الزراعة.. الفرصة الضائعة للحد من الفقر
تاريخ النشر: 14th, December 2024 GMT
د. عمر محجوب محمد الحسين
تُعد الزراعة من الأدوات الفعالة التي تسهم في الحد من الفقر والجوع وسوء التغذية. نسبة سكان الريف في السودان تبلغ 63.7%، يعمل منهم 20.31% في القطاع الزراعي، وتبلغ نسبة الجوع 11.9%، ونسبة الفقر في السودان وصلت إلى 86.2%. صحيح قد تتباين أهمية الزراعة في الحد من الفقر من بلد إلى آخر حسب اتجاهات الدولة في التنمية الاقتصادية لكن هذا الأهمية تديرها الدولة وتسلط عليها الضوء.
تشير الدراسات منذ ستينيات القرن العشرين إلى أن إنتاجية العمل في الزراعة تنمو في المتوسط بسرعة أكبر من إنتاجية العمل خارج القطاع الزراعي، من جانب آخر بما أن غالبية الفقراء في العالم النامي يعتمدون على الزراعة بصورة كاملة في معاشهم لذلك يقال أن النمو الزراعي يحقق عائدا أعلى من حيث قدرته في الحد من الفقر. تجدر الإشارة إلى أن تأثير الزراعة على الفقر لا يشمل كل الدول، وتأثيرها يتضاءل مع ازدياد قدرات البلدان الاقتصادية وازدياد ثراء الشعوب. ويعتقد بعض الباحثين أن تأثير النمو الزراعي في افريقيا جنوب الصحراء لا يؤثر تأثيرا كبيرا على خلق فرص العمل والحد من الفقر، ويزعم هؤلاء الباحثون أن الانفتاح التجاري هو المحرك الرئيس للحد من الفقر. إن ارتفاع معدلات التوظيف والإنتاجية الزراعية قد يخلف آثاراً إيجابية وسلبية على أصحاب المصلحة؛ فمع ثبات الأسعار يرتفع صافي دخل المزارعين من الزراعة مع زيادة إنتاجهم. وإذا انخفضت أسعار المواد الغذائية بسبب اتباع حزم زراعية أدت إلى زيادة الانتاج، تزداد القدرة الشرائية للمستهلكين، وتكون هذه الفوائد أعظم بالنسبة للمستهلكين الأكثر فقراً، فكثير من المزارعين الصغار الفقراء هم مشترون للغذاء، وبالتالي يستفيدون من زيادة الإنتاجية وانخفاض الأسعار، ولكن بعض المزارعين الذين يبيعون انتاجهم بصورة مباشرة قد يخسرون من انخفاض الأسعار.
يعود سبب العلاقة القوية بين الزراعة والحد من الفقر إلى سببين الأول هو أن الزراعة تحتاج إلى عمالة كبيرة في البلدان النامية، حيث ان زيادة الإنتاجية الزراعية تؤدي إلى رفع أجور العمال غير المهرة، وهو مصدر مهم الدخل بالنسبة للعديد من العمال الفقراء الذين لا يملكون أرضا، وقد وجدت إحدى الدراسات أن زيادة المحصول بنسبة 1% في بنغلاديش تؤدي إلى ارتفاع الأجور في المناطق الريفية بنسبة 0.9%، وزيادة المعروض من العمالة بنسبة 0.4%، وزيادة الاستهلاك بنسبة 0.5%.؛ أما السبب الثاني هو أن الفقراء استهلاكهم للغذاء مرتفع. إن الحد من الفقر من خلال الزراعة له مستفيدون مباشرون وغير مباشرين. وهناك تحديات متمثلة في القدرة على إخراج الفقراء للغاية من براثن الفقر عن طريق الزراعة، حيث تختلف ظروفهم باختلاف العوامل بما في ذلك النوع (ذكر ام انثى) وفي القطاع الزراعي السوداني يعمل فيه 56% من عدد الرجل، و80% من عدد النساء؛ أو الموارد المحلية المتوفرة، لذلك ربما العمل خارج المزرعة قد يكون خيارًا أفضل للفقراء. إن وسائل التجارة والنقل والمعالجة الزراعية تكون فعالة في الحد من الفقر مع تحسين أنظمة الغذاء، كما أن الطلب المتزايد على الأغذية عالية الجودة في المدن الكبيرة يوفر أيضا إمكانات اقتصادية كبيرة. إن توفير احتياجات المدن الكبيرة والعاصمة الخرطوم