القدس المحتلة– حمل الهجوم الإسرائيلي على العديد من المنشآت العسكرية الإيرانية فجر السبت، والذي أتى بعنوان "أيام الحساب"، في طياته رسائل لطهران ولدول الإقليم، وجاء بطريقة تسمح لإيران بإغلاق ملف الضربات المتبادلة، بحسب محللين إسرائيليين.

ويُعد الهجوم الإسرائيلي على إيران الذي شمل 20 موقعا عسكريا بمشاركة 100 مقاتلة حربية، بحسب القراءات العسكرية والسياسية، محاولة من إسرائيل للتعتيم على خسائرها نتيجة لاستمرار حربها على غزة ولبنان، من دون تسوية سياسية أو حسم للحرب.

وركز الهجوم الإسرائيلي على منشآت إيرانية لإنتاج الصواريخ والطائرات من دون طيار، وهو ما يعكس سباق التسلح الذي يدور بين الجانبين خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث ضاعفت الصناعة الإيرانية إنتاجها، بهدف التغلب على أنظمة الاعتراض الإسرائيلية واستنزافها، وهذا أحد أسباب القرار الأميركي بتعزيز الدفاع الإسرائيلي بأنظمة صاروخية من نوع "ثاد".

ومع ذلك، حتى لو اختارت طهران عدم الرد العسكري هذه المرة، يرى محللون إسرائيليون أن ذلك لا يمثل بالضرورة نهاية لتبادل الضربات بين الطرفين، فإسرائيل وإيران غارقتان في حرب إقليمية تدور رحاها بشكل متقطع وبدرجات متفاوتة من الشدة، بسبب المسافة الشاسعة بينهما أيضا.

وإضافة للضربات المتبادلة، ثمة خطر أكبر من وجهة النظر الإسرائيلية، حيث لا يستبعد المحللون أن تستغل إيران الصراع المباشر مع إسرائيل من أجل اتخاذ قرار نهائي من قبل النظام بإنتاج قنبلة نووية.

استعراض القدرات

وفي قراءة لدلالات الضربة التي وجهتها إسرائيل إلى إيران، يعتقد المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل أن الرسالة الأساسية من الغارات التي شنها الطيران الإسرائيلي على مواقع عسكرية إيرانية هو توجيه رسالة لطهران لردعها عن مهاجمة العمق الإسرائيلي في المستقبل، وأيضا إظهار القدرة الهجومية الإسرائيلية البعيدة المدى لدول الشرق الأوسط والعالم.

وأوضح المحلل العسكري أن الغارة هدفت إلى تحقيق شيئين:

استعراض القدرات الهجومية الإسرائيلية. وتجريد إيران من قدرتها على الإنتاج العسكري والصاروخي. وبرأي المحلل، سعت إسرائيل لإغلاق الحساب والرد على الهجوم الصاروخي الباليستي الإيراني على أراضيها في الأول من أكتوبر/تشرين الأول، على أمل ألا تختار إيران مواصلة تبادل الضربات.

وفي الوقت نفسه، يضيف المحلل العسكري أن إسرائيل تستعد للاستمرار في مهاجمة إيران في المستقبل في حال ردت على غارات السبت، في مؤشر على أن الهجمات الإسرائيلية لم تكن ذات فعالية كبيرة ولم تسبب أضرارا كبيرة ولم تطل المنشآت الإستراتيجية والبنية التحتية النفطية.

هروب للأمام

و"التهديد الذي تشكله إيران كبير وجوهري" كما يقول هرئيل، "وعليه فمن الملائم لحكومة بنيامين نتنياهو الهروب إلى الأمام والتركيز على ما يحدث في طهران، بغية حرف الأنظار وتحويل النقاش عن الفخ الإستراتيجي الذي علقت به إسرائيل في لبنان وغزة، على الرغم من الإنجازات العملياتية التي حققها الجيش".

وبشأن سيناريو الرد الإيراني، قال المحلل العسكري إن "إيران لم ترد على الفور على الهجمات الإسرائيلية، وهو ما يضع الحكومة الإسرائيلية في حالة توتر وإرباك. فالهجومان الإيرانيان السابقان، في أبريل/نيسان وأوائل أكتوبر/تشرين الأول الجاري، جاءا في رد متأخر على العمليات الإسرائيلية، وسبقتهما فترة من المداولات لقادة النظام الإيراني".

