بوابة الوفد:
2025-05-21@13:15:22 GMT

يوم جديد متعب

تاريخ النشر: 14th, November 2024 GMT

ما عاد فى القلب متسع للحزن.. النشرات الاخبارية تطاردنى منذ الصباح الباكر.. تلاحقنى كأذرع العنكبوت الأسود.. كالشاهد الصنم.. أسجل بقلم أحمر غامق فى مفكرة بجوار مقعدى القابع أمام شاشة التلفاز أعطيتها عنوان «يوميات من التعاسة والألم».. فى الصفحة الربعمائة بعدد أيام الحرب على قطاع غزة كتبت عبارة مختصرة ولكنها نزفت من عقلى وأعصابى طوال الليل بدأتها هكذا حتى لا أنسى ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلى 3798 مجزرة، أسفرت عن استشهاد 43 ألفا و552 فلسطينيا بينهم أكثر من 17 ألف طفل ونحو 12 ألف امرأة، بالإضافة إلى إصابة 102 ألف و765 آخرين.

كما ألقت قوات الاحتلال أكثر من 86 ألف طن من المتفجرات على القطاع، دمرت خلالها 159 ألف وحدة سكنية كليا، وأكثر من 200 ألف وحدة جزئيا، وأخرجت 34 مستشفى من الخدمة. 

وسط هذا الترقب العاجز لما يجرى فى قطاع غزة والاجتياح الإسرائيلى لجنوب لبنان، وفوز «ترامب» برئاسة جديدة لأمريكا، يأتى صباح جديد متعب بخبر غياب الشاعر المصرى الكبير «محمد إبراهيم أبوسنة»، فيكون الحزن عليه مغايرا واستثنائيا كما عاش، هو إنسان رقيق رومانسى مرتبط بالطبيعة والخيال أكثر من الواقع وعذاباته اليومية، أيضاً فقده لوالدته فى سن صغيرة لا تتجاوز الخمس سنوات، جعله يرى المرأة كائنا مقدسا لا يجب الاقتراب منه إلا بحذر والتحدث اليه عبر وسيط الشعر بصوت خفيض يقترب إلى الهمس.

هل كان يعرف أن العالم لم يعد صالحا لنقائه ورقته وانسانيته، ربما أدرك ذلك مثل الآف الحالمين فى عالمنا العربى بسماء صافية يحلق فيها أسراب من الحمام، وأنهار دجلة والفرات والأردن تجرى فى الحقول والمدن، وخير يصنع بأيدى هؤلاء الطيبين العرب يحصده اولادهم ومائة جيل من بعدهم، وأخيراً سكون وطمأنينة يلفان العالم العربى مؤذنتين بنهاية الحروب والأطماع على أرضه.

يقول فى قصيدته « مفتتح»:

«وكأنى ما عشت حياتى

لقد حلقت فوقها

كما يحوم طائر فوق غابة تحترق

و ها هو المساء يوشك..»!

أما الأحساس بالغربة والوحشة فقد لازم الشاعر الكبير «محمد ابراهيم أبوسنة» طوال حياته، فقد كان رقيق الاحساس والتماهى، مع تبدل الأمكنة والمدن التى يسكنها، وهناك قصيدة مؤثرة تحمل عنوان «غريبُ من قِنا» وهى قصيدة عن عامل بناء مجهول واحد من هؤلاء الذين يبنون المدن ويسكنون القبور، يقول فيها:

وتسأل سيدة فى الطريق:

ومن ذا القتيل؟

ويهمس صوت جليل:

غريب أتى من قنا 

ويعمل بين رجال البناء

هوت رِجله ثم زلت وحم القضاء

فى حوار أجرى معه على صفحات مجلة الأقلام عام 1987، يقول الشاعر الكبير محمد إبراهيم أبو سنة عن حضور المرأة فى شعره: «احتلت المرأة موقعا بارزا فى شعرى بسبب الفقد المبكر لأمى وتطلعى إلى التماس الحنان لدى المصدر الأول للرقة والجمال والذى تمثله المرأة.

ويكمل: وربما تكون الدوافع العميقة التى تحركها حاجتى إلى المرأة قد اوقعتنى فى رسم صورة مثالية أو خيالية. فقد رأيت فى المرأة الحبيبة نوعًا من الخلاص المطلق لأحزان حياتى كما توهمت لفترة طويلة أن المرأة كائن فوق الإنسان ودون الملاك بفارق بسيط فهى فى خيالى الأول، الجمال المطلق الذى يشع بالخير والحنان والرقة».

وتعد قصيدة «رسائل إلى حبيبة غائبة» قصيدة مشحونة بالشجن والحنين يبدأها قائلًا:

بالأمس يا حبيبتى خرجتُ للطريق

لأقرأ الهموم فى العيون

همومَهم، أولئك الذين يعبرون

فى شارع المدينة الحزين

لعل هم وحدتى يهون.

