فيتو روسي.. شرارة الحرب الساخنة؟
تاريخ النشر: 22nd, November 2024 GMT
كتب الدكتور عزيز سليمان – أستاذ السياسة والسياسات العامة
لم يكن العالم بحاجة إلى دليل إضافي على هشاشة النظام الدولي الحالي، إلا أن الفيتو الروسي الأخير ضد قرار بريطاني-سيراليوني حول السودان جاء كالقشة التي قد تقصم ظهر ما تبقى من السلم العالمي. القرار، الذي استند إلى سيادة السودان وتناول الأوضاع المتدهورة فيه، أثار موجة من الجدل، حيث بدت مواقف الدول الكبرى وكأنها تُترجم صراعًا خفيًا بين أقطاب الحرب الباردة المستجدة، لتتحول هذه الحرب شبه الباردة إلى مواجهة ساخنة قد تطيح باستقرار العالم بأسره.
الفيتو الروسي.. دوافع وتداعيات
من منظور موسكو، يعد الفيتو رسالة مزدوجة: الأولى، تأكيد على استعادة نفوذها في المعادلات الدولية، والثانية، مواجهة ما تعتبره تدخلًا غربيًا في شؤون الدول ذات السيادة. أما الغرب، الذي يدعم القرار بحجة حقوق الإنسان، فيبدو عالقًا بين إداناته العلنية للفيتو وعجزه عن تجاوزه، في مشهد يعكس تناقض سياساته الخارجية.
لكن الفيتو الروسي ليس مجرد تعبير عن سياسة القوة؛ بل هو أيضًا انعكاس لتحول في العلاقات الدولية نحو مزيد من الاستقطاب. في حين تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها تطويق النفوذ الروسي والصيني، تستغل روسيا نقاط التوتر العالمية لفرض أجندتها، مما يجعل السودان ساحة جديدة لصراع المصالح الدولية.
السودان.. أزمة إنسانية في مرمى النيران
في خضم هذا التنافس الجيوسياسي، تبقى أوضاع السودانيين الملحة خارج أولويات الأطراف المتنازعة. من النزوح القسري إلى تفاقم المجاعة، تتوالى معاناة الشعب السوداني وسط صمت دولي يُثير الريبة. ومع تصاعد دور ميليشيا الجنجويد، التي تتلقى الدعم العسكري من الإمارات، أصبحت الكارثة الإنسانية في السودان أكثر تعقيدًا.
إذا أراد المجتمع الدولي للسودان خيرًا، فإنه مطالب بوقف إمداد الأسلحة للجنجويد. هذا الدعم لا يُساهم فقط في تأجيج الصراع، بل يفتح الباب أمام المزيد من الفظائع التي ترتكب بحق المدنيين. كما أن تطبيق مبدأ "مسؤولية الحماية" (R2P) بات ضرورة أخلاقية قبل أن يكون التزامًا دوليًا.
مسؤولية الحماية.. المبدأ المنسي
لماذا تتجاهل الأمم المتحدة ومجلس الأمن هذا المبدأ الأصيل في فقه حماية المدنيين؟ هل أصبحت المصالح السياسية أهم من أرواح البشر؟ أم أن ازدواجية المعايير هي القاعدة الجديدة في السياسة الدولية؟
في ظل هذا التواطؤ الدولي، تبدو الدعوات لتفعيل "مسؤولية الحماية" مجرد كلمات جوفاء. ومع ذلك، يظل الأمل في أن تعيد القوى العالمية النظر في سياساتها، وأن تتجاوز الحسابات السياسية الضيقة لإنقاذ شعب باتت حياته رهينة لصراعات الآخرين.
ختامًا
لن يكون السودان أول ولا آخر دولة تُسحق تحت عجلة المصالح الدولية، لكن الفارق هنا هو أن أزمة السودان تكشف عورة النظام العالمي بأسره. إذا أراد العالم مستقبلًا أكثر استقرارًا، فعليه أن يبدأ من هنا، من السودان، حيث تختبر المبادئ وتُصقل القيم. أما إذا استمر الصمت، فإن فيتو اليوم سيكون مجرد الشرارة الأولى لحرب لا يعرف أحد كيف ومتى ستنتهي.
quincysjones@hotmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
أعنف هجوم روسي على خاركيف منذ بداية الحرب.. ترامب: أوكرانيا أعطت بوتين ذريعة للرد
شهدت خاركيف، ما لا يقل عن 40 انفجاراً ناتجاً عن ضربات صاروخية وطائرات مُسيّرة. وقتل شخصان وأصيب 17، فيما هاجم ترامب أوكرانيا قائلاً إنها أعطت بوتين سبباً للرد بقوة. اعلان
في سابقة هي الأكثر عنفاً منذ بدء الحرب قبل أكثر من ثلاث سنوات، شن الجيش الروسي فجر السبت حملة قصف غير مسبوقة على مدينة خاركيف، ثاني أكبر مدن أوكرانيا، مستهدفاً البنية التحتية والمنشآت المدنية بصواريخ دقيقة وطائرات مُسيّرة.
