موقع النيلين:
2025-12-15@04:19:35 GMT

المليشيا … جماعة ارهابية (3)

تاريخ النشر: 6th, December 2024 GMT

نواصل الحديث عن صور إجرام مليشيا الدعم السريع الإرهابية ضد الشعب السوداني ، تلك الجرائم التي تجعلها بكل المعايير جماعة إرهابية أمام القانون وأمام كل السودانيين ، وأمام كل من يمتلك ضميراً إنسانياً حياً وحراً.

هذا المقال يناقش تمويل المليشيا المجرمة ، التمويل الذي لو انقطع عنها لماتت سريرياً وتقطعت بها السبل ، وتلاشت ، ولولا استمراره لانتهت الحرب في أيامها الأولى.

لقد أجمع خبراء القانون الدولي أن تمويل الإرهاب أخطر مهددات الأمن والسلم الدوليين، لأن أي تنظيم إرهابي يستمد قوته من التمويل المستمر ، لذلك اهتم العالم بمنع تمويل أية عمليات مشبوهة لا يعرف الغرض منها واعتبر أن أي تمويل يتم عبر أية صورة من الصور الآتية يعد تمويلاً لعمليات إرهابية إلى أن يثبت العكس ، إذا تم ما يلي : “جمع أو تلقي أو حيازة أو إمداد أو نقل أو توفير أو إرسال أموال أو أسلحة أو ذخائر أو مفرقعات أو متفجرات أو مهمات أو آليات ، أو عبر نقل بيانات أو إحداثيات أو معلومات حربية أو أمنية، بشكل مباشر أو غير مباشر وبأية وسيلة كانت رقمية أو الكترونية ، بما يخدم أو يحقق أو يدعم أو يسهل عمليات غير معروفة الغرض أو تحمل شبهة إجرامية أو يشتبه أن تكون إرهابية ” ، فإنها تصنف أعمالا إرهابية يجرمها القانون الدولي.

لذا فالمال يشكل عصب استمرار الأعمال الإرهابية لأنه يساعد في شراء الأسلحة والذخائر والمعدات وجلب المرتزقة ولشراء الذمم في كثير من الأحيان ، ولتجفيف منابع الحياة للإرهاب كان لابد من معرفة مصادر وطرق تمويله وتجريم كل ما يتعلق بتمويل الإرهاب دولياً، لذلك سعى العالم إلى وضع اتفاقية تتوافق عليها دول العالم لمكافحة تمويل الإرهاب، وكان ذلك بالفعل في العام 1999م حيث اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية منع تمويل الإرهاب، وجاء بعدها قرار مجلس الأمن 1373 لعام 2001م ، وقرار مجلس الأمن رقم 2462 لعام 2019م ، هذه القرارات إلى جانب اتفاقية منع تمويل الإرهاب كونت مرجعية قانونية حثت دول العالم على إنشاء آليات قانونية وطنية وآليات مراقبة مالية تعمل على كشف الأموال والأنشطة التجارية التي تدعم أو تمول الجماعات الإرهابية وتعمل مباشرة على كشف أموالها وحركة هذه الأموال وتداولها وإذا ثبت أنها أموال مشبوهة يتم تجميد أصولها مباشرة.

ثم جاء قرار مجلس الأمن رقم 2178 لعام 2014م والذي دعا دول العالم للتدقيق في السفر إلى البلدان التي تواجه عمليات إرهابية خشية سفر الإرهابيين أو المرتزقة إليها ، وحث الدول على تبادل المعلومات وتجهيز قوائم بجرائم الإرهاب وأنواعها والجماعات الإرهابية المسجلة عندها ، وجهة قدوم المرتزقة أو الإرهابيين وأماكن تجنيدهم وأية معلومات عنهم ، وجهات تمويل العمليات الإرهابية أياً كانت (دول ، شركات ، أفراد ، جمعيات .. إلخ).

لم يقف العالم عند هذا الحد بل صدرت عدد من قرارات مجلس الأمن بين حين وآخر تدعو الدول إلى تنفيذ ما اتفق عليه مثل (قرار مجلس الأمن رقم 1617 لعام 2015م ، قرار مجلس الأمن رقم 2253 لعام 2015م ، قرار مجلس الأمن رقم 2368 لعام 2017م ، قرار مجلس الأمن رقم 2395 لعام 2017 م ، قرار مجلس الأمن رقم 2462 لعام 2019م ) .

