تباين بينحزب الله والاشتراكي وجنبلاط معفصل الجبهتين
تاريخ النشر: 9th, October 2024 GMT
كتبت بولا اسطيح في " الشرق الاوسط": كشفت سلسلة المواقف التي أطلقها وليد جنبلاط، في الساعات الماضية، حجم التباين والتمايُز بينه وبين «حزب الله» في مقاربة الملفات الأساسية، وعلى رأسها ملف الحرب.
فبعدما اصطفّ جنبلاط منذ «طوفان الأقصى» إلى حد كبير إلى جانب الحزب وخياره بإسناد غزة، وبدت العلاقة بينهما ممتازة، بحيث عدّت قيادة «حزب الله» ومناصروه أنه كان أوفى تجاههم من قوى حليفة أخرى، مثل «التيار الوطني الحر» ، جاءت مواقف جنبلاط الأخيرة لتُظهر تحولاً قد ينعكس على العلاقة بين الطرفين.
وأعلن جنبلاط صراحةً في حديث تلفزيوني، مساء الاثنين، أنه ليس لديه أي تواصل مع «حزب الله»، بل إن تواصله مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي، كما أكّد وجوب فصل جبهة لبنان عن جبهة غزة، وعدم الربط بين وقف إطلاق النار والرئاسة. وشنّ جنبلاط هجوماً لاذعاً على إيران التي اتهمها بأنها «تعطّل أي إمكانية للخروج من المأزق الذي نحن فيه»، منتقِداً مواقف وزير الخارجية الإيرانية الأخيرة من بيروت.
ولفت عضو «اللقاء الديمقراطي»، الدكتور بلال عبد الله، إلى التباين بين «حزب الله» وجنبلاط، مشيراً إلى أن «الحزب لا يزال يعمل على لملمة وضعه الداخلي بعد اغتيال القيادات والكوادر الأساسية فيه، خصوصاً الأمين العام»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «هناك حرب دائرة، وبالتالي يجب الأخذ بعين الاعتبار أن الكلام السياسي الذي يصدر عن (حزب الله) يصدر بالوقت الذي يتعرض لأعتى الضربات العسكرية، ولتهجير أهله وبيئته وشعبه، بينما المفاوضات السياسية والمبادرة الدبلوماسية التي انطلقت من عين التينة مع نجيب ميقاتي ونبيه برّي ووليد جنبلاط، هي الموقف الرسمي اللبناني». ويشدّد عبد الله على أننا «بالوقت الحاضر أحرص ما نكون على الوحدة الداخلية؛ إذ يُخطئ مَن يظن أنه يمكن استضعاف أي بيئة في لبنان، أو الاستثمار بما حصل ويحصل بالسياسة الداخلية»، قائلاً: «بالعكس تماماً، يجب أن يكون الوضع الحالي حافزاً لصياغة تسوية داخلية على قاعدة لقاء عين التينة، وانتخاب رئيس بأقصى سرعة، وبذل كل المساعي لوقف إطلاق النار، وتطبيق القرار 1701».
وتؤكد مصادر مطّلعة على علاقة جنبلاط - «حزب الله» أنها لا تزال «جيدة، والمواقف الأخيرة التي عبّر عنها جنبلاط لا تفسد للود قضية، باعتبار أنه من الأساس كان ضد مبدأ وحدة الساحات، وإن كان سيبقى يناصر القضية الفلسطينية حتى آخر يوم، لكن من دون أن يعني ذلك ربط مصير لبنان بها».
وتشدّد المصادر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أن «الحساسية التي تركتها أحداث 7 مايو (أيار) 2008 نجح (جنبلاط) باستيعابها، لذلك تم تشريع أبواب الجبل للنازحين»، وأضاف المصدر: «كذلك لم يستطع جنبلاط أن يتقبل مواقف وزير الخارجية الإيرانية من بيروت، ما استلزم موقفاً واضحاً وحاسماً».
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: حزب الله
إقرأ أيضاً:
هل ستكون الحرب الأخيرة؟
في كتابه الموسوم «فخ ثيوسيديدس»، أو «هل يمكن أن تتجنَّب أميركا المواجهة مع الصين؟»، المنشور عام 2017، يرى غراهام أليسون أنَّ الحرب بين أميركا والصين حتمية، حسب مجريات التاريخ التي تؤكد أنَّ صعود قوة منافسة لقوة مهيمنة يؤدي إلى مواجهة. هذا المصطلح مستمد من المؤرخ الإغريقي ثيوسيديدس، الذي كتب عن الحرب البيلوبونيسية بين أثينا (القوة الصاعدة آنذاك) وإسبرطة (القوة المهيمنة).
حينها كتب: «كان صعود أثينا، والخوف الذي أثارته في إسبرطة، هما ما جعلا الحرب أمراً لا مفر منه». فإذا كان كتاب أليسون يتحدَّث عن حتمية المواجهة على مستوى النظام العالمي، فهل ينطبق هذا الأمر على النظام الإقليمي أيضاً؟ وتحديداً على الحرب المعلنة بين إسرائيل وإيران؟ الضربات القاسية التي وجهتها إسرائيل لإيران ليلة الثالث عشر من يونيو (حزيران) 2025 تشبه إلى حد كبير ما جرى عام 1967 حين ضربت إسرائيل الطائرات المصرية على الأرض. على الأقل هذا ما نراه على الشاشات.
