منتدى الإعلام السوداني: غرفة التحرير المشتركة

إعداد وتحرير: سودان تربيون

الخرطوم 25 نوفمبر 2024 — لم تتوقع سلمى الطاهر – اسم مستعار – أن تُلم بها كُربة أقسى من التي عاشتها في جنوب كردفان، قبل أن تفر مع أسرتها إلى العاصمة الخرطوم التي لاحقتها فيها الحرب.

فقدت سلمى التي بلغت عامها الـ 20 قبل أشهر، أبيها في الحرب التي اشتعلت في كادقلي عاصمة ولاية جنوب كردفان في 6 يونيو 2011، لكن صمود أمها أمام العاصفة وصغر سنها آنذاك جعلها تتعايش مع قسوة الحياة.

وقالت سلمى، لـ “سودان تربيون”، إن “أمها نزحت من كادقلي إلى الخرطوم بعد أشهر من اندلاع الحرب فيها، حيث استقرت في أحياء جنوب المدينة الأكثر فقرًا وحرمانًا، لتعمل بائعة شاي في السوق المركزي لإطعام أطفالها الثلاث”.

وأفادت بأن والدتها، بعد اندلاع النزاع في 15 أبريل 2023، اضطرت إلى العمل في السوق المركزي للخضر والفاكهة جنوبي الخرطوم، في بيع الشاي والقهوة والأكلات الشعبية رغم انعدام الأمن، وذلك قبل أن تلقى حتفها في غارة جوية.

وتابعت “بعد مقتل والدتي وجدت نفسي مسؤولة عن إعاشة وتأمين حياة أخي وأختي، دون القدرة على العمل الذي امتهنته والدتي لإطعامنا، فلم أجد غير ممارسة الجنس مع جنود الدعم السريع وسكان آخرين مقابل المال”.

وأشارت سلمى إلى أنها لا تجني الكثير من الأموال، لكنها تضطر إلى ذلك لردع أخيها من الاستنفار لصالح قوات الدعم السريع، حيث تقول له إنها تعمل في مكان والدته تبيع الشاي في السوق المركزي.

وأوضحت بأنها شقيقها يشعر بأنه مسؤول عن إعالتي، لكنه لا يزال طفلًا عمره 15 عامًا حيث أجاهد لمنعه من الاستنفار والعمل من أجل إكمال تعليمه بعد توقف الحرب وإعادة فتح المدارس.

وتتحدث تقارير عن أن تدمير سُبل العيش في الريف والحضر، دفع الأسر إلى تدابير متطرفة، منها تزويج الطفلات للمقاتلين خاصة في مناطق النزاع النشطة وانضمام الأطفال إلى الجماعات المسلحة؛ من أجل الحصول على الطعام.

وفي 9 أكتوبر الجاري، قال عمال إغاثة في 8 منظمات دولية تعمل في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، إن بعض الفتيات تزوجن مقاتلين كوسيلة للبقاء على قيد الحياة للحصول على الطعام.

وأكدوا أن الفتيات يُجبرن على الزواج بالمقاتلين كما تمارس الشابات الجنس من أجل البقاء، مقابل الغذاء والماء والمال.

الشعور بالعار

وقالت سلمى الطاهر إنها تخشى على مشاعر شقيقها الأصغر، حال عرف سلوكها حيث باتت لا تقوى على النظر في عينيه.

ولا يتسامح معظم أفراد المجتمع السوداني على ممارسة النساء الجنس خارج نطاق الزواج، حيث يرى الرجال أن صون الفتاة إلى أن تتزوج بمثابة شرفه الذي دونه الموت.

وفي الفاشر التي تخضع لحصار قوات الدعم السريع منذ أبريل المنصرم، وتعيش على وقع دوي المدافع وأصوات الاشتباكات، اضطر خالد إبراهيم — اسم مستعار — إلى تزويج ابنته إلى أحد مقاتلي القوة المشتركة للحركات المسلحة التي تُدافع عن المدينة بضرورة إلى جانب الجيش.

وقال إبراهيم، لـ “سودان تربيون”، إنه “كان يبيع الخضروات في سوق الفاشر، لكن بعد نشوب الحرب في المدينة اعتبارًا من 10 مايو 2024، بات عاطلًا ومع استمرار القصف المدفعي اضطر إلى النزوح لمخيم زمزم المجاور للمدينة”.

وأفاد بأنه زوج صغرى فتياته إلى مقاتل لعدم قدرته على حمايتها وإطعامها، رغم أن عمرها لا يتجاوز الـ 16 عامًا، ممتدحًا أخلاق صهره الجديد رغم خشيته على مقتله في المعارك الدائرة في المدينة.

وأفاد بوجود فتيات صغيرات أُجبرن على الزواج لعدم قدرة آبائهن على إعالتهن وحمايتهن، نافيًا علمه بممارسة شابات الجنس مقابل الطعام.

ويعمل متطوعون على تقديم الطعام إلى ملايين السكان العالقين في مناطق النزاع النشطة في الخرطوم ودارفور، فيما عُرف بـ “التكايا والمطابخ الجماعية”، رغم القيود التي تفرضها أطراف النزاع على النشطاء وملاحقتهم.

وقال خالد إبراهيم أن لا يقوى على الوقوف ساعات من أجل الحصول على الطعام من المطابخ الجماعية، بسبب تقدم العمر والمرض، حيث يعتمد على الطعام الذي يوفره صهره الجديد رغم قلته.

الافتقار إلى آليات الحماية

ولم تستبعد مديرة وحدة حماية المرأة والطفل في وزارة التنمية الاجتماعي، سليمى إسحاق، ممارسة النساء للجنس وتزويج الطفلات من أجل الطعام، قائلة “نتوقع حدوث ذلك في الحرب”.

وأفادت سُليمى، في تصريح لـ “سودان تربيون”، بأن الوحدة تعمل على توثيق حالات الاستغلال والإساءة الجنسية التي يمكن أن تحدث حتى في المناطق الآمنة — في إشارة إلى الولايات الخاضعة لسيطرة الجيش.

وأشارت إلى أنها طلبت من وزير الداخلية في أبريل المنصرم، تكوين مكاتب شكاوى انتهاكات حقوق الإنسان والطفل في الوحدة لتقديم الخدمة القانونية والمساعدات ضحايا الاستغلال الجنسي، مع إلزام العاملين في المكاتب بمدونة سلوك.

وذكرت أن وزير الداخلية أصدر قرارات بإنشاء المكاتب في ولايات كسلا والقضارف والنيل الأبيض، بغرض زيادة آليات الحماية، مشددة على أن النساء “لا يبلغن عن حالات الاستغلال في ظل عدم وجود آلية تساعدهم”.

وكشفت عن سعيهم لتكوين لجان حماية في دُور الإيواء للإبلاغ عن حالات الاستغلال الجنسي مع تدريب المتطوعين والعاملين في هذه المراكز.

وأفادت سليمى إسحاق بأن الوحدة لا تكشف المعلومات عن الانتهاكات في مناطق سيطرة الدعم السريع، خشية تعرض السكان هناك للخطر.

وتحمّل الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان عناصر قوات الدعم السريع مسؤولية القدر الأكبر من الانتهاكات الواقعة على النساء، خاصة العنف الجنسي المرتبط بالنزاع والاغتصاب والاستغلال.

وتتكشف يومًا بعد الآخر مآسي النزاع خاصة فيما يتعلق بالجوع وتزايد معدلات سوء التغذية والاستغلال الجنسي، بعد أن فقد معظم السودانيين وظائفهم وأعمالهم التجارية.

منتدى الإعلام السوداني

ينشر هذا التقرير بالتزامن في منصات المؤسسات والمنظمات الإعلامية والصحفية الأعضاء بمنتدى الإعلام السوداني

الوسومالجرائم والانتهاكات حرب السودان منتدى الإعلام السوداني

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الجرائم والانتهاكات حرب السودان منتدى الإعلام السوداني الإعلام السودانی سودان تربیون الدعم السریع على الطعام من أجل

إقرأ أيضاً:

قصة أب ونجله مع التجويع بغزة.. الطريق إلى لقمة العيش محفوف بالموت

غزة- صباح كل يوم، يبدأ أحمد نوفل، وهو أب فلسطيني يعيل أسرته المكوّنة من 6 أفراد، رحلته الشاقة والخطرة على أطراف مخيم النصيرات، في منطقة المفتي المحاذية لمحور نتساريم، مصطحبا معه نجله الصغير محمد (14 عاما)، لجمع الحطب والحديد وبيعه وشراء ما يسد رمقهم من الطعام، في ظل الحرب على قطاع غزة والظروف المعيشية والإنسانية الصعبة.

بحزن وأسى، يقول أحمد (38 عاما) الذي بدّلت الحرب وسامته وغيّرت ملامحه، للجزيرة نت "كل يوم أخرج مع ابني محمد، نجرُّ عربتنا الثقيلة، ونقطع مسافات طويلة ببطون فارغة وتحت أشعة الشمس الحارقة، ونصل أماكن خطرة قرب منطقة نتساريم التي يحتلها الجيش الإسرائيلي".

ويضيف "الطائرات فوقنا، والدبابات أمامنا، نبحث عن بعض الحطب أو بقايا الحديد من البيوت المُهدَّمة والمقصوفة، ونجمعها بمشقة وتعب، ونضعها على العربة، ثم نسير بها مسافات طويلة لبيعها في السوق مقابل مبلغ من المال يساعدني بتوفير الطحين والطعام لأسرتي".

أحمد نوفل وطفله الصغير محمد أثناء مهمتهما الشاقة بجمع الحطب والحديد قرب المناطق الخطرة (الجزيرة) تحت القصف

ومنذ بداية الحرب، لم يعرف أحمد وولده طعم الراحة، حيث تتكرر معاناتهما يوميا بين التعب والإرهاق والجوع، وبين متطلبات الحياة أمام ظروف العيش الصعبة والغلاء الفاحش، وبين المعاناة في جمع الحطب والحديد، التي تتطلب المشي طويلا، والبحث عن مناطق جديدة، ومواجهة صعوبات كبيرة، وأخطار جسيمة، وتحدي الموت.

وتعرض أحمد ونجله للقصف بقذائف الدبابات التي كانت تسقط أمامهما، إضافة لإطلاق النار من طائرات الكواد كابتر المُسيَّرة فوقهما، ونجيا مرات عديدة من موت محقق.

ويقول "كل يوم نخرج فيه نعتقد أنه سيكون الأخير، وأتخيل أننا سنعود يوما ما، محمولين على الأكتاف أو في أكفان، لكن لا مناص؛ فالحاجة والعوز يجبرانا على الخروج، وإن لم نفعل ذلك نموت جوعا".

أحمد نوفل (يمين) يصف لمراسل الجزيرة نت معاناته وعمله قرب مناطق سيطرة الجيش الإسرائيلي (الجزيرة)

وذات مرة، وخلال بحثه عن الحطب والحديد تعمَّق رفقة ابنه قليلا إلى منطقة خطرة جدا طمعًا في الحصول على كمية أكبر من الحطب وبقايا الحديد، يتابع "انهالت علينا القذائف المدفعية والرصاص من كل حدب وصوب، ونجونا بأعجوبة، وعدنا فارغي الأيدي، ولم نستطع شراء الطحين والطعام".

إعلان

وانقطعت المساعدات في غزة حين تجددت الحرب بعد شهرين من وقف إطلاق النار في يناير/كانون الثاني الماضي، وأحكمت إسرائيل حصارها على القطاع، واستخدمت سياسة التجويع، فانقطعت المعونات وقسائم التوزيع، وأُغلقت مراكز التوزيع والتكايا، وانتشرت سرقة شاحنات الطحين، وظهر تجار السوق السوداء، وبدأ الناس يعانون الأمرّين في الحصول على الطعام.

وأحمد هو جريح انتفاضة الأقصى عام 2000، وكان يتقاضى راتبا حكوميا، وتم إيقافه بعد القرار الإسرائيلي باستقطاع أموال الأسرى والجرحى الفلسطينيين من المقاصة (عائدات الضرائب الفلسطينية) بحجة قانون تجميد أموال السلطة الفلسطينية المرتبطة بالإرهاب، وفق وزارة المالية الإسرائيلية.

أحمد نوفل جريح سابق انقطع راتبه وبات يجمع الحطب والحديد ليسد رمق أطفاله (الجزيرة) رغم الخطر

ويتابع أحمد بحرقة "لا يوجد راتب ولا عمل في غزة بسبب الحرب، وتزداد ظروفي صعوبة في ظل الغلاء الفاحش والاحتكار، وأطفالي يحتاجون للطعام، ولا يكفون عن سؤالي كل يوم: متى سنأكل؟ وماذا سنأكل؟ وكيف؟".

ويشير إلى أن هذه الأسئلة التي تحاصره تجبره على الخروج والمخاطرة من أجلهم، حتى لا يشعر بالعجز أمامهم، وكأنه يحمل ذنبًا لم يرتكبه، ويضيف أن كل شيء في غزة صار يحتاج لمعركة للحصول عليه من أجل البقاء من الطحين والخبز والماء والدواء.

ويردف "القتل والقصف حولنا، والأسعار المشتعلة تكوينا، والجوع يحاصرنا ويفتك بنا. في غزة، حتى الحياة العادية صارت حلمًا بعيدًا، معلقة بين الحصار والقصف، وبين الجوع والموت".

