ترامب واستكمال "صفقة القرن"
تاريخ النشر: 18th, November 2024 GMT
عبدالنبي العكري
توج دونالد ترامب انتصاره وانتصار الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية والكونجرس باحتفال ضخم في بالم بيتش بفلوريدا حيث منتجعه ومقره الفخم، حضره كبار قيادات ومسؤولي الحزب الجمهوري وقيادات حملته الانتخابية.
في هذا الاحتفال ردد ترامب عباراته المشهورة "دعونا نجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى "وعرض ملامح من برنامجه لتحقيق ذلك على الصعيد الداخلي والخارجي، ودعا للمنصة أبرز هؤلاء لمخاطبة المحتفلين.
بعد ذلك بدأت مكالمات وبيانات التهنئة تتدفق على الرئيس ترامب حيث جرى إعلان أو تسريب محتواها كمؤشر على طبيعة العلاقات المتوقعة ما بين بلدان وزعماء هذه الدول والولايات المتحدة في ظل قيادة ترامب. لكن الأهم هو سلسلة المشاورات والاتصالات المكثفة ما بين ترامب وفريق عمله مع قيادات الحزب الجمهوري وخصوصا أولئك الذي احتفظوا بمواقعهم أو الذين فازوا في مجلس الشيوخ ومجلس النواب وحكام الولايات، وذلك من أجل اختيار أعضاء إدارته القادمة وكبار المسؤولين واختيار الفريق الانتقالي قبل اجتماعه مع الرئيس بايدن يوم الأربعاء 13 نوفمبر الجاري والذي ستنتهي ولايته في 20 يناير 2025.
ومن خلال تصريحات الرئيس المنتخب ترامب ونائبه فانس، ومكالماته مع زعماء منطقة الشرق الأوسط والبلدان العربية، وتعييناته للمناصب ذات العلاقة بإدارة السياسية الخارجية والأمنية والاقتصادية والتجارية مع هذه البلدان يمكن أن نتبين ملامح سياسة أمريكا في ظل رئاسة ترامب تجاه حرب الإبادة الصهيونية على الشعبين الفلسطيني واللبناني وعملياتها العدوانية ضد محور المقاومة والسياسة الأوسع تجاه الصراع "الإسرائيلي "الفلسطيني وأبعاده العربية والإقليمية والدولية.
ترامب وصفقة القرن
تستند العلاقات الأمريكية الإسرائيلية على قاعدة ذهبية هي أن الولايات المتحدة الأمريكية أهم حليف وداعم للكيان الصهيوني منذ قيامها في 1948 وأنها تصيغ وتفرض سياستها في منطقة الوطن العربي والشرق الأوسط بل والعالم لضمان تفوق "إسرائيل" عسكريا وانتصاراتها في حروبها المتتالية وقضمها لفلسطين وتوسعها في المحيط العربي لفلسطين، وفرض الخضوع والتطبيع العربي مع الكيان المحتل، وبالتالي فإن الاستراتيجية الأمريكية والصهيونية متطابقتان في تمزيق وإخضاع الوطن العربي للهيمنة الأمريكية والصهيونية. وآخر تجليات هذه الاستراتيجية هي حرب الإبادة الصهيونية الحاليه بشراكة أمريكية كاملة.
خلال فترة رئاسته الأولى (2017- 2020) قدم الرئيس ترامب "لإسرائيل" وللحركة الصهيونية ما لم يقدمه رئيس أمريكي في التاريخ. لقد تبنى ما يُعرف بصفقة القرن ومفادها تصفية القضية الفلسطينية نهائياً ودعم الكيان الصهيوني في الاستيطان والضغط لتهجير الفلسطينيين من فلسطين المحتلة وترجمة لذلك عمد ترامب لدعم سياسة التهويد ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة واعترف بسيادة "إسرائيل" على الجولان المحتل. وفي سبيل فرض اعتراف وتطبيع الدول العربية بالكيان المحتل فقد قاد مايعرف بالاتفاق الإبراهيمي والذي طبعت فيه أربع دول عربية هي الإمارات والبحرين والمغرب والسودان علاقاتها مع "إسرائيل" والعمل لتوسيع التطبيع ليشمل دولا عربية وإسلامية أخرى. لقد تم ذلك في ظل حكومة "إسرائيلية "يمينية عنصرية متطرفة، يرأسها الصهيوني المتطرف نتنياهو حيث جمعته مع ترامب رؤية مشتركة واحتفظ بعلاقات خاصة حتى بعد أن فشل ترامب في تجديد رئاسته.
