السلطة الإنقلابية والتمادي في إضاعة حقوق الوطن
تاريخ النشر: 20th, November 2024 GMT
بقلم السفير/ عادل إبراهيم مصطفي *
جاء في الأنباء أن وزارة الخارجية الإثيوبية إستدعت السفير السوداني في يوم 13 نوفمبر الجاري لإبلاغه رفضها لتصريح ادلي به وزير خارجية السودان لإحدي قنوات التلفزة المصرية، تضمن تأكيد وقوف السودان إلي جانب مصر ، والتهديد "بخيار الحرب في حال فشل المحادثات حول سد النهضة الإثيوبي وعدم التوصل لإتفاق يضمن حقوق الدول الثلاث ، مصر والسودان وإثيوبيا".
لعل أول ما يسترعي الإنتباه في تصريح وزير الخارجية السوداني هو أنه يقتفي أثر الرئيس المصري المشير عبد الفتاح السيسي في التهديد بزعزعة الأمن والإستقرار في الإقليم في حال المساس بحصة مصر المائية ، وذلك في حديث لسيادته بتاريخ 30/ مارس/2021 ، قال فيه بالحرف الواحد : " ما حدِّش يأدَرْ ياخُد من مصر نؤطَة ميَّة وَحْدَة ، واللِي عَائز يجرِّب" ...
جاء تصريح وزير خارجية السودان في مستهل تسنمه المنصب ليقدم برهاناً جديداً يؤكد تبعية سلطة بورتسودان الإنقلابية لمصر ، وتفانيها في رعاية وخدمة مصالحها فيما يخص قضية مياه النيل ، حتي وإن كانت علي الضد من مصالح السودان . ولإقامة الدليل علي هذه الحجة نتساءل حول عما إذا كان لسد النهضة أي تأثير سالب علي كمية المياه المتدفقة نحو مصر !؟ ونجيب بناءً علي أراءالخبراء والمختصون ، بعدم وجود أي تأثير سالب يذكر بسبب أن إثيوبيا شيدت سد النهضة لإنتاج الكهرباء ، وليس لغرض الزراعة ، بدليل أن المنطقة حول بحيرة السد جبلية ولا تضم أراضي صالحة للزراعة . هذا ، فضلاً عن أن عملية إستخدام المياه المخزنة ببحيرة السد لتوليد الكهرباء ثم إطلاقها ، لا ينقص من كمية المياه المتدفقة نحو مصر ...
وتأسيساً علي أعلاه نتساءل مجدداً حول ماهية المبررات والدوافع التي وقفت وراء تهديد الرئيس المصري بزعزعة إستقرار المنطقة في حال نقصت حصة مصر من المياه قطرة واحدة ، !! !؟ ونجيب بأن دوافعه ، في تقديرنا ، هي المحافظة علي ما تعتبرها مصر حقوقها التاريخية في الهيمنة علي مياه النيل ، وبخاصة حق الفيتو الذي يمنع دول الحوض من إقامة السدود والمشروعات الزراعية علي جانبي النيل قبل الحصول علي موافقة مصر . وعليه ، فإن قضية سد النهضة ما هي إلا جزءً من الخلاف بين مصر وإثيوبيا من جهة ، ومصر وبقية دول حوض النيل عدا السودان ، من جهة ثانية ، حول هذه الحقوق التاريخية التي حصلت عليها مصر بموجب إتفاقيات تم توقيعها في اثناء الحقبة الإستعمارية للقارة الافريقية ، ولم تكن إثيوبيا وبقية دول حوض النيل اطرافاً فيها. وهذا ما دفع هذه الدول لتوقيع إتفاق عنتبي الذي دخل حيز التنفيذ مؤخراً ، كمعاهدة وإطار قانوني جديد لفتح الباب أمام إعادة تقسيم حصص المياه ، وتحقيق الإنتفاع العادل والمنصف من المياه لجميع دول حوض النيل ...
