حكم صلاة الإمام بالمأمومين وهو جالس
تاريخ النشر: 17th, November 2024 GMT
قالت دار الإفتاء المصرية إنه لا يوجد مانع شرعي من الصلاة خلف الإمام إذا صلى جالسًا لعذرٍ، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلَّى آخر صلاته قاعدًا والناس قيام، وأبو بكر رضي الله عنه يأتمُّ بالنبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، والناس بصلاة أبي بكر رضي الله عنه، وكان ذلك في صلاة الظُّهر.
صلاة الإمام جالسًاوأوضحت الإفتاء أن صلاة القائم خلف الجالس في صلاة النافلة جائزة اتفاقًا عند الفقهاء، أما في صلاة الفريضة فهي جائزة عند الحنفية والشافعية؛ لأنَّه صلى الله عليه وآله وسلم صلى آخر صلاته قاعدًا والناس قيام، وأبو بكر رضي الله عنه يأتمُّ بالنبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، والناس بصلاة أبي بكر وهي صلاة الظُّهر.
وأضافت أن المالكية والحنابلة ذهبوا إلى عدم الجواز، غير أن الحنابلة يستثنون الإمام الراتب إذا رُجِي زوال مرضه، فيجيزون الصلاة خلفه وهو جالس.
قال الإمام المرغيناني الحنفي في "الهداية" (1/ 59، ط. دار إحياء التراث العربي): [(ولا يصلي الذي يركع ويسجد خلف المومئ)؛ لأن حال المقتدي أقوى] اهـ.
وقال الإمام العيني الحنفي في "البناية شرح الهداية" (2/ 363، ط. دار الكتب العلمية): [(وفيه خلاف زفر) يعني يجوز عند زفر إمامة المومئ للذي يركع ويسجد؛ لأن صاحب الخلف كصاحب الأصل، ولهذا جازت إمامة المتيمم المتوضئ، وبه قال الشافعي، وقال الماوردي: عجز الإمام عن الأركان لا يمنع من الاقتداء به؛ كالقائم، وفي "المغني": (لا يؤم المضطجع والعاجز عن الركوع والسجود لمن يقدر عليهما في قول مالك وأحمد، خلافًا لزفر والشافعي)] اهـ.
وقال الإمام الشافعي في "الأم" (1/ 198-199، ط. دار المعرفة): أمْرُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث أنس رضي الله عنه ومن حدث معه في صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ جَالِسًا وَمَنْ خَلْفَهُ جُلُوسًا منسوخٌ بحديث عائشة رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ جَالِسًا وَصَلَّوْا خَلْفَهُ قِيَامًا، فهذا -مع أنه سنة ناسخة- معقولٌ، ألا ترى أن الإمام إذا لم يُطقِ القيامَ صلى جالسًا وكان ذلك فرضه، وصلاة المأمومين غيره قيامًا إذا أطاقوه وعلى كل واحد منهم فرضُه، فكان الإمام يصلي فرضه قائمًا إذا أطاق وجالسًا إذا لم يُطق، وكذلك يصلي مضطجعًا وموميًا إن لم يطقِ الركوع والسجود، ويصلي المأمومون كما يطيقون فيصلي كلٌّ فرضه فتجزي كلًّا صلاته] اهـ.
وقال الإمام الشيرازي الشافعي في "المهذب" (1/ 185، ط. دار الكتب العلمية): [ويجوز للراكع والساجد أن يصلي خلف المومي إلى الركوع والسجود؛ لأنه ركن من أركان الصلاة فجاز للقادر عليه أن يأتم بالعاجز عنه؛ كالقيام] اهـ.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الإمام صلاة الإمام الإفتاء دار الإفتاء الصلاة صلى الله علیه وآله وسلم رضی الله عنه فی صلاة جالس ا
إقرأ أيضاً:
العام الهجري الجديد .. دعوة للتغيير واليقظة
يطلّ علينا العام الهجري الجديد والعالم يمرّ بمتغيرات كبيرة وأحداث عظيمة، فما أحرى بالمسلم أن يلتفت إلى رمزية الهجرة النبوية، ويسقطها على المتغيرات الحالية ويستلهم منها ما يصلح أمر دينه ودنياه، لكي لا يمرّ هذا الحدث العظيم، وكأنه حدث عابر، ففـي كل عام هجري، تُعاد هذه الرسالة الرمزية إلى الواجهة، فالهجرة تمثل الانتقال من مرحلة الاستضعاف إلى التمكين، ومن السكون إلى الحركة الواعية، فهي رسالة لكل مسلم فـي زمن التحولات والمتغيرات الحاصلة فـي العالم أن لا يكتفـي بالمراقبة، بل يُبادر إلى مراجعة موقعه ودوره ومقاصده فـي الحياة.
والمتأمل فـي الهجرة النبوية والانتقال الجغرافـي للرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه من مكة إلى المدينة، والتحول الذي صاحب هذه الهجرة فـي مختلف مفاصل الحياة الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وبداية لتأسيس كيان إسلامي ودولة إسلامية يديرها الرسول صلى الله عليه وسلم وفق الشريعة الإسلامية، وبتنظيم دقيق كان أحد نتاجاته صحيفة المدينة التي نظمت علاقة المسلمين بغيرهم فـي ظل الدولة الإسلامية.
كما أن المتتبع للأحداث الحالية يدرك أن العالم فـي هذه السنوات يشهد تسارعًا فـي الأزمات والتغيرات، فالحروب تشتعل فـي أكثر من قطر إسلامي، والأزمات الاقتصادية تُلقي بظلالها على المجتمعات، والانقسامات الفكرية والثقافـية باتت تهدد وحدة الأمة وهويتها، فكل هذه الأحداث تحتم على المسلم أن يبدأ عامه الجديد فـي وعي، وألا يتجاهل السياق العالمي للأحداث، وألا ينكفئ على شأنه الشخصي الضيق، بل ينبغي عليه أن يكون فاعلًا ومتفاعلًا مع الأحداث والمواقف، ويكون له دور فـي تشكيل الوعي المجتمعي، وأن يُعزّز مسؤوليته فـي الإصلاح المجتمعي ابتداء من بيته ومحيطه ومجتمعه وأمته والعالم أجمع.
وأول هذه الخطوات التي ينبغي أن يبدأ بها المسلم هو تقييم علاقته بالله تعالى، ومراقبة هذه العلاقة، ومعرفة الثغرات التي تكتنفها وسدّ هذه الثغرات وترميمها، ويتمثل محور هذه العلاقة فـي الصلاة، فـينبغي أن يواجه المسلم ذاته ويطرح عليها أسئلة صريحة، وألا يتجاهل أو يتغافل هذه الأسئلة الملحّة التي تطرق ذهنه بين حين وآخر فـي هذه الحياة، فالصلاة عمود الدين، فـينبغي عليه أن يسأل نفسه، هل أدّى هذه الصلاة على أكمل وجه، كما شرعها الله وأمرنا بتأديتها، أم أنه أداها بالطريقة التي تريحه، وهل كان حريصًا أن تنال هذه الصلاة مرضاة الله، وأن يتقبلها، أم أنه اتخذ من هذه العبادة عادة يؤديها على هواه كيفما اتفق، وهل حافظ عليها فـي وقتها، واستشعرت كل خلية فـي جسده لحظة السجود والتصاق الجبهة بالأرض فـي مشهد عبودية مطلقة لله عز وجل، أم أن عقله كان سابحًا فـي التخيلات والسرحان والجولان، غير مستشعر لمعاني هذه العبادة العظيمة.
وهل أعمل جهده وذهنه فـي استحضار القلب والخشوع فـي الصلاة وطبّق الأساليب والطرق المعينة له فـي الخشوع، وحاول أن يُنقّي قلبه من الرياء، أم أنه أشرك فـي صلاته مراقبة العباد والغفلة عن الخالق العظيم الذي يقف بين يديه؟ كل هذه المعاني العظيمة يجب عليه أن يقف أمامها ويحاسب نفسه محاسبة دقيقة، ليكون هذا الأمر هو الخطوة الأولى فـي سبيل إصلاح ذاته.
ومن أبرز معاني الهجرة النبوية الجانب الجماعي فـيها، حيث تلاحم المهاجرون والأنصار فـي مشهد فريد من التضامن والتكافل، رسّخ لبنية مجتمعية متماسكة رغم اختلاف الانتماءات القبلية والاجتماعية، واليوم تعاني الأمة من انقسامات خطيرة، ليس فقط بين الدول، بل داخل النسيج الاجتماعي الواحد، فـينبغي أن تُستعاد روح الهجرة من حيث كونها بناء للجماعة، وتأسيسًا لأخوة إيمانية تتجاوز المصالح الضيقة، فكل مسلم يستطيع أن يبدأ عامه الجديد بإحياء هذه الروح عبر تعزيز العلاقات الرحمية، وتقوية الروابط المجتمعية، والمشاركة فـي مبادرات الإصلاح والدعم والتكافل، على مستوى الأسرة والمجتمع المحلي.
