عاجل- قرار جمهوري يعيد يوسف بطرس غالي للمشهد.. وزير مالية مبارك الأسبق يتولى مهمة اقتصادية جديدة
تاريخ النشر: 24th, September 2024 GMT
قرار جمهوري يعيد يوسف بطرس غالي للمشهد.. وزير مالية مبارك الأسبق يتولى مهمة اقتصادية جديدة.. عاد الدكتور يوسف بطرس غالي، وزير المالية الأسبق في عهد الرئيس الراحل محمد حسني مبارك، إلى الساحة الاقتصادية المصرية بعد تبرئته من كافة التهم. صدر أمس قرار جمهوري يقضي بإعادة تشكيل المجلس التخصصي للتنمية الاقتصادية التابع لرئاسة الجمهورية، ليشمل بطرس غالي كأحد أعضائه.
كان يوسف بطرس غالي من أهم الوزراء في عهد الرئيس الراحل محمد حسنى مبارك، ووجهت له العديد من الاتهامات وحكم عليه بالسجن بعد قيام ثورة 25 يناير 2011 قبل أن تبرئه المحاكم المصرية من كافة الاتهامات. ففي يوليو 2023، قضت محكمة جنايات شمال القاهرة ببراءة يوسف بطرس غالي، في القضية المعروفة إعلاميا بـ "فساد الجمارك"، والتي كان يواجه فيها اتهامات بالتربح واستغلال سلطته. وقبلها في نوفمبر 2022، قضت محكمة الجنايات، ببراءة يوسف بطرس غالي من قضية "اللوحات المعدنية"، والتي استغرقت المحاكمة فيها 11 عامًا، بدأت بإدانته بالسجن 10 سنوات قبل أن يقبل النقض وتعاد محاكمته من جديد.
العودة إلى مصر والمشهد الاقتصاديعقب البراءة، أكد يوسف بطرس غالي أنه سيعود إلى مصر في أقرب وقت ممكن، وهو ما يبدو أنه تحقق بالفعل. هو لن يعود فقط لمصر لكنه سيكون فاعلًا من جديد في المشهد الاقتصادي بعضويته في المجلس التخصصي للتنمية الاقتصادية.
اختصاصات المجلس التخصصي للتنمية الاقتصاديةيختص المجلس بدراسة واقتراح السياسات الاقتصادية والإنتاجية العامة للبلاد في كافة المجالات، بما يتضمن تدعيم وتنمية القدرة الإنتاجية وحسن استخدام الموارد المتاحة بالأساليب العلمية والتكنولوجية، ودراسة واقتراح الخطط العلمية التي تستهدف زيادة الإنتاج وتعظيم الاقتصاد القومي وتوفير مستلزمات الإنتاج وتطويرها بالمشاركة مع القطاع الخاص.
كما يختص المجلس بدراسة موقف العمالة واقتراح الخطط والبرامج العامة لحسن استخدام الموارد البشرية ورفع كفاءتها الإنتاجية، ودراسة سبل القضاء على أي معوقات تؤثر على عملية النمو الاقتصادي، واقتراح التغييرات التنظيمية والتكنولوجية المطلوبة لإقامة قاعدة اقتصادية قوية. إضافة إلى ذلك، يقدم المجلس الدراسات عن الأسواق الخارجية وإمكانيات التوسع في تصدير المنتجات المصرية لها.
مسيرة يوسف بطرس غالي المهنيةيوسف رؤوف يوسف بطرس غالي، أحد أبرز العقول والوجوه في حكومات الرئيس الراحل حسني مبارك. حصل غالي على درجة البكالوريوس في الاقتصاد من جامعة القاهرة، وفي عام 1981 حصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من معهد ماساتشوستس للتقنية. عمل أستاذا مساعدا في الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، ومديرًا لمركز التحليل الاقتصادي بمجلس الوزراء في الفترة من 1991 إلى 1993، وكان عضوا بمجلس إدارة البنك الأهلي المصري.
