البطريرك الراعي: لا يمكن العيش على أرض واحدة فيها أكثر من دولة وجيش وسلطة
تاريخ النشر: 13th, August 2023 GMT
دعا البطريرك الماروني في لبنان الكاردينال مار بشارة الراعي «جميع مكوّنات البلاد والأحزاب لأن ينتظموا تحت لواء الدولة وخصوصاً في شأن استخدام السلاح»، معلناً «لا يمكن العيش على أرض واحدة فيها أكثر من دولة وجيش شرعي وسلطة وسيادة».
وجاء موقف الراعي بعد 4 أيام من المواجهات الدموية التي وقعت في منطقة الكحالة (شرق بيروت) والتي قُتل فيها أحد أبناء البلدة وعنصر من «حزب الله» بعد انقلابِ شاحنة ذخائر تابعة للحزب كانت في طريقها من البقاع الى الضاحية الجنوبية لبيروت، وكذلك في أعقاب تَكَشُّف أن مقتل عضو المجلس المركزي في حزب «القوات اللبنانية» الياس الحصروني في بلدة عين ابل الجنوبية (2 اغسطس) لم يكن بفعل حادث سير بل جريمة اغتيال تلت عملية خطف وثقّتْها كاميرات مراقبة.
«إيكواس»: لا نحتاج إلى موافقة مجلس الأمن للتدخل عسكرياً في النيجر منذ ساعة انتخابات تمهيدية في الأرجنتين لاختيار مرشحي الرئاسة منذ 4 ساعات
وقال الراعي أمس: «نتألم ونحزن مع أهالي عين إبل الأعزاء لخطف وتعذيب وقتْل عزيز على قلوبهم ناضَلَ معهم في سنوات الصمود والنضال هو المرحوم الياس الحصروني الذي كانت مأساته في 2 اغسطس وظهرت حقيقتها في ما بعد، ونحزن ونتألم مع أهالي الكحالة الأحباء لمقتل عزيزهم المناضل الآخَر في صمودها طوال الحرب اللبنانية المرحوم فادي بجاني الذي سقط ضحية شاحنة الأسلحة التي انقلبت على كوع البلدة والتابعة «لحزب الله»، ويؤلمنا ايضاً سقوط ضحية من صفوفه».
وأضاف: «نعرب عن مشاركتنا في ألم عائلات الضحايا، ونؤكد لأبناء عين إبل والكحالة الأعزاء قربنا منهم والصلاة، ونسلّم أمر التحقيق لمؤسسة الجيش والأجهزة الأمنية والقضاء، ولإيماننا الدائم بالدولة ومؤسساتها، فإننا لن نخرج عن منطق الدولة، ولن ننزلق إلى العيش بدونها، وإلى الاحتكام لغيرها، وفي الوقت عينه نطالب جميع مكونات البلاد والأحزاب أن ينتظموا تحت لواء الدولة وعلى الأخص في شأن استعمال السلاح. فلا يمكن العيش على أرض واحدة فيها أكثر من دولة، وأكثر من جيش شرعي، وأكثر من سلطة، وأكثر من سيادة. بهذا المنطوق يجب تطبيق إتفاق الطائف بكامل نصه وروحه، وقرارات الشرعية الدولية في شأن سيادة دولة لبنان على كامل أراضيها».
وتابع: «في هذا الظرف حيث نحن أمام نظام إقليمي جديد يثير المخاوف والقلق، يجب الابتعاد عن المغامرات، بل الذهاب إلى انتخاب رئيس للجمهورية بأسرع ما يمكن إذ ليس من مبرر لعدم انتخابه منذ سبتمبر الماضي، فهو الضامن لإحياء المؤسسات الدستورية والإدارات العامة، والالتزام بتوطيد الاستقرار، والمحافظة على صيغة العيش معا بغنى التنوع الثقافي والديني والتكامل والتعاون والاحترام المتبادل».
المصدر: الراي
إقرأ أيضاً:
هل نحن أمام دولة اجتماعية حقيقية أم تصفية رمزية للفئات الهشة؟
في ظل أزمة متعددة الأوجه، يشملها الجفاف وارتفاع كلفة المعيشة، صدر توجيه ملكي رسمي بخصوص عيد الأضحى لهذا العام، حيث اهاب الملك محمد السادس بالمواطنين عدم ذبح الاضحية في ظل ندرة القطيع وغلاء الأضاحي.
وإذ نسجل تباين الآراء في الرأي العام المغربي بخصوص هذا القرار، الذي يُعدّ سابقة تمسّ الفئات الهشة في العالم القروي، التي ترى في عيد الأضحى فرصة نادرة للفرح، وصون الكرامة، وتعويض موسم شاق.
كما يُعد هذا القرار مرآة تعكس عجز الحكومة عن تقديم حلول فعالة، وتشبثها بتبريرات جاهزة: مرة بالأزمات الدولية؛ وأخرى بتحميل المسؤولية لحكومات سابقة، رغم أن الحزب الحاكم كان في صلبها ومسؤولًا عن أهم القطاعات وتارة أخرى بالجفاف، وكأن المغرب لم يعرفه من قبل وفي ظل حكومة ارتأت تصدير المياه إالى أوربا عبر مزارع الأفوكا، لأنها حكومة لا تتعامل بمنطق الاوليات بل بمنطق المنفعة الخاصة لذوي القرابة الحزبية أو المقاولاتية
لقد بات واضحًا أن الخطاب الرسمي حول “الدولة الاجتماعية” يتناقض جذريًا مع واقع المواطنين ولا حاجة للتقارير أو الشعارات؛ الواقع وحده يتحدث. ومن خلال وقفة تأمل بسيطة، تتجلّى النتائج:
· فشل ذريع في ضمان الأمن الغذائي
· عجز عن حماية القدرة الشرائية
· تخلٍ عن الفلاح الصغير والمواطن البسيط أمام جشع السوق والمضاربين
ماذا تبقّى للفلاح الصغير؟
في أعماق المغرب غير النافع، في الدواوير التي لا تصلها كاميرات التلفزيون الرسمي ولا وعود الوزراء – إلا في المواسم الانتخابية – يعيش الفلاح الصغير بين قسوة الطبيعة وتجاهل الدولة. سنة كاملة وهو يركض خلف قطيعه المتناقص، وسط الجفاف والأوبئة، أملًا في أن تعوّضه مناسبة عيد الأضحى قليلاً مما خسره. كان ينتظر أن يبيع خروفًا ليشتري به كيس دقيق، أو يسد به حاجات أطفاله الذين لا يعرفون عن “الدولة الاجتماعية” سوى الاسم. لكن بدل الدعم، جاءه قرار إلغاء العيد. فأُلغيت معه آخر فرصة للربح، لإدخال الفرحة إلى بيته، ولصون كرامته في الوقت الذي فاز فيه الشناقة بميليارات استيراد اللحوم دون محاسبة أو رقابة.
أين هي العدالة الاجتماعية؟ هل هي مجرد شعار في الخطابات، يُدهس في الممارسة اليومية؟
ثانيًا: مخططات حكومية بمصير مجهول وأموال مهدورة – أوسياسات تنموية بلا بوصلة
منذ إطلاق « مخطط المغرب الأخضر » سنة 2008، سوّقت الحكومة المغربية هذا البرنامج كحل جذري لإصلاح القطاع الفلاحي وتحقيق الأمن الغذائي، في ظل التغيرات المناخية وضغوط السوق الدولية. غير أن ما بدأ بشعارات طموحة، انتهى اليوم إلى واقع فلاحي مأزوم، ونتائج كارثية على الفلاحين الصغار والمستهلكين على حد سواء.
فلاح مكسور وقطيع مهدد بالانقراض
وعود الدعم والتأهيل لم تصل إلى المعنيين الحقيقيين. لقد تمحور المخطط حول مقاولات كبرى ومستثمرين نافذين، مستفيدين من دعم مالي وامتيازات عقارية، بينما تُرك الفلاح البسيط في مواجهة تقلبات المناخ، وارتفاع كلفة العلف، وجفاف الدعم المؤسسي. النتيجة: قطاع تربية الماشية ينهار، والقطيع الوطني مهدد بالانقراض، ما ينعكس مباشرة على ارتفاع أسعار اللحوم ومشتقاتها.
أسعار ملتهبة بلا مبرر
ارتفاع أسعار المواد الغذائية، رغم ما صُرف من ميزانيات لدعم الإنتاج المحلي، يفضح الخلل البنيوي في السياسة الفلاحية. لم تُؤدّ الاستثمارات إلى تحسين الإنتاج أو ضمان استقرار الأسعار، بل زادت الهوة بين العرض والطلب، وكرّست هيمنة المضاربين والسماسرة، في ظل غياب رقابة فعالة على الأسواق.
لا محاسبة ولا تقييم
ما يثير القلق هو غياب آليات التقييم والمحاسبة. صرفت الدولة ميزانيات ضخمة على مدى أكثر من عقد، دون إصدار تقارير شفافة عن جدوى المشاريع أو من استفاد منها. أين ذهبت الأموال؟ من حصد الأرباح؟ من يتحمل المسؤولية عن فشل المخطط؟ لا إجابات، فقط صمت رسمي يعمّق الشعور بانعدام الثقة في السياسات العمومية.
