الرباط – حُرم الشاب المغربي يوسف الوردي من الاستفادة من محل تجاري بسوق الصالحين في مدينة سلا، رغم أنه كان يملك فيه مقهى قبل إعادة تأهيله.

ويحكي أن المشروع انطلق عام 2017 بتوجيهات ملكية لتحويل سوق تقليدية إلى بنية تجارية عصرية، وتم تسليم 1483 محلا في عام 2022، لكن 36 تاجرا، بينهم هو، "أُقصوا رغم أحقيتهم".

قدّم الوردي وزملاؤه شكاية للقضاء حول "وجود خروقات وبيع محلات لأشخاص لم يكونوا ضمن تجار السوق مقابل مبالغ مالية"، لكن الملف بقي عالقا منذ 5 سنوات.

محتجون مغاربة ينددون بالرشوة والفساد (الجزيرة) مضمون القانون

جاء الوردي محملا بغضبه وحسرته إلى ساحة البرلمان للمشاركة في وقفة دعت إليها جمعية "حماية المال العام" للاحتجاج ضد مشروع قانون قالت إنه يهدف إلى منع الأفراد والجمعيات من التبليغ عن جرائم الأموال، ورَفع -إلى جانب المحتجين من مواطنين وفاعلين حقوقيين- شعارات تندد بالرشوة والفساد.

وكان مجلس النواب قد صادق في 20 مايو/أيار الماضي، على مشروع "المسطرة الجنائية" بعد مناقشات وأخذ ورد بين مكونات الأغلبية والمعارضة، ومع ذلك لا يزال الجدل يلاحق هذا المشروع وخاصة المادتين الثالثة والسابعة منه.

وتنص المادة الثالثة على أنه "لا يمكن إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية في شأن الجرائم الماسة بالمال العام، إلا بطلب من الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة، بناء على إحالة من المجلس الأعلى للحسابات أو على طلب مشفوع بتقرير من المفتشية العامة للإدارة الترابية أو المفتشيات العامة للوزارات أو من الإدارات المعنية، أو بناء على إحالة من الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها أو كل هيئة يمنحها القانون صراحة ذلك".

أما المادة السابعة فأعطت حق وضع الشكايات للجمعيات المعترف لها بصفة المنفعة العامة والحاصلة على إذن للتقاضي من وزارة العدل.

إعلان

وتمت إحالة المشروع إلى مجلس المستشارين (الغرفة الثانية في البرلمان) في 26 مايو/أيار الماضي، ولن يصبح قابلا للتنفيذ إلا بعد مناقشته في المجلس، والمصادقة عليه ونشره في الجريدة الرسمية.

محتج يرفض مشروع القانون الذي يحصر التبليغ عن الفساد في المؤسسات العمومية (الجزيرة)

وعبّر رئيس جمعية "حماية المال العام" والمحامي بهيئة مراكش، محمد الغلوسي للجزيرة نت، عن قلقه الشديد من مضامين المادة الثالثة، معتبرا أنها تشكل تراجعا خطيرا عن المكتسبات المحققة في مجال مكافحة الفساد وربط المسؤولية بالمحاسبة.

وأضاف أن اشتراط تحريك المتابعات القضائية في قضايا الفساد بتقارير صادرة عن مؤسسات رسمية فقط، يُقصي دور المواطنين والمجتمع المدني في التبليغ عن هذه الجرائم، ويتنافى مع ما ينص عليه القانون (المادتان 10 و37) المتعلق بحماية المبلغين والشهود فيما يخص جرائم الرشوة والاختلاس واستغلال النفوذ.

وبرأيه، فإنه في ظل المؤشرات الدولية والوطنية المقلقة حول استفحال الفساد، فإن مثل هذا التوجه لا يخدم المصلحة الوطنية، ويُفهم منه أنه محاولة لكبح أي تقدم حقيقي في مكافحة الظاهرة.

خريطة مؤشر مدركات الفساد في الدول العربية 2024 (منظمة الشفافية الدولية) تراجع مقلق

وكان آخر تقرير لمنظمة الشفافية الدولية حول مؤشرات إدراك الفساد قد صنّف المغرب في المرتبة 37 من أصل 180 دولة شملها المؤشر، في حين كشف آخر تقرير للهيئة الوطنية للنزاهة ومكافحة الرشوة ومحاربة الفساد أن كلفة الفساد سنويا بلغت 50 مليار درهم (أكثر من 5 مليارات دولار).

بالنسبة لرئيس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان نبيل الأندلسي، فإن مصادرة حق الجمعيات في مسألة تقديم شكايات حول شبهات فساد مؤسسات أو منتخبين، يشكل تراجعا مقلقا في المسار الديمقراطي والحقوقي بالمغرب، ويطرح تساؤلات جدية حول مدى التزام الحكومة بمبادئ الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، وبروح القواعد الدستورية المؤطرة للعمل المدني.

وأكد الأندلسي للجزيرة نت أن مثل هذه القرارات ستسهم في إضعاف دور المجتمع المدني، وتعطيل أدوار الفاعلين المدنيين في محاربة الفساد، وتحدّ من قدرتهم على الإسهام في الرقابة المدنية والتبليغ عن الخروقات أو شبهات الفساد.

