عربي21:
2025-06-16@13:13:48 GMT

العلاقات السورية التركية.. العراق يتدخل وروسيا تعلق

تاريخ النشر: 7th, November 2024 GMT

العلاقات السورية التركية.. العراق يتدخل وروسيا تعلق

يعد التطبيع بين تركيا وسوريا في الفترة الأخيرة خطوة في سياق التحولات السياسية والإقليمية، فبعد سنوات من القطيعة بسبب النزاع السوري والحرب الأهلية التي مزقت البلاد، شهدت العلاقات بين البلدين تحسنًا تدريجيًا بدءًا من 2022.

ونشرت صحيفة "إزفيستيا" الروسية تقريرًا تحدثت فيه عن دعم روسيا مساعي العراق بخصوص لعب دور الوسيط في تطبيع العلاقات السورية التركية.



وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن وجود القوات التركية في المحافظات الشمالية من سوريا وعدم تقديم أنقرة ضمانات بانسحابها يظل العائق الرئيسي الذي يمنع انطلاق المفاوضات.


وساطة للتطبيع بين سوريا وتركيا
ونقلت الصحيفة عن سفير روسيا لدى العراق ألبروس كوتراشيف أن روسيا تدعم العراق كمنصة لاستعادة العلاقات بين سوريا وتركيا. وقد أشار كوتراشيف إلى أنه فيما يتعلق بالملف السوري، ترحب روسيا بجهود أي دولة، بما في ذلك في سياق التطبيع بين سوريا وتركيا.

وأضاف كوتراشيف أن موسكو تؤيد اعتماد العراق كمنصة للمفاوضات معربة عن استعدادها لتقديم المساعدة في هذه المبادرة إذا لزم الأمر. في المقابل، لم يبدِ الجانب التركي استعداده لتقديم ضمانات بشأن انسحاب قواته من سوريا. بخصوص هذا قال كوتراشيف: "إلى أن يتم حل هذه المشكلة الرئيسية، باعتبارها الخطوة الرئيسية نحو التطبيع، من السابق لأوانه الحديث عن أي منصة".

وفي الثالث من تشرين الأول/أكتوبر، قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في مقابلة مع صحيفة حريت، إن أنقرة لم تلاحظ بوادر استعداداً لتحسين العلاقات من جانب الرئيس السوري بشار الأسد.

ونقلت الصحيفة عن مصدر رفيع المستوى أن منصة أستانا يمكن أن تشكل الأساس للتطبيع السوري التركي، مشيرًا الى استعداد سوريا وتركيا لمناقشة الحلول التوافقية.

انهيار العلاقات السورية التركية
وذكرت الصحيفة أنه بعد انطلاق الحرب السورية سنة 2011، سعت تركيا إلى مواصلة الحوار مع الحكومة السورية والحفاظ على الاتصالات الثنائية. واعتبرت أنقرة الربيع العربي فرصة لتعزيز نفوذها في المنطقة. لكن ساهم قمع قوات الحكومة السورية الاحتجاجات السلمية في حماة في آب/أغسطس 2011 في تغيير موقف القيادة التركية بشكل كبير. وفي أيلول/ سبتمبر من نفس السنة، أعلن أحمد داود أوغلو، الذي كان آنذاك وزيراً للخارجية التركية، تعليق جميع الاتفاقيات التجارية وغيرها من الاتفاقيات مع سوريا. ومنذ ذلك الحين، اتبعت القيادة التركية مساراً للإطاحة ببشار الأسد.

