بعض الناس تعمل وليمة الفرح بصورة فيها مبالغة ..ما حكم ذلك شرعًا
تاريخ النشر: 14th, August 2023 GMT
قالت دار الإفتاء إن وليمة النكاح سنة مؤكدة عند جمهور الفقهاء؛ من الحنفية والمالكية والشافعية في الأصح والحنابلة. ينظر: "رد المحتار على الدر المختار" للعلامة ابن عابدين (6/ 347، ط. دار الفكر)، و"الشرح الكبير" للشيخ الدردير (2/ 337، ط. دار الفكر)، و"روضة الطالبين" للإمام النووي (7/ 333، ط. المكتب الإسلامي)، و"مطالب أولي النهى" للعلامة الرحيباني (5/ 232، ط.
وأضافت الدار : وعن صفية بنت شيبة رضي الله عنها، قالت: «أَوْلَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ» أخرجه البخاري، والأمر بالوليمة محمولٌ على الندب والاستحباب. ينظر: "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" لسراج الدين ابن الملقن (20/ 383، ط. دار الفلاح)، و"فتح الباري" للإمام ابن حجر العسقلاني (9/ 230، ط. دار المعرفة).
وأوضحت أنه ينبغي التَّنبُّه إلى عدم الإسراف في إقامة الولائم بإهلاك الطعام فوق الحاجة؛ لقوله تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأعراف: 31].
قال الإمام سراج الدين ابن عادل في "اللباب في علوم الكتاب" (9/ 90، ط. دار الكتب العلمية): [قيل: المرادُ أن يأَكل ويشرب بحيث لا يتعدَّى إلى الحرامِ، ولا يكثر الإنفاق المستَقْبَح، ولا يتناول مقدارًا كثيرًا يضرُّ به.. وقوله: ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ نهاية في التهديد؛ لأن كل من لا يحبُّه الله يبقى محرومًا عن الثَّواب؛ لأن محبَّة الله للعبد إيصال الثَّواب إليه، فعدمُ هذه المحبَّة عبارةٌ عن عدم حصول الثَّوابِ، ومتى لم يحصل الثَّوابُ فقد حصل العِقَابُ؛ لانعقاد الإجماع على أنَّهُ ليس في الوُجُودِ مكلَّف لا يثابُ ولا يُعاقب] اهـ.
وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده رضي الله عنهما، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا فِي غَيْرِ سَرَفٍ وَلَا مَخِيلَةٍ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ» أخرجه الحاكم في "المستدرك".
قال الإمام الصنعاني في "سبل السلام" (2/ 626، ط. دار الحديث): [دلَّ على تحريم الإسراف في المأكل والمشرب والملبس والتصدق، وحقيقة الإسراف: مجاوزة الحد في كلِّ فعلٍ أو قولٍ، وهو في الإنفاق أشهر] اهـ.
يكون عدم الإسراف بعدم إهلاك الطعام إما بتوزيع ما فَضَل منه على الفقراء والمساكين أو بطبخ ما لا يزيد على الحاجة، وحدُّ الإسراف المرجع فيه إلى العرف والعادة، فمن المقرَّر شرعًا أنَّ كلَّ ما لم يحدَّه الشرع يكون المرجع فيه إلى العرف والعادة؛ قال الإمام تقي الدين السبكي في "الإبهاج في شرح المنهاج" (1/ 365، ط. دار الكتب العلمية): [واعلم أن من القواعد المشتهرة على ألسنة الفقهاء أن ما ليس له حدٌّ في الشرع ولا في اللغة يُرجع فيه إلى العرف] اهـ.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: دار الإفتاء الإفتاء رضی الله ه وآله ى الله ع
إقرأ أيضاً:
الإصلاح: هل يبدأ بالراعي أم بالرعية
#الإصلاح: هل يبدأ بالراعي أم بالرعية
مقال الإثنين: 30 /6/2025
بقلم: د. #هاشم_غرايبه
عند الحديث عن #الإصلاح، لا يختلف اثنان على أن له ضرورة قصوى، لكن عند الحديث عن ترتيب أولوياته يحتدم الجدل، فالسلطة تنزع الى #الاستبداد، والإصلاح دائما ما يكون باستعادة #المحكوم شيئا مما استلبه إياه #الحاكم، لذا يصبح الأمر تصارعا على المكتسبات والمنافع، فيميل محامو السلطة الى محاولة تأجيل إجراءات الإصلاح، برمي الكرة في ملعب الرعية، بحجة أنه يجب البدء بأن يصلح كل فرد ذاته، فإن صلحت الرعية فلا بد أن يكون الراعي صالحا، فهو فرد من هذا المجتمع، ويحتجون بالقول: “كما تكونوا يولَّ عليكم”.
