بقلم : د. سمير عبيد ..

تمهيد : عندما نقول ان العالم الجديد آخذ بالتبلور فهو ليس كلاما عابراً بل هذه حقيقة باتت ثابتة. والدول التي تمتلك قيادة حكيمة وفيها رجال دولة استعدت مبكرا اولا، وحددت اتجاهاتها وبوصلتها ثانيا، وعرفت أين تقف ثالثا لتنتقل مع دول العالم وبسلام إلى فضاء العالم الجديد. إلا العراق ومنظومة الدول الفاشلة في العالم فهي تترنح في مكانها ،ولا تمتلك ادنى الخطط والاستراتيجيات لعملية الانتقال للعالم الجديد.

ولا توجد في العراق بوصلة ولا قبطان ولا خرائط عمليات أصلا .لأن الذين حكموا العراق منذ ٢٠٠٣ وحتى الآن تنازلوا عن منطق الدولة وقبلوا بمنطق السلطة. والذي اعترض ويعترض عليهم ناصبوه العداء وتم اغتياله سياسيا ووطنيا وشعبيا واجتماعيا . والطامة الكبرى عندما وضع العراق بيضه وقراره في السلة الإيرانية المتهالكة أصلا والمرفوضة من قبل العالم . وكل هذا بسبب ان العراق بلا رؤية وبلا استراتيجية ويعيش منذ ٢١ سنة على ردات الفعل !
اولا:- وقد يسأل سائل او متابع لوضع العراق ويقول “لماذا أصبح العراق الذي يعتبر دولة محورية في الشرق الأوسط، ودولة رأس بامتياز فكيف اصبحت ذيلا للآخرين؟ وكيف اصبح دولة فاشلة؟ وكيف قبل العراقيين بذلك ؟ وهو سؤال يسمعه العراقيين اينما ذهبوا وسافروا !.
والجواب عن هذا السؤال يجب ان يكون بمنتهى الشجاعة وهو :
١- ان الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا دولتان قادتا غزو العراق واحتلاله استنادا إلى أكاذيب وبدلا من بسط النظام الديموقراطي الحقيقي وبناء المؤسسات تركتا حدود العراق سائبة لسنتين وبشكل متعمد. فدخل العراق ولأول مرة تنظيم القاعدة الارهابي وجميع الخلايا والتنظيمات المتطرفة في دول الجوار ولم تعترضهم أمريكا وبريطانيا وقوات التحالف كواجهة احتلال وهي المسؤولة عن كل شيء في العراق حينها . فعبثت تلك التنظيمات الارهابية والمتطرفة في العراق وفي النسيج الاجتماعي العراقي ( المسالم الوسطي الذي لا يعرف الطائفية والكراهية والتطرف من قبل )فأصبح الجسد العراقي ولأول مرة مشوهاً بعدوى التطرف والإرهاب والطائفية والكراهية !
٢-الولايات المتحدة وبريطانيا ودول التحالف سمحتا لإيران ان تتوغل داخل العراق وتتمدد وتتوغل داخل المجتمع والنسيج العراقي والطائفي( ومن الجانب الآخر :منعت واشنطن ولندن الدول الخليجية والعربية من مساعدة العراقيين بالتصدي للخلايا الأرهابية ولإيران ) والسبب لكي ينمو المشروع الطائفي ولاول مرة في العراق و الذي بدأته تنظيم القاعدة ومنظمات متطرفة ” سنية ” ،وجاءت إيران لتكمل المشروع الطائفي بنصفه الشيعي. وبالفعل ولدت الطائفية البغيضة والتفكك الاجتماعي وتنامت الكراهية والمناطقية والطائفية بين العراقيين !
٣-وتركت واشنطن ولندن إيران تتحرك وتتوغل وتعمل وتنظم مايحلو لها في العراق بشرط لا تضايق ولا تهدد التوغل الاسرائيلي السري داخل العراق والذي كان تحت العباءتين الاميركية والبريطانية ولسنوات طويلة ( وان مفاوضات السفير الاميركي في العراق كروكر والسفير الإيراني في العراق قمي قبل سنوات طويلة هدفها وضع استراتيجية عدم الاحتكاك بين الإيرانيين والاسرائيليين في العراق مقابل السكوت عن التوغل لإيراني في العراق سياسيا واقتصاديا وامنيا واجتماعيا وطائفيا )وبالفعل حدث ذلك !
