معارك الشمال السوري ستعيد رسم خرائط المنطقة
تاريخ النشر: 5th, December 2024 GMT
شهد الشمال السوري تطورات ميدانية وسياسية متسارعة تُنبئ بتحولات كبيرة في ميزان القوى المحلية والإقليمية، لتتجاوز هذه الأحداث كونها معارك عسكرية إلى كونها خطوات على طريق إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية للمنطقة بما يتماشى مع مصالح الأطراف الفاعلة.
هذه التحولات تمثل امتدادًا لحراك إقليمي ودولي يهدف لإعادة صياغة المشهد السوري، حيث تلعب المصالح الإستراتيجية دورًا حاسمًا.
المعطيات الأخيرة تكشف سعيًا واضحًا من قوى إقليمية ودولية لإنهاء النفوذ الإيراني في سوريا، بدءًا من الشمال، مع تصعيد مرتقب لاستهداف هذا النفوذ في الجنوب.
بعد سنوات من الاستثمار الإيراني في دعم النظام السوري وتثبيت وجودها العسكري، تواجه طهران اليوم تحديات كبرى في ظل عزلة دولية وضغوط متزايدة تقلص خياراتها الميدانية.
التحركات في حلب تحمل دلالات واضحة؛ حيث انطلقت الهجمات في سياق توقيت مدروس لا يخلو من إشارات سياسية عميقة. جاءت العملية متزامنة مع انتهاء الحرب في لبنان، وهو ما يضعف قدرة حزب الله على دعم حلفائه داخل سوريا.
اللافت أن هذه التطورات بدأت باغتيال الجنرال الإيراني كيومرت بورهاشمي، أحد القادة العسكريين البارزين في سوريا، تبعتها استهداف القنصلية الإيرانية في حلب، مما يرسخ التصور بأن العملية تهدف بالأساس لتقويض نفوذ إيران، إلى جانب مكاسب أخرى.
إعلانومع مرور حوالي أسبوع على انطلاق العملية، إلا أن الموقف الروسي منها ما زال مبهمًا، حيث تجنبت حتى الآن المشاركة في دعم النظام السوري عسكريًا، وحتى سياسيًا، كما كانت تفعل في مثل هذه الحالات سابقًا.
وقد يعكس هذا الأمر تفاهمًا تركيًا روسيًا، فعليًا أو ضمنيًا، أو يعكس رغبة روسية في التريث إلى حين ظهور معطيات جديدة على الأرض.
ويبدو الموقف الأميركي مشابهًا هو الآخر، إذ لم تقم واشنطن بتصريحات حادة في هذا الاتجاه. وسيظهر الموقف الأميركي بشكل واضح في حال تغاضيها عن مرور الفصائل العراقية الموالية لإيران بشكل كبير إلى الأراضي السورية، إذ سيعني ذلك أن واشنطن غير راضية عن هذا التمدد لفصائل المعارضة السنية، أو أنها ترغب في صدام شيعي- سني جديد يؤدي إلى إنهاك الطرفين.
ورغم أن إنهاء النفوذ الإيراني في سوريا يصب في المصلحة الإسرائيلية، فإن تراجع نفوذ قسد من جهة، وتمدد القوى السنية التي تراها تل أبيب متطرفة قد يمنعان إسرائيل من دعم العملية، وإن كانت لا تُمانع في وضع النظام السوري وحليفه الإيراني تحت الضغط الأقصى.
وحتى الآن تبدو تركيا هي الرابح الأكبر مما حصل في الشمال السوري، فرغم نفيها أي دور في العملية، فإنها الطرف الدولي الذي يملك أكبر تأثير على كل الفصائل المشاركة، وفي حال استمرار سيطرة هذه الفصائل على مكتسباتها الحالية، فإن تركيا سيكون لها دور محوري في أي تسوية مقبلة.
وبالمقابل تُظهر العملية أن أبرز الخاسرين منها حتى الآن هو النظام السوري، والذي عاد خلال أيام إلى حالة الانهيار التي عاشها في عام 2012، ومعها انهارت كل سرديته عن "الانتصار" و"الاستقرار"، وجهوده – بدعم من عدة فاعلين إقليميين – للانتقال إلى مرحلة ما بعد الاستقرار، من إعادة إنتاج النظام إلى مشاريع التعافي المبكر وإعادة الإعمار.
