورة والصوت، ولابد للمخرج أن يكون مؤلفا مثله مثل الأديب سواء اشترك فى كتابة السيناريو أم لم يشترك».

ببساطة، فإن ذلك يعنى أن العمل السينمائى الحقيقى هو الذى يطرح أفكار ورؤى وهواجس المخرج وليس مؤلف القصة، وهو الطرح الذى رحب به نقاد وسينمائيون حول العالم لتلمع أسماء مخرجين تلائمهم فكرة المخرج المؤلف مثل هيتشكوك، أورسون ويلز، نيكولاس راى.

وفى 1968 أصدر اندريه ساريس كتابا عن السينما الأمريكية اختار فيه 14 مخرجا اعتبرهم الأهم وهم الذين يعبرون عن الاتجاه الجديد كان من بينهم شارلى شابلن، جون فورد، فريتز لانج، وغيرهم. وفيما بعد انطلقت الموجة الجديدة إلى بريطانيا، ألمانيا، السويد، إيطاليا، وأسبانيا، ثم إلى كافة أنحاء العالم.

ويشير العمرى إلى أن الفكرة واجهت بعض التحديات، خاصة عندما اعترض الفيلسوف الفرنسى رولان بارت(01915ـ1980) على عدم الفصل بين النص والمؤلف. لقد كان الرجل يرى أن النص منفصل عن المؤلف لتظهر بذلك فكرة موت المؤلف كإحدى أفكار ما بعد الحداثة، ما يعنى انكار دور المؤلف والغاء حضوره فى طيات العمل الفنى. وبالطبع انتقلت سينما المؤلف إلى العالم العربى خلال الستينيات، وتأثر بها جيل العمالقة أمثال هنرى بركات، يوسف شاهين، وتوفيق صالح، لكنها حضرت بقوة فى الجيل الثالث للمخرجين مثل سعيد مرزوق، على بدرخان، وأشرف فهمى، ثم الجيل التالى عند عاطف الطيب، رأفت الميهى، يسرى نصر الله، وداوود عبدالسيد. كما تأثرت مدرسة الاخراج فى المغرب العربى تأثرا بالغا بتلك المدرسة.

ويختار لنا مؤلف الكتاب 35 نموذجا لمخرجين عالميين عبروا بقوة عن سينما المؤلف، ورغم أن ميلاد التوجه كان فى فرنسا، إلا أن استعراض النماذج تكشف أن تأثير الحركة خارج فرنسا كان أكبر.

ونطالع فى تجارب هؤلاء المخرجين، كيف هم متمردون على الواقع، مشتبكون مع التقليدية، فذلك المخرج السويدى إيخمار برجمان المولود سنة 1918، يحاول الاستغراق فى البحث فى ذاته وكأنها معادل للذات الإنسانية كلها، فنجده فى فيلم «الختم السابع» يناقش قضية الموت بعمق شديد من خلال فارس يلعب الشطرنج مع الموت. وهذا المخرج الدنماركى لارس فون ترييريعترض على ما تقوم به إسرائيل من انتهاكات، ولا يجد حرجا فى تشبيهها بهتلر، ما يؤكد تكوينه الإنسانى الفذ الرافض للظلم العصرى وهو ذات ما يطرحه فيلمه «المنزل الذى بناه جاك» 2018.

وذلك المخرج الإيطالى فرانشيسكو روزى الحائز على جائزة ماتييه الكبرى، يقف متحديا المافيا الحاكمة للسياسة وفاضحا فساد النظام الرأسمالى فى فيلم «جثث متألقة» فى الوقت الذى نجد آراءه الشخصية منحازة إلى قضايا الإنسان وآلامه، فيقف إلى جوار الشعب الجزائرى فى ثورته للإستقلال.

وتبقى السينما لُغة مشتركة للجمال فى العالم، ولا يجب التهاون فى تعلمها أو تجاهلها.

والله أعلم

 

[email protected]

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: مصطفى عبيد

إقرأ أيضاً:

تمديد آجال الترشح لانتخابات تجديد مجلس إدارة ديوان حقوق المؤلف

أعلن الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، عن تمديد آجال استقبال ملفات الترشح لانتخابات تجديد مجلس الإدارة إلى غاية يوم الخميس 18 ديسمبر 2025.

وبهذه المناسبة دعا الديوان جميع الأعضاء الذين تتوفر فيهم شروط الترشح من مختلف الفئات الإبداعية من مؤلفين وفنانين. وموسيقيين وغيرهم من الفاعلين في الحقل الثقافي، إلى اغتنام هذه الفُرصة بالمُشاركة بترشيحاتهم لعضوية مجلس الإدارة. إسهاماً منهم في تعزيز الحوكمة الثقافية والدفاع عن الحقوق الجماعية للمُبدعين.

وأوضح الديوان أن انتخابات تجديد مجلس الإدارة، تكتسي أهمية خاصة باعتبارها محطة محورية في تجسيد إستراتيجية الديوان. لاسيما فيما تعلق برسم السياسة العامة، وتحديد التوجّهات الكبرى، وتعزيز آليات حماية حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، بما يخدم مصالح الفنانين والمُبدعين على المديَين القريب والبعيد.

وكان الديوان، قد أعلن عن انطلاق عملية استقبال الترشيحات بتاريخ 04 ديسمبر 2025، مؤكداً أن العملية الانتخابية ستُجرى بصفة رقمية عبر المنصة الإلكترونية المخصصة لذلك، خلال الفترة الممتدة من 23 ديسمبر 2025 على الساعة 09:00 صباحاً إلى غاية 24 ديسمبر 2025 على الساعة 17:00 مساءً، وذلك تحت إشراف محضر قضائي يتولى إعداد المحضر النهائي لنتائج الاقتراع.

وسيتم الإعلان عن النتائج الرسمية عبر الموقع الإلكتروني للديوان: www.onda.dz

المنصة الإلكترونية الخاصة بانتخابات تجديد مجلس إدارة الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة:

https://onda.dz/vote-system/

وبخصوص شروط الترشح وكيفيات التصويت، فهي متوفرة ضمن الملف المخصص لهذا الغرض، والذي يمكن الاطلاع عليه عبر المنصة المذكورة أعلاه.

إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور

إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور

مقالات مشابهة

  • د. منال إمام تكتب: رموز غابت عن سمائنا لكنها خالدة في وجدان الزمان
  • لماذا عدّلت طهران أجندة اجتماع أفغانستان؟ ولماذا غابت حكومة كابُل؟
  • دار الكتب تناقش الموسيقى في سينما نجيب محفوظ
  • تمديد آجال الترشح لانتخابات تجديد مجلس إدارة ديوان حقوق المؤلف
  • معرض جدة للكتاب ينظم ندوة عن “الطفل المؤلف”
  • البابا تواضروس: الهاتف المحمول أنهى عصر «الإنسانية».. والجماهير تصفق لـ«شخصيات فارغة»
  • عن فيلم أم كلثوم!
  • المؤلفون الأوائل بين النقل والانتحال
  • «فخ» كأس العرب
  • عرض فيلم «بُكرا» في نادي سينما المرأة.. الإثنين