غيداء شمسان غوبر
تُحفَرُ أسماؤهم في سجل التاريخ بمداد من نور، وتخلد ذكراهم في قلوبنا بمشاعرٍ لا توصف، هم شهداء الوطن، أصحاب الدماء الزكية والعطاء الذي لا ينفد، هم الذين بذلوا أرواحهم فداء للأرض المقدسة وحبًّا للوطن.
يصعب وصف معنى الشهادة، فهي لا تتناسب مع أي مصطلح من مصطلحات الدنيا، فهي تجسد القمة العليا من تضحيات الإنسان، تجسد خلود روحٍ لا تطوى، وتعلن عن انتصارها على الموت، فهم يموتون ليعيش الوطن، ويفنون لتستمر الحياة.
دماؤهم الزكية، التي سالت على ثرى الوطن، لم تكن سوى بذور لزراعة وطن جديد، مشبع بقيم الشرف والإباء مزهر بأزهار الكرامة والعزة، فهم لم يموتوا، بل حولوا رحيلهم إلى بداية حياة جديدة للأُمَّـة، حياة مليئة بالأمل والإصرار على الحفاظ على تراثهم، وعلى إرث كفاحهم.
كلّ جرح في جسد الوطن، كُـلّ دمعة هطلت من عينَي أُمٍّ ثكلى، كُـلّ نفس أخير خرج من صدر شهيد، كُـلّ ذلك كان بمثابة شرارة إيمان تشعل في قلوب أُمَّـة كلها عشق للوطن.
هم الذين صنعوا من أرواحهم جسرًا ناصع البياض، لنعبر عليه إلى شواطئ الأمان، لنبني مستقبلًا مشبعًا بمعاني الكرامة والحياة والشرف.
هم الذين غرسوا في قلوبنا معنى الإخلاص والوفاء، وأوقدوا في نفوسِنا شمعة التضحية والعطاء، فيحثوننا على أنْ نستمر في مسيرتهم، لصنع مجتمع أقوى، ووطن أشرف.
ولكي نفهم معنى الشهادة بأَكمل وجه، فلنتأمل في تضحياتهم، في أفعالهم، في كلماتهم، سنجد أنهم قد وضعوا الوطن فوق كُـلّ شيءٍ، وصنعوا من أحلامهم رؤية تستمر في الإلهام جيلًا بعد جيل.
في كُـلّ زاوية من الوطن، في كُـلّ نفس من أنفس الشعب، تجد أَثر شهدائنا، فهم الذين صنعوا من أَرضهم وطنًا لا يقارن، ومن أرواحهم مثلًا أخلاقيًّا يتناقل.
فتحيا روحهم في كُـلّ قلب يحب الوطن، ويتنفس هواؤه بشغف، فيحيا مستقبله في كُـلّ إنسان يؤمن بحب الوطن، ويطلب له الخير والعز.
تظل دماء الشهداء زكية تنير دروبنا، وتلهم قلوبنا، وتحَرّك إرادتنا، فيكون عطاؤهم مشعلاً ينير مستقبل الأمّة، ويؤكّـد على أن الوطن لا ينكسر، وأن روح الشهادة لا تفنى؛ فليكن وفاؤنا لهم بتحمل مسؤوليتنا وبمواصلة مسيرتهم، وبعزم لا ينكسر وبإصرار لا يتزعزع؛ فَــإنَّهم قد وضعوا لنا الأَسَاس، وأوقدوا لنا النور.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: هم الذین فی ک ـل
إقرأ أيضاً:
مسؤول سابق في الشاباك: ميليشيا أبو شباب عملت كوحدة إسرائيلية بكل معنى الكلمة
قال مسؤول سابق في جهاز الشاباك، شالوم بن حنان، إن ميليشيا "أبو شباب" المدعومة من إسرائيل في قطاع غزة نفذت مهاما عسكرية كاملة بالنيابة عن الجيش الإسرائيلي، مؤكدا أنها عملت "كما لو كانت وحدة عسكرية إسرائيلية".
وجاء تصريح بن حنان في تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز، أوضح فيه أن غياب هذه الميليشيا كان سيُلزم الجيش الإسرائيلي بتنفيذ جميع المهام بنفسه.
وأكد التقرير أن مقتل ياسر أبو شباب، قائد الميليشيا التي تُعرف باسم "قوات الشعب"، يعكس المخاطر التي يتعرّض لها الفلسطينيون الذين تعتمد عليهم إسرائيل لتقويض حكم حماس.