ومن أجل تحقيق هذه الغاية، دعمت تركيا الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة. لكن، منذ سنة 2016، انطلقت في مراجعة سياستها الخارجية تجاه سوريا بسبب تغير الوضع على الجبهة لصالح القوات السورية وتصاعد خطر تعزيز النفوذ الكردي في شمال شرق البلاد. في محاولة منها للتصدي لذلك، نفذت تركيا عدة عمليات عسكرية كبرى في شمال سوريا لمنع إنشاء جيب كردي على طول حدودها. وفي الوقت الحالي تنتشر القوات التركية في إدلب وعفرين ومدينة الباب والمنطقة الفاصلة بين تل أبيض ورأس العين. من جانبها، تفسر أنقرة وجودها العسكري في سوريا برغبتها في حماية القوات المعارضة ومحاربة وحدات حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية المرتبطة به والمدعومة من قبل الولايات المتحدة.


الحوار بين دمشق وأنقرة آخذ في التحسن
وأفادت الصحيفة أن أنقرة أبدت مؤشرات عن استعدادها للتفاوض مع السلطات السورية. وعليه، انطلقت في السنوات الأخيرة عملية تطبيع العلاقات بين الجانبين. وبناء عليه، جرى في سنة 2022 أول اتصال رسمي بين الممثلين السوريين والأتراك منذ 10 سنوات. بعد ذلك، احتضنت موسكو اجتماع ضم وزيري دفاع ورئيسي استخبارات كل من سوريا وتركيا.

وفي سنة 2023، نُظم في روسيا اجتماع على مستوى وزراء الخارجية. تسعى روسيا من خلال محاولة إقامة حوار بين تركيا وسوريا إلى إخراج حليفها في الشرق الأوسط من مأزق العزلة الإقليمية.

وفي صيف 2024؛ كشف الرئيس التركي عن عمل وزير خارجيته هاكان فيدان على إعداد خطة لتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق. ردا على ذلك، ذكرت وزارة الخارجية السورية أن التطبيع ينبغي أن يرتكز على العودة إلى الوضع الذي كان قائما قبل سنة 2011. من جانبه، أعرب الأسد عن استعداده للقاء نظيره التركي إذا كان ذلك يخدم المصالح الوطنية السورية.

وتنقل الصحيفة عن الخبير السياسي السوري عمر رحمون أن التطبيع بين الدول يعوقه وجود أطراف في تركيا تدعم فكرة الحفاظ على السيطرة العسكرية على شمال سوريا. من بين هذه الأطراف وزير الدفاع يشار غولر ورئيس المخابرات إبراهيم قالين.

وفي تموز/ يوليو سمح أردوغان باتخاذ "خطوات إضافية" من طرف أنقرة لإحلال السلام في سوريا. وبعد ذلك أشار أردوغان إلى إمكانية دعوة بشار الأسد صحبة فلاديمير بوتين إلى اجتماع ثلاثي لبدء عملية التطبيع.

ونسبت الصحيفة إلى الباحث في مركز سيتا كوتلوهان جوروجو أن النهج الذي يتبعه النظام السوري لا يعكس بالضرورة الرغبة في الجلوس على طاولة المفاوضات مع تركيا. يلغي الوضع القائم والتهديدات التي تواجهها تركيا من سوريا على رأسها حزب العمال الكردستاني والميليشيات الشيعية وتنظيم الدولة واللاجئين، إحتمالات انسحاب القوات التركية من سوريا.

وبحسب جوروجو فإن مشاكل حزب العمال الكردستاني واللاجئين السوريين مسألة حساسة بالنسبة لتركيا. ويرجح جوروجو إمكانية تحقيق تقدم في المفاوضات في حال وجود قيادة في سوريا تقدم المساعدة باستمرار لتركيا في معالجة هذه القضايا.

من جانبه، يرى الخبير السوري محمد نادر العامري أن استعادة العلاقات يتطلب أيضًا من الجانب التركي اتخاذ خطوات من شأنها تعزيز ثقة القيادة السورية مثل وقف دعم التنظيمات المعارضة لدمشق وإعلان أو بدء سحب القوات من الأراضي السورية.


