تشهد منصات التواصل الاجتماعي في السودان منذ إندلاع الحرب انقسامات حادة تزايدت وتيرتها، و في الفترة الأخيرة أصبحت الأصوات الداعمة لاستمرار الحرب والمروجة لخطاب الكراهية أكثر بروزا من تلك التي تنادي بالسلام ما يعني تصاعد خطاب العنف وأنه يمكن أن يكون عاملا رئيسيا في إطالة أمد الصراع الذي اندلع في منتصف أبريل من العام الماضي وأسفر عن آلاف الضحايا بين قتلى وجرحى ونازحين ولاجئين.

التغيير – فتح الرحمن حمودة

ورغم مرارة الحرب وتزايد تعقيداتها اليومية لا تزال آمال السلام تراود السودانيين الذين يحلمون بالعودة إلى تحقيق شعارات ثورتهم المجيدة ولكن الأصوات المناهضة للحرب تبدو خافتة مقارنة بتلك التي تروج لاستمرار القتال ما يعكس حالة استقطاب حادة في المجتمع.

المواطن عوض أزرق يشير إلى أن الدعوات الشعبية لوقف الحرب موجودة لكنها أصبحت أقلية بسبب الاستقطاب الحاد والدعوات الواسعة لاستمرار القتال ضد قوات الدعم السريع.

قال أزرق في حديثه لــ «التغيير» إن مناخ البلاد الآن يميل نحو الحرب نتيجة للشعور بالغضب من الجرائم التي ارتكبتها قوات الدعم السريع مما جعل الأصوات التي تسعى إلى السلام غير مسموعة.

من جانبه يرى أحمد علي إن ضعف الحراك الشعبي الداعي للسلام يعود إلى عمليات التجييش المتواصلة من الطرفين مما أثر سلبا على قدرة تلك الأصوات في الوصول إلى العامة حيث بات يتم تخوينها من كلا الجانبين.

كما اشار في حديثه لـ «التغيير» إلى أن الظروف الاقتصادية والصحية السيئة التي خلفتها الحرب دفعت الكثيرين للتركيز على معيشتهم بدلا من الاهتمام بوقف الحرب.

و يشهد السودان ارتفاعا في عمليات تسليح المدنيين من قبل الأطراف المتصارعة خاصة من الجيش الذي قام بتسليح مجموعات كبيرة من المدنيين بما في ذلك كتائب البراء التابعة للحركة الإسلامية والتي تقاتل الآن في صفوفه و يعكس هذا التصعيد تزايد العنف وسط المدنيين وتحول الصراع إلى حروب أهلية صغيرة تحت غطاء المقاومة الشعبية.

و تقول الناشطة النسوية حنان بحر  لـ «التغيير» إن هناك غياب للتظاهرات السلمية بعد اندلاع الحرب لكنها تؤكد أن هذا لا يعني تراجع أهداف الثورة بل أن الظروف القمعية جعلت التظاهر السلمي أكثر خطورة.

ومع ذلك ترى حنان أن الحراك السلمي لا يزال قائما من خلال العمل في غرف الطوارئ والمبادرات النسوية والشبابية التي تعمل جاهدة لوقف الحرب.

و اعتبرت أن الأصوات المؤيدة لاستمرار الحرب أصبحت أمرا طبيعيا في ظل وجود مجموعات تسعى للحفاظ على مصالحها وسلطتها مشيرة إلى أن الشعب السوداني سيواصل التمسك بأهداف ثورته حتى تتوقف الحرب وتتحقق العدالة.

ومنذ اندلاع الحرب لم يتوقف الثوار عن النضال بل تحولوا إلى تقديم المساعدة للسكان في مناطق الصراع من خلال غرف الطوارئ التي لا تزال تعمل على تقديم الدعم والمساعدة رغم الظروف الصعبة.

أما محمد أحمد، فيرى أن غياب التظاهرات السلمية في ظل الحرب الداخلية أمر متوقع لكنه يشير إلى أن الحراك المدني خارج السودان منقسم بين مجتمع مدني وسياسي مما يجعل تأثيره محدودا.

و قال لـ «التغيير» إن غياب أصوات السلام يعود إلى عدم تنظيم المجتمع المدني نفسه بشكل جيد لمواجهة الحرب بالإضافة إلى شعور الكثيرين بضرورة الدفاع عن أنفسهم في ظل الخسائر الفادحة التي لحقت بهم.

وأدت الحرب إلى تشريد آلاف المدنيين بمن فيهم النشطاء و المهتمين بالعمل العام الذين ما زالوا يعملون على إيقاف الحرب كما انخرط العديد منهم في دعم غرف الطوارئ في مناطق الصراع داخل البلاد .

و تقول الناشطة السياسية إجلال آدم  لـ «التغيير» إنها ترى أن الأصوات الداعية لاستمرار الحرب تتزايد يوميا مما جعلها تتفوق على الأصوات المنادية بالسلام.

ونوهت إلى أن هذه الأصوات تمكنت من اختطاف القرار من القوات المسلحة مما أدى إلى فشل جميع الجهود التي كانت تهدف إلى وقف الحرب.

ونبهت إجلال إلى أن رفع أصوات السلام يتطلب توحيد صفوف المجتمع المدني والقوى السياسية بمختلف أطيافها والعمل الجماعي لمناهضة تلك الأصوات التي تسعى إلى تدمير البلاد عبر استمرار الحرب.

و أصبحت الحملات المؤيدة لاستمرار الحرب على مواقع التواصل الاجتماعي الصوت الأعلى وربما تقودها جهات خارجية متخصصة في تصدير خطاب الكراهية والعنصرية وسط السودانيين.

أما الناشط السياسي موسى إدريس فيشير إلى وجود حملات حالية على مواقع التواصل الاجتماعي تطالب بوقف إطلاق النار لكنها تفتقر إلى التنظيم والتنسيق الفعال ويرى أن ضعف الحراك المدني على أرض الواقع يعود إلى عدم تقارب وجهات النظر بين القوى الفاعلة.

وقال في حديثه لـ «التغيير» إن غياب صوت السلام يعود إلى عدم وجود استراتيجية إقليمية ودولية واضحة لوقف الحرب مشيرا إلى أن محاولات الوساطة حتى الآن لم تسفر عن أي نتائج ملموسة مؤكدا أن تحقيق السلام يتطلب حداً أدنى من التوافق بين الأطراف المتصارعة ودعما دوليا وإقليميا جادا .

و مع اندلاع الحرب في أبريل من العام الماضي وسط مخاوف متزايدة من انزلاق البلاد نحو الفوضى الشاملة والحرب الأهلية وما قد يترتب عليها من تأثيرات سلبية على دول الجوار والمنطقة بأسرهها ظهرت عدة مبادرات دولية وإقليمية سعت إلى إيجاد حلول لوقف الصراع المستمر لكن جهودها لم تحقق النتائج المرجوة مما زاد من تعقيد المشهد السياسي والأمني.

و كانت قد تصدرت مبادرة منبر جدة قائمة المبادرات الرامية إلى إنهاء الحرب بوساطة سعودية أمريكية إلى جانب مبادرات أخرى مثل مبادرة منظمة إيغاد الاتحاد الأفريقي و المبادرة الإثيوبية مبادرة الجامعة العربية ومبادرات القوى المدنية و لم تتمكن أي منها حتى الآن من تحقيق اختراق ملموس في مسار وقف الصراع.

و على الرغم من أن أصوات دعم الحرب التي تهدف إلى إطالة أمد الحرب عبر تصدير خطابات الكراهية والعنصرية بين السودانيين هي الصوت الأعلى إلا أنه يبقى الأمل معقودا على توحيد الصفوف وسط الأصوات التى تنادي بالسلام لإعادة بناء الدولة وتحقيق السلام المنشود.

الوسوماستمرار الحرب الحرب السلام خطاب الكرهية

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: استمرار الحرب الحرب السلام

إقرأ أيضاً:

إبراهيم شقلاوي يكتب: الرباعية الدولية .. صراع المصالح يبدد فرص الحل..!

في لحظة كانت الأنظار تتجه فيها إلى اجتماع الرباعية الدولية المقرر انعقاده في واشنطن، باعتباره فرصة لإحداث اختراق في مسار الحرب السودانية، جاء الإعلان المفاجئ عن إلغائه ليكشف عن تعقيدات الملف السوداني وهشاشة المبادرة الدولية ذاتها.

فهذا الاجتماع الذي كان يُفترض أن يُتوَّج مسارًا تنسيقيًا دوليًا نحو السلام، تحوّل إلى ساحة لتضارب الأجندات داخل الرباعية التي تضم: الولايات المتحدة، والسعودية، والإمارات، ومصر. وقد بدأ واضحًا أن غياب الرؤية المشتركة طغى على أي إمكانية لتفاهم حقيقي.

ما تسرّب من كواليس دبلوماسية بحسب الشرق الأوسط أشار إلى أن الخلافات لم تكن حول الهدف المعلن، بل حول الوسائل والآليات، وعلى رأسها مسألة توسيع المشاركة لتشمل أطرافًا مثل بريطانيا، وقطر، والاتحاد الأوروبي. وهي خطوة دعمتها واشنطن، بينما رفضتها أطراف أخرى خشية فقدان السيطرة على القرار الجماعي.

هذا الانقسام لم يكن شكليًا، بل عبّر عن تباين جوهري في أولويات كل طرف: فبينما تنظر الولايات المتحدة إلى السودان من منظور جيوسياسي مرتبط بصراعات النفوذ مع الصين وروسيا، تركّز القوى الإقليمية على استقرار حدودها ومصالحها المباشرة. أما السودان نفسه، كدولة وشعب، فيغيب عن معادلة الحل وصناعة القرار.

إقصاء الجيش السوداني والحكومة الرسمية عن الاجتماع، رغم أن القضايا المطروحة تشمل الترتيبات الأمنية والمساعدات الإنسانية، أثار شكوكًا واسعة حول جدية المبادرة. فكيف يُناقش وقف إطلاق النار دون حضور من يمتلك سلطة فرضه على الأرض؟ هذا الغياب اعتُبر مؤشرًا إضافيًا على أن ما يُطبخ خلف الأبواب المغلقة لا يعكس تطلعات السودانيين، بل يُعيد إنتاج خارطة النفوذ الإقليمي بواجهة سياسية.

وقد ازداد المشهد تعقيدًا بعد إعلان مليشيا الدعم السريع وتحالف “تأسيس” مؤخرًا عن تشكيل حكومة موازية في مدينة نيالا بجنوب دارفور، حملت اسم “حكومة السلام والوحدة”، برئاسة محمد حمدان دقلو “حميدتي” ، مع تعيين عبد العزيز الحلو نائبًا، ومحمد حسن التعايشي رئيسًا للوزراء.

هذه الخطوة، التي ترافقت مع إعادة تفعيل الهياكل التنفيذية والإدارية في مناطق سيطرة المليشيا، تجسّد فعليًا الأطماع الإقليمية ، وتحول الصراع من نزاع على السلطة إلى تنازع على الجغرافيا والشرعية. وقد قوبل هذا التطور برفض واسع من الحكومة السودانية والنخب والأحزاب الوطنية والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، باعتباره محاولة لتقسيم البلاد.

هذا الإعلان يُقوّض أي مسار تفاوضي يُدار من الخارج دون مشاركة حقيقية للفاعلين على الأرض، ويؤكد أن التراخي الدولي والتنازع داخل الرباعية لا يفتحان بابًا للسلام، بل يُمهّدان لمناخ تقسيم غير معلن. كما يُعيد طرح الأسئلة حول مشروعية أي مبادرة لا تستند إلى تفويض شعبي أو غطاء سياسي من مؤسسات دولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي.

فشل اجتماع واشنطن لا يمكن اعتباره مجرد تعثّر دبلوماسي، بل هو دليل إضافي على غياب إرادة دولية موحدة، وافتقار المبادرة لتمثيل عادل وغطاء قانوني. فالسلام في السودان لا يُبنى على تفاهمات فوقية أو تسويات نفوذ، بل على مسار سياسي شامل ينطلق من الداخل ويستند إلى شرعية وطنية، لا وصاية فيها لأحد على أحد.

وفي هذا السياق، لا يمكن تجاهل دروس التجارب الإقليمية القريبة. ففي ليبيا واليمن، لعبت أطراف إقليمية ودولية أدوارًا مزدوجة: فاعلة في النزاع ووسيطًا في آنٍ معًا، ما أفرغ مسارات السلام من مضمونها الحقيقي.

تلك الوساطات، بدلاً من أن تستجيب لصوت الضحايا، تحوّلت إلى أدوات لتمرير صفقات النفوذ. وكانت النتيجة حروبًا متجددة واتفاقات هشة. وإذا فشلت تلك القوى في بناء السلام هناك، فما الذي يجعلها مؤهلة لقيادة مسار ناجح في السودان، وهي لا تزال تتعامل معه بعقلية النفوذ لا المسؤولية؟

ربط مستقبل السودان بمصالح الخارج هو وصفة مكرّرة لإعادة إنتاج الفشل، ما لم يكسر السودانيون هذا النمط عبر مراجعة جذرية وشجاعة لخلافاتهم، وصولاً إلى مشروع وطني خالص، ينمو من داخل المجتمع السوداني، بدعم مؤسسات الدولة والجيش والأحزاب السياسية.

وبحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة، فإن ما يجري في السودان اليوم ليس مجرد صراع على السلطة أو موارد الدولة، بل هو صراع على تعريف الدولة ذاتها. والرباعية الدولية، بصيغتها الحالية، لا تملك مقومات الحل بقدر ما تعكس تاريخًا مخزيا ساهم في إدخال السودان إلى نفق الحرب، وسط توازنات متقلبة ومصالح متقاطعة.

الحقيقة التي يجب الاعتراف بها هي أن أي سلام لا ينبع من إرادة السودانيين، سيُولد ميتًا. أما المشروع الوطني الجامع، فلن يأتي بقرار دولي أو إعلان سياسي من نيالا أو واشنطن، بل بإرادة داخلية تفرض حضورها وتجبر العالم على الإصغاء.

دمتم بخير وعافية

.إبراهيم شقلاوي

الخميس 31 يوليو 2025م
[email protected]

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • مصر.. بدء فرز أصوات المغتربين في انتخابات مجلس الشيوخ 2025
  • واكوا الجراب على العقاب
  • عقاد بن كوني: نحيي قوات درع السودان التي واصلت التقدم بثبات حتى وصلت إلى إقليم كردفان
  • لماذا هرع ترمب لإيقاف الحرب بين الهند وباكستان
  • كتاب «أسرار الصراع السياسي في السودان».. رؤية تحليلية لجذور الأزمة السياسية السودانية
  • تبدّل المزاج الإسرائيلي.. أصوات تشكّك في أخلاقيات الحرب على غزة
  • ما تأثير وجود حكومتين على الصراع العسكري في السودان؟
  • الرباعية في خبر كان… لماذا؟ (2/2)
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: الرباعية الدولية .. صراع المصالح يبدد فرص الحل..!
  • رئيس حركة شباب التغيير والعدالة: إعلان حكومة المليشيا جزء من مؤامرة تمزيق السودان