من جانبه، عدّ المجلس الوطني لحقوق الإنسان المستجدات الواردة في مشروع القانون بمثابة تقييدات غير ضرورية وتتعارض مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، في حين رفضت الهيئة الوطنية للنزاهة التعديل الجديد، معتبرة أنه يثير إشكالات دستورية وقانونية.

وأوضح أستاذ القانون الدستوري عبد الحفيظ اليونسي أن المادتين الثالثة والسابعة فيهما مخالفة للفصلين (12) و(13) من الدستور اللذين يمنحان المجتمع المدني حق المساهمة في إعداد السياسات العمومية وتنفيذها وتقييمها، بما في ذلك مكافحة الفساد، وهو "انقلاب صريح" على مقتضيات الدستور فيما يخص الديمقراطية التشاركية.

وأضاف للجزيرة نت أن هذا التوجه يمثل خرقا لالتزامات المغرب الدولية وعلى رأسها الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد التي صادق عليها وأصبحت سارية منذ 2008، وتؤكد أهمية إشراك المجتمع المدني بأفراده ومؤسساته في جهود الوقاية من الفساد ومراقبة تدبير الشأن العام.

وحسب اليونسي، فإن ما تضمنته هذه المواد لا يشكل فقط مخالفة دستورية، بل أيضا تراجعا عن المادة (110) من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية التي تخول للمجلس تلقي تقارير الجمعيات المهتمة بقضايا العدالة، كما يُعد تراجعا عن روح الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد 2015-2025.

#مع_الرمضاني
بشير الراشدي، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، يوضح معنى مؤشر إدراك الفساد ويعتبر نتائجه بالمغرب "غير مرضية" pic.twitter.com/ZqpZP1Rurn

— 2M.ma (@2MInteractive) October 17, 2024

وشايات كيدية

في المقابل، دافع وزير العدل عبد اللطيف وهبي بقوة، خلال مناقشة مشروع القانون في مجلس النواب، عن حصر التبليغ عن جرائم الأموال في المؤسسات العمومية المخول لها ذلك قانونيا، ورفض التعديلات المقترحة من فرق المعارضة.

إعلان

واستند الوزير إلى "ضرورة عقلنة التبليغ عن جرائم الأموال العامة". وقال في جواب على سؤال برلماني في الموضوع إن الإحصائيات أظهرت أن جزءا مهما من الوشايات التي تتوصل بها الشرطة القضائية والنيابات العامة تكون كيدية وعديمة الأثر، والغاية منها الإيقاع بأشخاص وتعريضهم لمضايقات بسبب إجراءات البحث معهم والمس بسمعتهم.

ولم ينفِ رئيس منتدى "كرامة" لحقوق الإنسان نبيل الأندلسي استغلال بعض الجمعيات القانون من أجل تقديم شكايات كيدية، لكن الحل في نظره ليس بالتضييق على جميع الجمعيات ومصادرة حقها في تقديم شكاياتها كما ورد في المادة الثالثة، ووضع شروط تعجيزية من قبيل امتلاك صفة المنفعة العامة التي لم تحصل عليها إلا جمعيات محدودة كما نصت المادة السابعة.

أما رئيس جمعية "حماية المال العام" محمد الغلوسي فيرى أن هذا التوجه هدفه ليس تقييد الشكايات أو حماية المنتخبين والمسؤولين من الابتزاز، و"إنما الأمر أكبر من ذلك".

ووفقا له، فإن أطرافا وجهات لم يسمّها، لا تريد لمسار مكافحة الفساد أن يتقدم، لذلك جمدت عددا من القوانين مثل "قانون منع الإثراء غير المشروع" و"الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد" و"اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد"، وكل القوانين المتعلقة بالحياة العامة.

وبدأت منظمات حقوقية الأسبوع الماضي التنسيق فيما بينها بهدف تشكيل نسيج مدني وحقوقي لإسماع الأصوات المنتقدة لمشروع القانون والدفاع عن تطلعات المجتمع في محاربة الفساد.

وقال الغلوسي إن جمعيته راسلت لجنة العدل والتشريع في مجلس المستشارين وطلبت عقد لقاء مع أعضائها لتوضيح رأيها في هذا القانون قبل الشروع في مناقشته، كما تراهن على المحكمة الدستورية لإسقاطه.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الوطنیة للنزاهة المجتمع المدنی لمکافحة الفساد مشروع القانون مکافحة الفساد التبلیغ عن

إقرأ أيضاً:

البرلمان يوافق نهائيا على تغليظ عقوبة حفر الآبار للمياه الجوفية دون ترخيص

 


وافق مجلس النواب، برئاسة المستشار الدكتور حنفي جبالي، خلال الجلسة العامة اليوم الثلاثاء، نهائيا على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون الموارد المائية والري الصادر بالقانون رقم ١٤٧ لسنة ٢٠٢١.