كما أن إيران هي من بين أهم الخاسرين حتى الآن، فقد خسرت هي الأخرى نفوذها في الشمال السوري، والذي استثمرت فيه ماليًا وبشريًا لسنوات طويلة، وهي في وضع حرج سياسيًا وعسكريًا، إذ ما استمر الحياد الروسي عن المعركة، إذ إن إرسال مقاتليها إلى الشمال السوري دون غطاء جوي سيكون مشروعًا لمحرقة مشابهة لتلك التي تعرّضت لها فصائلها في الفترة بين عامي 2014-2015، والتي انتهت بتوجه قائد فيلق القدس آنذاك قاسم سليماني لطلب التدخل الروسي، والذي حصل قبل عدة أسابيع من حتمية سقوط النظام السوري، وفقًا لما صرّح به وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لاحقًا.
إعلانتبدو قوات سوريا الديمقراطية (قسد) هي الأخرى من بين الخاسرين حتى الآن، فقدت خسرت تواجدها في مدينة حلب وفي تل رفعت المجاورة، وقد تخسر تواجدها فيما تبقى من ريف حلب.
وحتى لو تغيرت المعطيات الحالية، فإنّ من الصعب توقع عودة سيطرة قسد على هذه المناطق في أي سيناريو مستقبلي، حيث جاءت هذه السيطرة وفق معطيات تاريخية لم تعد قائمة اليوم.
وبالعموم، فإن التطورات الحالية في سوريا تعيد خلط الأوراق في المشهد الذي اتسم بالركود منذ نحو ثماني سنوات، وسوف تكون مخرجاتها الحالية ذات أثر عميق على الحالة السورية أولًا، وربما على المشهد الإقليمي والدولي ثانيًا.
فكل الأطراف الدولية تستعد من الآن للولاية الثانية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، والذي سيسعى لعقد صفقة في أوكرانيا، وأخرى في الشرق الأوسط، وربما يُعيد محاولة تنفيذ رغبته السابقة بسحب قواته من سوريا، بالتوازي مع رغبته في إعادة فرض العقوبات القصوى على إيران، واستكمال المشروع الإسرائيلي بإنهاك الأذرع الإيرانية في المنطقة. ولذا فإنّ التغيرات الحالية على الأرض السورية ستكون معطيات في معادلات الصفقات القادمة.
وعلى المستوى المحلي، فإن استعادة المعارضة السورية مدينة حلب تُعيد تشكيل ديناميكيات الصراع، وتمنح المعارضة دورًا تفاوضيًا أقوى، وتفتح الباب أمام تركيا لتعزيز نفوذها كقوة إقليمية ذات تأثير مباشر في مستقبل سوريا.
الأحداث الجارية تمهد لمرحلة جديدة في سوريا، قائمة على إعادة توزيع مناطق النفوذ بين القوى الكبرى، مع دفع إيران خارج المشهد تدريجيًا. لا تقتصر هذه التطورات على الجانب العسكري، بل تشمل ترتيبات سياسية واقتصادية تُظهر أن اللاعبين الرئيسيين قد بدؤُوا بالفعل رسم خطوط التسوية المقبلة.
ما تشهده سوريا اليوم قد يكون إيذانًا بانتهاء مرحلة طويلة من النفوذ الإيراني، وبدء أخرى تهيمن عليها مصالح تركيا وروسيا. ودخول إدارة أميركية جديدة إلى البيت الأبيض قد يُسرّع من وتيرة الأحداث، حيث تتجه الأنظار إلى مزيد من التصعيد في مواجهة إيران، سواء عبر تشديد العقوبات الاقتصادية، أو تقليص قنواتها المالية في المنطقة.