وأما سؤآلنا الذي يعني السودان أكثر من غيره ، فهو كيف يمكن أن يترتب علي إنشاء سد النهضة نقص في كمية المياه المتدفقة نحو مصر !؟ والإجابة هي أن سد النهضة سيكون سبباً في تنظيم إنسياب المياه في النيل الأزرق والمحافظة علي معدل الإنسياب طوال العام ، الشئ الذي سيتيح الفرصة للسودان لإستغلال كامل حصته من المياه البالغة 18.5 مليار متر مكعب بموجب إتفاقية مياه النيل الموقعة بين السودان ومصر في عام 1959 . وهذه هي مشكلة مصر مع سد النهضة ، لأن إستغلال السودان لحصته من المياه بالكامل يعني أنه سيتمكن من إسترداد نصيبه من هذه الحصة ، الذي ظل يذهب لمصر سنوياً منذ إكثر من 60 عاماً بلا مقابل ، وهو ليس " نؤطَة مَيَّة وَحْدَة " ، بل قدره خبراء المياه بحوالي 6 إلي 7 مليار متر مكعب من المياه في العام . وليس مستبعداً أن تكون مصر قد اضافته إلي حقوقها التاريخية من مياه النيل .. !!! .. وكان شاهداً من أهل مصر قد شهد بهذا الأمر ، وهو ليس من عامة الناس ، بل وزير الري والموارد المائية الأسبق المهندس محمد نصر الدين علام الذي قال في تسجيل بالصورة والصوت ، مبذول في السوشيال ميديا " إن المشكلة الأكبر لمصر إذا إنتظمت مياه النيل علي مدي العام ، هي أنها ستشجع السودان لزراعة موسمين زراعيين بدلاً عن موسم واحد اثناء الفيضان ، الشئ الذي يؤثر في حصة مصر المائية."
وأخيراً لابد من أن نقول إننا إن وجدنا العذر للرئيس المصري علي تهديده أمن وإستقرار الإقليم إن نقصت حصتهم من المياه ، علي إعتبار أنه يدافع عن مكاسب بلده ومصالحها ( بالعديل واللعوج ) كما يقول اهلنا .. فكيف نفسر مواقف وزير خارجية السودان وسلطة الأمر الواقع الإنقلابية في بورتسودان وهم يقفون ضد مصالح بلدهم بالإنحياز الاعمي لمصر ، في الوقت الذي تطالب فيه الحكمة ومصلحة الوطن بالوقوف علي مسافة واحدة بين مصر وإثيوبيا ، والاعتراف بحقوق دول حوض النيل بما فيها إثيوبيا ، في الإستفادة من مواردها المائية ، الأمر الذي يمكن ان يساعد في بناء الثقة ، والدفع في إتجاه التعاون المشترك الذي يرجي أن تكون ثماره تعظيم إستفادة السودان من إيجابيات سد النهضة الذي صار حقيقة ماثلة ، علاوة علي مراعاة حاجة مصر من المياه علي إعتبار أنها ، بعكس دول الحوض الاخري ، لا تتوفر لديها مصادر اخري للمياه بخلاف نهر النيل ، إلي جانب توقف إثيوبيا عن الإجراءات الأحادية في عمليات ملء بحيرة وتشغيل سد النهضة ، التي قد تعود بالضرر علي السودان دون غيره لقرب المسافة بين خزان الروصيرص وبحيرة سد النهضة ..
aaddil.im@gmail.com
------------------
*سفير السودان فى تركيا المُقال من سلطة الانقلاب العسكرى بعد رفضه له
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: دول حوض النیل میاه النیل من المیاه سد النهضة
إقرأ أيضاً:
حين يتهجم وزير العدل على مؤسسات دستورية
يحسب لدستور 2011 أنه حدد المؤسسات الدستورية الوازنة التي لها اختصاصات ملموسة ومؤطرة بالعمل على تعزيز الحكامة الجيدة، وحماية الحقوق والحريات، وضمان الاستقرار السياسي، مما يسهم في بناء دولة ديمقراطية مستقرة.
