«خلى الخشب ينطق بالفن».. «البشمهندس أحمد» يصنع الديكور بجذوع الأشجار
تاريخ النشر: 22nd, October 2024 GMT
ما إن تلمس يداه قطعة خشب عادية تتحول إلى تحفة فنية، وكأنه يملك سحر الصنعة، ففى أحد أركان ورشة المهندس الزراعي أحمد عبدالمنعم، تسمع الألحان تخرج من جذع شجر رُسم عليه السلم الموسيقى، وفى جزء آخر ضمن عشرات اللوحات الفنية لا بد أن ترى ذئباً وتشعر بعوائه، بينما تنظر إلى الجذع، إبداع لا حدود له بدأ من الطفولة، حيث كان «عبدالمنعم» يساعد والده فى صناعة «القويمة» كما يحكي لـ«الوطن» من داخل «متحفه الصغير».
ورشة صغيرة تقع في واحد من الأماكن العريقة بمنطقة الدرب الأحمر، يفتح المهندس أحمد عبدالمنعم بابها أمام المارة منذ الصباح، ينحت من الخيال وقصص الكرتون الشهيرة على جذع الشجر : «بدأت فى الورشة بنحت الخشب من حوالى 6 سنين، وشغلى مهندس زراعى وعامل دراسات عُليا، كنت فى القويمة الأول، وبعدين بدأت فى الرسم والنحت على جذوع الشجر».
مجهود كبير يبذله «عبدالمنعم» حتى يُخرج أحسن ما فى الجذع الميت، لتدب فيه الحياة بروح الرسمة، ففى البداية يشترى الخشب الذى يأخذ منه وقتاً فى التنظيف والترتيب، ليكون جاهزاً للرسم والنحت: «باطهرها من كل حاجة وبانضفها واللى تنفع تشتغل معايا باشتغلها، بس بتاخد مراحل علشان تظهر بالشكل اللى هى عليه دلوقتى».وحتى تنتشر التحف التى يبدع فيها يشارك فى معارض لعرضها ويشتريها هواة جمع القطع الفنية.
أسعار القطع الفنيةولكل قطعة من تحف «عبدالمنعم» سعرها الخاص الذى يُقدّره حسب المجهود الذى بذله فيها: «فيه قطع صغيرة زى اللى ممكن تبقى طفاية بـ150، وفيه قطع أكبر بـ250، وحاجات بشكل عام بتوصل 400، والرسومات كتير، فيه ميكى ماوس وبكار وتوم وجيرى، وشجرة محاوطها تعبان، وحصان، وغيرها، وهى تنفع ديكورات وممكن تتوظف بشكل تانى، ممكن تبقى شمعة أو تفضل بطبيعتها».
المصدر: الوطن
إقرأ أيضاً:
وهْمُ الكمال.. حين يصنع الصمتُ الطاغية
د. نسيمة بنت محمد المشيخية
تذكر بعض الروايات أن فرعون مصر لم يصب بمرض لسنوات طويلة، فظنَّ نفسه فوق البشر، وتمكن منه الغرور حتى قال: "أنا ربكم الأعلى".
ويُفهم غالبًا أن هذه الرواية عبرة رمزية على أن الله سبحانه قد يُمهل الظالم ويؤخر عنه الابتلاء؛ ليزداد طغيانًا ويشعر بالقوة المطلقة، ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر. وإن لم تثبت هذه الرواية نصًا، إلّا أن رمزيتها تُلهمنا بعظة بالغة: ليس كل نعمةٍ نعمةً، فدوام الصحة والقوة إذا لم يُقابل بتواضع وشكر، قد يتحول إلى استدراج خفي يقود إلى الهلاك؛ فالمرض الذي نراه ابتلاءً، قد يكون رحمة توقظ القلب، وتُعيد الإنسان إلى حجمه الحقيقي، وتمنعه من السقوط في وهم الكمال، وفرعون، كما تصوّره الرواية، لم يُبتلَ، فلم يتوقف، ولم يتفكر، ولم يتواضع… فهلك بطغيانه لا بضعفه.
هنا استوقفني المثل المصري الذي يقول: "سألوا فرعون: إيه فرعنك؟ قال: ما لقيتش حد يردني"، ويقال أيضًا بصيغة: "قال: لقيت الناس فرعنوني"، وهو مثل شعبي دارج يُستخدم للتعبير عن أن الطغيان أو التسلُّط لا يظهر فقط من فرعون نفسه؛ بل من سكوت الناس أو خضوعهم له، وهذا تحذير غير مباشر من خطورة الاستسلام؛ إذ إنَّ التاريخ لا يرحم المجتمعات، ولا الأُسر التي صنعت طُغاتها بأيديها ثم اشتكت من بطشهم.
في المجتمعات التي ينتشر فيها الظلم، لا يكون الطغيان نتاج فرد واحد فقط؛ بل هو انعكاس لبيئة اجتماعية تسمح له بالنمو والتمدد. وهناك 3 حقائق رئيسية تشرح كيف يتحوَّل الظلم إلى نظام، والطاغية إلى نتيجة طبيعية للصمت والخضوع:
السكوت على الظلم يشجع الظالم على التمادي؛ فحين يتعرض الإنسان للظلم ولا يعترض أو يُدافع عن حقه، فهو يرسل رسالة غير مباشرة بأنَّ ما حدث مقبول، أو على الأقل لن يُواجَه برد فعل. هذا السكوت يُشجع الظالم على التوسع في ظلمه، ويجعله أكثر جرأة وعدوانًا وبمرور الوقت، يصبح هذا الظلم أمرًا مألوفًا ومقبولًا اجتماعيًا، ويكفّ النَّاس عن مقاومته، مما يُنتج دورة مفرغة من التسلط والرضوخ. الخوف أو التملق قد يُحوّل الفرد إلى طاغية؛ إذ لا يُولَد الفرد طاغية؛ بل يتحول إلى طاغية عندما يُحاط بأشخاص يخافون منه أو يتملقونه بدافع المصلحة فالمديح الزائف، وكتم النقد، وتزيين الواقع، كل ذلك يغذي غرور الفرد ويبعده عن نبض الناس، ومع مرور الوقت، يفقد هذا القائد القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ، ويبدأ في تصديق أنه فوق المساءلة، فيتمادى في الاستبداد. الطغيان لا ينشأ من شخص واحد؛ بل من بيئة تسمح له بالتمدد. الطغيان ليس مرضًا شخصيًا، بقدر ما هو نتيجة خلل جماعي فالبيئة التي تفتقر إلى مؤسسات رقابية، والتي يُقصى فيها صوت العقل، وتُكبت فيها حرية التعبير، هي تربة خصبة للطغاة، حين يسود الخوف على الحرية، والتبعية على المشاركة، ويتحول المجتمع إلى مساحة مفتوحة للسلطة المطلقة، ويصبح الطغيان نظامًا لا فردًا فقط.وتأثير الطغيان لا يتوقف على الطاغية وحده؛ بل يُدمّر المجتمع بأكمله؛ حيث إنه يزرع الخوف بدل الثقة؛ حيث فيسكت المظلوم، ويتكلم المنافق، وتُكافأ السلبية، ويقتل روح المبادرة؛ إذ يخشى الناس الإبداع أو النقد، فتجفّ منابع التطور. كما إن الطغيان يُفسد القيم؛ فيُمدَح الخنوع، ويُهاجم الصدق، ويضيع الحق. أيضًا الطغيان يُقسِّم المجتمع، من خلال زرع الشك والتخوين، وتفكيك وحدة الناس، علاوة على أنه يُطفئ الأمل، حين يُكافأ الظالم ويُقمع الشريف، يفقد الناس إيمانهم بالتغيير.
وهكذا، لا يقتل الطغيان شخصًا واحدًا؛ بل يُخنق به وطنًا بأكمله، ومن الواجب والحصن الأول ضد أي طغيان إذا كان ينمو في بيئة من الخوف والصمت، فإن الوعي هو الجدار الأول الذي يَحول دون تمدده.
الواجب الأساسي على المجتمع دعم مؤسسات الرقابة والمساءلة في كل وقت وحين وتفعيل دوره، والواجب الشخصي على كل فرد في المجتمع رفض الظلم بكل اشكاله، وإعلاء العدالة، وتجنب تمجيد الظالم والسعي لإعادته إلى حجمه الحقيقي، ولا يعود الإنسان إلى حجمه الحقيقي إلا بإدراك الضعف والمحدودية وأنه عابر في هذه الحياة؛ ليفهم أنه فَانٍ لا خالد، بالتنشئة الوالدية على التواضع لا الغرور؛ فالعظمة الأساسية في الأخلاق لا في السلطة، بالرقابة المستمرة والمحاسبة فالعقوبة تردع الغرور وتعيد الإنسان إلى الواقع، بزرع الوعي لا الخوف، وبالإيمان الحقيقي؛ فالسجود لله يُسقط وهم الألوهية الذاتية، فحين يعرف الإنسان حجمه وقدره ويفهم نفسه لا يطغى، ولا يتعالى، ولا يهلك بكبره، فالطغيان لا يُولد فجأة، بل يُربّى بصمت الناس، ويكبر بخوفهم، ويتضخم بتواطؤهم.
وأخيرًا.. إنَّ مقاومة الظلم تبدأ بكلمةٍ، بموقفٍ، باعتراضٍ، وبناء مؤسسات تحمي الحق وتكبح الطغيان، ولنعلم أن حفظ كل فرد ضميرَه، حُفظٌ للوطن.