يبدو كتاب أمير العمرى « عالم سينما المؤلف» كتابًا مؤسسًا فى سد خانات فارغة فى الكُتب المعنية بصناعة السينما فى بلادنا. والكتاب صدر عن دار «بتانة» للنشر بغلاف ساحر، ومؤلفه ناقد فنى مخضرم يستحق الالتفات والانتباه.
وما أحوجنا لمثل هذه الكتابات فى وقت تشهد فيه السينما المصرية تراجعا لافتا، غابت فيه ألوان وصنوف كُنا نفتخر بالتميز فيها.
ويبدو الكاتب متأثرا بدراسته المبكرة للطب، إذ تستهويه الكتابة التشريحية فنجده يشمل بتحليلاته ونقده كافة أعمال المخرجين الذين يكتب عنهم، وكأنه يفتح بمشرط دقيق، جسد وعقل كل منهم متغلغلا إلى ذاته، مستقرءا مشاعره.
وهو عندما يفعل ذلك يفعله بلغة آسرة وعرض جذاب وسلس، وعندما يطلق حكما أو يرى رأيا فإنه يتكئ على تحليل منطقى مقنع، حتى لأولئك الذين لم يدرسوا السينما ولم يعملوا فيها.
يؤرخ الكتاب لسينما المؤلف بمقال المخرج ألكسندر أستروك فى مجلة «الشاشة الفرنسية» مارس 1948 الذى حمل عنوان «مولد سينما طليعية جديدةـ الكاميرا قلم»، ليطرح فكرة تحول السينما إلى لغة، وتحول الكاميرا إلى قلم، وهو ما يجعل المخرج هو الفنان الأول للعمل السينمائى، وليس مجرد منفذا لأفكار وهواجس الكاتب. وهذا ما التقطه الناقد أندريه بازان بعد ذلك وعبر عنه قائلا « إن الفيلم يجب أن ينسب إلى مخرجه مادام المخرج يتحكم فى مكونات الصورة والصوت، ولابد للمخرج أن يكون مؤلفا مثله مثل الأديب سواء اشترك فى كتابة السيناريو أم لم يشترك».
ببساطة، فإن ذلك يعنى أن العمل السينمائى الحقيقى هو الذى يطرح أفكار ورؤى وهواجس المخرج وليس مؤلف القصة، وهو الطرح الذى رحب به نقاد وسينمائيون حول العالم لتلمع أسماء مخرجين تلائمهم فكرة المخرج المؤلف مثل هيتشكوك، أورسون ويلز، نيكولاس راى.
وفى 1968 أصدر اندريه ساريس كتابا عن السينما الأمريكية اختار فيه 14 مخرجا اعتبرهم الأهم وهم الذين يعبرون عن الاتجاه الجديد كان من بينهم شارلى شابلن، جون فورد، فريتز لانج، وغيرهم. وفيما بعد انطلقت الموجة الجديدة إلى بريطانيا، ألمانيا، السويد، إيطاليا، وأسبانيا، ثم إلى كافة أنحاء العالم.
ويشير العمرى إلى أن الفكرة واجهت بعض التحديات، خاصة عندما اعترض الفيلسوف الفرنسى رولان بارت(01915ـ1980) على عدم الفصل بين النص والمؤلف. لقد كان الرجل يرى أن النص منفصل عن المؤلف لتظهر بذلك فكرة موت المؤلف كإحدى أفكار ما بعد الحداثة، ما يعنى انكار دور المؤلف والغاء حضوره فى طيات العمل الفنى. وبالطبع انتقلت سينما المؤلف إلى العالم العربى خلال الستينيات، وتأثر بها جيل العمالقة أمثال هنرى بركات، يوسف شاهين، وتوفيق صالح، لكنها حضرت بقوة فى الجيل الثالث للمخرجين مثل سعيد مرزوق، على بدرخان، وأشرف فهمى، ثم الجيل التالى عند عاطف الطيب، رأفت الميهى، يسرى نصر الله، وداوود عبدالسيد. كما تأثرت مدرسة الاخراج فى المغرب العربى تأثرا بالغا بتلك المدرسة.
ويختار لنا مؤلف الكتاب 35 نموذجا لمخرجين عالميين عبروا بقوة عن سينما المؤلف، ورغم أن ميلاد التوجه كان فى فرنسا، إلا أن استعراض النماذج تكشف أن تأثير الحركة خارج فرنسا كان أكبر.
ونطالع فى تجارب هؤلاء المخرجين، كيف هم متمردون على الواقع، مشتبكون مع التقليدية، فذلك المخرج السويدى إيخمار برجمان المولود سنة 1918، يحاول الاستغراق فى البحث فى ذاته وكأنها معادل للذات الإنسانية كلها، فنجده فى فيلم «الختم السابع» يناقش قضية الموت بعمق شديد من خلال فارس يلعب الشطرنج مع الموت. وهذا المخرج الدنماركى لارس فون ترييريعترض على ما تقوم به إسرائيل من انتهاكات، ولا يجد حرجا فى تشبيهها بهتلر، ما يؤكد تكوينه الإنسانى الفذ الرافض للظلم العصرى وهو ذات ما يطرحه فيلمه «المنزل الذى بناه جاك» 2018.
