سودانايل:
2025-07-27@09:42:51 GMT

حرب السودان إلى أين؟ (٢)

تاريخ النشر: 8th, November 2024 GMT

تمهيد:
(في مقال سابق لي كان تحت عنوان " أهم تحديات تواجه تحالفات القوي المدنية"، تناولت بشئ من التفصيل المبدأ التنظيمى الذي يحكم الحياة الداخلية للحزب الشيوعي الذي فصلته لائحة ذلك الحزب. وقد أوضحت مدي تجاوزات تلك اللائحة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان لأنها تصادر حق العضوية مثل حقوق الحركة والتعبير داخل الحزب وداخل المجتمع مما اثر سلبا علي التحالفات السياسية التي يكون طرفا فيها وذلك بالمثابرة في فرض رأي قيادة الحزب وإلا فإن سلاح التخوين يكون شاهرا في وجه المجتمع المدني ومنظماته ، وهو ما عشناه في تجربة تجمع المهنيين ولجان المقاومة وتحالف قوي الحرية والتغيير.


كذلك كنت قد تعرضت في الجزء الأول من هذا المقال إلى ما توصل إليه المفكر الألماني الشهير ايمانويل كانط في عدم قدرة العقل البشري علي ادراك " الشئ في نفسه " وسماه النيومينون
Noumenon
لأن العقل قادر فقط علي دراسة خواص الموضوع المراد التعرف عليه بإستخدام الحواس الخمس وكلما من شانه رفع قدرات تلك الحواس ) .

الحقيقة ان الديالكتيك أو جدل المتناقضات لايولد معرفة، وما هو إلا نوع من التصوف او الشعوذة mysticism، وقد لاحظ كانط محقا أن الحوار بين اثنين له حدود، وفي العادة لا ينتهي بنفي احد الطرفين لرأي الاخر نفيا تاما كي يفسح المجال لفكرة جديدة تماما.
ثم جاء بعده مباشرة الفيلسوف الالماني جورج هيجل الذي أعلن، وخلافا لكانط، امكانية معرفة "الشئ في ذاته " وذهب إلي القول بأن حرية الافراد تحققها الدولة وهي شرط لتلك الحرية كي تتحقق، ثم البسها لباسا مقدسا بالقول ان الدولة تباركها العناية الإلهية State Providence. وهي ممارسة شبيهة بمواقف الإسلام السياسي في عالم اليوم. فاذا كانت الكنيسة قد انزوت عن الحياة العامة إلي حد كبير بعد عصر النهضة والتنوير ، فإن الإسلام السياسي قد فعل العكس حيث أصبحت الدولة هي " كنيسته الخاصة" ولم تعد المساجد مكان للعباده الحقيقية وقد أصبحت لديهم بمثابة وسائل للتحشيد لا اكثر.
يمكن رصد ملامح تطور فلسفات الهوية بعد هيجيل وماركس لأنها عملت علي تهيئة المناخ الفكري والنفسي والمزاجي لدي الشعب الألماني لتقبل الافكار الفاشية والنازية والمشاركة في كل جرائمها الكبري. ذلك إنها اشترطت ان الحرية مفهوم جماعي يمر عبر الجماعة.
من المعروف أن مجتمعات الهوية تحرص علي أن تكون هوية الجماعة هي المهيمنة علي الأفراد وتفرض الوصاية عليهم بالتضييق علي حقوق الافراد وحرياتهم الشخصية واعتبارها " رجس من عمل الشيطان" يجب إجتنابه تماما، لدرجة ان تم تصويرها وكأنها مؤشرا علي التحلل والانحرافات الاخلاقية.
ان العلاقة الضرورية بين المعرفة والفعل عند كل من هيجيل وماركس سواء أكانت تحركها الروح في صيرورة تاريخية تزعم بان التاريخ واعي بذاته self conscious عند الاول ، او معرفة الضرورة عند الاخير حيث الصراع الطبقى يعتبر المحرك للتاريخ ، هو ما جعل الممارسة السياسية تقوم علي السيطرة والوصاية والتحشيد حيث يتم في ظل هذه المعرفة " اليقينية المزعومة" حشد الناس والاشياء كالقطيع وكأدوات instruments في تحقيق وجهة التاريخ الحتمية كما يتصورون ، ولذلك فانها تستند الي نوع من العقلانية يعرف ب " العقلانية الاداتية instrumental rationality في الفكر الديمقراطي العالمي، وهذا ما يفسر لنا السر من وراء خنق الحقوق والحريات الشخصية في داخل نصوص الدستور الخاص بالحزب الشيوعي حتي كاد ان يكون شبيها بنصوص وبممارسات احزاب اليمين المتطرف مثل الاخوان المسلمين.
شهدنا قبل أيام كيف ووجهت زيارة رئيس الوزراء السابق د.عبد الله حمدوك الي لندن ضمن جهود تنسيقية تقدم التي تقود حملة من أجل وقف الحرب وحماية المدنيين في السودان، بالمقاطعة والاحتجاجات والتنديد وحتي العنف في بعض الأحيان من قبل الكيزان وفرع الحزب الشيوعي بلندن.!
في هذا الظرف التاريخي العصيب الذي يموت فيه المواطن يوميا في السودان وينهب من قبل أفراد مليشيا الدعم السريع أو من قبل مليشيات ما عرف مجازا بالجيش السوداني بسبب تهم التعاون مع أحد الاطراف، وفقط لمجرد ان المواطن المغلوب علي أمره حاول ان يتعايش مع هذا الطرف أو ذاك.! ، فمثل هذه المآسي تستوجب علينا التلاحم كمدنيين من أجل توسيع وتفعيل الجبهة المنادية بوقف الحرب.
هذا المقال يجتهد في نقد ثقافتنا السياسية المتوارثة تقليدية كانت أم حداثوية طالما انها تقوم علي الوصاية والتحشيد والسيطرة وترسيخ روح القطيع.
لابد لثقافتنا السياسية ان تنتقل من نموذج مجتمع الهوية إلي نموذج للمعرفة يقوم علي اللغة، اي علي احترام الافراد وصيانة حقوقهم لأن المعرفة لا تقوم علي " السيطرة والهيمنة " . بل إن المعرفة الحقيقية تتم عن طريق لغة الحوار وتوفر شروط وإجراءات لذلك الحوار ، كالحرص علي بسط الحريات العامة حتي يتم التلاقح والمحاججة بشفافية في الشان العام من اجل تحقيق المصلحة العامة، ومن أجل الوصول الي معرفة هي الاقرب إلي الواقع وهذا ما نسميه ب " الاجماع " consensus بدلا عن مفهوم "الصراع" الذي تأسست عليه فلسفات الهوية.
وما أحوجنا اليوم لمثل ذلك الاجماع، فمعركتنا في السودان أصبحت معركة وجود ، والسودان اليوم يكون أو لا يكون !