ويضيف أن إسرائيل طورت بالفعل قدرة هجومية طويلة المدى، "لكن عرض القدرات يحدث في مرحلة متأخرة جدا من المشروع الإيراني. فلدى طهران كثير من المواقع البديلة والمحمية تحت الأرض لحفظ مخزونهم من اليورانيوم المخصب والمكونات الأخرى للمشروع النووي، حتى إن قصف المواقع أو قتل مزيد من العلماء النوويين لن يؤدي إلى تعطيل المشروع بالكامل".

إغلاق الحساب

من ناحية أخرى، يعتقد محلل الشؤون العسكرية والأمنية في الموقع الإلكتروني لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية رون بن يشاي أن المواقع العسكرية الإيرانية التي استهدفت بالضربة الإسرائيلية، والضرر الذي لحق بنظام الدفاع الجوي، سيجعل إيران تفكر مرتين قبل الهجوم مرة أخرى على إسرائيل.

وأوضح بن يشاي أن إسرائيل نسقت الهجوم والأهداف الإيرانية بالكامل مع واشنطن التي لم تشارك بشكل مباشر وفعال بالهجوم، لكن كانت لها مساهمة كبيرة وغير مباشرة في "نجاح" عملية "أيام الحساب"، وهو مؤشر على أن واشنطن ستكون فعالة أكثر في المستقبل بحال قررت طهران مهاجمة إسرائيل.

وعلى أي حال، يقول بن يشاي إن "إسرائيل والولايات المتحدة، اللتين تقومان بالتنسيق بينهما، أبلغتا طهران من خلال الغارات الإسرائيلية أنه من الممكن إغلاق الحساب، والكفّ عن تبادل الضربات، وأن هجوم الليلة كان محدودا ويهدف عمدا إلى السماح للإيرانيين بإغلاق الحساب، وهو مؤشر بأن إسرائيل ليست لديها مصلحة في مواصلة تبادل الضربات".

الانتخابات الأميركية

وخلافا للرسائل التي تسعى إسرائيل لإيصالها بأنها غير معنية بمواصلة تبادل الضربات، يعتقد رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الأسبق تمير هايمن أن الهواجس الإسرائيلية حيال المخاطر التي تشكلها إيران لم تتبدد، وعليه فإن الغارات فجر السبت هي تمهيد ربما لهجمات أوسع وأكبر قد تستهدف المشروع النووي الإيراني.

وأوضح هايمن أن إسرائيل "استهدفت القدرات العسكرية الإستراتيجية لإيران ومهدت الطريق لضربات مستقبلية"، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن الزعيم الإيراني يواجه معضلة صعبة إثر الهجوم الأخير، فغياب الرد يعني الضعف، في حين أن الرد سيسمح لإسرائيل بإلحاق الضرر بها، "خصوصا أن حزب الله بدا ضعيفا ولا يشكل تهديدا يقيد تحركات إسرائيل وعملياتها العسكرية"، على حد تعبيره.

ويقول هايمن إن ثمة نقطة أخرى أخذت بالاعتبار خلال مهاجمة إيران، وهي الانتخابات في الولايات المتحدة، ففي غضون أسبوعين سيدخل الرئيس الأميركي فترة انتقالية، وسيكون أكثر حرية في التصرف، والاعتبارات بشأن إسرائيل وإيران ستتغير، "وعليه فإن الولايات المتحدة خلال هذه الفترة يمكنها مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الإسرائیلی على المحلل العسکری تبادل الضربات أن إسرائیل

إقرأ أيضاً:

الصحافة الإسرائيلية: كيف تبدو إسرائيل بعد 12 يوما من الضربات الإيرانية؟

تناولت صحف إسرائيلية عدّة حال البلاد بعد الحرب التي استمرت 12 يومًا مع إيران، متوقفة عند دلالة أن يُلقى على الإنسان طنّ من المتفجرات، وكيف فقدت إسرائيل السيطرة على مسار الحرب التي لم تنتهِ بعد في غزة.

وقد تناولت صحيفة "هآرتس" الموضوع في تقريرين مختلفين، ركز أولهما على نظرة الإسرائيليين للحرب بعد ما عايشوه من قصف إيراني، في حين ركز الثاني على مدى إمكان التوصل إلى اتفاق نووي، وعلى التنازلات التي يمكن أن يقدمها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في هذا السياق.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2نيويورك تايمز: هل تثني الضربة الأميركية لإيران دولا أخرى عن امتلاك القنبلة؟list 2 of 2نيويورك تايمز: هل الضربة النووية الأميركية لإيران رادعة للآخرين أم محفزة لهم؟end of list

ومن ناحيتها، ركزت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" اهتمامها على ما حققته إسرائيل من حملتها العسكرية على إيران، دون أن تنسى كيف وجد نتنياهو نفسه فجأة هدفا لغضب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وفقد تحكمه بمسار الحرب.

قتلى ومصابون إثر سقوط صواريخ إيرانية في إسرائيل (مواقع التواصل)

أما موقع "+972" فرأى أن الإسرائيليين الذين أثارت لديهم الصواريخ الإيرانية قلقا وجوديا، سيظل شعورهم المحطم بالحصانة ملازما، حتى لو صمد وقف إطلاق النار.

حان وقف الحروب

وقالت هآرتس إن الوقت حان للتوقف والنظر إلى المدنيين الذين يدفعون الثمن، لإدراك أنه آن للحروب التي ابتليت بها منطقة الشرق الأوسط أن تتوقف، مشيرة إلى أن الإسرائيليين اعتادوا حلقات متكررة من صفارات الإنذار، ووقف إطلاق النار، لكن الحرب مع إيران بدت لهم مختلفة.

وأوضحت الصحيفة -في تقرير بقلم شيرين فلاح صعب- أن أول صاروخ إيراني لم يصب قلب تل أبيب فحسب، بل أصاب أيضا صمود الإسرائيليين الجماعي، ليدركوا أن إسرائيل ليست بمنأى عن القصف، وليروا بشاعة الحرب والثمن الذي يدفعه المدنيون الأبرياء في الصواريخ التي تسقط على رامات غان وطمرة ومدن أخرى.

وذكر الكاتب أن الصواريخ الإيرانية ضيقت الفجوة بين إسرائيل وغزة بشكل وحشي، حتى إن صور الدمار من تل أبيب ورامات غان أصبحت تذكر بصور بيت لاهيا ومدينة غزة، حتى يفهم المرء ما يعنيه أن يُلقى عليك طن ونصف من المتفجرات.

إعلان

وخلص الكاتب إلى أن إسرائيل لو نظرت إلى غزة، لا من خلال وعود "النصر الكامل" والاعتبارات الأمنية، بل من خلال عيون طفل محروم من الحماية، أو أم عاجزة عن حماية أطفالها، لربما طورت فهما أخلاقيا أعمق للعواقب المدمرة لاستمرار الحرب.

اندلاع الحرائق بعد سقوط الصواريخ الإيرانية على حيفا (مواقع التواصل الاجتماعي) توازن ردع جديد

وفي مقال آخر قلم عاموس هرئيل، ذكرت الصحيفة أن غزة ما دامت جرحًا داميًا ومؤلمًا، ستظل تكلف إسرائيل ثمنا باهظا بسبب عدم رغبة نتنياهو في السعي لإنهاء الحرب هناك، محاولا الترويج لقصة جديدة عن نصر شامل على الجبهة الإيرانية، لتبقى غزة مع الرهائن والقتلى، وحملة عسكرية عبثية تزهق أرواح العديد من المدنيين الفلسطينيين دون أن تنهي الصراع.

وتساءلت الصحيفة، إذا صمد وقف إطلاق النار، فهل تستطيع الولايات المتحدة التوصل إلى اتفاق نووي أكثر صرامة مع إيران، وهل وافق نتنياهو على تقديم تنازلات في غزة؟

وذكر الكاتب أن إعلان وقف إطلاق النار جاء صباح الثلاثاء بروحِ وأسلوب ترامب الذي قال "جاءتني إسرائيل وإيران في وقت واحد تقريبا، وقالتا: سلام! … ستشهد كلتا الدولتين حبا وسلاما وازدهارا هائلا في مستقبلهما".

لو نظرت إسرائيل  إلى غزة، لا من خلال وعود "النصر الكامل" والاعتبارات الأمنية، بل من خلال عيون طفل محروم من الحماية، لربما طورت فهما أخلاقيا أعمق للعواقب المدمرة لاستمرار الحرب

وأعرب ترامب عن غضبه من التهديد بمهاجمة إيران، وحث إسرائيل على "إعادة طياريها إلى الوطن فورا"، وهاجم إسرائيل علنا على غير عادته، قائلا "لست راضيا عنهم. لست راضيا عن إيران أيضا، لكنني مستاء حقا إذا خرجت إسرائيل هذا الصباح"، مشيرا إلى أن كلا البلدين انتهكا وقف إطلاق النار.

