يوم أمس طُويت سنة من عمر الحرب على غزة، التي بدأت بعملية "طوفان الأقصى"، وهي مستمرة من دون أفق زمني محدّد. هي سنة طويلة بالنسبة إلى أهل غزة، الذين استشهد منهم من استشهد، وجُرح منهم من جُرح، وهُجّر منهم من هُجّر، ودُكّت منازل ومستشفيات ومدارس ودور عجزة. وعلى رغم كل هذه المآسي والكوارث والمجازر فإن في القطاع مؤمنين كثرًا لا يزالون مؤمنين بأن النصر آتٍ حتمًا، وإن طال الزمن.
وبانطواء سنة على حرب الإبادة في غزة طوى لبنان يومه السادس عشر من حرب شنتّها عليه إسرائيل بكل همجية ووحشية فسقط فيها شهداء كثر، وعلى رأسهم الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله، وآلاف الجرحى وهُجّر مئات آلاف من منازلهم التي تساوت مع الأرض ومن قراهم المحروقة بنار الحقد. ما يقوم به العدو الإسرائيلي من قصف متواصل وممنهج للقرى الجنوبية والبقاعية وللضاحية الجنوبية من بيروت يوحي بأن الحرب طويلة، ويشي بأن الأيام الآتية ستكون أشد قساوة مما سبقها، خصوصًا أن أخبار الميدان الجنوبي غير مطمئنة بالنسبة إلى الهجوم الإسرائيلي البرّي على رغم الخسائر الكبيرة التي مني بها من خلال محاولات التسلل إلى أكثر من محور متقدم، والتي باءت بالفشل، استنادًا إلى البيانات الميدانية التي تصدرها يوميًا "المقاومة الإسلامية".
فإذا كانت إسرائيل مصمّمة على القضاء على "حزب الله" كما تدّعي فإن الحرب على لبنان قد تطول كما طالت في غزة، إلاّ إذا أثمرت الجهود الفرنسية، التي يقودها الرئيس ايمانويل ماكرون، الذي دعا إلى مؤتمر دولي لدعم لبنان سيعقد في العاصمة الفرنسية، في وقف العدوان الإسرائيلي، والذهاب إلى حل سلمي يبدأ في فلسطين المحتلة، سواء عبر "حل الدولتين"، أو عبر حلول أخرى مطروحة على بساط البحث لضمان قيام دولة فلسطينية مستقلة ولها كيانها الخاص، ولا ينتهي بلبنان، وصولًا إلى استقرار مستدام في المنطقة، وذلك استباقًا للحرب الشاملة المتوقعة، والتي ستجرّ إسرائيل إيران إليها في حال كان ردّها على الردّ الإيراني في مستوى التهديدات الصادرة عن كل من تل أبيب وطهران.
وما يسعى إليه الرئيس الفرنسي، وفق أوساط ديبلوماسية غربية، من خلال المؤتمر الدولي المخصّص للبنان، يرتكز على عدّة نقاط سبق له أن طرحها أكثر من مرّة وبالأخص بعد تفجير مرفأ بيروت، وهي تتلخص بضرورة تحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية، وذلك عن طريق العودة إلى القرار الدولي الرقم 1701 المستند في خلفيته إلى القرار 1559، وهما قراران يكمّلان بعضهما البعض، ويحتمان ألاّ يكون في لبنان سلاح غير السلاح الشرعي، وأن ينتشر الجيش على كافة الأراضي اللبنانية، وبالأخصّ في الجنوب بمؤازرة فاعلة من قِبل قوات الطوارئ الدولية، مع تعزيز صلاحياتها وتوسيع مهامها، وذلك بالتوازي مع دعم الجيش وتقويته، معنويًا وعديدًا وعدّة، وتزويده بكل ما يحتاج إليه من معدّات تمكّنه من حفظ الأمن في مختلف المناطق اللبنانية، وتثبيت الاستقرار وبث الطمأنينة حيث ينتشر.
ومن بين أولويات المسعى الفرنسي، على حدّ ما ينقله بعض المقربين من "الاليزيه"، حثّ اللبنانيين على انتخاب رئيس للجمهورية، باعتبار أن هذه الخطوة يجب أن تسبق أي خطوات أخرى، ومن بينها وقف إطلاق النار، وعودة النازحين إلى قراهم ومنازلهم، وإعادة إعمار ما تهدّم، وتطبيق الـ 1701، ونشر الجيش في الجنوب.
وعلى رغم ما يعترض هذا الاستحقاق الدستوري من عراقيل ومعوقات فإن الرئيس الفرنسي، وبالتشاور مع الجانب الأميركي ومع كل من المسؤولين في المملكة العربية السعودية ومصر وقطر، يعتقد أن انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية هو بداية الحل وليس الحل، وهو بداية وضع لبنان على سكّة التعافي بعد إزالة آثار الحرب الهمجية.
إلاّ أن ما مواصلة اعتماد إسرائيل سياسة "الأرض المحروقة" قد تجبر المتفائلين على الانتقال إلى أرض الواقع، خصوصًا إذا نجحت في جرّ طهران إلى حرب إقليمية مفتوحة.
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
طلاء أخضر وهجمات معادية.. إسرائيل وفرنسا على إيقاع خصومة دبلوماسية جديدة
في ظل تصاعد التوترات السياسية والدبلوماسية بين باريس وتل أبيب، تفجّرت أزمة جديدة أضفت مزيدًا من التعقيد على العلاقات بين فرنسا وإسرائيل، بعد أن أعلنت السفارة الإسرائيلية في باريس عن تعرض عدد من المؤسسات اليهودية لهجمات، اعتبرتها "معادية للسامية ومروّعة"، ووضعتها في سياق "الخصومة الإشكالية" التي تشهدها العلاقات بين الجانبين مؤخرًا.
أصدرت السفارة الإسرائيلية في فرنسا، يوم السبت، بيانًا نددت فيه بما وصفته بـ"هجمات معادية للسامية منسّقة" استهدفت عددًا من المواقع ذات الطابع اليهودي في العاصمة الفرنسية باريس، من بينها ثلاثة كنس، ومطعم يهودي، ونصب تذكاري لضحايا الهولوكوست.
ووصف البيان هذه الهجمات بأنها "مروّعة"، مشيرًا إلى أن هذه الاعتداءات لا يمكن فصلها عن التوترات الأخيرة بين مسؤولين فرنسيين وإسرائيليين.
تحذير من تداعيات الخطاب السياسيأشار بيان السفارة الإسرائيلية إلى أن ما يحدث "يأتي في سياق من التنافر بين بعض المسؤولين الفرنسيين والإسرائيليين"، في إشارة مباشرة إلى تصاعد الخلافات السياسية بين البلدين على خلفية الموقف الفرنسي من الحرب في غزة.
وأكد البيان: "نحن متضامنون مع المجتمع اليهودي ونثق تماما في السلطات الفرنسية التي ستتمكن من العثور على الجناة وسوقهم إلى العدالة".
وأضاف محذرًا: "في الوقت نفسه، لا يمكننا أن نتجاهل الخصومة الإشكالية التي شهدناها في الأسبوعين الأخيرين".
وشدّد على أن "الكلام له تأثيره"، مشيرًا إلى أن "المواقف التي أُطلقت ضد الدولة اليهودية ليست بلا تداعيات، ليس فقط على إسرائيل، بل أيضًا على المجتمعات اليهودية في العالم أجمع".
الاعتراف بفلسطين وتعليق الشراكة الأوروبيةتشهد العلاقات الفرنسية الإسرائيلية توترًا متزايدًا، خاصة بعد إعلان فرنسا نيتها الاعتراف بدولة فلسطينية، وطرحها إمكانية تعليق اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، في خطوة أثارت غضب الحكومة الإسرائيلية.
وفي تصعيد جديد، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يوم الجمعة، إلى "تشديد الموقف الجماعي" ضد إسرائيل إذا لم تظهر استجابة فورية "ترقى إلى مستوى الوضع الإنساني" في قطاع غزة، الذي يشهد حربًا مدمّرة مستمرة منذ عشرين شهرًا.
اتهام لماكرون بشن حملة “صليبية”ردًا على تصريحات ماكرون، اتّهمت وزارة الخارجية الإسرائيلية الرئيس الفرنسي بأنه "يخوض حملة صليبية ضد الدولة اليهودية"، في لهجة تصعيدية تكشف عمق التوتر بين الجانبين.
وفي خضم هذه التوترات، تعرّضت مؤسسات يهودية لهجمات ليلية، حيث تم إلقاء طلاء أخضر على نصب تذكاري لضحايا الهولوكوست، إضافة إلى ثلاثة كنس في العاصمة باريس، بحسب ما أفادت به تقارير صحفية فرنسية.
وأكدت النيابة العامة في باريس أنها فتحت تحقيقًا رسميًا في هذه الحوادث، وكلّفت السلطات الأمنية المحلية بمتابعة القضية تحت بند "إلحاق أضرار تم ارتكابها بدافع ديني"، بحسب ما نقلته وكالة فرانس برس.
ومن جهته، أعرب الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ، مساء السبت، عن "استيائه الشديد" من الهجمات التي استهدفت مؤسسات يهودية في باريس، مشيرًا في بيان صدر عن مكتبه إلى أن جده الأكبر كان أول حاخام لأحد الكنس التي تم استهدافها.
وجاء في البيان الرئاسي: "أدعو السلطات الفرنسية إلى التحرك بسرعة وحزم لسوق الجناة إلى العدالة، ولحماية المجتمع اليهودي من الكراهية ومن كل أنواع الهجمات".
وتعكس هذه الأحداث المتلاحقة تدهورًا غير مسبوق في العلاقات الفرنسية الإسرائيلية، حيث تداخلت الاعتبارات السياسية والدبلوماسية مع أبعاد دينية ومجتمعية حساسة. وبينما تؤكد باريس التزامها بموقف إنساني تجاه غزة، ترى إسرائيل في ذلك تهديدًا مباشرًا، وتربط التصعيد الميداني ضد اليهود في فرنسا بالسياقات السياسية الجارية.
في الوقت ذاته، يضع المجتمع الدولي أنظاره على كيفية تعامل السلطات الفرنسية مع الاعتداءات الأخيرة، في ظل الدعوات المتزايدة لحماية المجتمعات اليهودية وملاحقة الجناة.
ويبقى السؤال مفتوحًا حول مستقبل العلاقات بين الجانبين، في ظل اتساع الفجوة بين مواقفهما بشأن الحرب في غزة وملف الاعتراف بالدولة الفلسطينية.