هذا الكلام صحيح نظريا، لكنه كلام حق يراد به باطل، وليس دافعه الرغبة الصادقة بالإصلاح، بل هو للتسويف، فكل حاكم يعتقد أنه رمز الصلاح، وأنه لا يزلُّ ولا يطغى، قوله حكمة وفعله عدل.
قد لا يكون الحاكم في داخله مقتنعا بذلك، لكنه يبدأ بتصديق أنه كذلك، لكثرة المتزلفين والمنافقين من حوله، فهؤلاء يزينون أفعاله، ويبررون زلاته، ويتسترون على أخطائه.
عندها يبدأ الفساد، إذ مقابل خدماتهم هذه ينالون منه العطايا، وتوسد إليهم المناصب التي لا يصلحون لها، ويستبعد المخلصون والأكفاء، فتتردى الأحوال العامة، وتتفاقم الأمور عندما يستغل هؤلاء المقربون الفاسدون مراكزهم ونفوذهم لمصالحهم الفردية، فتسوء الأحوال الإقتصادية، وتصبح الأحوال المعيشية عصيبة.
لقد سأل أبو جعفر المنصور الفيلسوف “ابن المقفع” عن سبب تغير الزمان وفساد النفوس عما كانت عليه الأحوال في بداية الدولة الإسلامية، فأجابه برسالة تعتبر مرجعاً في الإصلاح السياسي بدأها بقوله: “أما سؤالكم عن الزمان فإن الزمان هو الناس”.
وقد حدد مسار الدولة الإسلامية، في أنها تمر بأربعة أزمنة حضارية: أفضلها الزمن الأول وهو “ما اجتمع فيه صلاح الراعي والرعية”، ويليه في الأفضلية الزمن الثاني وهو “أن يصلح الإمام نفسه ويفسد الناس”، وبعدهما الزمان الثالث الذي يتميز بـ”صلاح الناس وفساد الوالي”، أما الزمان الرابع فإنه ” ما اجتمع فيه فساد الوالي والرعية” وهو شرُّ الزمان.
أما ابن تيمية فيحدد الصلاح بمدى الترابط بين السلطة والدين: “إن انفرد السلطان عن الدين (أي خالفه)، أو الدين عن السلطة (كفصل الدين) فسدت أحوال الناس”
هنا نفهم لماذا أنزل الله الدين للناس، فهو يمثل الآلية الأنجح الضابطة لصلاح النفوس، كما يحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
قد يبرز هنا سؤال: لماذا نجد الصلاح في الأقطار الكافرة أكثر من الأقطار المؤمنة؟.
الإجابة ترتكز على التعريف أولا: فليس أداء العبادات دليلا على الإيمان بل هي علامة ظاهرية، درجة الإيمان تتحدد بالتقوى، فمن كان يخشى الله وحسابه، وهمُّه إرضاء ربه، سواء كان المرء حاكما أم محكوما، فهو المؤمن، وهذا بالضبط ما يعنيه صلاح النفس، وذلك هو مراد الدين ومناط العبادات.
لكن كيف صلحت نفس الكافر وهو لا يتقي الله؟.
لقد أودع الله الفطرة السليمة في كل النفوس، وهي المرجعية المعيارية التي تحبب النفس بعمل الخير والبعد عن الشر، تقوى فاعليتها او تضعف بثلاثة عوامل:
1 – التوجيه التربوي، ويمثل المرحلة التأسيسية.
2 – الظروف المعيشية، وهي التي تؤثر في توجيه النفس بتعزيز قيم الصلاح أو تبعدها عنها.
3 – وأما الثالث فهو الأهم والأبلغ تأثيرا، فهو وجود الحافز والردع ويمثله الدين.
عند غير المؤمنين يتمثل الردع بالخوف من سطوة القانون لدى المحكوم، أو من التشهير أي سيف الإعلام والرقابة ان كان حاكماً لأنه يضعف فرصة بقائه في الحكم.
ولما كان هذان السلاحان فتاكين، فعقوبات القانون في الدول (غير المسلمة) رادعة وتطبق بحزم، لذا يلتزم الجميع فلا تجد أحدا يجرؤ على مخالفة قوانين الصلاح (السلامة العامة والصحة والبيئة والسير..الخ)، وليس ذلك عن صلاح ذاتي بل خوفا من العقوبة، فهو إن أمِنَها فسد، وهذا هو الفارق عن المؤمن، والذي رادعه الخوف من عقوبة الله التي لا يمكن تجنبها ولا التحايل عليها، وإذا أضفنا عليه خوفه من القانون إن طبق بواسطة حاكم صالح عادل، فعندها يصبح صلاح النفس مؤكدا.
لها وجدنا الزمن الأول عند ابن المقفع يمثل الحالة المثالية، ولذلك أيضا اشترط ابن تيمية صلاح الأمة ببقاء الارتباط بين الدين والسلطان قائما، وافتراقهما مفسدة.