ومع ذلك رأى الكاتب أن القصف لم يعق البرنامج النووي الإيراني فحسب، بل أسس أيضا لتوازن ردع جديد، حيث أدرك النظام في طهران أنّ استثماره مئات المليارات من الدولارات في برامجه النووية والصاروخية، وفي دعم المنظمات في جميع أنحاء الشرق الأوسط، قد فشل.

ومن جانبه، أصدر نتنياهو بيانا مفصلا أعلن فيه زوال "التهديد الوجودي المزدوج الفوري النووي والباليستي"، وأن الحرب انتهت بعد أن حققت إسرائيل جميع أهدافها، وحذر من رد قوي على أي انتهاكات إيرانية.

وختم عاموس هرئيل بأن ترامب، هو الآخر لم يتخل عن حلمه بتحالف إقليمي جديد، يضم إسرائيل ودول الخليج السنية، ربما يكسبه أيضا جائزة نوبل للسلام.

هدف لغضب ترامب

أما صحيفة تايمز أوف إسرائيل، فركزت -في تحليل بقلم لازار بيرمان- على النتائج،  واستغربت كيف وجد نتنياهو نفسه فجأة هدفا لغضب ترامب بعد الضربات الأميركية على إيران، منبهة إلى أن برنامج طهران النووي تراجع، ولكن ليس إلى الأبد.

نتنياهو (يمين) وجد نفسه فجأة هدفا لغضب ترامب  (الجزيرة)

وأشار الكاتب إلى أن ترامب عندما هنأ كلا البلدين في بيانه لوقف إطلاق النار على "صمودهما وشجاعتهما وذكائهما"، كان من الصعب الجزم بأن أحدهما أقرب حليف لبلاده في الشرق الأوسط، والآخر عدو لدود.

ألقى ترامب باللوم على كلا البلدين لانتهاك وقف إطلاق النار وقال "لدينا في الأساس دولتان تتقاتلان منذ فترة طويلة وبشدة لدرجة أنهما لا تعرفان ما تفعلانه".

وخلص لازار بيرمان إلى أن نتائج هذه العملية ستعتمد من الآن فصاعدا على ترامب الذي تعهد بأن إيران لن تحصل على سلاح نووي في عهده، ولكن الإيرانيين يدركون أن البيت الأبيض سيستقبل رئيسا جديدا بحلول عام 2029، وقد تجد إسرائيل نفسها تواجه قرارات متجددة بشأن البرنامج النووي الإيراني.

إعلان

وفي نفس السياق، خلص موقع +972 إلى أن إعلان نتنياهو أن إسرائيل "أزالت تهديدا وجوديا" بهجماتها على إيران، لا يعني أن "الروتين" الذي يعود إليه الإسرائيليون لم يعد حروبا دائمة، حيث يواصل جيشهم إحداث كارثة في غزة.

وختم أورين زيف تقريره للموقع بأن نهاية صواريخ إيران قد تعيد شعور الإسرائيليين بالأمان، ولكن شعورهم السابق بالحصانة سيستغرق وقتا أطول بكثير قبل العودة.

مقالات مشابهة

  • محللون إسرائيليون: هذا ما يجعل جنودنا صيدا سهلا في غزة
  • الصحافة الإسرائيلية: كيف تبدو إسرائيل بعد 12 يوما من الضربات الإيرانية؟
  • مفكر سياسي: الهجوم الإسرائيلي على إيران يعكس حالة من الغموض الشديد
  • مفكر سياسي: الرد الإيراني أهان الهيمنة الإسرائيلية رغم عشوائيته
  • العرابي: إيران اكتسبت قوة ليست فى نفس الوضع التي كانت إسرائيل تستهين به من قبل العمليات العسكرية
  • وزير الصحة الإيراني: مقتل 606 أشخاص منذ بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية
  • الرئيس الإيراني لأمير قطر: نأسف للأضرار التي سببها الهجوم على قطر
  • الاحتلال الإسرائيلي يشدد الرقابة العسكرية على الإعلام عقب الضربات الإيرانية
  • ‏الطائرات الإسرائيلية تقصف "ساعة فلسطين" التي كانت تؤشر إلى "العد العكسي لتدمير إسرائيل" عام 2040 وفقا للسلطات الإيرانية
  • بين التكتيك والاستراتيجية... أين تقف إسرائيل بعد الضربات التي تلقتها إيران؟