وقد اعتمد العديد من أعضاء غرفتي البرلمان (مجلس النواب ومجلس المستشارين)، لاسيما خلال الفترة النيابية 2012 _ 2016، على آراء مؤسسات دستورية وعلى رأسها المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس اقتصادي والاجتماعي، خلال التداول حول قضايا ومشاريع قوانين، وهذا موثق في أرشيفات البرلمان ومحاضر اجتماعاته ولجانه الدائمة بالصوت والصورة.
لذا صدمت للخرجات الإعلامية المتسرعة والصادمة، والمتشنزة، لوزير العدل الحالي، بل لتهجماته على بعض المؤسسات التي لم تقم إلا بتفعيل اختصاصاتها المؤطرة دستوريا إزاء مشاريع القوانين الجاري التداول بشأنها من قبل اللجن البرلمانية المختصة. لاسيما ملاحظاتها حول مشروع قانون المسطرة الجنائية، رافضة تكبيل جمعيات المال العام والنيابة العامة في قضايا الفساد، إذ رفض الوزير بالمطلق تدخلها في العملية التشريعية التي تعد من اختصاص البرلمان.
وللتذكير فقط تجدر الإشارة إلى أن وزير العدل الحالي عبداللطيف وهبي كان نائبا برلمانيا حيث انتخب سنة 2011 للانتخابات التشريعية بدائرة تارودانت الشمالية، حيث فاز بمقعد برلماني. وتم انتخابه من طرف عضوات وأعضاء الفريق النيابي لحزب الأصالة والمعاصرة رئيسا للفريق (فترة 2011 – 2013 )، كما شغل مهمة رئيس لجنة العدل والتشريع سنتي 2013 – 2014، إضافة إلى مهمة النائب الرابع لرئيس مجلس النواب رشيد الطالبي العلمي خلال فترة 2014 – 2016.
كما ترافع السيد الوزير وهبي على العديد من القضايا الوطنية عموما والملفات ذات الأولوية والبعد الحقوقي وقد شغل مهمة رئيس فريق حزبه بمجلس النواب فترة 2016 – 2017، كما أنه شغل عضوية لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب (2016 – 2021).
وخلال عضويته في مجلس النواب تابع الوزير وهبي وعايش مسار بعض مشاريع القوانين التي أدلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان رأيه بشأنها من زاوية حقوق الإنسان أولا وأخيرا، ونذكر من ضمنها مشروع القانون مذكرة بشأن قانون القضاء العسكري، حيث قام قام المجلس الوطني لحقوق الإنسان ببلورة مذكرة حول الظهير الشريف رقم قم 1.56.270 الصادر بتاريخ 6 ربيع الثاني 1376 الموافق ل 10 نونبر 1956 المعتبر بمثابة قانون القضاء العسكري كما وقع تغييره وتتميمه وذلك طبقا للاختصاصات الموكولة إليه بموجب الدستور والظهير المحدث له، وتم اعتماد مقترحات المجلس من طرف البرلمان.
وسبق للمجلس إصدار رأي استشاري حول « مشروع القانون رقم 12-19 بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعمال المنزليين » يرمي بشكل خاص إلى حماية حقوق هذه الفئة من العمال ومنع استخدام الأطفال بالمنازل. وهكذا، أوصى في رأيه أن يحدد مشروع القانون المذكور السن الأدنى للاستخدام في العمل المنزلي في 18 سنة.
من جهة أخرى، أبدى المجلس رأيه بخصوص احترام مقتضيات اتفاقية حقوق الطفل المصادق عليها من طرف المغرب بخصوص سن الزواج حين تم اعتماد مقتضى ذا صلة بالزواج حيث اعتبر المجلس » أن تزويج القاصرات انتهاك لحقوق الإنسان، ويدعو إلى تعبئة وطنية للقضاء على هذه الظاهرة. يعرض تزويج القاصرات الفتيات لانتهاكات فظيعة، وأخطار صحية معروفة، ويحد من آفاقهن المستقبلية ». ولم يتعرض لأي رد يشابه رد عبداللطيف وهبي الأخير بشأن مشروع قانون المسطرة الجنائية.
لذا فإنه ليس هناك مطلقا ما يبرر مهاجمة وزير العدل لعدد من المؤسسات الدستورية التي سبق وأن قدمت ملاحظاتها حول مشروع قانون المسطرة الجنائية.
إن ما قامت به المؤسسات الدستورية بالمغرب، التي تهجم عليها وزير العدل، هو جزء من مهامها واختصاصاتها المقننة في قوانينها الخاصة بها والتي تندرج في نوعين هما الإحالة والإحالة الذاتية، كآليات رئيسية لتنظيم عمل هذه المؤسسات وضمان استقلاليتها. الإحالة هي العملية التي تقوم بها إحدى المؤسسات الدستورية لإحالة مسألة أو مشروع إلى مؤسسة أخرى للبت فيها، بينما الإحالة الذاتية هي حق هذه المؤسسات في المبادرة في إبداء رأيها في أي مسألة ذات صلة بمهامها.
إن ما رد به وزير العدل بتشنج على مؤسسات دستورية ينم عن جهل بمبادئ عالمية ومنها، فيما يخص المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ما يعرف عالميا بـــ » مبادئ بلغراد التي تهتم بشأن العلاقة بين المؤسسة الوطنيـة لحقـوق الإنـسان والبرلمان ، والصادر في فبراير 2012، تحث مبادئ بلغراد حول العلاقة بين البرلمانات والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، التي صادق عليها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في فبراير 2012 (A/HRC/20/9)، على التعاون الفعال بين البرلمانات والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان وعلى وضع قنوات رسمية للتعاون في المجالات والقضايا المرتبطة بحقوق الإنسان وخلق علاقات عمل قوية، خاصة من خلال مذكرات التفاهم وتبادل الخبرات ومأسسة الحوار المنتظم وتقاسم المعلومات وتعزيز سبل التعاون لحماية حقوق الإنسان والنهوض بها. كما تحث هذه المبادئ البرلمان على استشارة المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بخصوص مقتضيات القوانين الجديدة وقابلية تفعيلها لضمان امتثالها لمعايير حقوق الإنسان ومبادئها وكذا إشراكها في المسار التشريعي بشكل عام.
وبهذه المناسبة أقترح على السيد وزير العدل أن يطلع على الكتاب الذي أعده ونشره على نطاق واسع الصديق عبدالرزاق الحنوشي ، رئيس ديوان رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان سابقا، حول « البرلمان وحقوق الإنسان مرجعيات وممارسات » ، حيث يتضمن الكتاب، الواقع في 285 صفحة ، عدة محاور تهم بالخصوص توثيق ووصف وتحليل المرجعيات والأدبيات ذات الصلة بالمنظومة الدولية لحقوق الإنسان والتعريف بالوثائق المرجعية التي تتناول موضوع البرلمان وحقوق الإنسان، بغاية التعريف بها وبالممارسات الفضلى بالاعتماد على ما صدر بهذا الشأن من قبل الاتحاد البرلماني الدولي UIP والجمعية البرلمانية لمجلس أوربا APCE والجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط والمفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان HCDH.,
كما يتضمن الكتاب دراسة توثيقية وتحليلية لحصيلة مجلسي البرلمان في مجال حقوق الإنسان خلال الولاية التشريعية المنصرمة (2016 – 2021)، ينكب بالأساس على فرز وتصنيف الأسئلة البرلمانية ذات الصلة بحقوق الإنسان من مجموع متن الأسئلة (التي بلغ عددها 22.436) مع التعريف بالنصوص التشريعية ذات الصلة بحقوق الإنسان التي وافق عليها البرلمان، بما في ذلك الاتفاقيات الدولية . ويقدم الكتاب مقترحات وتوصيات لتطوير الأداء وترصيد المنجز البرلماني في هذا المجال، وهذا ما يؤكد الحاجة إلى مثل هذا النوع من الإنتاج المعرفي، في علاقة بالمؤسسة التشريعية من جهة وفي علاقة بحقوق الإنسان من جهة ثانية، ضمن سياق مسائل لمدى استثمار، مختلف الفاعلين المؤسساتيين وغير المؤسساتيين,