عاجل - يوسف بطرس غالي يتولى منصبًا رسميًا لأول مرة منذ 2011 (تفاصيل) بتكليف جمهوري..يوسف بطرس غالي على رأس مهام اقتصادية كبرى المناصب الوزارية والإنجازاتفي الفترة من أبريل 1993 إلى ديسمبر 1995، كان وزيرًا للدولة للتعاون الدولي ووزير الدولة لشئون مجلس الوزراء، قبل أن يُعيّن وزيرًا للدولة للشئون الاقتصادية في الفترة من يناير 1996 إلى يونيو 1997. ومنها انتقل إلى وزارة الاقتصاد حتى سبتمبر 1999، ليضم لها حقيبة التجارة الخارجية ويستمر فيها حتى 2004. بعدها، استلم منصبه الأشهر وزيرًا للمالية منذ يوليو 2004 وحتى سقوط حكم مبارك في 2011. كما عمل خبيرًا اقتصاديًا لمدة 6 سنوات في صندوق النقد الدولي في الفترة من 1981 إلى 1986.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: بطرس غالي عودة يوسف بطرس غالي يوسف بطرس غالي وزراء مبارك یوسف بطرس غالی فی الفترة من وزیر ا
إقرأ أيضاً:
الفجوة بين المؤشرات الاقتصادية والواقع الفعلي للناس
جون ألسوب/ ترجمة: بدر بن خميس الظفري
خلال فترة الكساد الكبير، صرّح ويليام ن. دوك، وزير العمل في إدارة الرئيس هربرت هوفر، بأن معدلات التوظيف ترتفع في أنحاء البلاد. غير أنّ الصحفيين كانوا قد خُدعوا سابقًا بتصريحات متفائلة لوزراء ذوي حسابات سياسية، كما ذكرت مجلة التايم. لذلك لجأوا إلى رأي ثانٍ من إيثيلبرت ستيوارت، مفوض مكتب إحصاءات العمل، فهاتَف الوزير مؤكدًا أن الأرقام التي لديه لا تدعم هذا الادعاء. وبعد فترة قصيرة، وقع هوفر قانونًا يُلزم الحكومة الفيدرالية بالتخلّي عن الموظفين الذين بلغوا سن التقاعد. وكان ستيوارت في منتصف السبعينيات من عمره، وكان يمكن لدوك أن يرشحه للحصول على استثناء رئاسي، لكنه امتنع، فخرج الرجل من منصبه. ووفقًا لمجلة تايم، فإن كثيرًا من المراقبين في واشنطن شمّوا رائحة مؤامرة. وقال ستيوارت ساخرًا: «لا تقولوا إنني تقاعدت؛ لقد طُردت بطريقة مهينة تمامًا».وكما لاحظ الناقد الإعلامي جاك شيفر مؤخرًا، فإن مسألة أرقام الوظائف ظلت كرة سياسية متقاذفة منذ إنشاء «مكتب العمل» عام 1884 في عهد الرئيس تشيستر آرثر. وبحسب سجلات المكتب، فقد جاء تأسيسه ثمرة نحو عقدين من الضغط الذي مارسته النقابات العمالية كي تتولى الحكومة نشر بيانات توضح أوضاع القوى العاملة الصناعية وتحسينها. وكان الزعيم النقابي الشهير صامويل غومبرز يرى أنّ امتلاك المشرّعين لبيانات دقيقة سيجعل تجاهل العمال أمرًا صعبًا.
