متاعب الصحة العقلية في تزايد جراء الاختلالات التي تواجه مرافق الطب النفسي وأنشطتها، بالنظر إلى ظهور معدلات مرتفعة لاستعمال الأسرة قد تتجاوز في بعض الأحيان 100 في المائة في المؤسسات الاستشفائية.

كما يمكن أن تمتد مدة إقامة المرضى النفسيين  من أجل الاستشفاء في بعض الحالات إلى عدة سنوات تمتد من  5 إلى 10 سنوات أو حتى مدى الحياة بالنظر إلى تعقيد إجراءات خروجهم منها.

وفق التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم 2023-2024، يعرف العرض الصحي النفسي خصاصا من الناحية الكمية لعدد الأسرة في المؤسسات الاستشفائية للطب النفسي، إذ غالبا ما تعرف هذه الأخيرة تجاوزا لطاقتها الاستيعابية. وفق المعطيات التي كشف عنها التقرير،  شهد معدل إشغال أسرة الطب النفسي في مؤسسات تمت معاينتها ميدانيا في خمس جهات ارتفاعًا مستمرا، حيث انتقل من %88 سنة 2020 إلى 112% سنة 2022.

وترجع هذه الوضعية إلى قصور في تدبير العرض
الصحي أكثر من كونها نتيجة لعدم كفاية الأسرة.

وحسب المعطيات ذاتها، تمثل حالات الاستشفاء غير المناسبة hospitalisations inadequates) والتي تحد من عدد
الأسرة المتاحة، ما يقارب 25% من الطاقة الاستيعابية لأسرة الطب النفسي المتاحة.

وتتوزع هذه الحالات بين الأشخاص الذين تم إدخالهم إلى المستشفى في إطار مبادرة
« كرامة » (61) والأشخاص الذين صدرت بشأنهم أحكام تقضي بانعدام المسؤولية، والمصابين
بأمراض مزمنة الذين يوجدون في حالة رفض اجتماعي، والمشردين (39%).

ويؤدي هذا الاستعمال غير المناسب للأسرة إلى خفض الطاقة الاستيعابية، وإلى عدم الاستفادة سنويا مما يقارب 3.200 فرصة استشفاء، مع ما ينجم عن ذلك من تأخير أو حتى عدم إمكانية الاستفادة من العلاجات الصحية الاستشفائية بالنسبة للمرضى في حالة الطوارئ النفسية، فضلا عن تأثيره السلبي على البنية التحتية للمؤسسات الاستشفائية التدهور المستمر للأسرة والمرافق الصحية) وعلى جودة الخدمات الصحية المقدمة للمرضى.
وفقا لتقرير المجلس الأعلى دائما، أرجعت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية النسبة الكبيرة من حالات الاستشفاء غير الملائمة إلى الإقصاء الاجتماعي ورفض بعض العائلات التكفل بالمريض في ظل غياب مؤسسات الحماية الاجتماعية المتخصصة للاستجابة للحاجيات الاجتماعية الأساسية (الإيواء، الأكل، الملبس…) وللمساعدة على إعادة الإدماج الاجتماعي والعائلي والمهني لهذه الفئة.
وأضافت الوزارة أن الطعون التلقائية الصادرة عن النيابة العامة ضد مقررات خروج المرضى المحكوم عليهم بانعدام المسؤولية الجنائية تساهم في تعقيد هذه الوضعية.
كما سجلت حالات للاستشفاء بدون تشخيص نفسي دقيق، كما هو الحال بالنسبة للفئات التي يتم إدراجها ضمن خانة « أمراض أخرى » والتي تمثل ما يقارب 11 بما فيها حالات إيواء المشردين في مؤسسات الطب النفسي والذين لا تستدعي حالتهم الاستشفاء.

ويعزى هذا الوضع أساسا إلى اللجوء المهم إلى إجراءات الاستشفاء بدون رضى والذي حصره الظهير الشريف بشأن ضمان الوقاية من
الأمراض العقلية ومعالجتها وحماية المرضى المصابين (رقم 1.58.295 سالف الذكر من حيث
المبدأ، على الحالات التي يشكل فيها الأشخاص خطرًا على الآخرين أو على أنفسهم.

أشارت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية أن بعض حالات الاضطرابات المرضية المشتركة: الاضطرابات العصبية – النفسية (comorbidité psychiatrique-neurologique) المعقدة التي لا يمكن علاجها على مستوى مؤسسات الرعاية الصحية الأولية، يمكن التكفل بها بمؤسسات الامراض العقلية.
يكشف التقرير، حالات إعادة الاستشفاء في المتوسط ما يقارب 67% من حالات العلاج في المؤسسات الاستشفائية النفسية في القطاع العمومي، وقد تصل هذه النسبة إلى 90% في بعضها.