٤- سمحت امريكا وبريطانيا ولأول مرة في تاريخ العراق ان يهيمن رجال الدين والمرجعيات الدينية على النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والامني في العراق وبدعم إيراني كبير. فتجذر النظام الثيوقراطي والإقطاع السياسي بدلا من النظام الديموقراطي فولد من رحم الثيوقراطية والإقطاع السياسي عشرات الديكتاتوريين والديكتاتوريات في العراق.ونتيجة ذلك ولدت ثنائية استبدادية لحكم العراق( دينية وسياسية وعائلات ) منذ عام ٢٠٠٥ وحتى الساعة وتحت مرأى الاميركيين والبريطانيين ودول الغرب . وكان ولازال شعارهم ( نهب الدولة وأصولها ) عملاً وفعلاً وشعاراً وممارسة منذ ٢٠٠٥ وحتى الساعة!
ثانيا : يعتبر نقل الحالة اللبنانية ( اللبننة ) نحو العراق لتصبح قاعدة سياسية و نظام وحكم وادارة في العراق وبدعم ايراني ودعم رجال الدين في العراق والذي لعبت ايران بذلك دورا خطيرا في تفكيك العراق كدولة وتفكيك المجتمع كناس ومرجعيات اجتماعية وقبلية ودينية. فتلك الحالة اللبنانية التي نقلوها للعراق جلبوها بادنى مستوياتها فدمرت جميع ميادين الحياة في الدولة العراقية وعطلت كل شيء واصبح اعتماد العراق كدولة ومجتمع على ايران وبعدها تحول العراق إلى سوق استهلاكي لإيران وتركيا. وبسبب ذلك زحف العراق ليكون ضمن الدول الفاشلة عالميا وتربع لسنوات طويلة في هذه القائمة . لا بل اصبح في العراق دويلات سياسية ودينية ومليشياتية وفئوية هي اقوى من الدولة والحكومة. وتمارس مايحلو لها من نهب وسلب وقمع وفساد واخراس وانتهاك لحقوق الإنسان ومحاربة حرية التعبير !
ثالثا : وبسبب ماجاء أعلاه تراجعت الوحدة الوطنية ، ونُبذت الثقافة الوطنية والعربية وتم تمييع وسحق التاريخ العراقي الوطني والحضاري والاجتماعي .وحُوربت العروبة وقومية الشعب العراقي بل تم احتقارها وهي العربية( علما هي شرف لكل مسلم وعربي لانها تمتد إلى الرسول العربي محمد ص والى اهل البيت عليهم السلام ). فصار الشيعي الوطني المعترض لأساليبهم صداميا وبعثيا ، وصار السني الوطني المعترض ارهابيا ووهابيا وتكفيريا .وترسخت ثقافات جديدة في العراق وجميعها وافدة مثل ” التجهيل ، والخرافة ، والتجارة بالدين ، وتبرير سرقة ثروات الشعب، ونشر المخدرات ، والسماح للتمييع والمثلية والجندر ، ومحاربة الزراعة والصناعة والكهرباء والصحة والتعليم ، وتدمير الجامعات والمدارس الحكومية ، وترسيخ القبلية والطائفية والحزبية والصنمية والذيلية، وتدمير التراث ، وسرقة أثار وحضارة العراق وطمسها ” وختموها باستيراد تنظيم داعش الارهابي الذي دمر نصف العراق ب” فيلم هندي”
واخيراً اصبح الذي ينتقد إيران صهيونياً ” وهذه موضة جديدة ” . علما نحن لسنا مع إيران ولا مع اسرائيل بل مع العراق !
سمير عبيد
١٢ اكتوبر ٢٠٢٤

user

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات فی العراق

إقرأ أيضاً:

من حرية التعبير إلى “الطشة”.. الإعلام العراقي رهينة بين الديمقراطية والفوضى

1 أغسطس، 2025

بغداد/المسلة:

في لحظةٍ بدت كأنها قادمة من خلف الكواليس، خرج رئيس الوزراء العراقي الأسبق، نوري المالكي، من صمته مُحذّراً مما سمّاه محاولات تكميم الإعلام الحرّ، في تغريدة بدت كما لو أنها تسعى لفتح جبهة دفاع استباقية وسط صراع سياسي وإعلامي يحتدم على عتبة انتخابات مصيرية.

