الموسيقى اليمنية… كلّ محاولة جديدة تنتظر هجوماً
تاريخ النشر: 21st, September 2024 GMT
من (العربي الجديد – جمال حسن )
تكشف أغنية “فعلة”، للفنان اليمني هاني الشيباني، عن أزمة التجديد في الموسيقى اليمنية بشكل عام، إذ لاقت انتقادات كثيرة، ما يشير إلى رفض كلّ ما هو مختلف عمّا اعتاده جمهور يتمسّك بما يعتقد أنها ثوابت لا يمكن المساس بها.
التحفظ لم يقتصر على أسلوب الأغنية واللحن، إنما اتخذ أكثر من سياق، فبعضهم وجّه انتقاده إلى طريقة ظهور الشيباني وملابسه، وأسلوب الرقصات حوله على طريقة الهيب هوب في الفيديو كليب.
هذا تصوّر يتماشى إلى حد كبير مع موقف اتخذته جماعة الحوثي في صنعاء، بحظرها رقصات الهيب هوب في مناطق سيطرتها، بوصفها رقصات “تخالف الهوية اليمنية الأصيلة”.
من ناحية أخرى، أبدى بعضهم تحفظه على اللحن والكلمات والأسلوب العام للغناء. أي إنها مسألة تتعلّق باختلاف الأذواق، إذ وجد الشيباني أيضاً من يدافع عنه وعن حقّه في التعبير كما يشاء، ضمن مواقف استهجنت الهجوم عليه.
نجم عن موجة الانتقادات آراء قاسية، انطوت على كثير من السخرية والتهكّم، طالبت الشيباني بالتوقف عن الغناء. لم يتوقف الأمر عند ذلك، فخضعت الأغنية لأحكام أخلاقية وقيمية رأت في الإصدار “تشويهاً للتراث”. هذا الحُكم أضاف مساحة واسعة من الغضب، باعتبار ذلك يستحق شكلاً من العقاب المعنوي.
في أغنية الشيباني، نلاحظ هذا المزج الذي يُحدّد أسلوبه منذ بدأ حضوره من فعاليات ضيقة كان اليمن لا يزال يحفل بها، وصولاً إلى تقديم أعماله الخاصة المُتّسمة بمزيج من موسيقى الأفرو والموسيقى اليمنية، وهو ما تستحضره سمات البلوز والهيب هوب في أغانيه، مع تلوينات موسيقى الروك من طريق الإلكتروغيتار.
شكّل التراث محور النقد ضد الشيباني، ودوت عاصفة رفض على أسلوبه في التجديد. بينما امتدحه بعضهم لأنه بنظرهم يكافح ويسعى لتأسيس لون مختلف وصوت خاص في عالم الموسيقى اليمنية وأغانيها. لم يخفِ الشيباني على صفحته في “فيسبوك” رهانه على أولئك الذين شكلوا دعماً معنوياً له.
في هذا السياق، تقول الصحافية عبير اليوسفي، إن أكثر جانب أثار قلقها أن يَترك الهجوم السلبي أثراً عليه يدفعه إلى ترك الغناء، مشيرةً إلى إشكالية ما زالت تغلب على كثير من اليمنيين، تتمثّل بأنّهم لا يعترفون باختلاف الأذواق، موضّحةً أن ذلك لا يقتصر على الغناء، إنما يعمّ جوانب أخرى، بما في ذلك حتى الأكل. ومن وجهة نظرها، فهذا يُمثّل وجهاً شائعاً ينمّ عن تقديس الماضي.
وبعيداً عن أغنية الشيباني، يبدو المشهد الفني اليمني ضعيفاً من حيث الإنتاج، فيقتصر الأمر على أغانٍ متناثرة هنا وهناك. مع هذا، تُظهر هذه الإصدارات بعض التباين في الأساليب، ويُجسّد ذلك الفنان إبراهيم فضل، برهانه على نمط يمني من البالاد، مؤكداً أسلوبه المُشتق من الطابع الرومانتيكي المنفتح على عناصر لحنية مختلفة.