دور روسيا في التطبيع السوري التركي
وأوضحت الصحيفة أنه في الثاني من آب/أغسطس أعلن نائب رئيس المركز الروسي للمصالحة بين الأطراف المتحاربة في سوريا، أوليغ إغناسيوك، عن إنشاء قاعدة عسكرية روسية سورية مشتركة في عين العرب تماشيا مع إجراءات مراقبة وقف إطلاق النار بين الأطراف المتحاربة.

رحبت أنقرة بهذه الخطوة، التي اعتبرتها وزارة الدفاع التركية بمثابة إضعاف لنفوذ قوات سوريا الديمقراطية. في الوقت نفسه، استأنفت الدوريات الروسية التركية المشتركة في شمال سوريا للمرة الأولى منذ أيلول/ سبتمبر 2023.

ويشير عمر رحمون إلى محاولة روسيا دفع المفاوضات إلى الأمام ودخول تركيا في مناورة ومساومة مع روسيا والولايات المتحدة.

ويرى محمد نادر العامري أن روسيا تحاول تطبيع العلاقات السورية التركية في إطار صيغة أستانا منذ أكثر من خمس سنوات، العامل الذي من شأنه المساعدة في حل الأزمة السورية، لا سيما في ظل النفوذ الذي تتمتع به تركيا على المعارضة السورية.

وعليه؛ سيخول نجاح موسكو بشكل مباشر أو غير مباشر في عملية استعادة العلاقات السورية التركية، حل الأزمة في سوريا المتعلقة في المقام الأول بالمسائل الأمنية وحتى بالمجال الاقتصادي.

وفي ختام التقرير تنقل الصحيفة عن نادر العامري أن روسيا تحاول التغلب على العقبات وتوحيد مواقف الطرفين لأن التطبيع السوري التركي سيدفع الولايات المتحدة إلى سحب قواتها من سوريا وسيدفع بالعملية السياسية ما من شأنه التأثير بشكل إيجابي على الوضع داخل البلاد.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة دولية تركيا روسيا العراق سوريا العراق سوريا تركيا روسيا التطبيع بين تركيا وسوريا المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العلاقات السوریة الترکیة العلاقات بین سوریا وترکیا الصحیفة عن من سوریا فی سوریا

إقرأ أيضاً:

منها إف بي في.. كيف تمكنت المسيرات من إسقاط هيبة السماء في إيران وروسيا؟

قال المنظّر العسكري جولييو دوهيه: "السيطرة على السماء تعني النصر؛ والهزيمة في السماء تعني الهزيمة الكاملة". وقد ترجمت هذه الفكرة ميدانيًا في الخامس من يونيو/حزيران 1967، حين استيقظت مصر على وقع ضربات جوية إسرائيلية حاسمة دمّرت أكثر من 300 طائرة وهي لا تزال جاثمة على مدارجها. خلال ساعات، انهار سلاح الجو المصري، وحُسمت الحرب في الجو قبل أن تبدأ على الأرض. كان الدرس قاسيًا: من يملك السماء، يملك زمام المعركة.

لكن وبعد أكثر من 5 عقود وبالتحديد في 13 يونيو/حزيران 2025، انطلقت مسيرات إسرائيلية صغيرة الحجم من داخل إيران نفسها. هذه المرة لم يكن الهدف مدرجات المطارات الإيرانية وإنما مواقع عسكرية حساسة في العاصمة طهران. لم تكن هذه الطائرات من طراز ميراج أو حتى "إف- 35" (F-35)، ولم تُطلق من مدرجات ضخمة، بل كانت طائرات مسيّرة صغيرة من نوع هاروب (Harop) وبمساعدة الموساد.

ما جرى في طهران لم يكن فقط ضربة دقيقة، بل إعلانًا عن تحول جذري في موازين القوة الجوية: السماء لم تعد حكرًا على الجيوش وسلاح الجو.

قبل ذلك بأسبوعين قامت القوات الأوكرانية عن طريق أسراب مسيرات صغيرة انطلقت من أسقف شاحنات زرعت داخل روسيا لتضرب طائرات روسية وهي جاثمة على مدرجات المطار في محاكاة واضحة لضربة إسرائيل في 67 وتسبب خسائر كبيرة للدب الروسي سميت العملية (بشبكة العنكبوت)، برغم الشبه الكبير بين المشهدين في تأثيره إلا أن التكتيك والأسلوب اختلف بعد عقد من الزمان يظهر أن كلمة السر فيه هي تكنولوجيا المسيرات وخصوصا مسيرات "إف بي في" (FPV).

إعلان طائرات الإف بي في (FPV): من لعبة هوائية إلى رأس حربي ذكي

تُعرف طائرات الإف بي في (FPV) وهي اختصار لمشهد من منظور الشخص الأول (First Person View) بأنها طائرات مسيّرة صغيرة تُوجّه عبر بث حي يُنقل إلى الطيار بواسطة نظارات واقع افتراضي، ما يمنحه تحكمًا مباشرًا وكأنه داخل الطائرة. وقد كانت تُستخدم أساسًا في سباقات الطيران والمغامرات الجوية ولدى هواة التصوير، لكن التطورات التقنية الأخيرة حولتها إلى أداة حرب.

المكونات الأساسية لطائرات الإف بي في الهيكل (Frame) مادة الصنع في العادة كربون فايبر لخفتها ومتانتها، ولا يتعدى حجمها غالبًا 3 إلى 7 إنشات (قياس الأذرع والمحركات) كما تتميز بتصميم مفتوح وقابل للتعديل والإصلاح بسرعة. المحركات (Motors) عادة من نوع برشليس  (Brushless Motors) الذي يوفر سرعة   بين 2200KV إلى 2800KV وهو ما يمنح الطائرة قدرة عالية على المناورة والانقضاض بسرعة. المتحكم الإلكتروني في السرعة (ESC) وهو يتحكم بتوزيع الكهرباء للمحركات. ومزود عادة بتقنيات تحمي من الحرارة الزائدة أو فقدان الاتصال. وحدة التحكم بالطيران (Flight Controller) وهي عقل الطائرة ومزودة بجيروسكوب (Gyro) ومستشعرات لتوازن الحركة. أنظمة التشغيل الشائعة: آردو بايلوت (Ardupilot) آي ناف (iNav) و بيتا فلايت (Betaflight). البطارية (Battery) نوع ليبو LiPo (ليثيوم بوليمر) والتي تمنح  بين 3 إلى 8 ساعات طيران بحسب الحمولة. كاميرا تركّب في مقدمة الطائرة تنقل بثًا مباشرًا للطيران عبر ترددات خاصة (2.4GHz أو 5.8GHz) بدقة تتراوح بين إس دي (SD وإتش دي (HD). جهاز إرسال الفيديو (VTX) يبث إشارة الكاميرا إلى نظارات الطيار. قابل لتعديل قوة الإشارة (25mW إلى 800mW عادةً). جهاز استقبال التحكم (Receiver) يلتقط أوامر الطيار من وحدة التحكم الأرضية (RC) ويعمل ضمن بروتوكولات شهيرة. نظارات الواقع الافتراضي (FPV Goggles) يتابع بها الطيار الرحلة وكأنه داخل الطائرة مزودة بجهاز استقبال فيديو، وبعض النماذج تدعم الواقع المعزز أو بث عال الجودة. أما الطائرات الحربية منها فتزود بحمولة هجومية (رأس حربي) وهو عبوة صغيرة تُركّب يدويًا في المقدمة تُصمم غالبًا للتفجير الذاتي عند الاصطدام (أسلوب الكاماكازي kamikaze). إعلان

المثير في هذا النوع من المسيّرات أنه يمكن صناعتها وتجهيزها في المنازل باستخدام أدوات متوفرة في الأسواق، وبعضها لا يتجاوز سعره 300 إلى 800 دولار. مواقع مثل يوتيوب وغت إف بي في (getfpv) وأوسكار لانغ (oscarliang) تحتوي على آلاف الشروحات والدروس حول كيفية بنائها وتحسين أدائها. وتنتشر منتديات حيث يتبادل المستخدمون التصاميم والبرمجيات والأفكار.