وذلك المخرج الإيطالى فرانشيسكو روزى الحائز على جائزة ماتييه الكبرى، يقف متحديا المافيا الحاكمة للسياسة وفاضحا فساد النظام الرأسمالى فى فيلم «جثث متألقة» فى الوقت الذى نجد آراءه الشخصية منحازة إلى قضايا الإنسان وآلامه، فيقف إلى جوار الشعب الجزائرى فى ثورته للإستقلال.
وتبقى السينما لُغة مشتركة للجمال فى العالم، ولا يجب التهاون فى تعلمها أو تجاهلها.
والله أعلم
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مصطفى عبيد
إقرأ أيضاً:
قصر ثقافة أبو سمبل.. منارة علمية جديدة في أقصى جنوب مصر
أعلنت وزارة الثقافة، برئاسة الدكتور أحمد فؤاد هنو، عقب افتتاح قصر ثقافة أبو سمبل الجديد بمحافظة أسوان، أن القصر يعد منارة ثقافية جديدة فى أقصى جنوب مصر، تم تشييده وفقاً لفلسفة العمارة البيئية المستلهمة من أعمال المعمارى المصرى العالمى الراحل حسن فتحى، وقد تم تنفيذ التصميم المعمارى للقصر على أسس مستمدة من الطابع الريفى النوبى.
وكان قد افتتح الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة ، واللواء دكتور إسماعيل كمال محافظ أسوان قصر ثقافة أبو سمبل بفنيسيا الشرق .
ويأتى ذلك فى إطار مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسى " بداية جديدة لبناء الإنسان "، ووسط أنغام الفقرات الفلكلورية لفرقة أسوان للفنون الشعبية .
وشارك فى فعاليات الإفتتاح اللواء خالد اللبان مساعد الوزير لشئون رئاسة الهيئة العامة لقصور الثقافة ، والكاتب محمد ناصف نائب رئيس الهيئة ، فضلاً عن القيادات التنفيذية بالوزارة والمحافظة.
منارة علميةومن جانبه أكد وزير الثقافة على أنه وفقاً لخطة الوزارة يتم تطوير قصور الثقافة للحفاظ على الهوية المصرية، وتم إنشاء قصر ثقافة أبو سمبل بما يتناسب مع التطور الثقافى والتقنى فى ظل ما يمتلكه من نوادى للتكنولوجيا والآدب، ومراكز للحرف التراثية وعجانة كاملة للخزف وغيرها من المميزات الأخرى، مؤكداً على أهمية الحفاظ على قصر الثقافة وتحقيق الإستغلال الأمثل له .
فيما أكد الدكتور إسماعيل كمال على أن للثقافة والفنون دور رائد بإعتبارها القوى الناعمة لمصر ونافذة التواصل مع الشعوب والثقافات الأخرى .
وأشاد المحافظ بجهود وزارة الثقافة بقيادة الدكتور أحمد فؤاد هنو وإهتمامه الملحوظ لدعم المنظومة الثقافية والفنية بأسوان عاصمة الإقتصاد والثقافة الأفريقية سواء بتطوير وإنشاء المواقع الثقافية المختلفة أو بإطلاق العديد من الأنشطة والفعاليات والتى يأتى على رأسها حالة الزخم الفنى والثقافى الكبير الذى تحتضنه مختلف المواقع الثقافية بالمحافظة على مدار العام .
وأشار المحافظ إلى إهتمام القيادة السياسية بإقامة هذه الصروح التنويرية ليخرج على هذا المستوى الراقى، وليكون نقطة مضيئة فى أقصى جنوب مصر وهى مدينة أبو سمبل التى تمثل بقعة جميلة.
وأكد محافظ أسوان أنه سيتم التنسيق مع الشركات السياحية لوضع قصر ثقافة أبو سمبل على البرنامج السياحى للأفواج الزائرة، وهو الذى يتوازى مع تكثيف الأنشطة والفعاليات الثقافية بشكل منظم.
بينما قدم أهالى مدينة أبو سمبل خالص شكرهم للإهتمام الكبير من الرئيس عبد الفتاح السيسى لإقامة هذا الصرح الرائع الذى يعد بمثابة مركز ثقافى دولى وعالمى.
مقدمين شكرهم لوزير الثقافة ومحافظ أسوان لإفتتاح قصر الثقافة فى ثوبة الجديد عقب إنشاؤه ليكون قبلة للسائحين والزائرين.
وتجدر الإشارة إلى أن قصر ثقافة أبو سمبل يضم معرض الفنون التشكيلية، والذى تم غرض 26 عمل فنى به ، وتم إنشاء القصر على مساحة 5170 م2، ويتكون من دورين العلوى ويحتوى على المسرح ونادى الآدب ، ونادى تكنولوجيا المعلومات، ومعرض الفنون التشكيلية والحرف البيئية ، وقاعة أنشطة ومكتبة عامة ومكتبة للطفل ، فضلاً عن غرفة كبار الزوار ، أما الأرضى فيضم 25 غرفة فندقية ، علاوة على منظومة إطفاء حديثة، وصالة إنتظار وأوفيس.