[email protected]  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

تحوّل في قواعد اللعبة.. التثبّت في الوظيفة قد يكون أكثر ربحية من التنقّل السريع

لطالما اعتُبر التنقّل بين الوظائف أحد أكثر الطرق فاعلية لزيادة الدخل وتحقيق قفزات مهنية، لذا كانت النصيحة السائدة بين الموظفين وأصحاب الخبرات واضحة: "إذا أردت راتبًا أعلى، غيّر شركتك". وتكرّست هذه القناعة في العديد من الأسواق حول العالم، حيث لم يكن غريبًا أن يقضي الموظف عامًا أو عامين فقط في كل وظيفة، ليحصل في كل مرة على عرض أفضل.

لكن تقريرًا حديثًا نشرته مجلة إيكونوميست يشير إلى أن هذه القاعدة بدأت تفقد فاعليتها. فبيانات حديثة تُظهر أن معدلات نمو الأجور للعاملين الذين يبقون في وظائفهم أصبحت تتفوق -ولأول مرة منذ أكثر من 15 عامًا- على نظرائهم ممن يتنقلون بين الشركات.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 210 مبادئ لبناء ثروة من المنزل على طريقة وارن بافيت.. دليل بسيط وعمليlist 2 of 25 قطاعات واعدة للاستثمار في 2025 تعرف عليهاend of list

ويبدو أن هذا الاتجاه بدأ في الولايات المتحدة، لكنه يعكس دينامية أوسع في أسواق العمل التي بدأت تتباطأ بعد سنوات من الانتعاش.

السوق لم يعد كما كان

وتوضح إيكونوميست أن ظاهرة ما يُعرف بـ"التباطؤ المتسلسل" بدأت تظهر بوضوح في عدة قطاعات، بعد أن وصلت أسواق العمل في سنوات ما بعد الجائحة إلى ذروتها.

نسبة الوظائف الشاغرة إلى عدد العاطلين عن العمل تراجعت إلى مستويات التعادل بعد سنوات من الفائض (غيتي)

في السابق، كان عدد الوظائف الشاغرة يتجاوز عدد الباحثين عن العمل في اقتصادات رئيسية مثل الولايات المتحدة، مما خلق بيئة تنافسية أطلقت موجات من التنقّل الوظيفي والزيادات السخية في الأجور.

لكن اليوم، بدأت المؤشرات تتغيّر، ففي الولايات المتحدة مثلًا -كمثال بارز- تراجع هذا التوازن ليصل إلى نقطة تعادل: وظيفة شاغرة لكل باحث عن عمل. وقد انعكس ذلك في تراجع نية أصحاب الأعمال لتوسيع التوظيف أو تقديم زيادات جديدة، وفقًا لما ذكرته المجلة.

التغيّر لا يقتصر على سوق واحدة

وعلى الرغم من أن البيانات الواردة في تقرير إيكونوميست ترتكز على السوق الأميركية، فإن المؤشرات تنطبق على عدد من الاقتصادات المتقدمة، حيث بدأت شركات التكنولوجيا والاستشارات -التي بالغت في التوظيف خلال سنوات الانتعاش- في مراجعة خططها وتقليص أعداد الموظفين.

إعلان

ومن القطاعات المتأثرة:

الخريجون الجدد؛ الذين يواجهون صعوبة متزايدة في دخول سوق العمل. المبرمجون والتقنيون؛ الذين باتوا ينافسون نماذج الذكاء الاصطناعي القادرة على أداء مهامهم بكفاءة. الموظفون الإداريون؛ الذين بدؤوا يرون أن الثبات في الوظيفة لم يعد مؤشرًا سلبيًا، بل ربما أصبح ميزة نسبية. الأرقام لا تكذب

بيانات بنك الاحتياطي الفدرالي في أتلانتا التي استشهدت بها إيكونوميست، أظهرت بشكل واضح أن نمو الأجور للمستقرين في وظائفهم بات أسرع من أولئك الذين يبدّلون وظائفهم. وهذا التحوّل يعكس تباطؤا حقيقيا في السوق، وليس مجرد تقلبات ظرفية.

وعلى الرغم من أن بيانات التوظيف العامة لا تزال تشير إلى زيادات في عدد الوظائف، فإن إيكونوميست لفتت إلى أن جزءًا كبيرًا منها يعود إلى القطاع الحكومي (مثل التعليم)، في حين بدأ التوظيف في القطاع الخاص -وهو المؤشر الأدق لحيوية الاقتصاد- بدأ يفقد زخمه.

لماذا لم يعد "القفز" مُجديًا؟

ببساطة، لأن توقيت القفز لم يعد مناسبًا، فكلما بدأ سوق العمل في التباطؤ، أصبحت محاولات التنقل أكثر مخاطرة. فالشركة التي تُغادرها لن تعود، والعروض الوظيفية التي كانت تغمر صناديق البريد على "لينكدإن" قد لا تكون متاحة بالوتيرة ذاتها.

الخريجون الجدد يواجهون صعوبة متزايدة في دخول سوق العمل وسط ضعف ثقة أصحاب الأعمال (غيتي)

وتقول المجلة إنه إذا كانت هناك فترة مناسبة لإعادة ترتيب المكتب والجلوس بثبات، فقد تكون هذه هي اللحظة. ومَن كان ينتظر "العرض الأفضل" قد يضطر إلى الانتظار طويلًا.

هل يتغير شيء قريبًا؟

وترى إيكونوميست أن البنوك المركزية -وفي مقدمتها الاحتياطي الفدرالي الأميركي- قد تضطر إلى التدخل بتخفيض أسعار الفائدة لتحفيز التوظيف مجددًا. إلا أن ذلك لن يحدث إلا بعد الاطمئنان إلى أن التضخم لن يعاود الارتفاع، خاصة في ظل بيئة سياسية وتجارية متوترة.

وبينما لا تتوقع الأسواق تخفيضا في أسعار الفائدة خلال الأسابيع القليلة المقبلة، فإن احتمالات التحرك تظل قائمة مع نهاية العام إذا ما تواصلت الإشارات السلبية من سوق العمل.

وربما يكون أهم ما في تقرير إيكونوميست الإشارة إلى تحوّل ثقافي في سوق العمل. فبعد سنوات من تمجيد "القفز الوظيفي"، يُعاد الآن تعريف النجاح المهني من خلال عوامل أكثر واقعية هي: الاستقرار والالتزام والقدرة على التكيف مع تقلبات السوق.

وقد لا يكون الثبات في الوظيفة دومًا الخيار الأكثر إثارة، لكنه -وفقًا للبيانات والتحليلات الأخيرة- أصبح الخيار الأذكى في المرحلة الراهنة.

مقالات مشابهة

  • تحوّل في قواعد اللعبة.. التثبّت في الوظيفة قد يكون أكثر ربحية من التنقّل السريع
  • ليفاندوفسكي : الموسم المقبل ربما يكون الأخير لي مع برشلونة
  • أستاذ إدارة أعمال: جذب الشركات الأجنبية ينقل المعرفة للمملكة ويتيح للشباب توسيع أفكارهم
  • التقوى.. تعرف على معناها وثمراتها وكيف يكون المسلم من المتقين
  • رحيل فيلسوف أسلمة المعرفة والعلوم (بورتريه)
  • متى يكون اللبن مضرًا؟ تحذير خاص لمصابي الغدة الدرقية
  • المسافة السياسية بين واشنطون والخرطوم
  • اختتام «أجيال المعرفة الوطني الصيفي 2025» في العين
  • من الذي يسد غياب السودان في واشنطن؟
  • حين يكون الحليب أغلى من النفط