وتُعتبر المناطق القريبة من محور نتساريم أراضي زراعية خصبة، مثل أبو مدين والزهراء والمغراقة، حيث قام الجيش الإسرائيلي بتجريفها عند توسيع المحور، وهدم البيوت واقتلع الأشجار، وعدها مواقع عسكرية خطيرة لا يُسمح لأي شخص بالاقتراب منها، وتراقبها الطائرات والدبابات وجنود القناصة.

لكنها بالنسبة لأحمد منطقة مليئة بجذور الحطب الكبيرة نتيجة التجريف، وبقايا مخلفات الدفيئات الزراعية من الحديد، ولهذا فهو يتسلل إليها وابنه محمد، ويخاطر لجمع بعض الحطب والحديد، وهو يستخدم أدوات بدائية في تقطيع الحطب وتجميعه، حيث يبيع جزءا منه لشراء بعض الطحين والطعام لأولاده، ويحتفظ ببعضه لإشعال النار وطهي الطعام لعائلته.

وفي ظل انقطاع غاز الطهي، لجأ الغزيون للحطب لطهي الطعام، وهو ما ضاعف سعره 5 مرات، ووصل سعر الكيلوغرام الواحد إلى نحو دولارين، بعد أن كان يُباع بربع دولار.

آثار التعب والإرهاق على وجه أحمد نتيجة جمع بقايا الحديد فضلا عن الخوف من الاحتلال (الجزيرة) أعمال شاقة

الابن الصغير محمد، الذي انقطع عن دراسته بسبب الحرب، وأصبح مرافقًا لوالده في أعماله الشاقة، يقول للجزيرة نت "أتمنى العيش كباقي أطفال العالم، أذهب إلى مدرستي، وأرتدي ملابسي الجميلة، وأشاهد برامج الكرتون التي أحبها، وأعيش في بيتي، وبين أحضان أسرتي بهدوء، وأنام دون خوف على ضوء الكهرباء، وأتناول الطعام متى أشاء".

"لكن الحرب حرمتنا كل هذه الأشياء الجميلة. وإسرائيل، الله ينتقم منها، دمّرت حياتنا وقلبتها رأسًا على عقب"، يضيف محمد الذي صار حاله وحياته بين موت وخوف وتعب وجوع، "ويجب أن تموت 100 مرة حتى تأكل بعض الطعام ودون شبع، وتستطيع الوقوف على قدميك وإكمال حياتك".

الصغير محمد بدلا من ذهابه للمدرسة صار يساعد والده بالأعمال الشاقة بسبب ظروف الحرب (الجزيرة)

ويقول إنها وجبة واحدة فقط، وبالكاد يمكن تسميتها كذلك، تحتوي بعض قطع الخبز الحاف (ليس معه شيء)، وفي وقت الرفاهية يرافقها صحن عدس، إذا أمكن شراؤه.

ويضيف "بدلا من ذهابي للمدرسة، أعمل مع أبي في الأشغال الشاقة بجمع الحطب وبقايا الحديد، وأقوم بمساعدته وجر العربة إلى السوق، وهناك نقف تحت أشعة الشمس الحارقة حتى نبيع ما جمعناه".

إعلان

ويختم "نشتري أي شيء لنأكله، وعندما ننتهي نكون بحالة تعب شديد، وملابسنا متّسخة، وأجسامنا ملتهبة من شدة الحر، وبعد كل ذلك، لا نجد الماء لنستحم أو نغسل ملابسنا وننام على هذا الحال، لك أن تتخيَّل".

مقالات مشابهة

  • السودان يدين إعلان الدعم السريع حكومة موازية
  • وزارة الخارجية تدين ما ذهبت إليه مليشيا الدعم السريع الإرهابية بإعلان حكومة وهمية
  • قصة أب ونجله مع التجويع بغزة.. الطريق إلى لقمة العيش محفوف بالموت
  • الدعم السريع يعلن تشكيل حكومة موازية في السودان
  • أطباء السودان: ارتفاع قتلى هجوم الدعم السريع على غرب كردفان إلى 27
  • 1.3 مليون نازح سوداني يعودون إلى ديارهم وسط دمار شامل ونداءات أممية للدعم العاجل
  • بينهم نساء وأطفال.. مقتل 30 شخصًا في هجمات لقوات الدعم السريع
  • 30 قتيلاً بينهم نساء وأطفال.. اتهامات لقوات الدعم السريع بتنفيذ هجوم على مدنيين في السودان
  • شبح الحرب يلوح في سماء آسيا.. اشتعال الحدود بين تايلاند وكمبوديا ومجلس الأمن يتحرك
  • من النزوح إلى الزراعة.. حكايات نساء في لبنان حوّلن الحرب إلى فسحة للحياة