من المتابعة لملف الإرهاب وجد أن مصادر التمويل غالباً ما تأتي عبر بعض المنظمات غير الربحية او جمعيات تتستر خلفها جريمة غسيل الأموال أو الاتجار غير المشروع في سلع مثل النفط أو الذهب أو الماس أو المخدرات أو السلاح ، مع ملاحظة أن جريمة غسيل الأموال تختلف تماماُ عن جريمة الإرهاب ، كل منهما جريمة مستقلة بذاتها وأركانها، لكنهما يكملان بعضهما البعض إذا ما اجتمعا علي مسرح الأحداث.

بما أن حركة المال المستخدم في تمويل الإرهاب يتم غالباً عبر آليات دولية ، كان من الضروري وضع موجهات ومعايير دولية تحكم حركة الأموال وتداولها فتم إنشاء مجموعة العمل المالي ، لتكون آلية مراقبة دولية.

و مجموعة العمل المالي (FATF) هي هيئة دولية FINANCIAL ACTION TASK FORCE أنشئت في العام 1989م من قبل الوزراء المعنيين في الدول الأعضاء فيها ، وتضم 38 دولة ومنظمتين اقليميتين هما مجلس التعاون الخليجي والمفوضية الأوربية، مقرها في باريس، وهي تهدف إلى وضع سياسات و معايير وموجهات لمكافحة جريمة غسيل الأموال وجريمة تمويل الإرهاب ، وانتشار أسلحة الدمار الشامل ، وأصدرت توصياتها أول مرة في العام 1990م ثم توالى تطوير وتحديث التوصيات كل عامين حسب متطلبات المرحلة والتحديات التي تواجهها وقد أصدرت مؤخرا توصيات العام 2024م.

تقوم مجموعة العمل المالي بمراقبة أعضائها في تنفيذ التدابير اللازمة للمكافحة ، وتعمل على تحديد نقاط الضعف على المستوى الوطني لمعالجتها ولحماية النظام المالي الدولي من إساءة الاستخدام.

من جهة أخرى قامت مجموعة من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بإنشاء مجموعة للعمل المالي علي غرار مجموعة العمل المالي الدولية ، وذلك عقب اجتماع وزاري عقد في البحرين في 30 نوفمبر 2004م ، حيث قررت حكومات 14دولة عربية إنشاء مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، وأن تكون دولة المقر لها البحرين ، وهي ذات طبيعة تعاونية لا ينبثق عنها معاهدة دولية وهي مستقلة عن أية هيئة او مؤسسة دولية أخرى ، وتضم كلاً من الاردن ، الإمارات، البحرين ، تونس، الجزائر، السعودية ، السودان ( انضم في 2006)، سوريا ، العراق ، سلطنة عمان ، قطر، الكويت ، لبنان ، ليبيا، مصر ، المغرب ، موريتانيا ، اليمن.
ويشغل مقعد المراقب فيها 13عضواً ما بين دول ومنظمات. و أهم التزام لهذه المجموعة التزام أعضائها بالمعايير الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب.

بناء على ما ذكر نجد أن السودان والإمارات أعضاء في هذه المنظمة التي تمنع تمويل الإرهاب ، والمفترض أن تلتزم الدولة العضو بكافة توصيات مجموعة العمل المالي سواء الدولية أو مجموعة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ولكن الحرب التي اندلعت صباح السبت 15 ابريل 2023 في السودان أظهرت داعمين لاستمرارها والقيام بعمليات إرهابية برعاية ودعم دبلوماسي وسياسي ولوجستي ومالي وإعلامي للمليشيا من دولة الامارات في المقام الأول ودول أخرى.

والراجح أنها هنا مكلفة وفق توزيع الأدوار للخطة الصهيونية الخبيثة، و دورها هو زعزعة الاستقرار في دول المنطقة ، حيث يتم اختيار الدول التي بها تصدع في الأوضاع السياسية وتقوم بزعزعة الاستقرار وتمزيق الدولة ونهب ثرواتها ، وهي بذلك تخرق مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول و تدعم الإرهاب من جهة أخرى ، مما يستوجب محاسبتها .

وقد تقدم السودان بشكوى رسمية لمجلس الأمن ضد الإمارات، مسنودة بأدلة دامغة، اتهمها بتجنيد مرتزقة للقتال في السودان وإشعال الحرب ونهب وسرقة ثروات السودان والسودانيين.

و تحصلت القوات المسلحة السودانية بعد معارك جبل موية (وسط البلاد) علي أدلة مادية منها صناديق ذخيرة مدفعية ثقيلة مطبوع عليها إسم الإمارات، كان الجيش قد استولى عليها في عتاد المليشيا الهاربة من المعارك ، بالإضافة لشاحنات نقل الأسلحة والذخائر للمليشيا تحمل أرقام وبطاقات ترخيص إماراتية. كما نشرت مقاطع فيديو لعدد من جنود القوات المسلحة وهم يعرضون معدات حربية كتب عليها صنع في الإمارات، وعثر كذلك على أدوية واسعافات ووجبات جاهزة إماراتية وسترات واقية من الرصاص ومضادات دبابات ومضادات طيران ومسيرات حديثة الصنع ، وجدت جميعها في أماكن كانت تحتلها المليشيا قبل هروبها واستولى عليها الجيش السوداني وصورها كأدلة دامغة للدعم الإماراتي للمليشيا الإرهابية.

من المعتاد ألا تقوم حكومة أو دولة ما بدعم الجماعات الإرهابية بشكل مباشر ، لكنها تقوم بدعمها تحت ستار منظمة أو جمعية أو مجموعة شركات ، وتقوم بمدها بالأموال لشراء الأسلحة والعتاد والذخائر واستجلاب المرتزقة وتجنيدهم ودفع الأموال لهم والإمارات تقوم بذلك خلف ستار المساعدات الإنسانية، وأحياناً بشكل مباشر !!!

وتشير التقارير إلى جلب الإمارات لمرتزقة من دول وسط أفريقيا وتشاد ومالي ومؤخراً من كولومبيا التي اعتذرت سفيرتها في القاهرة للسفير السوداني عما حدث من مشاركة مرتزقة من بلادها مع المليشيا ، واعتذار السفيرة الموقرة يعد دليلا آخر على جلب المليشيا للمرتزقة بواسطة دويلة الشر والتي أصبحت المنسق والمخطط للأعمال الإرهابية في السودان ، وهي بذلك تعد شريكاً اصيلاً في كل الانتهاكات والجرائم التي حدثت مما يستوجب محاسبتها.

وفي السياق، أكدت منظمة (مراقبة الإبادة الجماعية) ، أن الإمارات تنتهك حظر الأسلحة المفروض على دارفور منذ العام 2005م ولا زال ساري المفعول ، وينبغي محاسبتها على تورطها في إدخال السلاح والذخائر إلى دارفور ، وارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين هناك.

وتقول المنظمة أنها منذ يونيو 2023م رصدت زيادة كبيرة في عدد طائرات الشحن المتجهة من مطار أبوظبي إلى مطار أم جرس في دولة تشاد ، إذ تقدم الإمارات الدعم للمليشيا عبر مطار أم جرس، الى جانب وجود مخبأ للذخيرة في ذات المطار ومحطة تحكم ارضية للطائرات بجانب المدرج على بعد 750 ياردة فقط من مستشفى إماراتي لعلاج مصابي المليشيا ، ويتم نقل شحنات الأسلحة والذخائر والمعدات من أم جرس إلى داخل الأراضي السودانية مباشرة.

كما أنها تزود المليشيا بالوقود من جنوب ليبيا وتمدها بسيارات الدفع الرباعي التي تستخدم في العمليات العدائية الإرهابية.

في نهاية التقرير شددت المنظمة على ضرورة إيقاف الإمارات لدعمها العسكري لمليشيا الدعم السريع و التوقف عما ترتكبه من جرائم بحق المدنيين عبر تجنيد المرتزقة والزج بهم للحرب في السودان ، وكذلك توقف دول أخرى في المنطقة عن التواطؤ مع الإمارات وفتح أراضيها ومطاراتها لدعم المليشيا الإرهابية المتمردة ، مقابل الأموال الاماراتية.

وحسب تقرير خبراء نشر في صحيفة نيويورك تايمز أكد أن الإمارات تستخدم المساعدات الإنسانية كغطاء لتهريب السلاح والمعدات الحربية ، بينما تقوم الطائرات بدون طيار لتحلق على طول الحدود السودانية موجهة قوافل الأسلحة المهربة وعربات الدفع الرباعي التي تحمل المرتزقة ، للحاق بالمليشيا في الاراضي السودانية لمواصلة ارتكابها لجرائم الحرب والإبادة الجماعية والعمليات الإرهابية ضد المدنيين العزل.

