صحيفة التغيير السودانية:
2025-10-12@23:51:31 GMT

عنف السلطة ولعنة الذهب

تاريخ النشر: 18th, November 2024 GMT

عنف السلطة ولعنة الذهب

محمد بدوي

يخطو فارعا بثبات كشجرة ميلاد اقتنصت جذورها مسار نبع، صبي لم يتجاوز السادسة عشر من العمر، استوقفتني تحيته التي سبقتها ابتسامة كشفت بياض سنون الشعوب الاصيلة، قائلا ” سلام يا خال، كيفك”، انه ” دينق” أو ” جدو” كما تسعده المناداة، رددت التحية ببسط الكف هاشة مرحبه به، ابتسم مرة أخري وهو يخفض راسه ليجسر فارق الطول وهو يعقب على تحيتي، الحمد لله ، ” جدو” حملته أحوال انفصال الجنوب بعيدا عن ضاحية مولده الكلاكلة الخرطومية إلي جوبا وطن الأجداد، ودعته جوبا شرقا أفريقيا حيث منابع النيل لاكمال دراسته الاساسية، فاربكته الجغرافيا ومادة الجغرافيا بتضاريسه الجديدة، ليزداد إرتباكا حينما سقط النيليين في صراع بالدولة الجديدة، فعاد الوجدان بحثا عن حنين تركه دون وداع بالكلاكلة فظل حين تباغته الغربة يردد ” انا ود الكلاكلة”، ولا شنو يا ” خال” ! ثم يردفها بمقاطع من النشيد الوطني لجنوب السودان بالإنجليزية

” أيتها الأرض الأم
نرفع العلم عاليا بإفتخار
وقد توحدنا في سلام وتناغم”

يكملها ثم يختم حديثه كقائد اوركسترا “ افريقيا ويي“ ويمضي سعيدا.

(٢)
عرفت السودان والسودانيات/ين مع إرتباطها بالعمل مع السودانيين لأكثر من عقدين، وعرفت الخرطوم ونهره بحكم عمل زوجها في أحد المؤسسات الدولية بالسودان، قابلت كثيرن/ات في أوقات مختلفة،آخرها كان قبل إندلاع الحرب، تكشف إعجابها ببسالة الشابات/ ب السودانيين ادبان ثورة ديسمبر٢٠١٨،شهقت حينما قابلت احدي المصورين الشباب الذين كانوا يخوضون غمار المواكب بكاميراتهم، يغامرون بحياتهم في توثيق تاريخ التغيير، ويسطرون في صفحات التوثيق لحالة للأحداث صورا حيه، قالت ذات مره أعمل كصحفية لسنوات طويلة، لكن أجد ما تقومون به أكثر جسارة وتاثيرا، لا أملك الإ أن أبذل كل انحناء لكم.
حين اشعلت الحرب نيرانها، اتصلت تسال عن الحال، تدعوا باللطف، وتحملني رسالة تضامن للاصدقاء الذين قابلتهم، هكذا عبرت ساندرا الصحفية الكينية عن إحساسها تجاه من عرفتهم وعن نهر النيل الذي عرفته من حكاوي زوجها عنه، لكن مياهه اختلطت بالدم والدموع قبل أن يتحقق حلم زيارتها، فاطل الراحلين تاج السر الحسن وعبدالكريم الكابلي في مقطع من قصيدة آسيا وأفريقيا
” مثل شاهدت جومو
وقد شاهدت جومو
مثل ما امتد كضوء الفجر يوما”

(٣)

تأسرني المقاهي التي تعلي من مزاج صنع قوتها،فاتخذني إلي جانبها مداوما ومحتفيا بما يبذل في اتقان مزاج صنعها، في احدي نهارات نهاية الأسبوع، سأقتنني خطو كسولة تبحث عن نكهة بن تريح المزاج وتربت على عصافير العصب التي تحفزها القهوة على الاسترخاء، حافظت على برتكول الجلوس حيث للعادة والبن طقس من صنو الصداقة، بعد استمعاعي بالفنجان الأول، إنتبهت إلي الشخص الجالس على مقربة مني، إلتفت اليه محييا ومردفا أنا آسف جلست دون إلقاء التحية، بنصف ضحكة قال ” عادي يا خال”، شكرني حين دعوته إلي فنجان قهوة، بحكم اقامتي الطويلة بالمدينة صار من اليسير معرفة القادمين الجدد، فدون مقدمات التفت اليه بعد ارتشافي الفنجان الثاني، خليت السودان كيف! ضحك ضحكة عامرة بالغبطة، ثم اردف انا إريتري يا خال، حتي تلك اللحظة لم تعالجني لحظة شك في ملامحه ولهتجته السودانية، ضحكنا معا، أحسست بالحرج، قبل أن اعتذر اليه عدم حصافتي، فقد حملت مناداتي بالخال سودنة يخفق لها الخاطر في المنافي، إزاح ستر الحرج مواصلا يا خال نحن كنا واحد، السودان كيف هسي؟ الناس ديل ما دايرين تفقوا؟ هززت راسي بالنفي في أسي، واصل، السودان سمح لكن خربوه، كأن ذلك ” تسفاي” شاب دفعته ظروف القرن الافريقي ليخرج متسللا، ليستقر في الشرق الافريقي، رغم ذلك حمله الحنيين إلي السودان ليغادر منها إلي كندا، إختار ١٥ أبريل ٢٠٢٣ للعودة للخرطوم لكن وهو داخل صالة المغادرة فإجاته الحرب كما باغتت السودانيين بالغاء الرحلة، عاد ادراجه إلي المدينة لم يندب الحظ ويلعن، بل إكتفي انها مشيئة ” القدير فينا”، التقيته مره تانية للتهنئة بعيد الاستقلال ال٣٣ لاريتريا، فبادر بتشغيل مقطع فيديو لاحتفال الجالية الاريترية بدولة قطر بالذكري ال٣٣ للاستقلال، كانت الفنانة الاريترية ” هيلن مليس” اغنية آخر المطاف لحنها واداها الفنان حيدر بورتسودان :
” جبروك ولا براك نسيت
عشرتنا أيام الصفا
إلفتنا كان زاد العمر
في ظل رياضنا الوارفة”

(٤)

والله الخرطوم كويس، ياخ مالك ياخ، مكنة لاي زول ! ، قالتها افصاح الصبية التي انتمت تقاطيع وجهها للملاحة، يسند جمالها سنون بداية العمر، بما قد لا يتجاوز الرابعة والعشرون ربيعا ” ازهرا”، وقفت في اعتدال تمد يدها بينما تكفل صديقي ماكفل بتعريفنا، جاء اللقاء عقب مكالمته، شوف يا اخوي، دى اختنا، وعندها مشكلة دايره ترسل قروش لاختها في مدني، قلت ليها انا الزول ده صحبي لو عنده حساب في بنكك ما بيقصر، لو ما عنده بيورينا نلاقيه كيف.
نجحت افصاح في مغادرة اليوم الشرقية عقب بدء حرب أبريل السودانية، فهي احدي مقاتلات جبهة التقراي اللائي لجان إلي السودان منذ العام٢٠٢١، وجهتهم الي كيف يمكنهم إرسال النقود، التفتت وسألتني انت جيت قريب من السودان؟ الحرب ده ما بقيت قريب؟ باغتتني باسئلتها! فاردفت السودان كويس والله، ليه لكن؟ اي لماذا اندلعت الحرب! اوووه ما أوضح الإجابة واقسي الحال، إنه عنف السلطة ولعنة الذهب وقسوة المغول.

(٥)

يا ” الخال” كيفك!، كيف السودان الشقيق؟ عبدالرحمن شاب صومالي، يحب عطبرة وطنا، فقد درس بجامعة نهر نيلها، احب السودان عشقا موازيا للصومال، يختفي بذكرياته وعاطفته التي توهجت في حب سوداني، تسكنه بذكريات كلما استرسل فيها انخفض صوته، وتهللت اساريره معبرة عن مدي خفقان القلب، فالعشق سوداني كان يمني الحال بزيارة ” تسعد القلب المعني” ، يا ” الخال” هكذا يلقيها تحيه عطرة يضحك ثم يسترسل ” صومالي شنو ” صارت تطلق تمييزا للصوماليون الذين عاشوا في السودان..

(٦)
على رصيف الشارع الاسفلتي الذي شيد حديثا لاستقبال قادة مؤتمر القمة الاسلامي، وضعت طاولتها التي تراصت عليها الخضروات المختلفة المعروضة للبيع، كانت على مقربة من طاولة أخري اكبر حجما، أيضا لبيع الخضروات، تحركت حفصتوا” حفصة” ما يقارب العشرين خطوة من حيث كانت تقف مع صاحبة الطاولة الثانية، وقفت امامي بعد التحية بالإنجليزية، نعم، مرحبا بك، كيف يمكن أن اخدمك؟
افصحت عن رغبتي في شراء الطماطم والخيار والليمون، لزوم صحن السلطة، طالبتني بالانتظار ريثما تحضر لي اليمون من جارتها، في تلك اللحظة سرحت مع حركة السيارات العبارة للاسفلتي الجديد الذي ربط بين الشارع الممتد من المطار إلي مدينة بانجول بضاحية سنقامبيا السياحية على المحيط الاطلنطي، أحضرت الليمون وهي تتهيأ بوضع الخضروات على الكيس البلاتسيكي، سالتني من الي البلاد انتمي؟ اجبت مقدما اسمي ، ثم الي اي افريقيا انتمي، ما ان اجيت الا وسارعت بالسؤال عن الحرب وعن امل توقفها؟ اجبتها لا يفكر الأطراف في ذلك البته! تضامنت بدعاء صادق بأن تقف لطلعة الرصاص.
شجعني ذلك على سؤالها عن حال بلدها ، أجابت سياسيا لا مشاكل لكن اقتصاديا الحال متراجع جدا، ختمت حديتها لقد اسقطنا جامع ” قصدت اسقاط الرئيس السابق يحي جامع توريه من السلطة في ٢٠١٥” وفي انتظار صناديق الاقتراع لنسقط الحال، ختمت حديتها ليس لنا غير الانتخابات وسيلة، لا مجال للعنف البته.
سارعت خطوي عائدا الي السكن، اغلقت باب الغرفة، ادرت محرك البحث على ” اليوتيوب” بحثت عن الفنانة القامبية” سونيا جبرتا”، إستلقيت غارقا مع اغنيتها ” ماديبا” التي تعني ” اله المطر”، هكذا قدمتها سونيا قبل بدء العزف والغناء الذي سبقته بترديد اسم دخلتها قامبيا، قامبيا، كان تفاعل معها الحضور بالاستجابة.

(٧)
الصراع ليس جديدا، انما الجديد هو انفجاره هكذا في الخامس عشر من ابريل ٢٠٢٣، هكذا كان على ” رياك” احد الاصدقاء الجنوب سودانيين، ” رياك” من جيل الاطفال الجنود في الحركة الشعبية لتحرير السودان سابقا، يحكي عن تجربته بأن هجوم المليشيات والقوات الحكومية انذاك أجبره على الهرب من الدراسة بالصف الخامس الابتدائي والانضمام للقتال، كخيار لا بديل له سوي الموت.
إسترسل الحرب لا يعرفه الا من عرفها، انه خيار سئ لا جداك في ذاك، فقد فقد ابنه في حرب السودان الراهنة اثر قذيفة إصابته بضاحية الكلاكلة وهو في طريقة لاستلام مبلغ مالي لتكلفة المواصلات التي ستقله من الخرطوم إلي خارجها، بينما نجا شقيقاه اللذان كانا بعدني عقب انتقال الحرب اليها، ظل النقاش بيننا مستمرا منذ بدء الحرب حول اسبابها، كأن منطقه بأن الجنوب ذهب نتيجة للحرب السياسية، لماذا تستمر الحرب في السودان، ظلت اردد بأن الأسباب لا تزال قائمة فقد فشلنا في إدارة الدولة السودانية لبعد الاستقلال، التنوع السوداني تلزمه فدرالية تضع الجميع على قدم المساواة في ممارسة الحقوق بشكل يتسق ومسار التنوع والخلفيات التاريخية التي تشكلت بها حدود الدولة، فالثقل المربوط بفترات الاستعمار بما فيها سياسات المناطق المقفولة ظل اثرها مهملا، ظل هذا الجدل يكسب النقاش حيوية كلما التقينا، إلي اخر مره عرج على اسباب خطاب الكراهية السائد في حرب السودان؟ قلت برغم تعدد الأسباب،لكن انظر إلي السودانيات/ان في ارجاء السودان الاربعة، ستجد مشتركاتهم الحدودية تبصم على ان وجودهم كقوميات سابق لترسيم الحدود،تغيبنا لذلك جاء من اغفالنا للاهتمام بمد الافريقيانية في فترة التحرر الافريقية، وتوهاننا بحثا عن الغابة والصحراء فتاهت بوصلة هويتنا من حينها !

(٨)
جلابية بيضاء بتفصيلة سودانية المزاج، طاقية راس اشتركت في اللون مع الجلابية، جلس منهما على مقعد الطائرة، فرحلة السفر بدأت من ” عد حسين” بالخرطوم، إلي مطار بورتسودان، ثم مطار القاهرة الدولي قبل أن يجلس في انتظار الإقلاع من مطار استنبول إلي وجهته بنواكشط المورتانية، شاب يخطو نحو النصف الأول من العقد الثالث، عاد إلي الخرطوم بعد اندلاع الحرب قادما من نواكشط التي قضي بها ثمان سنوات منقبا عن الذهب، لكنه يعود إليها وبرفقه آخرين من أفراد عائلته، حاولت كثيرا عبر الهاتف على حثهم على الخروج من السودان بعد اندلاع الحرب، لكت اصدمت محاولاتي تحت صخرة اصرارهم بالبقاء، فلم يكن ثمة حل سوي ان احضر بنفسي، وأشرف على سفر عدد منهم في مجموعات صغيرة لاتتعدي الشخصين، فها انا ومن معي اخر من استهدفهتم بالخروج.
لم نواكشط على وجه التحديد، إنها بلاد استقبلتنا بالترحاب، تمنحنا تأشيرة الدخول في مسارها بلا معاناه، وتمنحنا أرضها ذهبها بسخاء، ذلك قبل الحرب اما الان فهي خيار بعد كل هذا العسر الذي فرضه واقع القتال.
لفت انتباهي أن أحد الإثنين اللذان برفقته صبي في سن تقارب الخامسة عشر، مرتديا جلابية بيضاء وسديري رمادي اللون، اخد من الانهاك مبلغا، هبطت الطائرة نزلت ملوحا بالوداع وتركتهم في انتظار الإقلاع إلي نواكشط التي صارت وطنا بديلا” لعد حسين” والخرطوم، وانا اردد في سري، حتما نواكشط أحد منافي الحرب الدافئات فلا زلن النسوة يقدلن في شوارعها بثيابهن الجميلة تحفن الأناقة ويحرسهن الامان.

(٩)

كل تلك المشاهد باغتتني جملة، دفعها فيديو أرسله لي صديق على وسائل التواصل الاجتماعي، لم اكمل مشاهدته فقد دابت على عدم مشاهده المقاطع التي تحمل مشاهد مروعة، لسبب بسيط هو أن ما يحدث تكرار لمشاهد شابقة، فلا داعي للسماح للاكتئاب المجاني بأن يطرق بابي على مزاج من قصدوا المحتوي والترويج له، فقد ثبت بأنه وصل بنا الحال إلي ذبح بعضنا لبعض كسودانيبن بشهوة لا يحسدنا عليها سكان الغابة، اقترن ذلك بخطاب كراهية هستيري، يا ليت الأمر وقف عند ذاك الحد، عاد الصديق متصلا، استفسرني عن مشاهدتي للفيديو؟ اجبته باني اكتفيت بقراءة التعليق، عاتبني وارتفعت نبره صوته، بالغت ياخ كأن تشوفه، اجبته يعني ” اخلي” كل المحتوي الذس يناصر وقف الحرب وكناهضة سوء الكراهية واسخر وقتي لمشاهدة ما أرسلت، واصلت وقد بلغ بي الضيق مبلغا، قائلا انت ما بتعرف ترسل محتوي فيه غناء، اي حاجة عندها علاقة بالمواطنة، خليك من ده ارسل نعم لوقف الحرب فهي طوق نجاتنا يا صاح، فقد غيب صوت الرصاص ضميرنا الجمالي الذي كان شعاره
” الناس في بلدي ..يصنعون الحب”، لكن حوله المغول، العسس ومليشياتهم إلي ” الحرب في بلدي من أجل السلطة والذهب”، حتي باغت عنف الدولة مهارة السودانيين/ات في صنع الحب، فحين صرنا ” بلا محبه ولا نملك الحبه” لعلع الرصاص.

الوسوممحمد بدوي

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: محمد بدوي

إقرأ أيضاً:

غرف الطوارئ السودانية شبكة شبابية رُشحت مرتين لجائزة نوبل للسلام

غرف الطوارئ السودانية شبكة شبابية تطوعية نشأت بعد اندلاع الحرب في السودان عام 2023، بهدف تقديم الإغاثة والدعم للمدنيين المتضررين من النزاع.

تضم الشبكة أكثر من 700 غرفة تنشط في مجالات الصحة والإجلاء والدعم النفسي وحماية النساء والأطفال، ونالت إشادة دولية واسعة، كما رُشّحت مرتين لجائزة نوبل للسلام تقديرا لجهودها الإنسانية في ظل ظروف الحرب الطاحنة.

ما غرف الطوارئ السودانية؟

هي مبادرة مجتمعية تطوعية شبابية نشأت بعد اندلاع الحرب في السودان بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في 15 أبريل/نيسان 2023، وتهدف إلى تقديم المساعدات الإنسانية الأساسية للمدنيين المتضررين من النزاع، بما في ذلك الغذاء والرعاية الصحية والدعم النفسي والإجلاء.

وتتكون غرف الطوارئ من مجموعات من المتطوعين الشباب من مختلف التخصصات، بينهم أطباء ومهندسون ومعلمون وناشطون في مجالات الإغاثة والعمل المجتمعي.

وتستند هذه المبادرة إلى مفهوم "النفير"، وهو تقليد سوداني قديم يرتكز على التعاون والتكافل الاجتماعي، إذ يتكاتف أفراد المجتمع طوعا لمساعدة من يواجه ضائقة أو يحتاج لإنجاز مهمة جماعية مثل البناء أو الحصاد أو الإغاثة في أوقات الأزمات.

مجالات العمل

بحسب هند الطائف العضو في غرف الطوارئ بولاية الخرطوم، فإن الغرف تضطلع بمهام حيوية عدة، تشمل:

دعم التكايا المجتمعية والمراكز الصحية، وتوفير منظومات الطاقة الشمسية لتيسير عملها. تقديم المساعدة في عمليات الإجلاء للأشخاص الراغبين في الانتقال من منطقة إلى أخرى. تقديم الدعم للنساء والفتيات المعنّفات أو اللواتي تعرضن لانتهاكات، سواء عبر توفير البروتوكولات الخاصة بحالات الاغتصاب والتحرش الجنسي، أو بتقديم الدعم النفسي والطبي لهن. إنشاء مساحات آمنة للنساء وأخرى صديقة للأطفال تُقدم فيها أنشطة توعوية وترفيهية. تنظيم حملات مناصرة إعلامية تسلّط الضوء على القضايا الإنسانية والمجتمعية. إعادة تأهيل المدارس وتوفير الوجبات الغذائية للأطفال والمعلمين. تنفيذ حملات للإصحاح البيئي، وتوفير الأدوية في الصيدليات ومياه الشرب النظيفة للمجتمعات المحلية.

وتضم غرف الطوارئ، البالغ عددها أكثر من 700 غرفة، مكاتب متخصصة من بينها مكتب الحماية والمكتب الطبي والمكتب النسوي ومكتب التمويل وغيرها.

إعلان

ويتميز الهيكل التنسيقي للغرف بكونه أفقيا ومجتمعيا، إذ تنقسم غرف الأحياء إلى لجان محلية، وتُشكل مجموعة غرف الأحياء وحدة إدارية مستقلة ثم تُنظم غرف المحليات، التي تتجمع لاحقا لتكوّن غرفة ولاية.

ويُشكل بعد ذلك مجلس تنسيق العمل القاعدي، الذي يضم ممثلين من جميع ولايات السودان البالغ عددها 18 ولاية، ويهدف إلى التنسيق بين الغرف والمنظمات التي تُقدم الدعم.

وتُمول غرف الطوارئ عبر دعم من منظمات دولية ووطنية، إضافة إلى تبرعات يقدمها الخيرون والأفراد ورجال الأعمال.

غرف الطوارئ في السودان تُقدم المساعدة في عمليات إجلاء الفارين من الحرب (موقع الأمم المتحدة)تحديات تعيق طريقها

منذ بدء عملها، واجهت غرف الطوارئ السودانية جملة من التحديات التي أعاقت أداءها الميداني، ومن أبرزها نقص التمويل مقارنة بحجم احتياجات المجتمع، إذ لا تكفي الموارد المتاحة لتغطية احتياجات المتضررين، بحسب مصادر.

كما تعاني أيضا من وجود منظمات وسيطة بينها وبين الجهات المانحة نتيجة عدم تسجيلها بصورة رسمية، وهو ما يؤدي إلى تقليص قيمة المنح المقدمة ويحد من فاعلية إيصال الدعم في الوقت المناسب.

إلى جانب ذلك، تشكل البيروقراطية الإدارية -إجراءات إدارية رسمية معقدة- إحدى العقبات التي تسبب في تأخر وصول المساعدات الإنسانية، إضافة إلى غياب الحماية الكافية للمتطوعين، مما يجعلهم عرضة لمخاطر جسيمة تشمل الاستهداف والاعتقال والتعذيب.

وبحسب هند الطائف، فقد تجاوز عدد المتطوعين الذين فقدوا حياتهم حتى عام 2025 أثناء أداء مهامهم الإنسانية مئة متطوع.

ويضاف إلى ذلك تصنيف بعض المتطوعين بشكل خاطئ على أنهم يتبعون لأحد أطراف الحرب، الأمر الذي عرضهم لمزيد من المخاطر.

ترشيحها لجائزة نوبل للسلام

في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول 2024، أعلن معهد أبحاث السلام في أوسلو عن ترشيح غرف الطوارئ السودانية لنيل جائزة نوبل للسلام، واصفا إياها بأنها "رمز للأمل والصمود في وقت تمر فيه البلاد بأزمة إنسانية حادة".

وأشار بيان المعهد إلى أن هذه الغرف أدت دورا رئيسيا في تقديم المساعدات الإنسانية الأساسية لملايين السودانيين، بما في ذلك الرعاية الطبية للنازحين والفئات الأكثر ضعفا.

وبحسب بيان المعهد، تعمل هذه الغرف بشكل لا مركزي وتواجه تحديات أمنية ونقصا في الموارد، ورغم ذلك تستمر في تقديم الخدمات الإنسانية الأساسية للأشخاص المتضررين من النزاع.

غرف الطوارئ في السودان رشحها معهد أبحاث السلام في أوسلو مرتين لنيل جائزة نوبل للسلام (شترستوك)

وفي يناير/كانون الثاني 2025، ظهرت غرف الطوارئ ضمن قائمة مرشحي معهد أبحاث السلام لنيل جائزة نوبل للسلام.

وقال هنريك أوردال، مدير المعهد إن "غرف الطوارئ تمثل دليلا دامغا على قوة الصمود المحلي والعمل الجماعي في مواجهة الحرب الوحشية"، مضيفا أن عمل أفرادها يسلط الضوء على الجهود المترابطة اللازمة لتعزيز العدالة والسلام في العالم.

وأوضح المعهد أن "منح جائزة نوبل للسلام لمبادرة إنسانية مثل غرفة الطوارئ السودانية من شأنه أن يبرز الأهمية الحاسمة للوصول إلى المساعدات المنقذة للحياة في أوقات النزاع".

فوزها بجوائز أخرى

في أواخر أبريل/نيسان 2025، أعلن الاتحاد الأوروبي منح جائزته لحقوق الإنسان لشبكة غرف الطوارئ في السودان، تكريما لدورها الإنساني في مواجهة تداعيات الحرب في البلاد.

إعلان

وقال مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إن غرف الطوارئ أظهرت شجاعة استثنائية والتزاما راسخا بتقديم المساعدات أثناء الحرب.

وفي 17 سبتمبر/أيلول من العام نفسه، أعلنت لجنة جائزة رافتو النرويجية لحقوق الإنسان منح جائزتها للعام 2025 إلى غرف الطوارئ السودانية، تقديرا لجهودها في حماية الحق في الحياة.

وتُمنح جائزة البروفيسور ثورولف رافتو التذكارية لحقوق الإنسان سنويا للأفراد أو المنظمات الذين تميزوا في عملهم من أجل حقوق الإنسان والديمقراطية.

وبعد أسبوعين من حصولها على جائزة رافتو، حصدت غرف الطوارئ السودانية جائزة مؤسسة "رايت ليفليهود" في ستوكهولم، التي تُعرف أيضا بـ"نوبل البديلة".

وفازت غرف الطوارئ بالجائزة "لبنائها نموذجا مرنا للتكافل وسط الحرب وانهيار الدولة، يتيح دعم ملايين الأشخاص بكرامة"، وفقا للمؤسسة المانحة للجائزة.

مقالات مشابهة

  • فاق التوقعات.. قفزة قياسية لإنتاج الذهب في السودان والتحول الرقمي على رأس أولويات القطاع
  • طبيب غزاوي للوموند: هذه هي المعركة التي تنتظرنا بعد انتهاء الحرب
  • غرف الطوارئ السودانية شبكة شبابية رُشحت مرتين لجائزة نوبل للسلام
  • ما قصة الكلمات المهينة التي وجهها كوشنر إلى عباس؟ (فيديو)
  • مستشار الرئيس الفلسطيني: وقف الحرب بداية جيدة.. ونوجّه الشكر لمصر التي أنقذت الدم الفلسطيني
  • الرئيس السيسي يتلقى اتصالًا هاتفيًا من المستشار الألماني ويؤكد أهمية الحفاظ على دور السلطة الفلسطينية
  • ماذا بقي من اتفاق جوبا للسلام في السودان بعد خمس سنوات على توقيعه؟
  • داخلية غزة: سنبدأ الانتشار بالمناطق التي انسحب منها الاحتلال
  • داخلية غزة ستبدأ الانتشار بالمناطق التي انسحب منها الاحتلال
  • أجهزة التنفس التي جعلت إسرائيل حيّة إلى اليوم