إشارة حمراء قف

إشارة خضراء من هنا انصرف

وفجأة توقف الترام

وطوق الزحام جثة لطفلة تنام فى الدماء

ما زالت الحياة فى الأعضاء

ووجهها حمامة تموت فى الشفق

نوارة من الحقول تحترق

وشقت الزحام صيحة: صغيرتى

وكانت العجوز ترتجف

وتمتم الجميع بالأسف

تكسرت دوائر الزحام

وتابع الجميع سيرهم

ما أعجز الكلام

سوى إشارة حمراء قف

إشارة خضراء من هنا انصرف

والموت موغل ولا يكف

الموت يا حبيبتى لا يعرف الإشارة الحمراء

يلوح ثم يختفى

الموت والحياة يا حبيبتى

زجاجة تضاء

ثم تنطفى.

سلاماً على روحك الطاهرة شاعرنا الكبير «محمد إبراهيم أبوسنة».. وكأنك طلبت من الرحمن الرحيم أن ترحل أيها الطائر المحلق قبل أن يسقط درعك الشعرى فى غابتك المحرقة.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الصباح الباكر تلاحقنى

إقرأ أيضاً:

مالك حداد.. الشاعر والروائي الجزائري الذي عاش حالة اغتراب لغوي


ولد مالك حداد عام 1927 في مدينة قسنطينة شرقي الجزائر، وفيها عاش طفولته وتلقى تعليمه باللغة الفرنسية، كان يرى بينه وبين المدرسة الفرنسية حاجزا بين ماضيه وتاريخه أكبر من البحر الأبيض المتوسط الذي يفصل بين الجزائر وفرنسا.

انتقل حداد -كما تذكر حلقة تأملات بتاريخ (20/5/2025)- إلى فرنسا والتحق بكلية الحقوق بمدينة آكس أون بروفانس، وعاد بعد استقلال بلاده إلى قسنطينة، وأشرف على الصفحة الثقافية لصحيفة "النصر" اليومية، كما عمل في مجلة "آمال"، لينتقل بعدها إلى إدارة الحياة الثقافية في العاصمة بعد تعيينه مديرا للآداب والفنون في وزارة الإعلام والثقافة، وتولى بعدها أمانة اتحاد الكتاب الجزائريين.

عاش الروائي الجزائري حالة اغتراب لغوي، وشكلت اللغة الفرنسية سجنا له، ووقفت حاجزا بينه وبين أبناء جلدته الذين لا يتقنونها، واعتبرها منفاه واعتزلها غداة الاستقلال.

وكانت أهم مقولة تؤكد اعتزازه بقوميته قوله "نحن نكتب بلغة فرنسية، لا بجنسية فرنسية"، وظل يذكر في كل أعماله بأنه ليس فرنسيا وأنه جزائري.

ولم تكن شخصيات رواياته أجنبية فقط بل عربية، كما وظف ألفاظا وكلمات تبين للقارئ عامة، وللجزائري خاصة، أنه يحمل القضية الجزائرية وأن هويته عربية جزائرية، وأنه ليس فرنسيا.

إعلان

ولم يغب الوطن والإنسان والحلم بالحرية عن قصائد حداد التي نشرها، إذ يقول:
لي صباح من أجل الشمس
أهديك نهارا
أتوسل الموجة كي لا تغرق
كي تذهب صوب وطني
وتروي له حبي الكبير

وتوقف الروائي الجزائري عن الكتابة وهو في الـ35، ولكنه تحول إلى مدرسة أدبية في الرواية والشعر، ورحل في الذكرى الـ16 لاستقلال الجزائر التي ناضل لأجلها بقلمه وفكره.

كما تناولت حلقة "تأملات" فقرات أخرى من بينها، "قصة مثل"، و"قصة وعبرة".

20/5/2025

مقالات مشابهة

  • بيت الشعراء وملتقى المراة يستضيفان جرار والعواودة في اصبوحة شعرية في كلية اربد الجامعية
  • محمد زيدان يفتح النـ.ـار على بركات: ليه بتقلل مني بعد كل السنين دي؟
  • "عاشور " من الدقهلية نسبة الإناث فى التعليم العالى بمصر أكثر من الذكور 3.8 مليون طالب منهم 54٪ إناث
  • مالك حداد.. الشاعر والروائي الجزائري الذي عاش حالة اغتراب لغوي
  • تحيةً للشيخ المعمم الذي نعى الشاعر موفق محمد عبر المنبر الحسيني الشريف ..
  • الشاعر حسين جلعاد يوقّع كتابه الجديد شرفة آدم في معرض الدوحة للكتاب
  • شعر التفعيلة والنثر في النص الشعبي
  • الاحتفاء بإرث سيد حجاب الأدبي ضمن برنامج رموز القرية بالدقهلية
  • دعامي يحكي أنّ ظلمَ المليشيا بات أكثرُ فداحةً مِنْ ظلم الدولة التي قاتلها
  • شاعر القطار.. محمد ناصف يُعيد العامية لنبض الشارع بديوان “قطر ستة وتلت”