وللاتهامات المتعلقة بتدخل الرؤساء في الأرقام تاريخ طويل أيضًا. فقد اشتُبه في هوارد غولدستين، مساعد مفوض المكتب في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون، بأنه قوض تقريرًا يعلن تراجع البطالة، مما أثار غضب نيكسون الذي طالب بإقالته. ويروي زميلي فيرغوس ماكنتوش أن هذا الحادث كان من المقدمات التي سبقت قرار نيكسون المثير للجدل بإجراء ما سُمّي داخل الوكالة «بـإحصاء اليهود». وفي عام 2012، حين أعلن المكتب عن انخفاض في البطالة قبل الانتخابات الرئاسية، اتهم بعض الجمهوريين إدارة الرئيس باراك أوباما بتلفيق الأرقام لمصلحته الانتخابية. وكان من بين هؤلاء دونالد ترامب، الذي شكك مجددًا في أرقام التوظيف خلال خطاب إطلاق حملته في 2015، قائلًا: «معدل البطالة الحقيقي لدينا يتراوح بين 18 و20 في المائة»، وذلك عقب نزوله الشهير من السلم الذهبي في برج ترامب. وفي العام الماضي، بعد أن خفض المكتب تقديراته السابقة للوظائف، زعم ترامب أنّ إدارة بايدن–هاريس كانت تخفي الأرقام الحقيقية لأهداف سياسية. ولو صحّ ذلك لكان أداؤها في غاية السوء، لأن المراجعة صدرت في أغسطس، أي قبل الانتخابات بنحو شهرين ونصف.
بلغ هذا السلوك ذروته حين قرر ترامب إقالة إيريكا ماكنتارفَر، مفوضة مكتب إحصاءات العمل، بعد أن أصدر المكتب تقريرًا للوظائف أظهر نموًا ضعيفًا للغاية في شهر يوليو، وأرقامًا أقل بكثير لشهري مايو ويونيو مقارنة بما كان معلنًا سابقًا. حاول مستشارو ترامب وضع غطاء عقلاني على قرار غير عقلاني.
لكن ترامب نفسه قالها صراحة، متهما ماكنتارفَر بأنها منحازة للحزب الديمقراطي وأنها تلاعبت بالأرقام لتجعله يبدو سيئا. ووصف ماكنتوش الإقالة بأنها «خطوة جديدة في مشروع ترامب لتحويل البيروقراطية الفيدرالية وما تنتجه من معلومات إلى أداة لسلطته». واتفق مراقبون آخرون على ذلك، مشيرين إلى الطبيعة الاستبدادية المتصاعدة لهذه السلطة، وإلى أنّ إقالة ماكنتارفَر عمّقت شعورا قاتما لدى كل من يقدّرون الحقيقة. وعلى قناة (آي. بي. إس)، قال لاري سامرز، وزير الخزانة الأسبق: «إن ما حدث يتجاوز بكثير ما فعله نيكسون». وأضاف: «إقالة الإحصائيين تسير مع تهديد رؤساء الصحف، والاعتداء على الجامعات، والضغط على مكاتب المحاماة التي تدافع عن موكّلين لا يروقون للحاكم المنتخب. هذا أمر مرعب بالفعل».
كل ذلك صحيح. ورغم غياب «إحصاء اليهود»، يمكن القول: إن ما فعله نيكسون كان أسوأ. لكن ما لفت انتباهي هو أن إقالة ماكنتارفَر كانت الخطوة الأكثر إضرارا بترامب نفسه ضمن سلسلة تحركاته السلطوية الأخيرة. فحتى لو لم يتحول تقرير الوظائف إلى نسخة أميركية من برافدا بين ليلة وضحاه، إذ يؤكد الخبراء أن إعداد التقرير عملية يصعب التلاعب بها بشكل فج، فإن مجرّد الاعتقاد بأنه تمّ تغيير الأرقام لإرضاء ترامب، أو أنه قد يحدث ذلك، قد يزعزع الثقة بالاقتصاد، ويجعل أسواق السندات أكثر توترا، أو يضعف موقف الولايات المتحدة في مفاوضات التجارة الدولية. وقد أدى سلوك ترامب بالفعل إلى ظهور جملة مذهلة في صحيفة وول ستريت جورنال، وهي «قد تساعد الجهود المبذولة لتقدير البيانات الاقتصادية في الصين -التي تنشر أرقاما حكومية سيئة السمعة- الشركات الأمريكية على إيجاد نموذج عمل إذا أصبحت مصداقية البيانات المحلية موضع شك». وكل هذا الخطر لمجرد إخفاء الحرج من تقرير وظائف لم يكن جيدا، لكنه لم يكن كارثيا.
وتبرز أضرار أخرى في هذه الإقالة. فقد قال أحد المراقبين لصحيفة نيويورك تايمز: «لا يمكن للديمقراطية أن تعمل واقعيا من دون بنية معرفية موثوقة». وعلى نحو أقل تجريدا، تبدو الإقالة عملا بلا جدوى سياسية من منظور الرئيس نفسه. فعادة ما كانت محاولات ترامب للتشكيك في الحقائق المتفق عليها تصبّ في مصلحته. لكن الآن، وقد عاد إلى الحكم، بدأ يكتشف أن هذا لا ينطبق دائما. والدليل الأول هي قضية إبستين التي لا تزال مستمرة بشكل لا يصدق. كما أن التشكيك في البيانات الاقتصادية الرسمية لن يكون في صالحه؛ فترامب، أكثر من أي شخص آخر، يعرف أن شعور الناس تجاه الاقتصاد هو ما يهم فعلا —فهو نفسه عاد إلى البيت الأبيض مستندا إلى هذا الشعور. ومع سلطته شبه المطلقة وامتلاكه الأغلبية في الكونغرس، أصبح الاقتصاد الآن مسؤوليته الكاملة. ويبدو أكثر فأكثر كأنه «كأنه العبء الذي يُسحب خلفه رغما عنه».
في عام 2022 صاغت كايلا سكانلون، وهي معلّقة اقتصادية، مصطلح Vibecession وهو «الركود المعنوي»، والذي عرّفته لاحقا بأنه «الفكرة التي تقول إن البيانات الاقتصادية تروي لنا قصة، بينما يخبرنا المزاج العام للمستهلكين بقصة أخرى». سرعان ما انتشر المصطلح في تغطيات الإعلام كاختصار معبّر لظاهرة محيّرة، وهي أنه وفق كثير من المؤشرات التقليدية، كان اقتصاد عهد بايدن قويا، خصوصا في النصف الثاني من ولايته حين بدأت معدلات التضخم المرتفعة في التراجع. ومع ذلك بدا كثير من الناس غير متحمسين للاقتصاد ككل.
ظهرت تفسيرات متعددة لهذه المفارقة. أحد التفسيرات الشائعة رأى أن الإعلام يبالغ في التركيز على النقاط السلبية، وأبرزها التضخم، وعلى حالات فردية غير ممثلة للواقع، مثل تقرير على قناة (سي. إن. إن) عن عائلة تضم 11 فردا تستهلك 12 جالونا من الحليب أسبوعيا، وأن الإعلام يفشل في عرض الصورة الكاملة. وكان مسؤولو البيت الأبيض بين من يروجون لهذه الفكرة، بمن فيهم بايدن نفسه، الذي لمح أكثر من مرة إلى أن الصحافة لا تغطي أخبار الاقتصاد «بالطريقة الصحيحة».
ولام آخرون إدارة بايدن لأنها لم تبذل جهدا كافيا للترويج لإنجازاتها الاقتصادية. وقد أعرب بايدن لاحقا عن أسفه لعدم وضع اسمه على مشاريع البنية التحتية الجديدة أو على شيكات الدعم المالي التي صُرفت خلال جائحة كورون. وفي كل الأحوال أظهرت استطلاعات الرأي باستمرار أن الناس، حتى الذين قالوا إن وضعهم المالي الشخصي جيد، أو أن الوضع في ولايتهم أو منطقتهم المحلية مستقر، يعتقدون أن الاقتصاد الوطني يسير في الاتجاه الخاطئ. وفي أحد الاستطلاعات، في ربيع العام الماضي، قال أغلبية المشاركين: إن الولايات المتحدة في حالة ركود، رغم أنها لم تكن كذلك إطلاقا.