استكمال صفقة القرن
طوال حملته الانتخابية فقد كانت صفقة القرن وما قدمه ترامب "لإسرائيل" وتأكيده بأنه الصديق المؤتمن "لإسرائيل" واليهود والحركة الصهيونية في العالم في مركز اهتمام حملته الانتخابية. وبالمقابل فقد تدفقت على حملته الانتخابية التبرعات السخية من اللوبي "الإسرائيلي" والاغنياء اليهود. من هنا موقفه الشرس ضد الحركه الاحتجاجية الطلابية الجامعيه والأهلية المعارضه للسياسه الأمريكية وحرب "إسرائيل" والمناصرة لشعب فلسطين، ووصمه المقاومة الفلسطسنسة واللبنانية وإيران بالإرهاب.
لاشك أن اللوبي "الإسرائيلي" لعب دورا حاسما في انتصاره وحزبه الجمهوري في هذه الانتخابات. كما إن نتنياهو يفضل ترامب والحزب الجمهوري بتوجهاته الحالية على هاريس والحزب الديمقرطي ولذلك أفشل جميع مبادرات الإدارة الأمريكية لوقف حرب الإبادة في غزة ولبنان رغم أنها لصالح الكيان المحتل لئلا تضاف إلى لرصيد هارس والحزب الديمقراطي.
وبالمقابل، فقد كان التحالف العربي الإسلامي التقدمي منقسماً على نفسه وفي مأزق ما بين التصويت لمرشحة الديمقراطيين كمالا هاريس نائبة الرئيس جو بايدن التي شاركت حكومتها "إسرائيل" في حرب الإبادة لأكثر من عام ورفضها حتى الدعوة بإيقاف تسليح الكيان الصهيوني وإيقاف الحرب، ودونالد ترامب المرشح الجمهوري الذي طالب نتنياهو بإنهاء الأمر بسرعة وانتقد مساعدوه الإدارة الديمقراطية ما يدعونه تقصيرا في دعم "إسرائيل" وضغوطا على نتنياهو، وأيد توسع "إسرائيل" على حساب العرب وإكمال صفقة القرن. واكتفى ترامب بالقول إنه يسعى للسلام في الشرق الأوسط دون التزامات محددة.
من خلال مكالمات التهنئة مع المنتصر ترامب، فقد كان نتنياهو أول الزعماء ممن هنأوا ترامب وتم التأكيد على التحالف الاستراتيجي بين الكيان الصهيوني وأمريكا والعلاقات الشخصية التي تربط الصديقين وإنجازات ترامب لصالح "إسرائيل" في ظل قيادتهما. وذكر أن نتنياهو عين سفيرا جديدا "لإسرائيل" الملائم لمرحلة ترامب. أما مكالمات ترامب مع بعض الزعماء العرب فإنها أكدت على العلاقات الاستراتيجية لدولهم مع أمريكا وتطلعهم لتعزيزها في عهده دون المطالبة بوقف حرب الإبادة "الإسرائيلية" ومشاركة أمريكا فيها. وبالنسبة لمكالمة الرئيس الفلسطيني أبو مازن فقد كشف الجانب الفلسطيني عن فحواها ومطالبته ترامب بالعمل لوقف حرب الإبادة وتحقيق سلام دائم وشامل في الشرق الأوسط لكن ترامب وفريقه لم يذكروا ما قاله ترامب لأبي مازن في تجاهل متعمد لذلك.