حيث الطلب المتزايد على المنتجات الزراعية المتنوعة، يشكل تحدياً وجودياً للمنتجين بسبب السماسرة، ووسائل النقل، وعدم توفر الرعاية الصحية الأولية، والتمويل حيث ان أغلب المنتجين لا يتعاملون مع مؤسسات اقراضية ولا يملكون الضمانات الكافية، بالإضافة إلى الإجراءات المالية المعقدة وعدم امتلاكهم لحسابات مصرفية نتيجة لضعف الشمول المالي. تحتاج الزراعة في السودان إذا اريد بها الحد من الفقر والجوع وسوء التغذية إلى تدريب العمال والمزارعين على التقنيات الزراعية الحديثة، وتوفير الرعاية الصحية الأولية والفنية، والاهتمام بالإرشاد الزراعي، توفير مستلزمات الإنتاج الزراعي من خلال الجمعيات التعاونية الزراعية، تحديد أسعار المحاصيل المنتجة بما يتوافق مع أسعار الأسواق العالمية، حماية المزارعين من السماسرة ومحاربتهم داخل الأسواق وفي مناطق تلقى الانتاج، انشاء وكالة للضمان تحمى المزارعين عند اعسارهم، وتمكين المزارعين من الوصول إلي الائتمان خاصة وأن القدرة محدودة للوصول إلى الائتمان.
بالإضافة إلى إمكانات الحد من الفقر وسوء التغذية والجوع، يعتبر السودان هو أكبر منتج زراعي في أفريقيا والشرق الأوسط، ويُنظر إليه باعتباره "سلة غذاء" مستقبلية للشرق الأوسط وأفريقيا وخارجها، وتشكل الإمكانات الزراعية في السودان أهمية بالغة بالنسبة لأفريقيا والشرق الأوسط خاصة مع تزايد انعدام الأمن الغذائي في جميع أنحاء العالم، من جانب آخر يتمتع بموقع استراتيجي تمكنه من لمعالجة ندرة الغذاء العالمية، حيث يتوفر في السودان ثلاث مكونات تعتبر حيوية، إمكانات إنتاج هائلة، وموقف جيوسياسي محايد، وممارسات زراعية تقليدية قوية. يصنف الخبراء نقص الموارد الطبيعية من الغذاء والمياه، كواحد من أكبر خمسة مخاطر تواجه العالم في العشر سنوات المقبلة، بالإضافة إلى مع استمرار تأثر أوكرانيا، إحدى "سلال الخبز" الرئيسة في العالم، بالحرب، فإن الأمل في أن يتمكن السودان من تكثيف جهوده وسد جزء من فجوة الإمدادات الغذائية، وهذا سيعتمد على عدة عوامل، ودعم خروج البلاد من حالة الحرب الحالية وتعافيها لخلق بيئة آمنة للمزارعين لاستئناف أنشطتهم دون انقطاع ودون خوف من اي اضطرابات في المستقبل، ويقع على المجتمع الدولي عبء المساعدة في تحويل قطاع الزراعة التقليدي في السودان لضمان قدرة السودان على إنتاج الغذاء بشكل مستدام لشعبه والمنطقة، هناك حاجة إلى تقنيات حديثة في عمليات الزراعة والحصاد، وتطوير الأطر القانونية السليمة والإصلاحات الإدارية الحاسمة لتأمين دعم المستثمرين الإقليميين والدوليين في ظل وجود حكومة ذات كفاءة تتمتع بالشفافية والقدرة على محاربة الفساد المالي والإداري والسياسي.
omarmahjoub@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: فی السودان
إقرأ أيضاً:
الزراعة: تجديد اعتماد «المركزي لمتبقيات المبيدات» لتحليل الصادرات الزراعية المصرية إلى إندونيسيا
أعلن علاء فاروق، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، عن تجديد الجانب الإندونيسي اعتماد المعمل المركزي لتحليل متبقيات المبيدات والعناصر الثقيلة في الأغذية، للمرة الثالثة على التوالي، الأمر الذي يمكن المعمل من إصدار شهادات التحاليل اللازمة للصادرات المصرية من العنب، البصل، البطاطس، الموالح، والفول السوداني، إلى إندونيسيا.