ويؤشر ارتفاع حالات إعادة الاستشفاء على عدم كفاية أنظمة التتبع بالنسبة للمرضى بعد الخروج من المؤسسات الاستشفائية من أجل ضمان تَعَافٍ مستدام لهم.
بالإضافة إلى ذلك، فإن إعادة الاستشفاء بصفة متكررة، وغالبًا في وضعية طوارئ، تؤدي إلى إقامة طويلة للمرضى بالمؤسسات الاستشفائية، تتراوح مدتها في المتوسط بين 26 و 30 يومًا في المؤسسات التي تمت معاينتها ميدانيا، مما يفسر جزئيًا المستوى المرتفع للمعدل المتوسط لملء الأسرة.

وفي هذا الصدد، يوصي المجلس الأعلى للحسابات وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، بوضع سياسة متكاملة ذات توجهات واضحة ، تأخد بعين الاعتبار الإشكاليات الكبرى لمنظومة الصحة العقلية لاسيما المتعلقة بتعزيز الصحة العقلية والوقاية من الأمراض النفسية وتطوير عرض صحي مناسب يلبي حاجيات الساكنة والمجالات الترابية.

ودعا المجلس أيضا إلى وضع إطار قانوني مناسب يراعي الطبيعة الخاصة للصحة العقلية، وإطار حكامة ملائم يشرك جميع المتدخلين في هذا المجال. مع الدعوة إلى إنشاء نظام للمراقبة والرصد الوبائي، استناداً إلى نظام معلومات فعال ومنسق، مع وضع وتنفيذ استراتيجية ملائمة للصحة العقلية متعددة القطاعات ترتكز على إعداد وتنفيذ مخطط لتعزيز الوقاية في مجال الصحة العقلية، ولا سيما من خلال وضع برنامج تواصل لتغيير الصورة النمطية السلبية للاضطرابات النفسية ولتعزيز الصحة العقلية، وإعداد وتنفيذ خطة لزيادة الوعي لدى المهنيين الصحيين غير المختصين، بضرورة الكشف المبكر عن الاضطرابات النفسية والعقلية وتوسيع التغطية الترابية للمراكز المخصصة للأطفال والشباب ومراكز الإدمان بالتعاون مع شركائها، وتزويدها

بالموارد اللازمة مع وضع برامج منظمة لتنمية المهارات النفسية والاجتماعية للمستفيدين.

وتعزيز العرض الصحي المخصص للصحة النفسية من خلال ضمان توزيع مجالي عادل للمؤسسات الصحية النفسية للقطاعين العام والخاص، واعتماد آليات تنظيمية وطنية وجهوية من أجل توفيرها في جميع أنحاء البلاد ومواصلة إدماج مصالح الصحة النفسية في المستشفيات العمومية وتطوير العرض الصحي على مستوى مؤسسات العلاجات المتنقلة.

 

كلمات دلالية الصحة العقلية المجلس الاعلى للحسابات المرض النفسي تقرير

المصدر: اليوم 24

كلمات دلالية: الصحة العقلية المجلس الاعلى للحسابات المرض النفسي تقرير المؤسسات الاستشفائیة الصحة العقلیة الطب النفسی فی المؤسسات العرض الصحی ما یقارب

إقرأ أيضاً:

«في اليوم العالمي للصحة النفسية»

 

«في اليوم العالمي للصحة النفسية»

أحمد التلب 

نتحدث في اليوم الطيب المبارك عن أهمية الوعي والدعم النفسي. يُحتفل باليوم العالمي للصحة النفسية في 10 أكتوبر من كل عام، وهو مناسبة هامة لرفع الوعي حول قضايا الصحة النفسية، وتسليط الضوء على أهمية الاعتناء بالصحة النفسية للأفراد في جميع أنحاء العالم. الهدف من هذا اليوم هو تقليل الوصم المرتبط بالأمراض النفسية، وتعزيز الدعم الاجتماعي والعاطفي للأشخاص الذين يعانون من تحديات نفسية، كما يهدف إلى التأكيد على أن الصحة النفسية جزء لا يتجزأ من الصحة العامة.

تم تأسيس اليوم العالمي للصحة النفسية في عام 1992 من قبل الاتحاد العالمي للصحة النفسية (WFMH) بهدف خلق مساحة للتوعية حول الأمراض النفسية ومخاطرها، وكذلك تقديم الدعم للأشخاص الذين يعانون منها. ومنذ ذلك الوقت، أصبح هذا اليوم فرصة لتجميع المجتمع الدولي حول قضية الصحة النفسية وتسليط الضوء على الإجراءات التي يجب اتخاذها لتحسين جودة حياة الأفراد المصابين بالأمراض النفسية.

تُعتبر الصحة النفسية عنصراً حيوياً في حياة الإنسان، فهي تتعلق بالقدرة على التعامل مع التحديات اليومية، والحفاظ على العلاقات الإيجابية، والشعور بالسلام الداخلي. ولا تقتصر على غياب الأمراض النفسية فقط، بل تشمل أيضاً القدرة على التكيف مع ضغوط الحياة والشعور بالراحة النفسية والرفاهية. إن الأمراض النفسية مثل الاكتئاب والقلق والاضطرابات النفسية الأخرى أصبحت أكثر شيوعاً في جميع أنحاء العالم. ووفقاً لتقارير منظمة الصحة العالمية، يعاني حوالي واحد من كل أربعة أشخاص من نوع من أنواع المرض النفسي في مرحلة ما من حياتهم، وعليه فإن تعزيز الوعي بشأن هذه الأمراض والبحث عن طرق للوقاية والعلاج أصبح أمراً بالغ الأهمية.

رغم أن التقدم في مجالات الطب وعلم النفس قد أدى إلى تحسين القدرة على معالجة الأمراض النفسية، إلا أن العديد من الأشخاص ما زالوا يتعرضون للوصم الاجتماعي بسبب مرضهم النفسي. لا يزال بعض الناس يشعرون بالخجل أو العار بسبب اضطراباتهم النفسية، مما يجعلهم يتجنبون طلب المساعدة. وتشير الأبحاث إلى أن الوصم الاجتماعي المتعلق بالصحة النفسية يمكن أن يؤدي إلى عزلة اجتماعية وتدهور في الحالة النفسية للفرد. لذلك، فإن نشر الوعي وتغيير المفاهيم الخاطئة حول الصحة النفسية أمر أساسي لتشجيع الأفراد على التحدث عن مشكلاتهم النفسية وطلب المساعدة دون خوف من الأحكام الاجتماعية.

اليوم العالمي للصحة النفسية يهدف إلى رفع الوعي بأهمية الصحة النفسية وتأثيرها على الحياة اليومية، والعمل على محاربة الوصم المرتبط بالأمراض النفسية وتشجيع الأشخاص على طلب الدعم والعلاج. كما يسعى إلى تسليط الضوء على أهمية توفير العلاج النفسي ووسائل الوقاية من الأمراض النفسية في المجتمعات، إضافة إلى مساعدة الأشخاص الذين يعانون من مشاكل نفسية على فهم أن مشكلاتهم قابلة للعلاج وأنهم ليسوا وحدهم.

هناك العديد من الطرق التي يمكن من خلالها أن نساهم في تعزيز الوعي بالصحة النفسية خلال هذا اليوم وغيره من الأيام. من أبرزها المشاركة في ورش العمل أو الفعاليات التي تتناول قضايا الصحة النفسية، والتعلم حول كيفية التعرف على علامات الاضطرابات النفسية وطرق تقديم الدعم للآخرين. كما يمكننا أن ندعم من يمرون بتحديات نفسية من خلال الاستماع إليهم والاهتمام بهم بما يعزز شعورهم بالأمان والقبول. ولا يقل أهمية عن ذلك العمل على رفع الوعي بضرورة تحسين خدمات الصحة النفسية، سواء من خلال الضغط على الحكومات أو عبر مبادرات المجتمع. كذلك، فإن فتح الحوار حول الصحة النفسية يساعد على التخلص من التوترات الاجتماعية المحيطة بالموضوع ويشجع الأشخاص على التحدث عن مشاعرهم وأفكارهم دون خوف.

في الختام، اليوم العالمي للصحة النفسية هو فرصة فريدة للتركيز على أهمية الاهتمام بالجانب النفسي ورفع الوعي بالتحديات التي يواجهها الكثيرون في هذا المجال. علينا أن نتذكر دائماً أن الصحة النفسية ليست أقل أهمية من الصحة الجسدية، وأن دعم الأفراد الذين يعانون من مشاكل نفسية هو واجب اجتماعي وأخلاقي. في هذا اليوم المبارك، دعونا نتذكر أن الاعتناء بالصحة النفسية حق للجميع، وأن التغيير يبدأ من كل واحد منا.

إهداء:
إلى السودان الحبيب بكل مدنه وقراه.
إلى الهلالية، مدينتي الجميلة التي نالت شرف معنى كلمة الصبر.
إلى الأمهات والآباء، ملائكة الرحمة، وإلى أمهات ذوي الاحتياجات الخاصة، سائلاً الله أن يكون لهم عوناً وسنداً وقوة.

 

الوسومأحمد التلب الدعم و العلاج في اليوم العالمي للصحة النفسية ورش العمل وصمة العار

مقالات مشابهة

  • تريلا تدهس توك توك أعلى كوبري بدمياط ومصرع شخص جراء الحادث
  • “الصحة العالمية”: آثار الحرب في غزة على الصحة النفسية ستستمر سنوات وقد تكون مدى الحياة
  • حالات لايجوز فيها إعفاء عربات الطعام المتنقلة من ضريبة الأرباح 3 سنوات
  • الصحة: الأوضاع الصحية والإنسانية بغزة تتطلب استجابة طارئة
  • محافظ الدقهلية يشدد على سرعة التعامل مع المرضى فور الوصول إلى المستشفيات
  • الأقصر: ندوة بوحدة سكان الطود تناقش تأثير الصحة النفسية على جودة الحياة
  • لبنان: شهيد وسبعة مصابين جراء غارة لجيش الاحتلال على منطقة المصيلح
  • إطلاق دليل سلامة المرضى بأقسام حديثى الولادة
  • «في اليوم العالمي للصحة النفسية»
  • تدريب 35 من الفريق الطبي بمستشفى الصحة النفسية ببني سويف على معايير الجودة وسلامة المرضى