الكيان الصهيوني بقيادة نتنياهو يتصرف بثقة أكبر بعد انتصار ترامب في الاستمرار بحرب الإبادة وتوسيعها بدعم ومشاركة أمريكية. ورغم حديث ترامب العابر عن السلام في المنطقة فقد وجه تهديدات لإيران باعتبارها المسؤول الأول عن تهديد الاستقرار في المنطقة وأكد ليس على بقاء القوات الأمريكية في العراق بل تدعيمها لمواجهة احتمال الحرب معها، وهو ما تسعى إليه "إسرائيل". كما إنه ليس صدفة زج إيران فيما يدعى بمؤامرة لاغتيال ترامب حيث ادعي بأنه كلف فرهاد زخاري لوضع خطة بذلك لصالح الحرس الثوري، لتبرير شن هذه الحرب، رغم نفي فرهادد لذلك وعدم الحصول على مثل هذه الخطة. كما إن ترامب يعتبر المقاومة الفلسطينية واللبنانية منظمات إرهابية ولم ينتقد أبدًا عمليات حرب الإبادة ضد المدنيين ولم يبدِ تعاطفا مع عشرات الآلاف من الضحايا أو خطط "إسرائيل" لاقتلاع الفلسطينيين وتهجيرهم.
في ظل مواقف ترامب وتوجهات إدارته القادمة، فإن "إسرائيل" لم تعرض حتى هدنة للحرب بل أفصحت عن خططها الأكثر خطرا ودموية، فهي ماضية في مجازرها في غزة وحصار التجويع لإجبار الفلسطينين للتهجير لصحراء سيناء وقد أقامت مجمعاً عسكريًا ضخمًا عند محور نتسريم لشق قطاع غزة. وبالنسبة للبنان، فلم يعد مطلب"إسرائيل" الالتزام بالقرار الأممي 1701 بل هزيمة حزب الله وضمان تجريده من السلاح بضمانة دولية مقابل هدنة وليس وقفا لإطلاق النار والانسحاب من لبنان. وهي مستمرة في حرب الإبادة في كل لبنان حيث الضحايا بالآلاف وقد تفاخر نتنياهو بأنه هو من أمر بمجزرة البيجر، رغم معارضة المسؤولين الأمنيين، فيما تفاخر رئيس الأركان هاركابي بأن "إسرائيل" هزمت حزب الله وقتلت قائده ولذا فهي من يفرض شروط وقف الحرب.
يبدو أنَّ حرب الإبادة "الإسرائيلية" ستستمر حتى تسلم دونالد ترامب للرئاسة في 20 يناير 2025، في ظل مباركة ترامب والحزب الجمهوري وتواطؤ بايدن والإدارة الديمقراطية.
لكن هل هذا قدر مكتوب على المقاومة الفلسطينية واللبنانية وحلفائهما؟
بالطبع لا، فإنه بالرغم من خسائر المقاومة والشعبين الفلسطيني واللبناني الجسيمة، فإن خسائر الكيان الصهيوني لاسابق لها، ومن هنا فإنَّ نجاح المخطط الصهيوني الأمريكي ليس قدرًا، ولا شك أن الحرب مفتوحة على مختلف الاحتمالات.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
البيت الأبيض ينفي تخلي أمريكا عن إسرائيل ولكن.. ترامب "منفعل" بسبب تعنت نتنياهو
تواجه إسرائيل تصاعدًا في الضغوط الدولية والداخلية مع استمرار عمليتها العسكرية في قطاع غزة، في ظل انتقادات لتفاقم الوضع الإنساني ودعوات أمريكية متزايدة لإيجاد حل دبلوماسي. في المقابل، تزداد حدة الانتقادات الداخلية ضد حركة حماس، التي تواجه غضب بعض سكان القطاع بسبب تداعيات الحرب. اعلان
مع دخول العملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة شهرها الثالث، تتزايد الضغوط على الحكومة الإسرائيلية من الداخل ومن حلفائها الدوليين بسبب التدهور الحاد في الوضع الإنساني بالقطاع.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قرر مؤخرًا السماح بإدخال كميات محدودة من المساعدات الإنسانية إلى غزة، لكن القرار واجه رفضًا حادًا من القاعدة السياسية المتطرفة التي تدعم ائتلافه الحكومي.
