المرأة العُمانية.. تمكين وعطاء وريادة
تاريخ النشر: 16th, October 2024 GMT
شمسة الريامية
تمثل المرأة العُمانية ركنا أساسيا في بناء الدولة الحديثة، وتساهم بفاعلية في خدمة بلادها والارتقاء بها في مختلف المستويات، بالتوازي مع ما تتمتع به من حقوق كفلتها القوانين والتشريعات، وفي مقدمتها النظام الأساسي للدولة الذي نصَّ على المساواة بين الرجل والمرأة في مسارات التنمية الشاملة.
وإذا كانت المرأة العُمانية قد سجلت أدوارا عظيمة على امتداد التاريخ العُماني، فإنها في ظل النهضة الحديثة بلغت مكانة وحضورا أكبر بتواجدها في مختلف الميادين، وسطرت إنجازات مشهودة في المحافل الدولية، وبات إسهامها لافتا في الملتقيات والمؤتمرات، مؤكدة قدراتها وإبداعاتها في القيام بمختلف الأدوار والمهمات.
تلك النجاحات المتحققة تعكس الاهتمام الكبير الذي حظيت في مجال التعليم والعمل والمشاركة في صنع القرار، كما أراد لها مؤسس النهضة الحديثة السلطان الراحل قابوس بن سعيد ـ طيب الله ثراه ـ باعتبارها شريكا أساسيا في التنمية، وخدمة المجتمع جنبا إلى جنب مع أخيها الرجل. وترسيخا لذلك خصص ـ طيب الله ثراه ـ السابع عشر من أكتوبر من كل عام يوماً للمرأة العُمانية وهو أعظم تكريم لها واعتراف بدورها الفاعل في بناء المجتمع وتربية الأجيال.
وبذات الوهج من الاهتمام أكد السلطان هيثم بن طارق – حفظه الله ورعاه- منذ خطابه الأول على ضرورة تهيئة كل الظروف التي تخدم المرأة وتعزز مكانتها ومساهمتها في عملية البناء بالقول "إن شراكة المواطنين في صناعة حاضر البلاد ومستقبلها دعامة أساسية من دعامات العمل الوطني، ونحرص على أن تتمتع فيه المرأة بحقوقها التي كفلها القانون وأن تعمل مع الرجل جنبا إلى جنب في مختلف المجالات خدمة لوطنها ومجتمعها، مؤكدين على رعايتنا الدائمة لهذه الثوابت الوطنية التي لا نحيد عنها ولا نتساهل بشأنها".
وقد ترجم التوجه السامي العديد من التشريعات التي منحت المرأة حقوقا أكبر كما هو قانون الحماية الاجتماعية الذي تضمن إجازات الأمومة لحماية المرأة العاملة وطفلها، كما كفل الحياة الكريمة للأرامل والأيتام.
إن ما تحقق هو محل فخر واعتزاز للمرأة على هذه الأرض الطيبة، التي سبقت نظيراتها في كثير من الدول في ممارسة كافة الحقوق، وكانت خير سفير لبلادها، مرتكزة على القيم العُمانية الأصيلة.
وإذ تجدد المرأة العُمانية العهد لسيد عُمان في يومها السنوي وتواصل التحليق في فضاء الإبداع، فإنَّ ما تأمله أن تجسد فعاليات هذا اليوم قضايا المرأة، وسبل تطوير مهاراتها التي تمكنها من مواكبة المتغيرات حولها من خلال ما سيتم من ندوات وملتقيات.
ولا شك أنَّ التكنولوجيا المتسارعة تفرض على المؤسسات الحكومية والخاصة تأهيل المرأة العاملة وتدريبها على الاستفادة من التقنيات وخاصة أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تساعدها على الابتكار ورفع كفاءتها المهنية وتحقيق أهداف المؤسسة التي تنتمي إليها، إضافة إلى رفع قدراتها في القيادة المؤسسية، وزيادة أعداد المقاعد المخصصة للنساء في الدورات التدريبية.
وما تحتاجه أيضا أن تحظى بمزيد من فرص العمل لتتمكن من رد الجميل لوطنها، بعد أن نالت أعلى الشهادات.. وأن تجد الدعم المناسب لمشروعها وهي تتلمس خطوات البداية لتقف بثبات وتحقق نجاحها المأمول.
ولا بد للاهتمام بالمرأة أن يشمل ربات المنازل اللائي يؤسسن ويبنين أجيال المستقبل، فهي الأم والمدبرة والملهمة، ولذا من الضرورة الاهتمام بها جيداً من خلال إدخالها في حلقات تدريبية تعنى بمتطلبات الحياة والتقنيات الحديثة، فضلاً عن رفع مستواها في الإدارة المالية وإعداد الميزانية الشخصية والادخار، وطرق الاستثمار المختلفة، لتساهم بدورها في تحقيق التوازن المالي للأسرة، وتربية الأبناء على نظام مالي معين يساعدهم على تحمل مسؤولية الحياة ومتطلباتها. وعلى مؤسسات المجتمع المدني بكل أطيافها، ان أن تأخذ على عاتقها هذه المهمة في تطوير مهارات المرأة في كافة المجالات والتخصصات بما يجعلها تتصدر قائمة النساء الأكثر وعياً وإنتاجاً وقدرة على مواكبة تحديات الحياة.