يتمتع هذا الجيل من المغنين بجُرأة وتصميم لإثبات الذات. وبين وقت وآخر، تظهر أسماء بتجارب جديدة، تتمثّل باستخدام أساليب بوب مختلفة، لاتينية وغربية، مثل الريغيتون والآر آند بي، والروك والجاز. وفي عدة إصدارات لعبده بي نجد التراب والريغيتون، والهارد بالاد والفولك. وتذكرنا بلمحة من أسلوب حميد الشاعري في فترته الذهبية.
ورغم استمرار تلك التجارب، فإنها لم تنجح في تحقيق انتشار واسع بين اليمنيين، ولا تحظى بتفاعلهم، بل على العكس تثير حفيظة كثير من المتلقّين. وبالتالي، ما زالت غير قادرة على إثبات نفسها على الصعيد العربي، بخلاف استثناءات قليلة للغاية.
في العام الفائت، حققت أغنية “قالت حبيبي” للفنان الشاب أيمن قصيلة انتشاراً على نطاق واسع في العالم العربي. وتحولت الأغنية إلى ترند بعد صدورها بعامين، محققة مشاهدات على “يوتيوب” تجاوزت الـ60 مليون مشاهد. وتداولها بعض نجوم الغناء العرب، مثل العراقية رحمة رياض، والمصرية كارمن سُليمان.
غير أن مصدر انتشارها عبر منصة تيك توك وتحولها إلى ترند، كان مصدره منطقة الخليج وليس اليمن. وتعامل اليمنيون مع الحدث بوصفه أغنية يمنية تتصدر الترند العربي.
على صعيد آخر، لم يكن لدى صاحب الأغنية الأدوات التي تساعده في استثمار هذا النجاح، وتعزيز فرص نجاحه محلياً وعربياً. لكن هذا الزخم لم يظهر على إصداراته الأخيرة، على الأقل من الناحية الجماهيرية.
وفي آخر أعماله، “حُبه مسيطر”، لا يتضح أي أثر من الزخم الذي حازته “قالت حبيبي”. لكن قُصيلة يستمرّ بأسلوبه المائل إلى سمات الغناء الخليجي، مع الاستفادة من عناصر موسيقية غربية. فالأغنية تبدأ بغيتار كهربائي على طريقة الروك، وإيقاع الآر آند بي، ثم تنتقل إلى طابع خليجي.
ولعلها فترة تذكرنا بالموقف الحاد الذي واجهه جيل الثمانينيات في مصر، مع ظهور موجة جديدة من الغناء ما زالت تُشكل حقبة. لكنها، في مصر، كانت محمية بصناعة أنتجها عصر الكاسيت. وكانت شركة “سولار” التي اختفت عن الساحة، أحد أبرز رموز تلك الحقبة، لكونها راهنت على جيل الثمانينيات الشاب وأسلوبه.
وخلافاً لسياق استند إلى صناعة كانت تراهن على انفجار هذا الأسلوب، تقتصر صناعة الغناء بالنسبة إلى الجيل اليمني الشاب على جهود أبنائه الذاتية، وبما يقترحه عليه إيمانهم الذاتي بما يقدمونه ويقترحونه من أسلوب يُراهن على المزج بين الغناء اليمني وعناصر من خارجه.
لا شك أن عوائق كثيرة تُضعف حظوظ صناعة الغناء في اليمن، لعل أبرزها عدم وجود تفاعل للجمهور المحلي، الذي لا يزال ينظر إلى الغناء اليمني بوصفه إطاراً تقليدياً. وكما يبدو، فإن واقع الغناء لا يختلف عن الواقع الاجتماعي بسياقه الواسع. فعلى سبيل المثل، تعرّضت أغنية الشيباني “فعلة” لهجوم يحمل كثيراً من التلميحات العنصرية، فاعترض بعضهم على وجود موسيقى الأفرو إلى جانب الموسيقى اليمنية ووصفها بـ”الحبشية”.
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: الفن اليمني الموسيقى اليمنية اليمن تطوير الفن عادات وتقاليد الموسیقى الیمنیة
إقرأ أيضاً:
لاكروا: إعادة الإعمار في حمص لا تنتظر أحدا
قالت صحيفة لاكروا الفرنسية إن مليون سوري عادوا إلى البلاد منذ سقوط الرئيس المخلوع بشار الأسد، وبدأت فورا عملية إعادة الإعمار بقيادة السكان، ولكنها تسير ببطء شديد بسبب ضعف المساعدات المثير لغضب متزايد بين المواطنين.
وانطلقت الصحيفة -في تقرير بقلم موفدتها الخاصة إلى حمص مورييل روزولييه- من حالة أسماء بكر التي عادت إلى حي بابا عمرو المنكوب في حمص، وبعد يومين فقط من عودتها من لبنان، بدأت بطلاء جدران الشقة التي عثرت عليها في المعقل السابق للمعارضة نظام بشار الأسد في المدينة.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2غارديان: نوبة قلق جماعية تجتاح أوروبا بسبب المسيّراتlist 2 of 2فايننشال تايمز: لندن تعطل التحقيق بالتجسس الصيني لحماية علاقاتها مع بكينend of listوتقول أسماء بكر، وهي أم لطفلين، إن منزلها القديم دمر بالكامل، وقد حصلت الآن على 3 أشهر إيجار مجانية مقابل ترميم الشقة التي عثرت عليها، وبعدها عليها أن تدفع ما يعادل 100 دولار شهريا، بعد أن عاشت في عرسال بلبنان في خيمة استأجرتها مقابل 20 دولارا شهريا.
حالة بابا عمرووذكرت المراسلة بأن حي بابا عمرو هذا شهد أحد أكثر الفصول دموية في السنوات الأولى من حرب سوريا التي أودت بحياة أكثر من نصف مليون سوري وشردت 13 مليونا آخرين، كما تشهد على ذلك شوارع بابا عمرو المليئة بالركام والمباني المدمرة، والهياكل الخرسانية الخالية.
وفي فبراير/شباط 2012، تعرض الحي لحصار وقصف مكثف أودى بحياة حوالي 700 مدني، من بينهم الصحفية الأميركية ماري كولفين والمصور الفرنسي ريمي أوشليك، يقول المهندس سامر الجوري وهو يتجول في المركز القديم، حيث لا يزال المسجد المصنوع من الغرانيت الأسود واقفا وحده، "لاحقا دمر النظام كل شيء بالجرافات".
وقد أصبح الجوري الذي كان لاجئا في إدلب رئيس لجنة السكان الآن، يقول محمد عباس الذي يساعد مختار الحي في تسجيل العائلات العائدة، إن استسلام بابا عمرو أعقبه "التعفيش"، أي النهب المنظم لما تركه السكان، وقد تميزت به الفرقة الرابعة من الجيش السوري التابعة لماهر الأسد شقيق بشار، ويضيف "حتى أنظمة الصرف الصحي تم صب الإسمنت فيها".
إعلانومنذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، عاد قرابة 3 آلاف عائلة، أي 15 ألف شخص تقريبا إلى بابا عمرو، حيث يعمل الجميع على إعادة بناء منازلهم، وغالبا بالاعتماد على الموارد العائلية وحدها، مع أن برنامج الأمم المتحدة للسكن يقدم مساعدات مالية، لكنه يشترط وجود مستندات ملكية قانونية، مما يحد بشدة من عدد المستفيدين.
من بين المشاريع التي ينفذها المتطوعون إزالة الركام من الطرق الرئيسية، وإعادة تشغيل قسم من الإنارة العامة، وحفر آبار مياه جديدة
تمويلات خاصةفي بابا عمرو، تقدر الأضرار بأكثر من 100 مليون دولار، يقول سامر الجوري: "البلدية لا تملك ميزانية لإصلاح رصيف، فكيف لها أن تعيد الإعمار؟"، ومع ذلك بدأت مبادرات تمويل خاصة في منتصف أغسطس/آب، وقد جمعت مبادرة حمص حوالي 13 مليون دولار للمنطقة، كما تقول المراسلة.
وعلى المستوى الوطني، أطلقت الدولة "صندوق التنمية السوري" الذي وعد بجمع 61 مليون دولار، لكن ما جُمع فعليا حتى الآن لا يتجاوز 746 ألف دولار، حسب الصحيفة.
ومن بين المشاريع التي ينفذها المتطوعون إزالة الركام من الطرق الرئيسية، وإعادة تشغيل قسم من الإنارة العامة، وحفر آبار مياه جديدة، يقول سامر الجوري "نقوم بكل شيء بأنفسنا"، ويضيف "يجب علينا إيجاد وسائل لدعم عودة السكان، و90% من إعادة الإعمار تتم بمبادرات خاصة".