رغم هذه التقارير والإدانات والأدلة الدامغة على جرائم المليشيا ، ورغم التقارير التي وثقتها المنظمات الدولية والاقليمية، والتقارير المنشورة عبر وكالات إعلامية عالمية، والأدلة المادية الواضحة على أرض المعركة والتي قدمها السودان في شكواه لمجلس الأمن ، والصور التي سجلتها الأقمار الاصطناعية للدعم الإماراتي للمليشيا ، ومشاركة عدد من الدول في تأجيج الحرب في السودان ، لا يزال المجتمع الدولي يقف صامتا ، في موقف محير لمن يفكر ومخزي لمن يعتبر !!!

وهو – المجتمع الدولي – مطالب باتخاذ إجراءات قانونية حاسمة تجاه الدول التي تسعى لاستمرار الحرب وتدعم المليشيا في أعمالها الإرهابية ، بوضع المليشيا ضمن المجموعات الإرهابية وحظر نشاطها وتجميد أصولها ومصادرة أموالها المشبوهة ومحاسبتها على عملياتها الإرهابية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والمذابح التي تمت بحق المدنيين العزل.

وكذلك محاسبة الإمارات وتشاد والدول التي تواطأت لإشعال الحرب واستمرار العمليات الإرهابية وانتهاك حقوق الإنسان في السودان ، وسرقة ثرواته ، وفقا لأحكام القانون الدولي ، والقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الانسان.

د. إيناس محمد أحمد

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: مجموعة العمل المالی قرار مجلس الأمن رقم القانون الدولی تمویل الإرهاب فی السودان

إقرأ أيضاً:

هآرتس: هذه أدوار الإمارات في المنطقة.. ومقترح مرتزقة كولومبيين لغزة

لا يزال اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتشكيل قوة دولية لتحقيق الاستقرار، بهدف تقديم الدعم العسكري للوجود الشرطي الفلسطيني في قطاع غزة، متعثراً، وينتظر هذا المشروع إنشاء مجلس السلام للإشراف على القطاع، بالإضافة إلى صياغة ولاية القوة، وباستثناء تركيا، لم تُبدِ الحكومات الأجنبية حماساً يُذكر لنشر قوات لحماية "غزة الجديدة".

وجاء مقال للكاتب الإسرائيلي تسفي برئيل، ونشرته صحيفة "هآرتس" أن "محلل إماراتي اقترح حلاً مبتكراً لمشكلة إنشاء القوة. وعندما سألته صحيفة هآرتس عما إذا كان يرى أي فرصة لإرسال الإمارات العربية المتحدة جنوداً إلى غزة، أجاب: جنودنا، لا. لكن من الممكن إرسال مرتزقة كولومبيين".

كولومبيون؟ أجاب: "نعم، لقد عملوا لدينا قبل 15 عامًا كحراس في منشآتنا النفطية ومواقع حيوية أخرى، وشاركوا معنا في حرب اليمن. وبالتأكيد سيوافقون على الذهاب إلى غزة مقابل أجر مناسب".

وذكر التقرير الإسرائيلي أن "هذا المحلل، الذي يعمل في وسيلة إعلامية إماراتية مهمة، "نسي" بطريقة ما أن يذكر أن المرتزقة الكولومبيين يقاتلون أيضاً في السودان الآن كعملاء لأبو ظبي، وهم مسؤولون عن بعض المجازر المروعة التي تحدث في ذلك البلد منذ أكثر من عامين".

وأوضح أن "الإمارات تنفي بشدة أي تورط عسكري في الحرب الأهلية السودانية، سواء بشكل مباشر أو عبر المرتزقة، لكن الأدلة تشير إلى خلاف ذلك، وتشير التقارير الاستقصائية التي أعدها صحفيون أجروا مقابلات مع مرتزقة كولومبيين إلى أن هؤلاء المتعاقدين، الذين تتراوح رواتبهم بين 2600 دولار و6000 دولار شهرياً، يذهبون أولاً إلى قاعدة تدريب إماراتية في الصومال، ومن هناك يتم إرسالهم إلى الجبهة في السودان".


وأضافت التقارير أن شركات أمنية مقرها الإمارات العربية المتحدة تقوم بتوظيفهم، وهي التي تتولى أيضاً دفع رواتبهم. إلا أن التمويل في نهاية المطاف يأتي من الحكومة الإماراتية.

بحسب تقرير نشرته صحيفة "الغارديان" في وقت سابق من هذا العام، فإن هؤلاء المرتزقة لا يشاركون في المعارك فحسب، بل يقومون أيضاً بتجنيد وتدريب مقاتلين آخرين، بمن فيهم آلاف الأطفال والمراهقين.

قال أحد المرتزقة للصحيفة إن "معسكرات التدريب في السودان تضم آلاف المجندين، بعضهم بالغون، لكن أغلبهم أطفال. وأضاف: "هؤلاء أطفال لم يسبق لهم حمل سلاح. علمناهم كيفية استخدام البنادق الهجومية والرشاشات وقذائف آر بي جي. بعد ذلك، أرسلناهم إلى الجبهة. كنا ندربهم على الذهاب والموت". هل يرغب أحد حقاً في حدوث ذلك في غزة؟".

التنافس على السلام
وأضاف التقرير الإسرائيلي أن "السودان واليمن أكثر دولتين تضرراً من الكوارث الإنسانية خلال العقد الماضي. ففي اليمن، أودت الحرب الأهلية التي اندلعت عام 2015 بحياة أكثر من 150 ألف شخص، بينما تشير التقديرات إلى أن عدداً مماثلاً من القتلى في السودان قد سقط خلال العامين الماضيين فقط".

وأوضحت "في كلا البلدين، لا تزال السعودية والإمارات، المواليتان للغرب، نشطتين وتستثمران مليارات الدولارات في التكنولوجيا المتقدمة مع الحفاظ على علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة. ويُعدّ زعيماهما، ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الإماراتي محمد بن زايد، صديقين شخصيين وشريكين تجاريين لترامب".

وذكر "كان كلا البلدين شريكين في التحالف العسكري الذي تم تشكيله عام 2015 لمحاربة الحوثيين في اليمن، وكلاهما عضوان في التحالف العربي والإسلامي والغربي الذي يسعى للمشاركة في مستقبل غزة".

وقال "لكن على الجبهتين الداميتين في كل من اليمن والسودان، أعاق التنافس السياسي والدبلوماسي بين السعودية والإمارات الجهود المبذولة لإنهاء العنف والسعي إلى حلول تُمكّن البلدين من بدء إعادة الإعمار. كما حال دون تمكّن الدولتين من شنّ حملة مشتركة فعّالة ضد الحوثيين".

في عام 2019، انسحبت أبو ظبي من التحالف العسكري العربي في اليمن، الذي كان ضعيفاً إلى حد ما، وسحبت قواتها من البلاد. ومع ذلك، لم يزد وجودها هناك إلا قوة.

نظرياً، تُدار اليمن من قبل مجلس قيادة رئاسي برئاسة رشاد العليمي، ويشرف هذا المجلس على حكومة تحظى باعتراف دولي. تسيطر الحكومة على نحو 65 بالمئة من البلاد، لكن هذه المساحة لا تضم سوى 30 بالمئة من السكان، أي ما مجموعه 40 مليون نسمة؛ أما الباقي فيخضع لسيطرة الحوثيين.

وذكر التقرير "نظرياً، يمتلك اليمن جيشاً ومؤسسات دولة، بل وميزانية، تُموّل جزئياً من السعودية وجزئياً من حقول النفط التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها. أما عملياً، فالحكومة مشلولة، ويقضي أعضاؤها معظم أوقاتهم في الخارج".

وأضاف "يتألف الجيش من وحدات قبلية غالباً ما تتقاتل فيما بينها. كما أنه يتلقى تمويلاً ضئيلاً وأسلحة رديئة، ويُقدّر عدد جنوده بما بين 40 ألفاً و100 ألف جندي فقط، مقارنةً بالحوثيين الذين يملكون أكثر من 350 ألف جندي".

وأوضح "حتى في المناطق التي يُفترض أنها تسيطر عليها، لا تتمتع الحكومة بسيادة مطلقة. فقد شُكّل المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو هيئة سياسية وعسكرية بقيادة عيدروس الزبيدي، عام 2017. وبعد ثلاث سنوات، سيطر على مدينة عدن الساحلية الهامة ومعظم المحافظات الجنوبية للبلاد، وهدفه السياسي هو إعادة تأسيس جنوب اليمن (المعروف أيضاً باسم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية)".