وفي معرض دفاعه عن الخطوة، أشار نتنياهو إلى أن الحلفاء الغربيين لا يستطيعون تحمل مشاهد المجاعة الجماعية التي تتصاعد في ظل الحصار المستمر.
جاء هذا التحرك بعد أيام قليلة من اختتام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لجولة في دول الخليج العربي، التي طلبت منه الضغط لإيجاد حل عاجل للصراع.
وبحسب مصادر مطلعة على محادثات ترامب خلال الجولة، فإن ترامب أبدى قلقًا حقيقيًا إزاء معاناة الفلسطينيين في القطاع، كما أصبح أكثر انفعالًا تجاه نتنياهو، الذي لم يكن يحظى بتقدير شخصي منه، خاصةً مع تصاعد خلافات بين البلدين حول إدارة الأزمة.
Relatedوزير الدفاع الإسرائيلي: الشاباك أحبط محاولة إيرانية لاستهدافي"الضغط مطلوب لتغيير الوضع في غزة".. الاتحاد الأوروبي يتّجه لمراجعة اتفاقية الشراكة مع إسرائيلغزة بين الحرب والنزوح الجماعي: إسرائيل تُخفف قيود الخروج وسط تحذيرات من "نكبة جديدة"وعلى الصعيد الدبلوماسي، تعمل الولايات المتحدة على تقريب وجهات النظر بين إسرائيل وحركة حماس عبر مفاوضات تتوسط فيها قطر، لكن جولات الوساطة فشلت حتى الآن في تحقيق أي اختراق.
وفي تصريح له يوم الثلاثاء، حذر رئيس وزراء قطر الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني من أن العمليات العسكرية الإسرائيلية "تقوض أي فرصة لتحقيق السلام" في المنطقة.
وفي واشنطن، أكد البيت الأبيض أنه لا صحة للتقارير التي تحدثت عن نية الولايات المتحدة التخلي عن إسرائيل، لكنه شدد على أن الرئيس ترامب يعمل بجد على إيجاد حل دبلوماسي حتى مع توسع العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة.
وعلى الجانب الداخلي، تتصاعد الاحتجاجات داخل إسرائيل للمطالبة بإنهاء الحرب، وسط مخاوف متزايدة من احتمال تحول الدولة إلى "كيان منبوذ" على الساحة الدولية. وحذّر زعيم حزب الديموقراطيين الإسرائيلي يائير غالانت من أن إسرائيل قد تسلك نفس طريق نظام الأبارتيد السابق في جنوب إفريقيا إذا لم تُعد النظر في سياساتها الحالية.
أما في قطاع غزة، فتواجه حماس ضغوطًا كبيرة من سكان القطاع الذين يحملونها مسؤولية الكارثة الإنسانية الناتجة عن الحرب. ومع تصاعد الانتقادات والمظاهرات ضد الحركة، ردّ مقاتلوها بعنف على المعارضين، واعتبروا الخسائر البشرية الباهظة "ضرورية" في سياق المواجهة المسلحة.
من جهته، أعلن الجيش الإسرائيلي أن الهدف الرئيسي من العملية الجديدة هو الضغط على حماس للإفراج عن الأسرى المدنيين الذين تحتجزهم منذ هجوم 7 أكتوبر الماضي.
لكن تصريحات أدلى بها مسؤولون إسرائيليون، منهم الوزير المتطرف بيتسلئيل سموتريتش، والتي تشير إلى تدمير كامل للبنية التحتية في القطاع، أثارت قلقًا دوليًا واسع النطاق بشأن النوايا الحقيقية لإسرائيل في غزة.
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة