يتركز الصراع أثناء الحرب الحالية في أماكن كثيرة في السودان. لكنه يأوي إلي “السودان المفيد”.هذا الجزء من البلاد الذي يحتوي على الموارد الطبيعية و الثروات الزراعية و الصناعية. و هو جزء كثيف السكان و يحتوي على العنصر البشري الأكثر تمدناً و قابليّة للعيش المشترك و التشرب بقيم الحرص على التعليم و العمل و الإنتاج .

الحرب الآن تتمحور حول المنطقة التي طالما وصفوها بمثلث حمدي في إشارة لخطاب منسوب بإصرار لوزير المالية السوداني الأسبق د. عبد الرحيم حمدي ، و هي التي تعني السيطرة عليها ؛ تحكماً في ثروات البلاد و شعبها المتجانس القابل للحكم و الأبعد عن قبول سرديّات التهميش و سهولة تأجيج الحرب ضد الدولة أو ضد بعضه البعض ، و المثلث فيما نُسب لقائله هو متساوي الأضلاع بين سنار و الأبيض و دنقلا. تاريخيّاً خلت هذه المناطق من الحرب و عاشت منذ دولة الفونج بشعور قومي متصل و متسامح. و مثّلت قلب السودان و خزّانه البشري في الخدمة المدنية و العسكرية.
الرئيس السوري المطرود بشار الأسد أطلق على المناطق التي سعى للسيطرة عليها ب : سوريا المفيدة ، و هي المناطق الغنية بالبشر و الموارد و تضم : حلب و دمشق و الساحل ، ثم سمح للفصائل المتمردة و المعارضة السنية بالتكوّم في إدلب التي لا يهمه السيطرة عليها “لقلة فائدتها”. لكن إنطلق المقاتلون من مناطقهم غير المفيدة للسيطرة على أراضيه المفيدة و منطقة الساحل. طالما كان مثلث حمدي منطقة موارد جغرافية و سكانية يسيل لها لعاب الساعين للسيطرة على حكم السودان منذ تمرد جون قرنق.

استراتيجيّا سمحت الأنظمة المتعاقبة لحكم السودان للمسلحين الأناركيين بالعيش خارج هذا المثلث و بالتالي خارج سياق الشرعية و الموارد. هذه الحرب التي تم لها التخطيط من الخارج هدفت لتوجيه ضربة موجعة للدولة السودانية في قلبها النابض. و انطلقت جموع العطاوة من خارج المثلث لتحتله و تمنع الدولة من التمتع بموارده في حربها، بل استغلال هذه الموارد السكانية و الإقتصادية و الموقع الإستراتيجي لإستكمال إسقاط الدولة. لكن الدولة صمدت بإعجوبة ـ و عاشت بلا قلب – لتحاول إسترداد هذا المثلث المفيد. بعضهم روّج للكلام المنسوب لعبد الرحيم حمدي بأنه عنصري و يحمل نوايا تقسيم البلاد من منظّر نظام إسلامي ( أو إسلامو عروبي ) لتحرّم أي نقاش علني حول الموضوع بوصمه بأنه تفكير شرير ، لكن المثلث هي رؤية إقتصادية و إستراتيجية نفعية و ديمغرافية تهم كل الأنظمة التي تريد أن تحكم من الخرطوم بغض النظر عن توجهاتها الفكرية و الإثنية.

و على النموذج السوري تسوّر المقاتلون من أقاليم خارج المثلث السعيد ليقوموا بإحتلاله و يتحمل الإقليم العبء الأكبر من الإنتهاكات و السرقة. من المهم عودة المثلث إلى سياق جدل الإنصهار القبلي و سهولة الخضوع للسلطة ، و إبعاده من جدال الهامش و العنصرية التي وُصم بها مجرد ذكر المثلث أو التفكير فيه.

د. عبد الرحيم حمدي أنكر أنه صاحب الفكرة ، لكنه رجل إقتصادي حقيق بأنه يكون هذا هو منهج تفكيره. و على النقيض تماماً ستكون طرائق التفكير التي تبحث عن النقاء العرقي في جبال النوبة أو الأنقسنا أو دولة النهر أو حتى الباحثة عن إنفصال دارفور ليكون تشاد التوأم. الجدوى الإقتصادية هي أكبر دعائم تكوين الدول و ليس العِرق كما ظنّت نخب الهامش و المركز التي تغض الطرف الآن عن مولودها الشرعي : دولة جنوب السودان لئلا يحاسبها الناس و ينتقدونهم على فشلهم المريع و يتسامحون معهم في مواصلة التبشير بالفكر الضال عديم الجدوى للذين حملوا رأيته بعد إنفصال الجنوب من أمثال عبد العزيز الحلو و مستشاره أبكر آدم إسماعيل.

عمار عباس

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

“أن تكون مع بوتين أفضل من الحرب”

عن سبب الاحتجاجات الشبابية الحاشدة في ألمانيا، كتبت ايكاتيرينا فولكوفيتسكايا، في “أرغومينتي إي فاكتي”:

صرّح ميرتس في برنامج ARD-Arena التلفزيوني بأنه يأمل في أن تنجح الحكومة الألمانية في استقطاب عدد كافٍ من الجنود للتطوع، وإلا، فستعود البلاد إلى الخدمة الإلزامية.

تعليقًا على ذلك، قال الباحث في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، أرتيوم سوكولوف: “يبلغ عدد أفراد الجيش الألماني حاليًا حوالي 188 ألفا؛ والهدف هو الوصول إلى 203 آلاف في البداية، ثم 250 ألف جندي في نهاية المطاف”. وأضاف: “مع ذلك، ورغم الحملة الإعلانية نشطة، فإن الوصول إلى هذا الرقم غير ممكن باستخدام أساليب التجنيد الحالية. فالعدد المطلوب من المتطوعين غير موجود ببساطة. يخشى المواطنون المشاركة في القتال بطريقة أو بأخرى، ويفضلون السعي لتحقيق ذواتهم في القطاع المدني. الخدمة العسكرية، التي قد تبدو جذابة من الناحية المالية أو المهنية، أقل شأنًا من العمل في الشركات الألمانية الكبرى أو الهيئات الحكومية أو غيرها”.

“الأسبوع الماضي، أقرّ البوندستاغ قانونًا يُحدّث نظام الخدمة العسكرية في ألمانيا، ويُلزم جميع الشباب البالغين السن القانونية بالتسجيل. وقد يُعاد فرض الخدمة الإلزامية: فإذا لم يكن هناك عدد كافٍ من المتطوعين، سوف يتم تحقيق هدف الـ 203 ألف جندي من خلال “الاختيار العشوائي”. وقد اندلعت بالفعل احتجاجات ضد ذلك. وهتف الشباب الذين احتشدوا في 90 مدينة في جميع أنحاء البلاد بشعار “العيش تحت حكم بوتين أفضل من القتال”.

“إذا فُرض التجنيد الإجباري، فقد تندلع احتجاجات أوسع نطاقًا في جميع أنحاء البلاد، مما سيُلحق الضرر بسمعة ميرتس أكثر فأكثر”.

روسيا اليوم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

Promotion Content

أعشاب ونباتات           رجيم وأنظمة غذائية            لحوم وأسماك

2025/12/13 فيسبوك ‫X لينكدإن واتساب تيلقرام مشاركة عبر البريد طباعة مقالات ذات صلة هجليج والمسيرية: التصفية والخطر الخارجي2025/12/12 الصحافة الصفراء2025/12/12 أرض تنتزع بالتصفيات … والبقارة في مرمى الصفقة الكبرى ل آل دقلو2025/12/12 الوزيرة الجنجويدية… هل يُفتح أخيراً ملف المتعاونين الذين عادوا إلى مؤسسات الدولة2025/12/12 الفيل … وضل الفيل2025/12/12 اتجاهات حكومية: ما بين الانتقال ومنع الصيانة2025/12/12شاهد أيضاً إغلاق رأي ومقالات حديث كرار عن الاستنفار والمقاومة الشعبية حديث كاذب 2025/12/12

الحقوق محفوظة النيلين 2025بنود الاستخدامسياسة الخصوصيةروابطة مهمة فيسبوك ‫X ماسنجر ماسنجر واتساب إغلاق البحث عن: فيسبوك إغلاق بحث عن

مقالات مشابهة

  • “الجهاد الإسلامي”: انطلاقة “حماس” أسست لمنعطف حاسم في تاريخ الصراع مع العدو الصهيوني
  • “الموارد البشرية” تطلق السياسة العامة للتنمية الشبابية
  • الفظائع التي تتكشّف في السودان “تترك ندبة في ضمير العالم”
  • العراق ضمن “عمالقة الموارد” والسادس عالميا وشعبه فقير بسبب الفشل والفساد والخيانة
  • ورقة “الأسير الأخير” في غزة
  • حاكم دارفور يحدد خطوات لإنهاء الحرب وإعادة بناء الدولة
  • سقوط هجليج
  • “أن تكون مع بوتين أفضل من الحرب”
  • بيتكوفيتش: “نحن المرشحون ولكن علينا أن نُظهر ذلك”
  • محنة التعريفات الجزئية الملتبسة..