فيما تجاوز عدد ضحايا الهجمات التي استهدفت العاصمة كييف ومناطق أخرى الجمعة الـ80 مصاباً، بينهم أطفال وعاملون في خدمات الطوارئ.
وقال إيغور تيريخوف، رئيس بلدية خاركيف، إن المدينة تتعرض لـ"أشد هجوم منذ انطلاق الحرب"، حيث شن الجيش الروسي ما لا يقل عن 40 انفجاراً في أقل من ساعة ونصف الساعة، باستخدام صواريخ "كروز"، طائرات مُسيّرة، وقنابل موجهة دقتها العالية بثّت الرعب بين السكان.
وأوضح تيريخوف في منشور عبر "تيليغرام" عند الساعة 4:40 صباح السبت (بتوقيت غرينتش 1:40)، أن الطائرات المسيّرة الروسية لا تزال تحلق فوق المدينة، محذراً من أن "التهديد لا يزال قائماً".
أسفر القصف عن مقتل شخصين وإصابة 17 آخرين، بينهم طفلان، كما تم إنقاذ امرأة عالقة تحت أنقاض أحد المباني المتضررة. ووصفت خدمات الطوارئ المحلية الحالة في المدينة بأنها "مأساوية"، مع تضرر العديد من المباني السكنية والبنية التحتية.
Relatedأوكرانيا: فجّرنا جسر كيرتش في شبه جزيرة القرم زيلينسكي: روسيا أطلقت أكثر من 400 مسيّرة و40 صاروخا على أوكرانيا خلال الليلالكرملين يرد على ترامب: الحرب في أوكرانيا مسألة وجودية لروسياروسيا ترد على الضربات الأوكرانيةتأتي هذه الهجمات بعد ساعات فقط من إعلان أوكرانيا عن ارتفاع حصيلة الغارات الروسية على كييف ولوتسك وعدد من المناطق الأخرى إلى 6 قتلى و80 جريحاً، في واحدة من أكبر الحملات الصاروخية خلال الأسابيع الأخيرة.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن ثلاثة من فرق الإنقاذ قتلوا في كييف أثناء توجههم لموقع ضربة أولى، ثم تعرضوا لضربة ثانية متعمدة. وأضاف زيلينسكي في خطابه الليلي: "روسيا لا تقصف فقط، بل هي تستهدف المدنيين، وخصوصاً منقذي الحياة".
وفي سياق متصل، أكد وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيها أن روسيا ردت على تدمير طائراتها الاستراتيجية داخل العمق الروسي بقصف شامل على المدن الأوكرانية، مشيراً إلى أن البنية التحتية للطاقة تضررت بشكل كبير.
من جانبها، ذكرت وزارة الدفاع الروسية أن الضربات استهدفت مواقع عسكرية وأخرى مرتبطة بالقوات الأوكرانية، ووصفت الهجمات الأوكرانية السابقة بأنها "إرهابية"، وفق تعبيرها.
ترامب يهاجم أوكرانيا ويحذر من تصعيد نوويوسط تصاعد وتيرة المعارك، أعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن عدم رضاه من الهجمات الأوكرانية على العمق الروسي، قائلاً إنها "وفرت لبوتين مبررًا واضحًا" للرد بقوة.
وخلال تصريحات مقتضبة فجر السبت، قال ترامب: "لم يعجبني ما فعلته أوكرانيا، فقد أعطت بوتين السبب ليبدأ الهجوم الكبير الذي رأيناه الليلة الماضية".
وأشار إلى أنه "لا يريد أن يرى النزاع يتطور إلى حرب نووية"، داعياً الطرفين إلى العودة إلى طاولة المفاوضات.
تعطل النقل العام وانقطاع الكهرباءفي كييف، أفادت إدارة النقل المحلية بتعطل شبكة مترو الأنفاق نتيجة ضربة روسية أدت إلى تلف مسارات القطارات بين المحطات. كما تم تحويل بعض القطارات بسبب الأضرار التي لحقت بالسكك الحديدية خارج العاصمة.
وأظهرت صور حصرية من حي "سولوميانسكي" في كييف آثار انفجار طائرة مُسيّرة استهدفت مبنى سكنياً، مما أسفر عن تشكّل حفرة كبيرة وتشوهات هيكلية كبيرة في البناية، وتحطم السيارات المتوقفة تحت المبنى.
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة