كيف أصبح ترامب خصما لشباب الأحياء الفقيرة بالسنغال؟
تاريخ النشر: 19th, November 2024 GMT
في الجنوب الشرقي من العاصمة دكار، يستلقي حي تياروي مكتظا بخلق كثير ينخرطون كل صباح، شيبا وولدانا، في كفاح مرير ضد الفقر الذي يطبق على 36% من سكان السنغال.
ولا يبدو من سمات الحي أن لدى سكانه أي علاقة بسير الأمور في الولايات المتحدة الواقعة على الضفة الثانية من الأطلسي وعلى بعد آلاف الكيلومترات عن السنغال.
ولكن اللقاء بالعشريني شيخ بمبا يكشف مدى عمق علاقة سكان هذا الحي بالولايات المتحدة الأميركية، وربما ينخرطون في شأنها أكثر من السنغال التي تشهد حاليا انتخابات تشريعية توصف بأنها حاسمة في تحديد وجهة البلاد خلال السنوات الخمس المقبلة.
أرقام صعبةوفقا لأرقام رسمية أميركية، فإن نحو 60 ألف مهاجر غير نظامي وصلوا الولايات المتحدة في عام 2023 عبر خط نيكاراغوا-المكسيك، ومن بين هؤلاء نحو 20 ألفا من السنغال وحدها.
وقد خاطر هؤلاء الشباب بحياتهم من أجل الانضمام لنحو 2.4 مليون مهاجر أفريقي يقيمون أصلا في الولايات المتحدة ويعملون في مختلف المجالات.
ويمثل الشباب 75% من سكان السنغال البالغ تعدادهم 18 مليونا، 36% منهم يعانون من الفقر، وفق أرقام البنك الدولي في العام 2022.
وتعتمد الكثير من الأسر الفقيرة في السنغال على تحويلات المهاجرين التي تجاوزت 2.4 مليار دولار أميركي في 2022.
وقد كان شيخ بمبا يأمل السير على درب نيكاراغوا-المكسيك للوصول إلى بلاد العم سام والالتحاق بأقرانه "الذين تمكنوا من تغيير حياتهم تماما وأصبحوا من طبقة محترمة في السنغال"، مما يعزز إيمانه بأن أميركا "هي الفرصة التي لا يمكن تفويتها" لأي شاب يريد التحرر من أغلال الفقر.
ولكن عودة دونالد ترامب للسلطة أربكت خطط الفتى الذي التقته الجزيرة نت مع أربعة من أقرانه تحت جسر ماليبو المطل على المحيط الأطلسي حيث يتجمع شباب الأحياء الفقيرة للبحث عن عمل بأجر زهيد، وربما لمداعبة فكرة ركوب الموج باتجاه الغرب.
يوضح شيخ بمبا أنه لم يكن يتمنى فوز ترامب بالرئاسة بسبب خطابه المعادي للمهاجرين، لكنه يأمل أن تكون تصريحاته مجرد وعود انتخابية سيتخلى عنها عندما يستلّم الحكم يوم 20 يناير/كانون الثاني المقبل.
وفي السنغال ومحيطها، تعيش أوساط المهاجرين قلقا كبيرا من احتمال ترحيل ترامب الأفارقة الذين وصلوا للولايات المتحدة عبر المكسيك بطريقة غير شرعية.
ويدعو شيخ بمبا أصدقاءه في أميركا لبذل كل ما في وسعهم للبقاء هناك لأن "العودة إلى السنغال ستكون خسارة كبيرة لهم".
ومثل شيخ بمبا، تورط العديد من فتية الأحياء الفقيرة السنغالية في الشأن السياسي الأميركي، ووجدوا أنهم تلقوا خسارة مدوية في الانتخابات التي فاز بها المليادير الجمهوري المعادي للمهاجرين.
لكن ممدو جالو، البالغ من العمر 25 عاما، يقول بثقة إنه يؤمن بأن أميركا ستظل تفتح أبوابها أمام كل الحالمين بحياة أفضل، "وأنا لا أزال في استعداد كامل لرحلتي إلى هناك برا أو جوا".
ويأمل جالو أن تكون تصريحات ترامب عن المهاجرين مجرد دعاية انتخابية لا أكثر لأن "الولايات المتحدة دولة ديمقراطية وأي قرار يتعلق بالمهاجرين لا بد أن يمر بمراحل عديدة قبل تنفيذه، كما أنني أعرف أن الشعب الأميركي يحب ويقدر المهاجرين الأفارقة".
ورغم وعيهم بقرب بدء مرحلة صارمة في تعامل أميركا مع المهاجرين، فإن هؤلاء الفتية يؤكدون إصرارهم على الوصول للولايات المتحدة عبر حدودها مع المكسيك.
(الجزيرة) اقتصاد شبكات التهريب
وتعتمد العديد من رحلات الهجرة حاليا على شبكات تهريب تتخذ من نيكاراغوا نقطة عبور رئيسية، ومنها ينتقل المهاجرون عبر الحدود إلى المكسيك وصولا إلى الأراضي الأميركية.
وتتراوح تكلفة الوصول للحدود المكسيكية الأميركية بين 8 آلاف و10 آلاف دولار للشخص الواحد، مما يعكس وجود نشاط اقتصادي سنغالي مرتبط بالهجرة غير النظامية تستفيد منه شبكات التهريب بشكل أساسي.
وانطلاقا من كون الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما أفريقي الأصل، يرى الأربعيني السنغالي عمر جوف أن على الحكومات الأميركية أن تقر بتجذر الروابط بين الأفارقة والولايات المتحدة، مطالبا ترامب بالتحلي بالشفقة والرحمة في تعاطيه مع اللاجئين والمهاجرين.
ولا يوافق جوف ترامب على أن المهاجرين يشكلون مصدرا للفوضى والجريمة، قائلا إن الشباب المنحدرين من منطقة رفيسك السنغالية يشكلون نموذجا في التنظيم والانضباط، ويتكفلون باستضافة مواطنيهم الواصلين حديثا للولايات المتحدة، ويعملون على توعيتهم بالقوانين ومتطلبات سوق العمل.
ورغم إيمانه بأن السنغال في طريقها للتطور والقدرة على احتضان جميع أبنائها، فإن عمر جوف يعترف بأن الحلم الأميركي يسكنه منذ أمد بعيد، وبأنه يتمنى الآن الحصول على إقامة شرعية في الولايات المتحدة.
ومثل عمر جوف، يعتقد الكثير من الشباب أن السنغال في طريقها لقفزة تنموية بعد وصول حزب باستيف للحكم وتعهده قائده رئيس الوزراء عثمان سونكو بمحاربة الفساد وخلق فرص العمل ومراجعة اتفاقات عقود النفط والغاز مع الشركات الغربية.
لكن هذا التفاؤل لا يغطي على خيبة العديد من شباب الأحياء الفقيرة إزاء تعهد الرئيس الجمهوري المنتخب بإغلاق بوابة الحلم الأميركي في وجه المهاجرين بشكل عام.
وتفاعلا مع هذه المخاوف، أعربت منظمة "السنغال بلا حدود" -التي تعنى بشؤون المهاجرين- عن قلقها البالغ إزاء تطورات الأوضاع المتعلقة بالمهاجرين في الولايات المتحدة.
وحثت المنظمة ترامب على التخلي عن تنفيذ تعهداته المعادية للهجرة، وطالبته بالتعامل مع المهاجرين بروح من الرحمة والشفقة.
كما دعت المنظمة السلطات السنغالية والأفريقية إلى التحرك العاجل لبحث القضية مع السلطات الأميركية قبل اتخاذ أي إجراءات قد تؤثر سلبا على المهاجرين السنغاليين والأفارقة عامة.
وكذلك دعت منظمات أفريقية أخرى إلى وضع حلول تحمي حقوق المهاجرين وتبعدهم من السجال الدعائي الانتخابي، انطلاقا من روح التضامن الدولي.
وكان الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب حمل المهاجرين المسؤولية عن الفوضى والجريمة في الولايات المتحدة، وتعهد بإغلاق الحدود في وجوههم، ووضع حد لسياسة التساهل معهم التي اعتمدها الرئيس المنتهية ولايته جو بادين.
لكن الفتى العشريني شيخ بمبا شدد على أنه ماض في طريقه نحو الحلم الأميركي. ورغم كل المخاطر والعقبات التي قد تواجهه عند الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، فإنه ختم حديثه للجزيرة نت بالقول "أؤمن بأنني سأحصل على حياة أفضل هناك".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات فی الولایات المتحدة للولایات المتحدة الأحیاء الفقیرة
إقرأ أيضاً:
أكبر بنوك أميركا يحذّر من انهيار سوق السندات الأميركي تحت ضغط الديون
أطلق جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك "جيه بي مورغان تشيس"، تحذيرا صارخا بشأن مصير سوق السندات الأميركي، مشيرا إلى أن هذا السوق "سينهار" تحت وطأة الدين العام المتنامي للولايات المتحدة، وداعيا إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى تغيير المسار المالي للبلاد نحو مسار أكثر استدامة.
وفي كلمته خلال منتدى ريغان الوطني الاقتصادي في كاليفورنيا، قال ديمون: "ستشهدون انهيارا في سوق السندات. أنا أخبركم أن هذا سيحدث، وستصابون بالذعر. أما أنا فلن أذعر. سنكون بخير".
يشار إلى أن "جيه بي مورغان تشيس" يُعد أكبر بنك أميركي من حيث حجم الأصول، إذ تتجاوز 3.9 تريليونات دولار. ويعد من أقوى البنوك على مستوى العالم من حيث التأثير والاستقرار المالي.
قلق متزايد في وول ستريتتصريحات ديمون، الذي يقود أكبر بنك في الولايات المتحدة، تعكس قلقا متزايدا في وول ستريت من حجم العجز المالي الأميركي، خاصة في ظل مراجعة الكونغرس لمشروع الموازنة الجديد الذي يصفه ترامب بأنه "كبير وجميل".
والمشروع، الذي تم تمريره في مجلس النواب الأسبوع الماضي ويخضع حاليا لمراجعة مجلس الشيوخ، يُتوقع أن يرفع العجز الفدرالي بقدر كبير.
حتى قبل مناقشة هذا المشروع، توقع مكتب الميزانية في الكونغرس أن تتجاوز نسبة الدين الأميركي إلى الناتج المحلي الإجمالي المستوى القياسي الذي سجلته البلاد خلال أربعينيات القرن الماضي.
وشهدت السندات الأميركية طويلة الأجل ضغوطا كبيرة نتيجة المخاوف المالية، فقد ارتفع عائد سندات الخزانة لأجل 30 عاما إلى نحو 5%، مقارنة بما يزيد قليلا على 4% بداية عام 2024. كما قامت وكالة التصنيف الائتماني موديز هذا الشهر بتجريد الولايات المتحدة من تصنيفها الائتماني الممتاز (إيه إيه إيه)، وهو ما يعد تطورا لافتا في النظرة العالمية إلى الاقتصاد الأميركي.
إعلانوأشارت فايننشال تايمز إلى أن سوق سندات الخزانة الأميركي شهد نموا هائلا من نحو 5 تريليونات دولار عام 2008 إلى 29 تريليون دولار اليوم، وسط سياسات خفض الضرائب وزيادة الإنفاق الحكومي، خاصة خلال جائحة كورونا.
تراجع الطلب الأجنبي وتصاعد المخاطر الجيوسياسيةورغم أن هذا السوق يُعد الأعمق والأكثر سيولة عالميا، ويستفيد من مركز الدولار بوصفه عملة احتياطية رئيسة، فإن الطلب عليه تراجع بشكل ملحوظ، لا سيما من قبل المستثمرين الأجانب، الذين قلّصوا مشترياتهم من السندات الأميركية على مدار العقد الماضي. ويُعزى هذا الانسحاب جزئيا إلى سياسات ترامب الجمركية المتشددة، التي أثارت توترات تجارية مع الشركاء الدوليين.
وأضاف ديمون أن تصاعد التوترات الجيوسياسية والحروب التجارية والديون العالمية يؤشر إلى أن "الصفائح التكتونية للاقتصاد العالمي بدأت تتحرك"، مشيرا إلى أنه لا يعلم إذا ما كانت الأزمة "ستقع خلال 6 أشهر أو 6 سنوات"، لكنه شدد على ضرورة تعديل السياسات واللوائح المالية الحالية لتعزيز قدرة البنوك على التعامل مع صدمات السوق.
وتتوافق تصريحات ديمون مع ملاحظات أدلى بها جون والدرون، رئيس بنك غولدمان ساكس، خلال مؤتمر "بيرنشتاين" في نيويورك، حيث وصف العجز الأميركي بأنه "مثير للقلق"، مضيفا أن "الخطر الأكبر اليوم في الاقتصاد الكلي يتمثل في انعكاسات هذا العجز على سوق السندات"، متوقعا أن "تتواصل موجات الاقتراض، مما سيرفع من تكاليف رأس المال ويُبطئ النمو الاقتصادي".
ووفقا لتقديرات اللجنة المستقلة للميزانية الفدرالية المسؤولة، فإن مشروع موازنة ترامب سيضيف ما لا يقل عن 3.3 تريليونات دولار إلى الدين العام الأميركي بحلول عام 2034. كما حذّرت موديز من أن العجز الفدرالي قد يرتفع من 6.4% من الناتج المحلي الإجمالي في 2024 إلى نحو 9% بحلول عام 2035.
ضرائب جديدةوفي ملف الضرائب، قال ديمون إنه يؤيد فرض ضرائب على "الأرباح المُرحّلة"، وهي ميزة ضريبية لطالما استفاد منها كبار مديري صناديق الاستثمار الخاصة. وأضاف: "علينا بالتأكيد فرض ضرائب على الأرباح المرحّلة"، مشيرا إلى أن هذا المطلب كان مدعوما سابقا من الرئيس الديمقراطي الأسبق باراك أوباما، وقد تبنّاه ترامب حاليا.
إعلانوعند سؤاله عمّا إذا كان يفكر في الترشح لمنصب سياسي، أجاب ديمون (69 عاما): "سأفعل لو اعتقدت أنني أملك فرصة حقيقية للفوز، لكني لا أعتقد ذلك".