ربما من أبرز الشركات المنتجة للمكوّنات الأساسية لطائرات "إف بي في" هي تي- موتور (T-Motor) آي فلايت (iFlight). ومن الطائرات المشهورة في السوق: جي إيه بي آر سي (GEPRC) دياتون روما (DiATone Roma) سينبوت 30 (Cinebot30)، والتي تُستخدم كنماذج طائرات يمكن تعديلها لمهام متعددة.

أما المشغّلون، فالكثير منهم ليسوا جنودًا، بل هواة طيران، ففي أوكرانيا، نشأت مدارس غير رسمية لتدريب المقاتلين على قيادة هذه الطائرات، وتحولت إلى حجر أساس في الدفاع والهجوم.

حرب العصابات 2.0: حين تصنع الطائرات في المرائب وتُطلق من الأزقة

لم تعد طائرات "إف بي في" مقتصرة على الهواة أو المهتمين بالتصوير الجوي. في حروب اليوم، أصبحت هذه الطائرات ركيزة أساسية في تكتيكات حروب العصابات، حيث تُستخدم لضرب أهداف حساسة، وتوجيه رسائل إستراتيجية، بكلفة لا تقارن بأسلحة الجيوش التقليدية.

توحي عملية "شبكة العنكبوت" التي نفذتها أوكرانيا داخل روسيا باستخدام شبكات واسعة من طائرات "إف بي في" محلية الصنع بمقدار العمل الذي كان ينسج للوصول لهذه العملية، فالمقاتلون الأوكرانيون وهم جواسيس داخل مناطق روسية أنشؤوا ما يشبه خلايا إنتاج صغيرة في المرائب والمنازل، حيث تُجهّز الطائرات وتُبرمج باستخدام تقنيات مفتوحة المصدر، ثم تُرسل إلى الخطوط الأمامية مزودة بكاميرات وأحيانًا برؤوس متفجرة.

الميزة القاتلة لهذه الطائرات أنها لا تحتاج إلى أقمار صناعية أو بنية تحتية معقدة، وإنما تحتاج طيارًا متمرّسًا، وجهاز تحكّم بسيطا، وإشارة بث مستقرة. وهي قادرة على المناورة داخل الأزقة، والطيران بارتفاعات منخفضة لتجنب الرادارات، وتفجير نفسها عند الاصطدام بالهدف.

إعلان نهاية السيادة الجوية: لماذا تقوّض "إف بي في" فلسفة سلاح الجو التقليدي؟

لأكثر من قرن، ارتبط مفهوم القوة الجوية بالطائرات النفاثة، والمدارج الضخمة، والبنية اللوجستية المعقدة. وكان بناء سلاح جو قوي يعني إنفاق مليارات الدولارات، وتدريب آلاف الطيارين، وصيانة طائرات متطورة. لكن مع دخول طائرات إف بي في إلى المعادلة، بدأت فلسفة السيطرة الجوية تتصدّع.

في الحروب التقليدية، السيطرة على السماء تتطلب تدمير دفاعات العدو، وقواعده الجوية، ثم فرض هيمنة جوية عبر طائرات بعيدة المدى. أما في الحروب الحديثة، فتكفي حقيبة صغيرة بداخلها طائرة إف بي في، وبرمجية مفتوحة المصدر، وطالب جامعي خبير بالإلكترونيات، لإسقاط دبابة أو ضرب مقر قيادة.

وهو أيضا الفرق بينها وبين المسيّرات التقليدية التي لا تزال بحاجة إلى قواعد متقدمة، ومسارات طيران واضحة، ودعم استخباراتي كبير. أما إف بي في، فتعتمد على لامركزية كاملة. كل طيار يصبح وحدة مستقلة. كل بيت يمكن أن يكون مصنعًا. كل شارع قد يخفي مطارًا افتراضيًا.