واعتبر يُسيطر الزبيدي على ميليشيا تضم نحو 50 ألف جندي يتلقون تمويلاً ومساعدات أخرى من الإمارات. والمثير للسخرية حقاً أن هذا الرجل، الذي يسعى إلى تفكيك الدولة، يشغل أيضاً منصب نائب العليمي في المجلس القيادي الرئاسي".


في الأسبوع الماضي، احتلت قوات الزبيدي محافظتي حضرموت والمهرة في شرق اليمن وسيطرت على حقول النفط فيهما. وبذلك وسّع بشكل كبير القاعدة الجغرافية والاقتصادية لتحقيق حلمه بإقامة دولة مستقلة.

وتتمركز قوات سعودية في المهرة، المتاخمة لسلطنة عمان، لكن مهمتها تقتصر على حماية المنشآت النفطية وخط أنابيب النفط الذي يربط اليمن بسلطنة عمان. وهي بالتأكيد ليست هناك لمحاربة قوات الزبيدي.

وقال التقرير إن "هذا ليس مجرد صراع سياسي داخلي يقتصر على اليمن فحسب، بل إن التنافس بين الحكومة المعترف بها والمجلس الانتقالي الجنوبي يُؤجج الصراع بين الرياض وأبوظبي. ذلك لأن السعودية لا تزال تسعى إلى تعزيز وحدة اليمن بحيث يكون الحوثيون جزءًا من الحكومة، ما يُنهي التهديد الذي يُشكله الحوثيون على كل من السعودية وحركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، بينما تتبنى الإمارات رؤية استراتيجية مختلفة".

من وجهة نظر الإمارات، فإن تقسيم اليمن إلى دولتين أو حتى ثلاث دول - جنوب اليمن، ووسط اليمن، والمنطقة التي يسيطر عليها الحوثيون - سيمنحها موطئ قدم، بل وسيطرة على حقول النفط والموانئ الاستراتيجية، وعلى رأسها عدن.

وهكذا، بالنسبة للإماراتيين، يُعدّ استيلاء الزبيدي على حضرموت والمهرة مكملاً لاستيلائه السابق على أرخبيل سقطرى. وقد أقامت الإمارات قواعد عسكرية على هذه الجزر، وتشير تقارير أجنبية إلى أنها تضم أيضاً قاعدة أو أكثر من القواعد الإسرائيلية.

أما فيما يتعلق بالحرب ضد الحوثيين، فيبدو أنه منذ أن جددت أبوظبي علاقاتها مع إيران عام 2022، أسقطت الحوثيين من أولوياتها. وبدلاً من ذلك، تركت مهمة التعامل معهم للسعودية، متمنية للرياض التوفيق.

أزمة إنسانية مدعومة من الإمارات
وقال التقرير الإسرائيلي إنه "كما هو الحال في اليمن، كذلك في السودان، الذي صنفته الأمم المتحدة كأشد كارثة إنسانية في العالم، تُدير السعودية والإمارات صراعاتهما الإقليمية على النفوذ من خلال النزاعات المحلية. ويأتي هذا على حساب مئات الآلاف من الأرواح وملايين آخرين نزحوا من ديارهم".

وأوضح "اندلعت الحرب الأهلية في أبريل 2023 وسط صراع على السلطة بين قائد الجيش والرئيس الفعلي، عبد الفتاح البرهان، ونائبه، محمد حمدان دقلو، المعروف باسم "حميدتي". ومنذ ذلك الحين تطورت إلى صراع إقليمي ودولي للسيطرة على أحد أهم مفترق الطرق الاستراتيجية في المنطقة".

وذكر "يظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وهو يستضيف مأدبة عشاء لولي العهد السعودي ورئيس الوزراء محمد بن سلمان في البيت الأبيض الشهر الماضي. ويظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وهو يستضيف مأدبة عشاء لولي العهد السعودي ورئيس الوزراء محمد بن سلمان في البيت الأبيض الشهر الماضي".