 

واستعرض المستشار إبراهيم الهنيدي، رئيس لجنة الشئون الدستورية والتشريعية، تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ومكتب لجنة الزراعة والري والأمن الغذائي والثروة الحيوانية، عن مشروع القانون، موضحا أنه يهدف إلى تشديد عقوبة حفر الآبار للمياه الجوفية دون ترخيص من وزارة الري، للحفاظ على موارد الدولة الطبيعية والحد من حفر الآبار العشوائية.


وأوضح أن مشروع القانون متسق مع أحكام الدستور، خاصة المادتين (29) و(32) منه، واللتين نصتا على أن الزراعة مقوم أساسي للاقتصاد الوطني، مع التزام الدولة بحماية الرقعة الزراعية وزيادتها، وكذا التزام الدولة بالحفاظ على مواردها الطبيعية وحسن استغلالها، وعدم استنزافها، ومراعاة حقوق الأجيال القادمة منها، كونها ملكًا للشعب.


وقال إن المشروع جاء استجابةً لما أفرزه الواقع العملي من عدم كفاية العقوبات الواردة في القانون القائم في تحقيق الردع بصورتيه العام والخاص، وهو ما ظهر جليًا من الحفر العشوائي لتلك الآبار دون الحصول على التراخيص اللازمة، مؤكدا أن مشروع القانون سيسهم في الحفاظ على المياه الجوفية وحسن استغلالها، محافظًا على مورد من أهم الموارد الطبيعية.


وجاء مشروع القانون المعروض نتيجةً لما أظهره الواقع العملي للقانون القائم من عدم كفاية العقوبات الواردة، مما أوجب تغليظ العقوبات التي تقع على المخالفين لأحكامه، من أجل الحفاظ على موارد الدولة الطبيعية ومنها المياه، والحد من حفر الآبار العشوائية التي زادت في تلك الفترة دون اتباع الاشتراطات اللازمة الواردة بالمادة (70) من القانون المشار إليه. وقد أثر ذلك سلبًا على الأراضي الزراعية، وأدى إلى تدهور التربة بسبب ارتفاع منسوب الماء الأرضي وتملح التربة، ومن هنا، كان لزامًا على الدولة أن تسارع لتشديد العقوبات المقررة بموجب هذا القانون، من أجل تحقيق فكرة الردع بصورتيه العام والخاص، لكي تتناسب العقوبة مع حجم الجرم المرتكب.


وانتظم مشروع القانون المعروض في مادة واحدة بخلاف مادة النشر، على النحو التالي:

 

(المادة الأولى)

تضمنت استبدال نص المادة (107) بنص جديد، تضمن تشديد الغرامة المقررة على كل من يخالف أي من أحكام الفقرتين الأولى والثانية من المادة (70)، وإضافة عقوبة الحبس التي لا تقل عن شهر، وجعلها عقوبة تخييرية.

كما نصت على المصادرة الوجوبية للآلات والمهمات المستخدمة في ارتكاب الجريمة، في حالة الحكم بالإدانة.

وحظرت المادة (70) من قانون الموارد المائية والري الصادر بالقانون رقم (١٤٧) لسنة ٢٠٢١، حفر أي آبار للمياه الجوفية داخل الجمهورية إلا بترخيص من الوزارة، وطبقًا للشروط التي تحددها.

وجاء نص المادة 107 كما وافق عليها المجلس كالتالي:

«يعاقب كل من يخالف حكم أي من الفقرتين الأولى والثانية من المادة (70) بالحبس مدة لا تقل عن شهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تزيد عن خمسمائة ألف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين.

ويعاقب كل من يخالف أي حكم من أحكام الفقرات الأولى والثانية والثالثة من المادة (62)، والمواد (76، 78، 90، 94) بغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تزيد على مائتي ألف جنيه.

وتضاعف العقوبة المنصوص عليها في الفقرتين الأولى والثانية في حالة العود.

وتضبط الآلات والمهمات المستخدمة في ارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في الفقرتين الأولى والثانية، وتقضي المحكمة بمصادرتها في حالة الحكم بالإدانة.

 

(المادة الثانية)

وهي المادة الخاصة بنشر القانون في الجريدة الرسمية، والعمل به من اليوم التالي لتاريخ نشره.

 

 

مقالات مشابهة

  • البرلمان يوافق نهائيا على تغليظ عقوبة حفر الآبار للمياه الجوفية دون ترخيص
  • النواب يستكمل مناقشة مشروع قانون الموازنة العامة 2025 - 2026
  • جبالي يفتتح الجلسة العامة للبرلمان لاستكمال مناقشة مشروع موازنة الدولة
  • غرامات بالملايين.. قانون الإنترنت يطوق مجرمي الفضاء الإلكتروني في مصر
  • بغداد تحتضن اجتماعا يخص اللجنة الوطنية لمكافحة التطرف
  • مجلس النواب يوافق على مشروع قانون تنظيم ملكية الدولة
  • بدء جلسة "النواب" لمناقشة مشروع قانون ملكية الدولة في الشركات
  • محمد سليمان: مشروع قانون ملكية الدولة يعزز كفاءة إدارة الشركات العامة
  • اليوم.. البرلمان يناقش الموازنة العامة وخطة التنمية 2025/2026