وبحسب الصحيفة، كانت ميليشيا أبو شباب الأكبر والأكثر تأثيرًا بين عدة مجموعات مسلحة غذاها الدعم الإسرائيلي خلال حرب غزة، رغم أن أبو الشباب كان ينفي حصوله على أسلحة من إسرائيل.
وأثار مقتل أبو شباب، الذي احتفل به أنصار حماس ونددت به أطراف إسرائيلية أخرى، جدلاً واسعًا. ووفقًا للمقال، اتهم كثير من الفلسطينيين أبو الشباب بالخيانة، بينما شكك بعض الإسرائيليين في نواياه وقدرته على قيادة ميليشيا تُقاتل حماس.
وفي مقابلة نادرة في أكتوبر الماضي، قال أبو شباب لـ نيويورك تايمز إنه لا يخجل من علاقاته الأمنية مع إسرائيل، مؤكدا وجود "تنسيق أمني وعملياتي" هدفه منع تسلل عناصر حماس إلى المناطق الخاضعة لسيطرته، وكانت جماعته قد أعلنت يوم الخميس مقتله خلال اشتباكات مع قبيلة فلسطينية جنوب قطاع غزة.
ورغم عدم ظهور دليل فوري على تورط حماس في العملية، رحبت وزارة الداخلية في غزة التي تديرها الحركة بمقتله، واصفةً إياه بأنه "المصير الحتمي لكل خائن"، داعيةً عناصر الميليشيات الموالية لإسرائيل إلى الاستسلام "قبل فوات الأوان".
وأشار التقرير إلى أن مستقبل "قوات الشعب" بات غامضا بعد مقتل قائدها، رغم بث الجماعة تسجيلًا يظهر نائبه غسان الدهيني وهو يتسلم القيادة، مؤكدا على "معنويات عالية" بين عناصر الميليشيا، وكان الدهيني شخصية غامضة قبل صعوده في صفوف الميليشيا، ولم يعرف عنه الكثير حتى ظهوره في الفيديو الأخير.
ووفقا للمقال، دعمت إسرائيل منذ بداية الحرب ما لا يقل عن أربع مجموعات فلسطينية مسلحة في غزة، بهدف تقويض نفوذ حماس، وعلى الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار في منتصف أكتوبر الماضي، لا تزال مسألة حكم القطاع غير محسومة، إذ يسيطر كل طرف على نحو نصف مساحة غزة.
ويعيش معظم سكان القطاع في المناطق الساحلية الخاضعة لحماس، بينما تنتشر الميليشيات المناهضة للحركة في المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل، وتعد "قوات الشعب" الأكبر بين هذه الجماعات، إذ قالت في أكتوبر إن المناطق التابعة لها تضم نحو 3000 شخص، بينهم مقاتلون وغير مقاتلين.
وأوضح التقرير أن آلاف الغزيين ينظرون إلى هذه الميليشيات باعتبارها مجموعات تغتنم فوضى الحرب لتوسيع نفوذها. وبرز أبو الشباب، وهو بدوي من شرق رفح، أواخر عام 2024، وسط اتهامات بانتهاكه خطوط الإغاثة الإنسانية خلال المجاعة التي اجتاحت القطاع. وأكد في مقابلات سابقة أنه اختطف شاحنات مساعدات "لتأمين الغذاء لعائلته وجيرانه"، رغم الانتقادات القوية التي تعرض لها.
ووصفه مسؤول أممي كبير، جورجيوس بيتروبولوس، بأنه "الحاكم الفعلي لشرق رفح"، متهما إسرائيل بغض الطرف عن هجماته على المساعدات الإنسانية. كما أشار التقرير إلى أن اشتباكات متكررة بين جماعته ومقاتلي حماس أدت إلى مقتل عشرات من عناصره، بينهم شقيقه.
وسعى أبو شباب، قبل مقتله، إلى تقديم نفسه عبر مواقع التواصل كـ"زعيم مناهض لحماس"، مدعيا توفير الأمن والمساعدات في المناطق التي يسيطر عليها، وقال للصحيفة إن منطقته كانت "آمنة ومجهزة نسبيا"، بفضل التنسيق المستمر مع إسرائيل ودوريات المراقبة الجوية.
لكن رغم الدعم الإسرائيلي، أكد التقرير أن أيا من هذه المجموعات لم يكن قادرا على تشكيل تهديد حقيقي لحماس، كما أن ارتباطها بإسرائيل جعلها منبوذة بين غالبية الفلسطينيين، وقال شالوم بن حنان: "سيبقون في نظر الناس خونة ومتعاونين، ولن يقبل أحد أن يمثلوه".