أما المدرسة الأخرى فترى أن الناخبين لم يكونوا مضلَّلين بشأن الاقتصاد، وأنه من التعالي التعامل معهم على هذا الأساس. فحسب هذا الرأي، ترك التضخم المرتفع في عهد بايدن ندوبا نفسية وآثارا دائمة على الأسعار، حتى بعد تراجع معدلات الارتفاع. كما أن الأرقام الاقتصادية العامة الصادرة عن مؤسسات مثل مكتب إحصاءات العمل لا تعكس معاناة الأسر ذات الدخل المنخفض، خصوصا بعد إسقاط أو عدم تمديد برامج مهمة من أوائل عهد بايدن، مثل زيادة الائتمان الضريبي المخصّص للأطفال، ومنع طرد المستأجرين من منازلهم خلال الجائحة. حتى أولئك الذين قالوا في الاستطلاعات إن أوضاعهم الشخصية جيدة ربما كانت لديهم أسباب وجيهة للنظر حولهم ورؤية اقتصاد يبدو مختلا وغير عادل—بل وموجها ضدهم. وفي بلد ذي شبكة أمان اجتماعي هشة إلى هذا الحد، لم يكن المرء بحاجة لأن يكون من أشد منتقدي بايدن ليشعر بذلك.
في الواقع، تحمل كلتا الرؤيتين جانبا من الحقيقة. لكن، وبغض النظر عن «المشاعر السيئة» ومدى مشروعيتها، كان من الواضح أن ترامب استفاد منها؛ فقد فاز بالانتخابات إلى حد كبير بفضل وعود مبسّطة بإنهاء التضخم وإعادة الأسعار إلى ما كانت عليه. وغالبا ما أثبت ترامب قدرة لافتة على استغلال المزاج العام —وهو ما ناقشته في مقال سابق— بما يفوق قدرة بايدن وكثير من الديمقراطيين الآخرين. فعلى سبيل المثال، في نهاية ولايته الأولى، وضع ترامب اسمه على شيكات الدعم المالي. وتمكن من الحفاظ على صورته كمدافع عن الناس الذين يشعرون بأن الاقتصاد منحاز ضدهم، حتى لو لم يكن ضدهم بشكل مباشر، وهذا جزء من جاذبيته الشعبوية التي تتغذى على خطوات مثل إقالة التكنوقراط الذين يديرون الوكالات الإحصائية الحكومية.
وخلال حملته العام الماضي، بدا أيضا أنه يستثير حنينا كامنا لدى كثيرين إلى قوة الاقتصاد قبل جائحة كورونا في عهده. وبعد فوزه بالانتخابات، ارتفعت الثقة بالاقتصاد، على الأقل بين أنصاره. وهكذا، أُعلن انتهاء «الركود المعنوي».
الآن، وبعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، بات عليه أن يقدّم أداء اقتصاديا مقنعا إذا أراد الحفاظ على «المعنويات الجيدة»، غير أنّ الصورة العامة للاقتصاد ما تزال غامضة حتى اللحظة. وقد أسهم ترامب كثيرا في تعميق هذا الغموض، خصوصا من خلال أسلوبه المربك في تنفيذ سياسة الرسوم الجمركية. وقد تحوّلت هذه السياسة، كما كتب كايل تشايكا في مجلة ذا نيويوركر في شهر أبريل الماضي، إلى ما يشبه مؤشّر الركود الاقتصادي» المتحوّل إلى مادة شعبية واسعة الانتشار في وسائل التواصل.