كما عليه أن يغسل قلبه من الأمراض والأدران القلبية التي تسبب الفجوة بين أفراد المجتمع، من أمثال الحقد والغلّ والبغض والحسد، التي تؤدي إلى المعاصي المشتتة لأبناء المجتمع مثل الكذب والغيبة والنميمة وشهادة الزور، وغيرها من المعاصي التي تهدم المجتمعات، وتُقوّض فـيها كل مظاهر الحب والعطف والرحمة والتلاحم الاجتماعي، وقد سهلت وسائل التواصل الاجتماعي هذه المعاصي فأصبحت أداة للتفرقة الاجتماعية لما يتم فـيها من تداول لأحوال الناس وأخبارهم وتفاصيل حياتهم.
ومن مشاهد الهجرة النبوية توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه وتأديبه لهم، وتبيانه لهم أن كل فرد فـي هذا المجتمع المسلم هو راعٍ ومسؤول عن رعيّته، فقال: «كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته، الإِمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ فـي أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية فـي بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ فـي مال سيده ومسؤول عن رعيته، فكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته»؛ فنجد هذا الحديث يرشد إلى أن كل فرد فـي هذا المجتمع مسؤول، وأنه يمثل ثغرة يقف على مراقبتها والعناية بها وسدّها فـي هذا المجتمع، فعلى المسلم أن يبذل كل وسعه فـي تأدية هذه الأمانة التي أوكلت إليه، فـيؤدب أبناءه، ويفتح لهم أبواب الخير ليلجوا منها، وذلك من خلال أمرهم بعبادة الله، وتربيتهم على الأخلاق الحميدة، وربطهم بالقرآن الكريم، وأن يُثقّف نفسه وأهل بيته، ويوسّع مداركهم، وأن يقرأ الواقع بعين ناقدة، أن يسهم فـي مجاله، أن يكون صوته هادئًا لكن مؤثرًا، وأن يعيد تعريف الدين فـي سلوكه اليومي، لا بالشعارات، بل بالقيم الحية، ليكون قدوة أمام من يرعاهم.
وينبغي على المسلم كذلك أن يستلهم من الهجرة النبوية معاني النصر بعد الصبر، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم فـي موضع ضعف وقلة وخوف فـي مكة المكرمة، ولكنهم صبروا على البلاء والعذاب، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعرضون لأنواع من العذاب، كما فُعل ببلال بن رباح، وغيره من الصحابة رضوان الله عليهم، وبعضهم تعرض للقتل، كما حدث لياسر بن عامر وزوجته سمية اللذين قُتلا بعد أن ذاقا أصنافًا من العذاب، وهو ما يتعرض له إخواننا المجاهدون فـي غزة وفلسطين، على أيدي اليهود الغاصبين، وما تتعرض له مجموعة من الأقطار الإسلامية التي تعاني من ويلات الحروب، كما أن أذى قريش امتد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد حاصروهم فـي شِعْب أبي طالب، وكتبوا صحيفة علّقوها داخل الكعبة، وكتبوا فـي هذه الصحيفة أنهم يمنعون البيع والشراء من المسلمين، وألا يزوّجوهم ولا يتزوجون منهم، وغيرها من البنود التي تمثل قطيعة مع الرسول وأصحابه، فأصبح المسلمون فـي ضائقة، حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم ربط الحجارة على بطنه الشريف من شدة الجوع، وهذه الحالة تتجسد الآن فـيما يمر به أبناء غزة المحاصرين، الذين لا يجدون ما يسدّون به جوعهم، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم صبر على كل تلك الابتلاءات، وقد أكلت الأرض تلك الصحيفة ونقضتها بأمر الله، قبل أن تأخذ الحمية فتيان من قريش لنقض تلك الصحيفة، فوجدوا أن الأرضة قد أكلتها، فكانت هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم تمثل نصرًا للإسلام والمسلمين نتيجة صبرهم وتمسكهم بدينهم وصدق إيمانهم وثقتهم بربهم، فأنالهم الله بعد العسر يسرًا، وبعد الذلة عزًّا، فبداية هذا العام الهجري الجديد تمثل فرصة لتثبيت القلوب، بأن بعد العسر يسرًا، وبعد الشدة فرجًا.