نحو نموذج تنموي بديل
المرحلة تستدعي إعادة النظر في فلسفة التخطيط القطاعي، والانتقال من نموذج قائم على الامتيازات والولاءات إلى نموذج يكرّس العدالة المجالية، ويدمج الفلاح الصغير في الدورة الاقتصادية. لا يمكن إنقاذ الفلاحة دون إشراك المعنيين الحقيقيين بها، ولا يمكن تحقيق الأمن الغذائي دون سيادة غذائية تعيد الاعتبار للإنتاج المحلي، وتحميه من الجشع والمضاربة.
مبادرة ملكية جديدة: الفرصة الأخيرة؟
نُثمن التوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، خلال المجلس الوزاري الأخير، والتي أمر فيها بإعداد وتنزيل برنامج استعجالي لإعادة بناء وتنمية قطاع الماشية. إنها مبادرة في غاية الأهمية، وتؤكد استمرار العناية الملكية بواقع الفلاحين.
لكن هذه المبادرة، رغم أهميتها القصوى، تضع الحكومة أمام اختبار جديد ومباشر
فهل ستكون هذه المرة على مستوى الرؤية الملكية؟
أم سنشهد تكرارًا لسيناريو “مخطط المغرب الأخضر”؟
: نطالب بـ
صرامة في التنفيذ
شفافية في التتبع
قطع تام مع منطق الريع والمحسوبية
حتى لا يتحول هذا المشروع الوطني إلى فرصة جديدة للاغتناء على حساب الفلاح المغربي، بل يكون انطلاقة فعلية لإصلاح عميق ومنصف للمنظومة الفلاحية.
نحو عدالة مجالية وتمكين شامل
لا يمكن اختزال الفلاح في وظيفة إنتاج الغذاء. هو مواطن كامل الحقوق، وله نصيب في التنمية، والكرامة، والعدالة الاجتماعية. لذلك نؤكد على:
1. عدالة في توزيع الخدمات: تعليم، صحة، وبنية تحتية متكافئة بين المدن والقرى
2. تمكين المرأة القروية اقتصاديًا واجتماعيًا، باعتبارها ركيزة في النسيج الفلاحي والأسري
3. ربط القرى بشبكات النقل، الإنترنت، والخدمات الرقمية، لضمان اندماج حقيقي في الاقتصاد الوطني
4. توفير فضاءات ثقافية وفنية لأطفال القرى، لإطلاق طاقاتهم وتحصينهم من التهميش
لا يمكن بناء مغربٍ مزدهر دون مغرب عادل يساوي بين المواطنين في الحقوق والواجبات. لا نريد مغربيْن متناقضين:
مغرب المونديال، والمشاريع الكبرى، والبريق الدولي في الرباط وسلا
ومغرب الفلاح المُهمَّش، والقرى الجافة، وقرار إلغاء العيد
من المفارقات الصادمة أن بعض الأحزاب السياسية تتسابق لتأثيث ما سمّته « حكومة المونديال »، بينما تعجز الحكومة الحالية عن إنقاذ موسم فلاحي واحد، أو حماية قطيع وطني من الاندثار.
لقد بلغنا لحظة الحقيقة: إما أن تتحمّل الحكومة مسؤوليتها التاريخية، أو أن تُقرّ بعجزها وتفسح المجال أمام كفاءات تضع مصلحة المواطن فوق الحسابات السياسوية.
ما يقع اليوم ليس مجرّد خلل في التدبير، بل تصفية رمزية للفئات الهشة ، وتكريس فاضح لمغرب بسرعتين: مغرب مزيّن للمناسبات الدولية، ومغرب يُدفن في التهميش كلما خفتت الأضواء.
الشعارات لا تُطعم الخبز، ولا تحمي القطيع، ولا تصون كرامة المواطن والدولة الاجتماعية الحقيقية لا تُقاس بالخطب الرنانة، بل بمستوى الكرامة التي تضمنها لأضعف مواطنيها.
لا تنمية بدون عدالة، ولا عدالة بدون محاسبة، ولا محاسبة بدون إرادة سياسية جريئة تقطع مع الريع، وتعيد ثقة المواطن في وطنه.
ونرجو ألا تكون المبادرة الملكية الأخيرة هي الفرصة الأخيرة، لأن ما بعد خيبة الأمل هذه، قد لا يكون هناك مجال لإصلاح ما انهار من ثقة، ولا من شرعية. وقد تمضي السنوات القادمة كلها بلا عيد أضحى… وقد لا نجد الخروف إلا في حديقة الحيوانات.