"فاينانشيال تايمز": تراجع حاد لعوائد السندات الصينية لأول مرة في تاريخها
تاريخ النشر: 30th, November 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
منيت عوائد السندات الصينية طويلة الأجل بتراجع حاد لتسجل أقل من نظيرتها اليابانية، وذلك لأول مرة في تاريخها، ما حدا بمستثمرين أن يراهنوا على أن ثاني أكبر اقتصاد في العالم، الصين، "سينزلق إلى حالة ركود تضاهي في أعراضها تلك التي سقطت فيها اليابان لعقود طويلة".
وأوضحت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية أن الصعود المتواصل الذي سجلته أسعار السندات الحكومية الصينية لأجل 30 عامًا دفعت عوائدها إلى أقل من 4 % منذ 2020 لتسجل 2.
في المقابل، فإن عوائد السندات الحكومية اليابانية طويلة الأجل، التي بقيت لسنوات طويلة أدنى من 1 %، حققت ارتفاعًا لتتجاوز مثيلتها الصينية، لتصل إلى 2.27 % في الجمعة، بفضل تهيئة طوكيو لسياستها النقدية للعودة إلى طبيعتها بعد عقود من الركود والانكماش.
يأتي التحول في مسيرة عوائد السندات الحكومية الصينية، في وقت تصارع فيه سلطات بكين من أجل محاولة دعم العوائد، محذرة من أن أي اتجاه عكسي مفاجئ في السوق قد يهدد الاستقرار المالي على نطاق واسع.
لكن بعض المستثمرين باتوا على يقين بأن الركود أصبح "متجذرًا للغاية" في الاقتصاد الصيني وليس من السهل علاجه عبر السياسة المالية والنقدية، بما يعني أن العوائد لازال أمامها مزيد من الهبوط.
بدوره، يقول مسؤول الاستثمارات الآسيوية الأول في بنك "لومبارد أودير"، جون وودز، "إن الاتجاه الذي يتعذر تغييره لسندات الحكومية الصينية هو أن عوائدها تتجه صوب التراجع."، معربًا عن تشككه في قدرة السلطات الصينية على وقف السقوط في دائرة الركود بقوله "لست متأكدًا تمامًا" من ذلك.
وقال "إن الصين مهيأة لأن تصبح- وربما تبقى- ذات بيئة عوائد منخفضة".
يرى مستثمرون أن بعض أحوال الاقتصاد الصيني تعكس نفس الأصداء التي لوحظت في اليابان خلال تسعينيات القرن الماضي، حينما انفجرت فقاعة العقارات هناك، ما قاد البلاد إلى السقوط لعقود طويلة في دوامة ركود.
سجل التضخم الحقيقي في الصين، بعد استبعاد أسعار الوقود والغذاء، على أساس سنوي 0.2 في المائة في أكتوبر الماضي. أما في اليابان، فقد قفز التضخم الحقيقي لأعلى مستوى منذ ستة أشهر مسجلًا 2.3 في المائة، بما يقوي احتمالات أن تتجه المعدلات إلى الصعود لمستويات أكبر.
وينظر مستثمرون إلى أن وعد الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية على الصادرات الصينية إلى أسواق الولايات المتحدة بنسبة 10 في المائة، باعتبارها تهديدًا للنمو الاقتصادي في الصين.
ويرى الخبير الاستراتيجي لأسواق السندات السيادية البازغة في مؤسسة "أر بي سي بلو باي" لإدارة الأصول، تسينبو هو، أن السياسة النقدية للصين من المرجح لها "أن تبقى أكثر تساهلًا لفترات مقبلة"، حتى إذا ساهمت بعض المعايير الرامية لتقوية أسواق الإسكان والأوراق المالية في تقديم بعض الدعم المؤقت للعوائد (السندات الحكومية)."
وأضاف "أن يابان التسعينيات لازالت تصبغ قواعد اللعبة".
كافحت بكين لسنوات طويلة السقوط في مصير "صبغة اليابان الركودية" في اقتصادها، وقامت بضخ استثمارات هائلة في مجالات التكنولوجيات المتفوقة، والبيئة، وقطاعات المركبات الكهربائية بهدف تعزيز النمو على الأجل البعيد.
كما تدخلت السلطات الصينية أخيرًا في أسواق السندات السيادية في محاولة منها لدفع عوائد السندات ذات الآجال الأطول، وحذرت البنوك من أن حدوث "فقاعة" في الديون طويلة الأجل، قد تقود إلى أزمة سيولة في النظام المالي.
وذكر محللون في جولدمان ساكس في تحليل سابق لهم صدر في يوليو الماضي "يبدو أن بعض صناع القرار (الصينيين) ينظرون إلى تدني عوائد السندات طويلة الأجل باعتبارها علامة على انخفاض التوقعات بالنسبة للنمو الداخلي وتوقعات التضخم، ويرغبون في التحرك لدفع تلك المشاعر التشاؤمية."
لكن الضغوط الانكماشية تفاقمت فقط خلال العام الجاري، وقادت بيانات الأداء الضعيف للاقتصاد إلى دعوات بضرورة تقديم حزمة تحفيز ضخمة لإقالة الاقتصاد من عثرته.
تشير "فاينانشيال تايمز" إلى أنه برغم إطلاق حزمة تحفيز نقدي ضخمة منذ جائحة كورونا بقية 10 تريليونات رينيميبمي (يوان)، بما يعادل نحو 1.4 تريليون دولار كحزمة دعم نقدي، فإن عوائد السندات واصلت هبوطها بفعل اهتمام المستثمر المحلي بالنظر إلى بدائل أخرى واتجهوا نحو الأوراق المالية المتراجعة أسعارها أو أسواق العقارات.
يقول كبير الخبراء الاستراتيجيين لأسواق التداول في الصين في بنك "بي إن بي باريباس"، جو وانج، "الأمر يتسق مع الواقع الجديد في أسواق المال العالمية، ويرجع ذلك لحالة فك الارتباط الأمريكي- الصيني، ومخاطر الانكماش في الصين."، لافتًا إلى أن "بقية العالم يعايش حالة مخاطر تضخمية... وفي الصين ليس هناك طلب كاف للسعة (الانتاجية) الفائضة."
ويعتقد بعض المستثمرين أن الحكومة الصينية ستحتاج للعمل بصورة أكبر على تغيير السردية في سوق السندات.
ويرى رئيس الاستثمارات الاستراتيجية في مؤسسة "روسيل" للاستثمارات، أندرو بيزي، أنه "من الصعوبة بمكان الهروب من الضغوط الانكماشية ما لم يعزز الاستهلاك ويتم تقليص الاستثمارات"، معتبرًا أنه "تحول سياسي كبير" بالنسبة لبكين.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: أسواق العقارات الصين السندات الصينية اليابان السندات الحکومیة عوائد السندات طویلة الأجل فی المائة فی الصین
إقرأ أيضاً:
الحكومات وأسواق سنداتها السيادية
ترجمة: قاسم مكي
الساسة حول بلدان العالم المتقدم لديهم مشكلة وهي أن مديونياتهم كبيرة ويحتاجون إلى اقتراض المزيد من الأموال في كل عام. لكن الحصول على مشترين تلقائيين لسندات حكوماتهم يزداد صعوبة.
في أحدث تقرير لها عن الدين الحكومي، تقدِّر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن بلدانها الأعضاء ستُصدِر سندات سيادية بحوالي 17 تريليون دولار في عام 2025 ارتفاعا من 14 تريليون دولار في عام 2023. وسيتم استخدام بعض هذه الأموال بالطبع لإعادة تمويل الدين القائم. لكن من المتوقع أن ترتفع قيمة إجمالي الدين المُستحَق إلى 59 تريليون دولار أو حوالي 84% من الناتج المحلي الإجمالي لهذه البلدان.
جزء كبير من هذا الدين أجَلُ استحقاقِه أقصر. ويقدر تقرير المنظمة أن 45% منه سيكون مستحق السداد بحلول عام 2027. وعندما يحين أوان استحقاقه سيعاد تمويله بتكلفة أكبر. فالكثير منه كان قد تم إصداره في فترة تدني أسعار الفائدة. وسيشكل ذلك المزيد من الضغوط على الأوضاع المالية للحكومات. فتكاليف فائدة الدين الحكومي في المتوسط لبلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يبلغ حاليا 3.3% من الناتج المحلي الإجمالي ويزيد عن المبلغ الذي ينفق على الدفاع.
الحل الواضح لهذه المشكلة هو خفض العجز. لكن الساسة يواجهون مشاكل كبيرة عندما يحاولون أن يفعلوا ذلك. لقد وعد عديدون منهم بإنفاق المزيد على الدفاع. وخفض الإنفاق أو زيادة الضرائب يخاطران بإغضاب الناخبين الذين يتزايد استعدادهم كما يبدو للتصويت لصالح الأحزاب الشعبوية أو القومية الكارهة للأجانب. وإذا تولى هؤلاء الشعبويون الحكم من المرجح أن تفاقم سياساتُهم عجوزاتِ الموازنة.
لذلك إذا كانت السندات ستصدر في الغالب بكميات متزايدة من سيشتري هذا الدين؟ لم تكن تلك مشكلة خلال سنوات العشرية الثانية. فالحكومات كانت قادرة على تمويل عجوزاتها في يسر. وأحيانا كان يمكنها حتى إصدار سندات بعائدات سلبية. وهو ما يعني أن من يشترونها كانوا سيتعرضون حتما للخسارة (بالقيمة الاسمية على الأقل) إذا احتفظوا بها حتى أوان استحقاقها. لكن كان يمكن لهذه السندات تحقيق عائد إيجابي بالقيمة الحقيقية إذا حدث انكماش في الأسعار.
كانت البنوك المركزية إحدى مجموعات المشترين المنتظمة بموجب برامج التيسير الكمي التي دُشِّنت في أعقاب الأزمة المالية العالمية 2007-2009. وفي حين تشتري البنوك المركزية السندات في السوق الثانوية فقط وليس مباشرة من الحكومات إلا أن برامج الشراء كانت مُطَمْئِنَة للمستثمرين لعلمهم بأنه سيكون هنالك دائما مشترون جاهزون لموجوداتهم من الديون (السندات).
لكن البنوك المركزية أوقفت التيسير الكمي وهي الآن تتخلص من موجوداتها في برامج يُطلق عليها «التشديد الكمي.» وكلما زادت البنوك المركزية مبيعاتها من السندات عبر التشديد الكمي كلما وجب أن يشتري المستثمرون الآخرون المزيد منها إلى جانب شراء العرض الجديد من سندات الحكومات.
موجودات البنوك المركزية من دين الحكومات في بلدان منظمة التعاون الاقتصادية والتنمية انخفضت سلفا من 29% من إجمالي الدين في عام 2021 إلى 19% في عام 2024. ومن المستبعد أن يُستأنف التيسير الكمي في أي وقت قريب. فإذا أرادت البنوك المركزية تيسير السياسة النقدية ستخفِّض أسعار الفائدة أولا.
كثيرا ما كانت صناديق التقاعد مشترية مهمة للسندات الحكومية المحلية. لكن هذا المصدَر للطلب يتقلص أيضا. كانت صناديق التقاعد التقليدية تقدم رواتب تقاعد محددة الفوائد يرتبط فيها دخل التقاعد براتب الموظف. واشترت العديد من هذه الصناديق التي تعتمد نظام «الفوائد المحددة» السنداتِ الحكومية من باب التحوط لضمان قدرتها على الوفاء بالتزاماتها في المستقبل. لكن في السنوات الأخيرة كان هنالك توسع سريع لصناديق «المساهمة المحددة» والتي ببساطة تودع أموال العاملين في وعاء ادخاري لاستخدامها عند التقاعد. وهي أقل ميلا الى الاستثمار في السندات مقارنة بصناديق الفوائد المحددة.
عالميا، لدى صناديق المساهمة المحددة الآن 59% من كل أصول صناديق التقاعد مقارنة بحوالي 40% في عام 2004، حسب معهد «ثِنْكِنْج أَهيد انستيتيوت.»
لافتقارها إلى الطلب المنتظم على سنداتها من البنوك المركزية وصناديق التقاعد قد تحتاج الحكومات الى الاعتماد على المستثمرين الدوليين مثل صناديق التحوط والتي هي حساسة جدا تجاه الحاجة إلى تعظيم العائدات «على استثماراتها».
تظهِر أرقام منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن المستثمرين الأجانب حازوا على 34% من السندات في عام 2024 وذلك ارتفاعا من 29% في عام 2021. والأجانب الآن يشكلون أكبر مجموعة منفردة من المستثمرين.
في هذا السياق السؤال المثير للاهتمام الذي طرحه البيرت ادواردز، استراتيجي الأسواق ببنك سوسيتيه جنرال، هو: هل سيوجد الارتفاع الأخير في عائدات السندات الحكومية اليابانية مشكلة. ادواردز من المتشائمين المعروفين جيدا تجاه الاستثمار في الأسهم ولكن ليس في السندات. وهو يحاجج بأن مستثمرين عديدين انخرطوا في تجارة «الكاري» من خلال الاقتراض الرخيص بعملة الين واستثمار حصيلة المبالغ المقترضة في سندات بلدان أخرى ( عائداتها أعلى) . لكن الدين في اليابان لم يعد رخيصا مع ارتفاع عائد السند الحكومي لأجل 10 سنوات من صفر في المائة في نهاية عام 2021 إلى 1.6% اليوم (عائد السند الياباني لأجل 30 عاما يبلغ حوالي 3%).
قد تفسر هذه القفزات في العائدات اليابانية بعضَ نوباتِ التوتر الأخيرة في أسواق السندات الحكومية بما أن مستثمري الرافعة المالية سيتوجب عليهم بيع أصول (مثلا محافظ سنداتهم) لسداد ديونهم الأكثر تكلفة.
في الواقع، لقد اختل التوازن السياسي بين العرض والطلب في أسواق السندات في الأجل القصير. فهناك المزيد من السندات المعروضة وذلك في اقتران مع تراجع الطلب من كل من المشترين الموثوقين (البنوك المركزية مثلا) والمضاربين (مثلا صناديق التحوط).
ذلك يعني أن ارتفاع العائدات على السندات يبدو محتملا وهذا ما يجبر الحكومات على دفع المزيد لتمويل عجوزاتها المتزايدة أبدا. لذلك من المرجح أن تدبير الأمور المالية للبلدان المتقدمة سيزداد صعوبة كما يبدو.
فيليب كوجان صحفي مختص بالشؤون المالية ومؤلف كتاب بعنوان: النتائج الاقتصادية لسياسات دونالد ترامب
الترجمة عن «الفاينانشال تايمز»