وأكد أنه "في هذا التنافس، اختارت أبوظبي الانحياز إلى جانب حميدتي، قائد ميليشيا الجنجويد الإجرامية المسؤولة عن الإبادة الجماعية في دارفور مطلع الألفية الثانية. وقد أسس لاحقاً قوات الدعم السريع، التي سيطر من خلالها على مناجم الذهب المتمركزة في دارفور وعلى طرق التهريب خارج البلاد. هرب حميدتي معظم الذهب عبر الإمارات، ولكن هذا ليس السبب الوحيد للعلاقات الوثيقة بينه وبين أبوظبي".

وأضاف "يُنظر إلى السودان على أنه سلة غذاء دول الخليج عموماً، والإمارات العربية المتحدة خصوصاً. فقد اشترت الأخيرة أكثر من 1.5 مليون دونم من الأراضي الزراعية في السودان، واستثمرت في المزارع ومصانع الأغذية. علاوة على ذلك، يُعد السودان، الذي يسيطر على نحو 700 كيلومتر (حوالي 434 ميلاً) من الساحل على طول البحر الأحمر، رصيداً استراتيجياً محتملاً لأي قوة إقليمية وعالمية".


وأكد أنه "السيطرة على سواحل السودان جزء لا يتجزأ من النهج الاستراتيجي للرياض وأبو ظبي، تمامًا مثل سواحل اليمن وموانئها، التي تشكل معاقل سيطرة مغرية. وعندما انتشر خبر استعداد السودان لتوقيع اتفاقية غير مسبوقة تمنح البحرية الروسية حق الوصول إلى ميناء بورتسودان مطلع هذا الأسبوع، دقّت الولايات المتحدة ناقوس الخطر. ويبدو، في الوقت الراهن، أن ضغوط إدارة ترامب والسعودية قد أقنعت البرهان بوقف هذه الخطوة. إلا أن هذا القلق الذي أثارته الاتفاقية يُبرز الحساسية البالغة، والمخاطر الإقليمية والدولية التي تُشكلها الحرب في السودان، والتي لم تُفلح كارثتها الإنسانية حتى الآن في توليد ضغط دولي كافٍ لإنهاءها".

وقال "لا تزال الجهود الدبلوماسية في اليمن والسودان بعيدة كل البعد عن تحقيق أي إنجازات حقيقية. صحيح أن السعودية والحوثيين وقعوا اتفاقية وقف إطلاق النار عام 2022 والتي لا تزال سارية، إلا أنه للتوصل إلى اتفاق يضمن تشكيل حكومة موحدة في اليمن وتحقيق المصالحة بين الخصمين في السودان، سيتعين على السعودية والإمارات التوصل إلى تفاهم أولاً".

وختم بالقول إن "الافتراض هو أن الضغط الأمريكي قد يصنع المعجزة، لكن هذا يعني أن ترامب سيضطر إلى خوض مسار تصادم مزدوج مع حليفين مقربين تعهدا باستثمار تريليونات الدولارات في الولايات المتحدة، وإن الحذر المهذب الذي أشار به ترامب حتى الآن إلى الشراكة بين أبو ظبي وحميدتي، وتعليق وزارة الخارجية "عدم الرد" على سيطرة قوات الزبيدي (الإمارات) على المحافظات الشرقية لليمن، يشير إلى أن الولايات المتحدة ستواصل اتخاذ موقف محايد لا يثير غضب أي من حلفائها".

مقالات مشابهة

  • خبراء لـ«الاتحاد»: الإمارات أرست تجربة رائدة في تمويل مشاريع الطاقة المتجددة
  • الإمارات تُدين حادثة إطلاق النار الإرهابية في تجمع بسيدني
  • الإمارات تدين حادثة إطلاق النار الإرهابية في تجمع بمدينة سيدني
  • الفظائع التي تتكشّف في السودان “تترك ندبة في ضمير العالم”
  • الغادريان: الإمارات تستخدم الرياضية للتغطية على الفظائع في السودان
  • بعد استهداف البعثة الأممية.. السودان يدعو لتصنيف الدعم السريع جماعة إرهابية
  • هآرتس: هذه أدوار الإمارات في المنطقة.. ومقترح مرتزقة كولومبيين لغزة
  • نيامي.. التحالف الإسلامي يختتم برنامج محاربة تمويل الإرهاب
  • «التحالف الإسلامي» يختتم البرنامج المتقدم في محاربة تمويل الإرهاب وغسل الأموال بنيجيريا
  • عضو بمجلس الشيوخ الأمريكي: الإمارات أكبر ممول لحملة الإبادة الجماعية في السودان