إعلانبهذا الواقع، يبدو أن حلب ليست سوى الخطوة الأولى نحو إعادة تشكيل المشهد السوري، ضمن مسار طويل من التفاوض والمعارك التي ستحدد مستقبل البلاد والمنطقة بأسرها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الشمال السوری النظام السوری فی سوریا حتى الآن
إقرأ أيضاً:
الملف الأسود لتمويل الحرب والتجنيد.. إيران تنقل مصانعها من سوريا لليمن وتوسع شبكات التهريب لإغراق دول المنطقة بالمخدرات
في السنوات الأخيرة تحوّل ملف المخدرات في اليمن من ظاهرة محلية إلى قضية إقليمية ذات بعد أمني وسياسي دولي, تقارير أممية والدولية تتحدث عن زيادة في تهريب وتجارة مخدرات عبر المياه الإقليمية وفي الداخل اليمني، وتحمّل جماعة الحوثي دوراً محورياً في الاستفادة من هذه التجارة لتمويل عملياتها، بينما تشير تقارير أخرى ضلوع إيران في توسيع شبكات تهريب المخدرات عبر اليمن وبناء مصانع للمخدرات بعد تعرضها لضربات موجعة في سوريا.
هذا التوسع النشط يأتي في ظل تصاعد مهول في الأرباح الاقتصادية التي حققتها المليشيا من تلك التجارة وكشفت تقديرات حقوقية واقتصادية أن مليشيا الحوثي تجني المليارات من الدولارات سنويًا من تجارة المخدرات.
مسارات التهريب
تشير تقارير أممية وإقليمية إلى تحوّل مسارات التهريب بعد تقلّص بعض قنوات التهريب من سوريا ولبنان وأماكن أخرى نتيجة ضغوط متزايدة، باتت اليمن تُعتبر مساراً بديلاً للطرق البحرية والبرية إلى دول شبه الجزيرة العربية.
تشير تقارير أمنية إلى أن إيران تلعب دورًا محوريًا في دعم تجارة المخدرات داخل اليمن، حيث يشرف ضباط من الحرس الثوري الإيراني على عمليات تهريب المواد المخدرة إلى مناطق سيطرة الحوثيين، بهدف تمويل المجهود الحربي للمليشيا وتحقيق أرباح ضخمة بعيدًا عن الرقابة الدولية.
مافيا التهريب ومصانع التصدير
كشف العميد عبدالله أحمد لحمدي، مدير عام الإدارة العامة لمكافحة المخدرات بوزارة الداخلية، عن تحول خطير في نمط تهريب وتصنيع المخدرات في اليمن، مؤكدًا أن البلاد أصبحت وجهة رئيسية لعصابات المافيا الإقليمية بعد تلقيها ضربات موجعة في سوريا.
وأوضح العميد لحمدي أن العمليات الأمنية محافظة المهرة، كشفت عن أول مصنع متكامل لصناعة مادتي الكبتاجون والشبو على الأراضي اليمنية، مضيفًا أن ستة متهمين يمنيين ضُبطوا مرتبطين بشبكات تمويل ودعم تتبع مليشيا الحوثي الإرهابية، إضافة إلى خبراء أجانب سبق ضبط بعضهم في عدن والمهرة.
وأشار إلى أن المعلومات الاستخباراتية أكدت وجود مصانع نشطة للمخدرات في مناطق سيطرة الحوثيين، ما يعكس حجم التهديدات الأمنية والإنسانية التي تواجه اليمن والمنطقة بأكملها.
وأوضح مصدر أمني خاص لـ"مارب برس" أن "المستهدف الأساسي من تهريب المخدرات هي دول الخليج العربي واليمن ليست سوى محطة ترانزيت" رغم توسّع انتشارها داخل اليمن.
ولفت إلى أن المليشيا الحوثية تعتبر نشاطها في تهريب المخدرات إلى دول الخليج جزءً من حربها الطائفية ضد الخصوم وتعتمد على هذه التجارة منذ بداية ظهورها، قبل نحو ثلاثة عقود، كأحد أهم مصادر تمويل أنشطتها التوسّعية, لافتاً إلى أنها تستند في ذلك على فتوى لمؤسسها الأوّل بدر الدين الحوثي، الذي أجاز لها تجارة الممنوعات لمحاربة من الوهابية وتمويل الجهاد.
كما أكّدت مصادر أمنية وعسكرية لـ"مارب برس" أن مليشيا الحوثي هي من تتحكّم بأنشطة التهريب من اليمن إلى السعودية على طول الشريط الحدودي بين البلدين الذي يبلغ طوله 1,458 كم، بدءً من مدينة ميدي بمحافظة حجّة غرباً إلى المهرة شرقاً.
أرقام صادمة… اليمن يغرق في سموم المخدرات
منذ بداية عام 2025، سجلت الأجهزة الأمنية ضبطيات ضخمة، أبرزها:
599 كجم من الكوكايين داخل شحنة سكر في عدن
646,290 قرص بريجابالين في دار سعد
314 كجم شبو و25 كجم هيروين و108 كجم حشيش في سواحل لحج
432 كجم شبو عبر البحر الأحمر
150,000 حبة كبتاجون في قارب بباب المندب
13,750 قرص كبتاجون عبر منفذ الوديعة في شاحنة قادمة من صنعاء
المخدرات أداة للتجنيد والسيطرة
بحسب تقارير دولية، يستخدم الحوثيون المخدرات لتجنيد الشباب والأطفال، حيث يُعطى المقاتلون الكبتاجون قبل المعارك لزيادة العدوانية والولاء، ما يفاقم الانهيار الاجتماعي ويحوّل المدمنين إلى أدوات حرب يمكن الاستغناء عنها.
وحول ذلك حذرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من أن تجارة المخدرات تحولت إلى وسيلة للسيطرة النفسية على المجندين، في مشهد يعكس تشابك العنف والإدمان في مشروع الجماعة.
الحوثيون ينقلون زراعة المخدرات إلى اليمن
كشفت مصادر قبيلة بمحافظة الجوف لمأرب برس أن المليشيات الحوثية باشرت في زراعة عدة أنواع من المخدرات في عدة مناطق من الجوف العالي وفي عشرات المزارع , وقالت المصادر أن المليشيات تمنع المزارعين والأهالي القاطنين بالقرب من تلك المزارع من الاقتراب من تلك المزارع أو الوصول اليها , خاصة في ظل السلطة القمعية التي تفرضها المليشيات على مناطق سيطرتها, كما كشفت ذات المصادر عن قيام جماعة الحوثي بزراعة المخدرات قبل سنوات في عدة مديريات من محافظة صعدة مسقط رأس عبدالملك الحوثي ويشرف علي ذلك جهاز أمني خاص مهمته توفير الأمن والحماية لتلك المناطق.
احتكار التهريب وتأهيل العصابات
بعيد سيطرتهم على العاصمة صنعاء هيمنت جماعة الحوثي على تجارة الممنوعات بأنواعها، وأخضعت المهربين المحليين لسلطتها مستغلّة سطوتها على الأجهزة الأمنية والعسكرية، وفقاً لما أكّدته مصادر أمنية لـ"مارب برس".
وخلال السنوات الماضية تقول المصادر إن الحوثيين اطلقوا عشرات المعتقلين على ذمّة تهريب أو ترويج وبيع المخدّرات، مشترطين عليهم العمل لصالحهم, مضيفة أنهم تلقّوا بعد إطلاقهم أموالاً وتسهيلات لاستعادة نشاطهم في تجارة الممنوعات.
وفي سبتمبر 2016، تداول نشطاء على مواقع التواصل وثائق تؤكّد إفراج الحوثيين عن تجار مخدرات، منهم 82 سجينًا من السجن المركزي بصنعاء أغلبهم تجار مخدرات، و4 تجار مخدرات أفرجوا عنهم من مركزي محافظة حجة.
وقال مسؤول أمني كان يعمل بمحافظة الجوف لـ"مارب برس"، طلب عدم كشف هويّته، إن مليشيا الحوثي اعتقلت مهربي الحشيش ممن لا يخضعون لسلطتها خصوصاً الذين كانوا ينشطون في محافظة صعدة على الشريط الحدودي مع السعودية.
ووفقاً للمسؤول فإن من جملة من اعتقلتهم "950 رجلًا و50 امرأة كانوا يعملون ضمن شبكات التهريب", موضحاً أن ذلك جاء ضمن مساعيها لمنع أي "عملية تهريب حشيش أو مخدرات في اليمن أو من خلالها إلى المملكة إلا عن طريقها وتحت إشرافها".