لكنَّ الردَّ الإيرانيَّ الصاروخيّ في الأيام التالية وحجم الدمار الذي حلَّ بالمدن الإسرائيلية أكَّد أنَّ إيران كانت قادرة على استيعاب الضربة الأولى ثم الرَّد عليها.
الحرب لم تنتهِ بعد، ولكن حجم الدمار داخل إسرائيل ذهب بنشوة انتصار طائرات الـF15 الأولى لتأتي الفكرة بعد السكرة، وتتركَّز عقول النخب الغربية الحاكمة لتعترفَ بوضوح أنَّه لا حل غير العودة إلى الدبلوماسية وإيقاف الحرب.
المهم في هذا الطرح ليست هذه الحرب وحدها، بل كيف سيأتي الرَّد من دول محورية في الإقليم على الصعود المبالغ فيه للهيمنة الإسرائيلية. فهل يحفز هذا الصعود «أثينا جديدة» تنبري للمنافسة، إن لم تكن للمواجهة؟
في كتابه المذكور آنفاً، درس أليسون 16 حالة من صعود قوة منافسة، انتهت منها 12 حالة بالحرب، وتم في 4 حالات فقط تجنب الحرب. فهل حرب إيران وإسرائيل هي بداية تلك الحالات التي تؤدي إلى الحرب؟ أم أنها بداية لتفكير عقلاني يجنِّب المنطقة حروباً أخرى؟
منذ نشأتها، دخلت إسرائيل 12 حرباً، منها 7 حروب كبرى (1948، و1956، و1967، و1973، و1982، و2006، و2023)، أي بمعدل حرب كل 12 عاماً. أما إذا أضفنا حروب غزة، فسيكون المتوسط أن إسرائيل تخوض حرباً كل 6 سنوات. فهل تتغير هذه العادة؟ الهيمنة الإسرائيلية، أو اليد الطولى المطلقة لإسرائيل في المنطقة، بوصفها قوةً صاعدةً ومهيمنةً، حسب نظرية أليسون، لا بد أن تُنتِج قوةً أو قوى منافسة، خصوصاً بين الدول المحورية في الإقليم، حتى إن لم ترد أيٌّ من هذه الدول الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل.
إسبرطة لم تكن تريد الحرب، ولكن الخوف من صعود أثينا أدخلها تدريجياً في الفخ. كذلك في الحرب العالمية الأولى، كانت ألمانيا قوة صاعدة، ولم تكن فرنسا أو بريطانيا تسعيان إلى الحرب، ولكن منطق الخوف أدخلهما فيها. لم يكن الحدث الذي أدى إلى تلك الحرب حدثاً ضخماً كما نراه اليوم في إيران، بل كان صغيراً نسبياً، متمثلاً في اغتيال ولي عهد النمسا. لكن تشابك التحالفات، وسوء التقدير، جعلا الحرب تندلع بشكل شبه تلقائي. قبل الحرب العالمية الأولى، كانت هناك أيضاً الحرب بين فرنسا الصاعدة، وبريطانيا المهيمنة: حرب السنوات السبع (1756 - 1763).
هذه الحرب ليست نهاية الحروب، بل بداية حروب جديدة
في ذلك الوقت، كانت فرنسا في صعود اقتصادي وثقافي واستعماري، مقابل بريطانيا التي كانت القوة البحرية الأعظم، وتخشى من تآكل تفوقها العالمي. حدث التوتر في الأطراف (خصوصاً في أميركا الشمالية)، ووقعت المناوشات في المستعمرات، وليس في قلب أوروبا. ثم تصاعدت الأمور حتى اندلعت حرب شاملة، حتى إن بعض المؤرخين يعدّونها «الحرب العالمية الأولى الحقيقية».
هل تكون حرب إسرائيل وإيران حرب أطراف المستعمرات، التي تستمر 7 سنوات، ثم تدخل بعدها الصين في مواجهتها مع أميركا؟ أم أن هذه الحرب ستبقى داخل النظام الإقليمي، وتنتج قوى بازغة تنافس إسرائيل في الهيمنة على الإقليم؟ تلك هي أسئلة المرحلة.
ولو سألنا سؤالَ ضربة إيران اليوم لصاحب النظرية (غراهام أليسون) لربما كانت إجابته: هذه الحرب ليست نهاية الحروب، بل بداية حروب جديدة، وليست امتداداً لنهاية الحرب العالمية الثانية، ولا بداية شرق أوسط جديد على طريقة نتنياهو. والحروب هنا ليست بالضرورة أن تكون حروباً كبرى، بل يمكن أن تكون «فوضى خلاقة»، حسب رؤية كوندوليزا رايس.
الشرق الأوسط