وأكد وزير الزراعة، أن تلك الخطوة تعكس التزام وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي بتعزيز جودة الصادرات الزراعية المصرية وفتح آفاق جديدة لها في الأسواق العالمية، وذلك من خلال الجهود المشتركة للجهات المعنية بالوزارة ومن بينها: الحجر الزراعي المصري، العلاقات الزراعية الخارجية، ومنظومة المعامل المرجعية المعتمدة التابعة لمركز البحوث الزراعية.
ووجه وزير الزراعة التهنئة إلى مركز البحوث الزراعية، والمعمل المركزي لتحليل متبقيات المبيدات والعناصر الثقيلة في الأغذية، والباحثين والعاملين به، لافتا إلى أهمية هذا التجديد في دعم حركة الصادرات الزراعية المصرية.
ومن جهته أكد الدكتور عادل عبد العظيم، رئيس مركز البحوث الزراعية، أن ذلك الاعتماد جاء نتيجة للمتابعة المستمرة وتوجيهات علاء فاروق وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، باستمرار العمل على رفع كفاءة المعامل وضمان جودة الخدمات المقدمة، وتنمية مهارات الباحثين والعلماء، وتقديم كافة سبل الدعم لهم.
ومن جانبها، أكدت الدكتورة هند عبد اللاه، مدير المعمل المركزي لتحليل متبقيات المبيدات والعناصر الثقيلة في الأغذية، أن ذلك الاعتماد يأتي وفقًا للقرار الإندونيسي رقم 1798 لسنة 2025، وهو نتيجة للجهود المشتركة والتعاون الوثيق مع الحجر الزراعي المصري، الذي كان نقطة الاتصال الرئيسية مع الجانب الإندونيسي، مشيرة إلى إجراء الحجر الزراعي المصري التفاوض واللقاءات المشتركة بالتنسيق مع مكتب التمثيل التجاري المصري في جاكرتا، مما أسهم في تحقيق هذا الإنجاز.
وقالت: إن الدور المحوري للمعمل في زيادة الصادرات المصرية من المنتجات الزراعية، يأتي نتيجة للدعم المستمر من وزير الزراعة لتسهيل نفاذ الصادرات المصرية إلى الأسواق العالمية، بالإضافة إلى دعم رئيس مركز البحوث الزراعية لتطوير المعمل وتوفير الإمكانيات اللازمة لمواصلة دوره الحيوي في منظومة التصدير وسلامة الغذاء.
وفي سياق متصل كشفت بيانات الحجر الزراعي المصري، عن حركة الصادرات الزراعية المصرية، خلال النصف الأول من العام الحالي، تقدم صادرات الموالح التي تصدرت القائمة بحوالي 1.8 مليون طن، تليها البطاطس بإجمالي 1.2 مليون طن، ما يؤكد على مكانتهما كمحاصيل تصديرية رئيسية بفضل جودتهما العالية.
كما أوضحت الإحصائيات أن صادرات مصر من البصل الطازج بلغت حوالي 168 ألف طن، والفاصوليا الطازجة والجافة 136 ألف طن، بينما وصلت البطاطا إلى 103 آلاف طن، لتحتل بذلك المركز الخامس ضمن قائمة الصادرات الزراعية المصرية. وشملت القائمة أيضاً محاصيل مهمة مثل العنب، الفراولة الطازجة، الثوم الطازج، الطماطم الطازجة، الجوافة، والرمان.
اقرأ أيضاًوزير الزراعة يشارك في اليوم الوطني لجمهورية الفلبين نيابة عن الحكومة المصرية
الزراعة تكثف جهودها لتعزيز الأمن الغذائي في ظل الأحداث الإقليمية الراهنة
وزير الزراعة: صادراتنا تجاوزت 5.2 مليون طن ونستهدف 10 ملايين بنهاية العام