وكانت التوقعات تشير إلى أن الرسوم الجمركية سترفع أسعار السلع للمستهلكين، وهناك بالفعل مؤشرات مبكرة على حدوث ذلك، إلى جانب بوادر مقلقة في بيانات النمو والتوظيف الأخيرة. ومهما تكن الوجهة التي سيتجه إليها الاقتصاد، فإن صراخ ترامب بشأن البيانات الاقتصادية -سواء كانت دقيقة أم مختلقة-لا يبدو قادرًا على تغيير شعور الناس. والمفارقة أن ترامب يرتكب الخطأ ذاته الذي وقع فيه بايدن؛ غير أن نسخة ترامب من «مطالبة الإعلام بتغطية البيانات بالطريقة الصحيحة» تتجلى في قيامه، ببساطة وعلانية، بإقالة مسؤولٍ لم يفعل شيئًا سوى نشر الأرقام كما هي.
وإذا كانت نتائج انتخابات العام الماضي قد أظهرت أن الانطباعات الذاتية للناخبين تفوق بكثير وزن المؤشرات الاقتصادية العليا، فمن المغري النظر إلى ذلك كخطوة إضافية داخل عصر «ما بعد الحقيقة». فترامب رجل قال: إن «مشاعره» تؤثر في تقييمه لقيمة ثروته، وادّعى أن بيانات مكتب إحصاءات العمل الأخيرة مجرد «هراء» وفق «رأيه، وهو يمثل نموذجًا مناسبًا لفكرة أن المشاعر تتغلب شيئًا فشيئًا على الحقائق. لكن معظم الناس لا يزالون مرتبطين بواقع حياتهم اليومية؛ فإذا انهار سوق العمل في عهد ترامب، أو عاد التضخم ليضرب من جديد، فستُحسّ هذه الحقائق بقوة. ومنطق «الركود المعنوي» لا يمكن أن يعمل بالعكس: فإذا دخل الاقتصاد فعليًا في ركود، أو حتى تباطأ، فستكون «المعنويات» بالتأكيد سيّئة بالنسبة إلى ترامب.
لم تكن تقارير التوظيف الصادرة عن مكتب إحصاءات العمل يومًا حقائق مقدسة لا تُمس. فكما أشار ماكنتوش في مقاله، فإن القرارات المنهجية التي تحكم عملية جمع البيانات تعكس أولويات سياسية؛ وقد ازدادت العملية صعوبة في السنوات الأخيرة نتيجة تراجع معدلات استجابة الشركات لاستطلاعات المكتب، بالإضافة إلى القيود المالية. والاعتراف بأن هذه الأرقام ليست صورة كاملة لا يعني الوقوع في فكرة متطرفة ترى أن كل الإحصاءات مجرد أكاذيب، وبالتالي فإن انتقادات ترامب تصبح بلا معنى. المقصود ببساطة هو أن الأرقام تعكس جانبًا من الواقع، بينما الواقع الفعلي أعقد بكثير من اختزاله في بيانات.
ولو أنّ مسافرًا عبر الزمن عاد إلى حقبة الكساد الكبير وأخبر إيثيلبرت ستيوارت-المفوّض التاريخي لمكتب إحصاءات العمل- بمصطلح «الركود المعنوي»، لظنّ بالتأكيد أنه قادم من كوكب آخر. لكنه كان سيفهم الفكرة الأساسية. فقد قال ستيوارت ذات مرة: «الأشياء التي تجعل الحياة الإنسانية حياةً إنسانية لا تستجيب بسهولة للطريقة الإحصائية». وأضاف أنه قضى عقودًا يحاول «أن يضع قليلًا من اللحم على هيكل عظمي من الجداول الرقمية -فالحديث في النهاية عن حياة البشر».
جون ألسوب صحفي وكاتب متخصص في تحليل الإعلام والسياسة، يكتب بانتظام في مجلة «نيويوركر» ومؤلف كتاب «ما الغاية من الصحافة؟»