وظهرت نبرة المالكي وكأنها تعبّر عن أزمة أكبر من مجرّد تقييد مؤسسات للدور الإعلامي، فهي تُلقي الضوء على ما يسميه البعض “تغوّل السلطة الرمزية”، عندما تتحوّل الدولة العميقة إلى لاعب خلف الستار في مشهد الإعلام الحرّ.

وبينما حمّل المالكي السلطات الثلاث مسؤولية ما وصفه بـ«الصمت المرعب»، فإنه في ذات الوقت لم يُسمِّ أسماءً، تاركاً الجمهور يقرأ في الفراغ، أو يبحث بين سطور الخريطة السياسية المتشابكة، خصوصاً أن الرجل نفسه، إلى جانب رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، يخوضان معركة رمزية في بغداد بصفتهما “الرقم واحد”، لا في السياسة فقط، بل في السيطرة على الخطاب العام.

 

يبدو حديث المالكي عن حرية الإعلام محمّلاً بشحنة رمزية أكثر من كونه موقفاً مبدئياً خالصاً. فالإعلام الذي عاش لعقود في كنف الحزب الواحد، ما بعد 2003، وجد نفسه في مواجهة “تعددية مفخخة” لا تحكمها قوانين؛ بل توازنات قوة واحزاب ومنصات بلا رقيب.

وها هو الواقع الإعلامي العراقي يراوح بين خطاب الدولة وخطاب السلاح، وبين احترافية جامعية تتهاوى على أبواب منصات “الطشة”، حيث التحشيد المجاني والتسقيط المهني يصنعان جمهوراً وهمياً، وشعبية زائفة، ومحتوى مشوّه، يخدم قوى تصنع من “الديمقراطية الموجهة” غطاءً لما يُمكن وصفه بـ”التعددية المرتابة”.

ويظل الإعلام في هذا السياق ساحة نزاع بين مفاهيم الدولة وممارسات اللادولة، بين ما هو حقّ دستوري وفق المادة 38، وما هو واقع تسوده فوضى قانونية وانفلات سياسي. ولذا، فإن التحذير، وإن حمل في مضمونه دعوة لحماية حرية التعبير، إلا أنه لا ينفصل عن صراع القوى المتشابكة في العراق: صراع بين من يكتب التاريخ، ومن يملك أدوات كتابته.

 

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

مقالات مشابهة

  • النجم العراقي أيمن حسين يعود إلى بلاده من بوابة الكرمة (شاهد)
  • عودة أيمن حسين إلى الدوري العراقي
  • توزيع رواتب المتقاعدين العراقيين لشهر آب غداً الأحد
  • محمد بن راشد: فخور بفريق عمل قطارات الاتحاد الذي يقوده ذياب بن محمد بن زايد
  • الحكومة: الحوثيون يجنون من قطع التبغ الذي سيطروا عليه نصف مليار دولار سنوياً
  • من حرية التعبير إلى “الطشة”.. الإعلام العراقي رهينة بين الديمقراطية والفوضى
  • رغم ادعاء وفاته.. الأمن العراقي يطيح بـحَجّاج نگرة السلمان من النظام السابق
  • ما مصير الأزمة بين بغداد والكويت بعد تدخل رئيس القضاء العراقي؟
  • الزراعة النيابية:السوداني غير مكترث بالجفاف الذي يحصل في العراق
  • انطلاق أولى جلسات “التوجيهي” وفق النظام الجديد لطلبة الصف الحادي عشر اليوم