ويبقى يوم السابع عشر من أكتوبر فرصة عظيمة للوقوف على ما تحقق، وهو محل فخر واعتزاز لكل نساء عُمان، كما أنه فرصة لبحث ما تحتاجه المرأة من أولويات لبناء الحاضر والمستقبل.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
تحول تاريخي تقوده نقابة أطباء الأسنان
صراحة نيوز ـ منذر الحوارات
مرّ الكثيرون مرور الكرام على ما حدث في نقابة أطباء الأسنان من فوز كبير للطبيبة آية الأسمر بموقع النقيب، في خرقٍ لفضاءٍ استمرّ حِكراً على الرجال حتى الآن، وفي مجتمع تمسّك بقواعده الراسخة في ترتيب أولويات صناعة القرار في كل الأماكن، وحصرها بيد الرجال فقط، وبالتالي، لا يمكن اختزال هذا الحدث باعتباره مجرد فوز انتخابي، بل يمكن اعتباره انقلاباً اجتماعياً حقيقياً يُنبئ بتشكُّل عصرٍ جديدٍ في الحضور السياسي للمرأة الأردنية، بعد هيمنة ذكورية استمرّت لعقود .
ومع أن السيدات كنّ حاضرات في العديد من المواقع السياسية، الوزارية والنيابية، وفي الوظائف الكبرى، إلا أن ذلك كلّه جاء في سياق التعيين أو التزيين، لكن هذه المرة كان الفرق جوهرياً، إذ إن القرار كان لصوت الناخبين، وهنا تكمن رمزية الحدث وطبيعة التحوّل الكبرى، فنحن أمام امرأة تكسر الاحتكار الذكوري لموقعٍ مهنيٍّ مركزي، ليس عبر المجاملة، بل بشرعية الصندوق، وبهذا، تنقل هذه النتيجة المرأة من الهامش إلى صدارة المشهد.
وفي ظل هذا الفوز، وبمراجعة سريعة لتاريخ مشاركة المرأة في الشأن العام، نتوصل دون عناء إلى أن موقعها ظلّ محصوراً لعقود في مساحات رمزية، أو ضمن «محمية سياسية» مفرغة من المضمون، فمنذ السماح لها بالترشّح والانتخاب، بقيت مشاركتها ضعيفة وغير متكافئة، وغالباً ما كانت تُدفع إلى الخلف عند لحظة اتخاذ القرارات الحاسمة، بحجّة الحاجة إلى «الكفاءة الذكورية» في موقع القيادة، وهو ما أبقاها وأبقى دورها أسير ثقافة محافظة تُعمّق التمايز بين الجنسين، وغالباً ما كان وجودهن في الحياة السياسية بشكلٍ خاص يُوظَّف كشكلٍ من أشكال الزينة الديمقراطية، لا كإيمانٍ فعليٍّ بضرورة وجودهن الفاعل.
بالتالي، فإن فوز سيدة في منافسة مفتوحة مع منافسين رجال، يؤكد أن ثمة تحوّلاً في مزاج نخبة مهنية، لم تعد تنظر إلى المرأة كاستثناء، بل كخيارٍ واقعيٍّ يمكن أن يُجسِّد الإرادة الجماعية لتلك النقابة، وربما المجتمع لاحقاً، إذ قد يمتد هذا التطور إلى قطاعات ونقابات أخرى، وقد يمتد التوسع اكثر من ذلك بكثير، ورغم أن أحداً لا يستطيع التكهّن بالمدة اللازمة لهذه العملية، إلا أنه لا يمكن إنكار أن المجتمع الأردني يشهد تحولات ثقافية واجتماعية في الآونة الأخيرة، وبالرغم من كونها بطيئةً ومترددة، إلا أنها متراكمة وثابتة، يعززها صعود جيل جديد من النساء يتسلّحن بالعلم، والشجاعة، والطموح، والرغبة في الخروج من القالب الذي وُضعن فيه على مدى عقود، وهو الأمر الذي عطّل ما يقارب نصف المجتمع عن القيام بدوره، لأنه محكومٌ بمزاجٍ عام يريد أن يقولب المرأة في إطارٍ واحد لا يمكن تغييره.
لكن السؤال المهم: هل يمكن اعتبار هذا الفوز مزاجاً انتخابياً عابراً ولحظيّاً؟ أم مؤشراً على تحوّل تدريجي في وعي المرأة بحقّها في القيادة؟ ووعي الرجل بكفاءة المرأة كمنافس سياسيٍّ ومهني؟
برأيي، يُمثِّل هذا الفوز نقطة تحوّلٍ جوهرية، صحيحٌ أنها تسير ببطء، ولكنها حقيقية، في وعي المجتمع بأدواره السياسية، إلا أن هذا الوعي لا يمكن أن يُعبّر عن نفسه إلا بوجود بيئة نزيهة، وهو ما يعزّز مصداقية خطاب الإصلاح السياسي، بالتالي، فإن ما حدث ليس عابراً؛ وربما يكون حجر الدومينو الأول، الذي قد يدفع النقابات والأحزاب، وحتى الدولة، إلى مراجعة تمثيل المرأة في القيادة، ليس من دافع المجاملة، بل باعتبارها فاعلًا حقيقياً، لا ديكوراً أو زينة