ولعل أخطر ما في هذه التكنولوجيا هو قدرتها على دمج الذكاء الاصطناعي في أنظمتها. فقد طوّرت بعض الجماعات خوارزميات لتعقّب الأهداف تلقائيًا، أو تنفيذ مسارات هجومية ذاتية حتى في حال فقد الاتصال المباشر.

محمد الزواري: وحلم كسر احتكار السماء

ربما في عالمنا العربي يعتبر المهندس التونسي محمد الزواري احد الرموز لهذا التمرّد التكنولوجي. فبعد سنوات من العمل في مجال الطيران، أدرك الزواري أن القوة الجوية لم تعد حكرًا على الدول، بل يمكن أن تُصنع في الظل، وتُسيّر من دون ضوء.

ولهذا انضم الزواري إلى كتائب القسام، وبدأ تطوير طائرات مسيّرة محلية، كانت نواة لما أصبح لاحقًا برنامجًا جويًا غير تقليدي لحماس. لم تكن هذه الطائرات متقدمة تقنيًا، لكنها كانت فعّالة، وحققت اختراقًا رمزيًا كبيرًا في مشهد الصراع غير المتكافئ، قبل أن يغتال الزواري من قبل الموساد الإسرائيلي عام 2016.

الزواري انضم إلى كتائب القسام، وبدأ تطوير طائرات مسيّرة محلية، أصبحت  لاحقًا برنامجًا جويًا غير تقليدي لحماس (مواقع التواصل الاجتماعي)

اليوم ومع استشهاده تحيا أفكاره أكثر ويتبناها العديد من المستضعفين وحتى الدول لمواجهة عمالقة السماء. فطائرات "إف بي في" التي تُجهّز في منازل أوكرانية أو غزية أو لبنانية، أصبحت رأس الحربة في معارك تُخاض بعيدًا عن مدارج الطائرات، ولكنها تُغيّر خريطة الصراع.

إعلان من منظومة دولة إلى أداة فرد

لقد انتقلت السماء من حصرية الجيوش إلى انفتاح جديد للأفراد والمجموعات غير النظامية. ما كان يومًا حكرًا على طيارين في بزّات رسمية داخل طائرات بمليارات الدولارات، بات الآن متاحًا لشباب في مقتبل العمر، يستخدمون أدوات رقمية ومعرفة تشاركية لصناعة سلاح جوٍّ من نوع جديد.

هذه ليست مجرد ثورة تكنولوجية، بل ثورة فلسفية تحاول الإجابة على السؤال الرئيسي من يملك السماء الآن؟ بعد ظهور طائرات "إف بي في"، قد تكون الإجابة: من يملك الإبداع، ولا يملك المدرجات التي يمكن قصفها.

مقالات مشابهة

  • تحذير من أزمة طاقة عالمية.. وقادة العراق وتركيا وروسيا يدعون لوقف نتنياهو
  • روسيا تعلق قنصليتها في طهران وتُجلي رعاياها
  • منها إف بي في.. كيف تمكنت المسيرات من إسقاط هيبة السماء في إيران وروسيا؟
  • الداخلية التركية: تراجع عدد السوريين تحت الحماية المؤقتة في تركيا إلى 2.7 مليون
  • الأردن يغلق مجاله الجوي مجدداً بسبب التصعيد.. والخطوط السورية تعلق رحلاتها
  • رسميا .. العراق يستأنف حركة التبادل التجاري مع سوريا
  • بن حبتور يهنئ البروفيسور دوغين بيوم روسيا ومرور قرن على العلاقات اليمنية – الروسية
  • بيان مفاجئ من السفارة التركية بشأن الأوضاع في العراق
  • بينها العراق.. تركيا تلغي رحلاتها الجوية لأربع دول
  • تركيا تعلق رحلاتها الجوية إلى إيران و3 دول عربية